مقدمة:
شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي سلسلة مكثفة من الغارات الجوية والقصف المدفعي في جميع أنحاء قطاع غزة ما بين 12 – 14 نوفمبر 2019. وقد بدأت هذه الجولة التصعيدية بعد اغتيال قوات الاحتلال لبهاء أبو العطا، قيادي في سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الاسلامي. وقتل أبو العطا خلال استهداف طائرات الاحتلال لمنزله في حي الشجاعية، مما أدى أيضاً الى مقتل زوجته وإصابة اربعة من أبنائه وثلاثة آخرين.[1] ردت سرايا القدس على حادثة الاغتيال بإطلاق رشقات صاروخية على اسرائيل، مما أدى الى تصعيد الوضع في قطاع غزة لعدة أيام. ويشكل هذا التصعيد الثالث من نوعه الذي يشهده القطاع هذا العام، وخلال فترة إعداد التقرير، وثق المركز الفلسطيني لحقوق الانسان مقتل 33 فلسطينياً بفعل الغارات الإسرائيلية، منهم 15 مدنياً؛ 8 أطفال و3 نساء، فيما أصيب 61 فلسطينياً، منهم 54 مدنياً.[2]
على الرغم من أن الغالبية العظمى للهجمات الإسرائيلية تركزت ضد أهداف عسكرية تابعة للجهاد الاسلامي، إلا أن قوات الاحتلال الإسرائيلي استهدفت منازل مدنية، مزرعة دواجن، منجرة، محل تجاري، قوارب شرطة وأراضٍ زراعية. ووفقاً لتحقيقات المركز، دمرت 8 منازل بشكل كلي فيما أصيبت 37 منازل أخرى بأضرارٍ جزئية، بالإضافة إلى استهداف 4 منشآت تجارية. وقد قدرت وزارة الأشغال العامة والإسكان الخسائر الكلية في فترة التصعيد بما يزيد عن 3.1 مليون دولار أمريكي.[3]
بالإضافة إلى ذلك، اتخذت إسرائيل عدة إجراءات ضمن سياسة العقاب الجماعي التي تتخذها ضد سكان قطاع غزة رداً على الصواريخ التي أطلقت على أراضيها. في 12 نوفمبر 2019، أعلن منسق أعمال الحكومة في المناطق “على خلفية الوضع الأمني”، عن إغلاق المعبرين الحدوديين الوحيدين بين قطاع غزة وإسرائيل: معبر بيت حانون “إيريز”، شمال القطاع، المخصص لحركة الأفراد المحددة فئاتهم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك المرضى، ومعبر كرم أبو سالم، جنوب القطاع، وهو المعبر التجاري الوحيد المخصص لحركة البضائع.[4] كما أعلن المنسق عن تقليص مساحة الصيد المسموح بها إلى 6 أميال بحرية حتى إشعار آخر.
تعتبر هذه الجولة من التصعيد هي الثالثة التي تحدث خلال هذا العام. حدثت الجولة الأخيرة من التصعيد في الفترة ما بين 3-6 مايو 2019، وقُتل خلالها ثلاثة عشر مدنياً فلسطينياً، منهم 3 نساء وطفل، خلال الغارات التي شنتها قوات الاحتلال،[5] فيما جرت الجولة الأولى في الفترة من 25 إلى 26 مارس 2019، والتي أصيب فيها مدنيان فلسطينيان بجروح بقعل الغارات الجوية الإسرائيلية.[6] في كلا التصعيدين، واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي سياستها في استهداف المباني السكنية وكذلك منازل المدنيين في انتهاكٍ للقانون الإنساني الدولي.
الإعتداءات الاسرائيلة ضد المدنيين والأعيان المدنية:
يُركز هذا التقرير على استهداف قوات الاحتلال الاسرائيلي للمدنيين الفلسطينيين والأعيان المدنية في قطاع غزة في فترة 12 – 14 نوفمبر 2019، وترتكز المعلومات المقدمة على تحقيقات فريق المركز والزيارات الميدانية.
مدينة غزة:
المنطقة الوسطى:
خانيونس:
رفح:
التحليل القانوني:
عائلة السواركة
تقدم اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي على المدنيين والأعيان المدنية دليلاً جديداً على استمرار إسرائيل بعدم احترام مبادئ القانون الإنساني الدولي وبخاصة مبدأ التمييز. يستلزم مبدأ التمييز وجوب منع الاستهداف الخاطئ والتقليل كحد أدنى من الوفاة العرضية والإصابة والتدمير فيما يتعلق بالأشخاص والأشياء المحمية من الهجمات المباشرة.[8]
كان استهداف عائلة السواركة، والذي أدى إلى مقتل 8 مدنيين، من بينهم 5 أطفال، مبنياً على معلومات استخباراتية غير محدثة صنفت المبنى على أنه “هدف للبنية التحتية”، مما يعني أن الاستهداف كان لأهمية هذا الموقع وليس الغرض منه استهداف اشخاص تابعين له.[9] كان الموقع المستهدف عبارة عن أكواخ من الصفيح، وهو هدف حتى لو استخدمه الجهاد الإسلامي فلن يكون له أهمية كبيرة أو يضر بقدراته. في هذه الحالة، يجب أن تتخذ قوات الاحتلال الإسرائيلي، الطرف المهاجم، جميع الاحتياطات المستطاعة قبل الهجوم في حالة وجود مدنيين من أجل تجنب وقوع أكبر قدر ممكن من الضرر العرضي بالمدنيين. تُعرَّف الاحتياطات المستطاعة بأنها “الاحتياطات العملية أو الممكن اتخاذها عملياً مع مراعاة جميع الظروف السائدة في ذلك الوقت، بما في ذلك الاعتبارات الإنسانية والعسكرية.”[10] من بين العوامل التي يجب أخذها في الاعتبار المعلومات الاستخباراتية المتاحة والضرورة العسكرية.[11] نظراً لاستناد المعلومات التي كانت لدى قوات الاحتلال الإسرائيلي وقت الهجوم إلى معلومات استخبارية غير محدثة ولم يكن الهدف ذا أهمية عسكرية، كان يجب على قوات الاحتلال الإسرائيلي اتخاذ احدى الاحتياطات اللازمة من خلال إصدار تحذير مسبق فعال على الأقل.
ووفقاً لتحقيقات المركز، كانت عائلة السواركة تعيش في نفس المكان منذ عام 2005 عند انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة، وقد علم المركز أن 21 فردًا من عائلة السواركة يعيشون في المبنى. فلو قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بالتحقيقات الكافية قبل الهجوم، لوجدت أن المبنى مدنياً. ومع ذلك، فإن إهمال إسرائيل بتحديث معلوماتها الاستخباراتية هو دليل على استخفاف إسرائيل بحياة المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة.
لم تكن حادثة عائلة السواركة هي الحالة الوحيدة التي أسفرت فيها الهجمات الإسرائيلية عن مقتل مدنيين رغم عدم تواجد أي نشطاء عسكريين أو أي نشاط عسكري في المنطقة. خلال فترة إعداد التقرير، قُتل ثلاثة أفراد من عائلة عياد، أحدهم طفل، بينما كانوا يستقلون دراجة نارية. وفي التصعيد السابق في شهر مايو، فشلت قوات الاحتلال الإسرائيلي في حادثتين تم فيها توجيه تحذير لسكان مبنيين مدنيين، البرج رقم 12 من أبراج الشيخ زايد في شمال قطاع غزة ومبنى زعرب 2 في رفح، مما أدى إلى مقتل تسعة مدنيين. ووفقًا للمادة 51 (5) من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف، تحظر الهجمات العشوائية، وتضمن الهجمات العشوائية: ” الهجوم الذي يمكن أن يتوقع منه أن يسبب خسارة في أرواح المدنيين أو إصابة بهم أو أضراراً بالأعيان المدنية، أو أن يحدث خلطاً من هذه الخسائر والأضرار، يفرط في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة.” بالإضافة إلى ذلك إن شن هجمات عشوائية بما يؤدي لمقتل وإصابة مدنيين يرقى إلى جريمة حرب في حالات تشهد تنفيذ مثل تلك الهجمات على نحو طائش.”[12]
الاعتداءات ضد الأعيان المدنية
استمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي باستهداف الأعيان المدنية خاصةً منازل المدنيين خلال جولة التصعيد الأخيرة بخلاف سابقتها في مايو 2019 التي شملت استهداف وتدمير منشآت تجارية وسكنية بشكل كلي. يوثق هذا التقرير استهداف قوات الاحتلال الاسرائيلي لعشرة منازل مدنية بخلاف منزل بهاء أبو العطا؛ 6 منهم تم تدميرهم بشكل كلي في حين أن الأربعة المتبقين تعرضوا لتدمير جزئي. وقد تبين من تحقيقات المركز أن قوات الاحتلال قد فشلت في معظم الغارات بإعطاء تحذير مسبق وملائم، باستثناء ثلاث هجمات جوية. وجب التوضيح بأنه لا يحق لطرف من أطراف النزاع إلحاق أضرار او تدمير أملاك مدنية إن كان الدمار الملحق يفوق الفائدة العسكرية المرجوة. هذا وتعتبر المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 “”تدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية وعلى نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية” مخالفة جسيمة لاتفاقيات جنيف وقد يرتقي الى جريمة حرب وفق مادة 8.2.ب.2 من ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية.
الخلاصة:
تشكل الهجمات على قطاع غزة خلال الفترة المشمولة بالتقرير انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي وقد ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، وعليه فإنها تخضع لولاية المحكمة الجنائية الدولية. وبالتالي، ينبغي لمكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية النظر في الاعتداءات الاسرائيلية التي وقعت خلال هذه الجولة التصعيدية، بالإضافة للاعتداءات السابقة، في تحقيقها المرتقب في الوضع في فلسطين، والذي أصبح ضرورة حتمية.
كما ذكر أعلاه، اعلنت قوات الاحتلال فتح تحقيق في الهجوم الذي اودى بحياة عائلة السواركة في دير البلح، لكن على الرغم من ذلك واستنادا إلى خبرة المركز في العمل مع التحقيقات الإسرائيلية، فان تحقيق المسائلة بعيد المنال. هذا وقد فشلت اسرائيل بإجراء تحقيق جدي في الانتهاكات العديدة التي ارتكبتها خلال ثلاث عمليات عسكرية دموية ومدمرة ضد قطاع غزة في غضون ست سنوات، تماهياً مع تحقيقاتها في مظاهرات مسيرة العودة. وقد حاولت إسرائيل كما عهدناها تبرير قتل واصابة المدنيين وتدمير الأعيان المدنية بادعائها موافقة هجماتها للقانون الانساني الدولي. هذه الممارسات الاسرائيلية تعزز الحاجة الملحة للمحكمة الجنائية لمباشرة التحقيق الفعلي للوضع في فلسطين وفتح تحقيق رسمي في الانتهاكات التي قد ترتقي الى جريمة حرب وجرائم ضد الانسانية منذ تاريخ 13 يونيو 2015، وهو تاريخ قبول فلسطين لولاية المحكمة الجنائية الدولية.[13]
———————————————————
[1] المركز الفلسطيني لحقوق الانسان ” في جريمة أخرى من جرائم القتل خارج إطار القانون” الاغتيال” قوات الاحتلال تقتل بطائراتها الحربية أحد قادة سرايا القدس وزوجته شرق غزة” 12 نوفمبر 2019، https://pchrgaza.org/ar/?p=17965
[2] المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، ” التقرير الأسبوعي حول الانتهاكات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينيــة المحتلــة (07 – 13 نوفمبر 2019)” 14 نوفمبر 2019، https://pchrgaza.org/ar/?p=17991
[3] وزارة الأشغال العامة والاسكان، “سرحان : خسائر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بلغت 3.1 مليون دولار” 18 نوفمبر 2019، http://www.mpwh.ps/article/read/508?fbclid=IwAR3Ngwz2VK_9FKOYdYZJAoT2GLNxSiuFCbyrUL6pVhDJ7WhngDFngYaHgto
[4] صحيفة هآريتس، “مع بدأ يوم جديد من العنف، يستعد سكان قطاع غزة وإسرائيل للتصعيد،” 12 نوفمبر 2019 https://www.haaretz.com/israel-news/.premium-as-a-day-of-violence-unfolds-gazans-and-israelis-near-the-strip-gird-for-escalation-1.8121429
[5] راجع موقع المركز، ” تقرير ميداني: الإعتداءات الإسرائيلية على المدنيين والمباني المدنية في قطاع غزة (فترة التقرير: 03-06 مايو 2019): https://pchrgaza.org/ar/?p=17385
[6] راجع موقع المركز، “التقرير الأسبوعي حول الانتهاكات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة (21- 27 مارس 2019)، 28 مارس 2019: https://pchrgaza.org/ar/?p=16965
[7] هآرتس، الجيش الاسرائيلي يعترف بقتل 8 أفراد من عائلة واحدة في غزة: كنا نعتقد ان المنزل فارغ” 15 نوفمبر 2019، https://www.haaretz.com/middle-east-news/palestinians/.premium-israeli-army-admits-strike-that-killed-palestinian-family-intended-for-empty-house-1.8129435
[8] اللجنة الدولية للصليب الأحمر، “القانون الدولي الإنساني: مقدمة شاملة”:
file:///C:/Users/tran/Downloads/4231_004-IHL_WEB%20(1).pdf
[9] موقع بال توداي نقلاً عن صحيفة هآريتس،”صحيفة عبرية تنشر تحقيقاً عن مجزرة عائلة السواركة”، 16 نوفمبر: http://paltoday.tv/post/113092/%D8%B5%D8%AD%D9%8A%D9%81%D8%A9-%D8%B9%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%86%D8%B4%D8%B1-%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7-%D8%B9%D9%86-%D9%85%D8%AC%D8%B2%D8%B1%D8%A9-%D8%B9%D8%A7%D8%A6%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%A9
[10] المادة 3 من البروتوكول المتعلق بحظر أو تقييد استعمال الألغام والأشراك الخداعية والنبائط الأخرى، البروتوكول الثاني بصيغته المعدلة في 3 مايو/ آيار 1996.
[11] تي جيل و دي فليك، ” كتيب القانون الدولي للعمليات العسكرية،” (جامعة أوكسفورد بريس، 2015)، صفحة 321.
[12] راجع، على سبيل المثال، المحكمة الدولية لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي التي ارتكبت في إقليم يوغوسلافيا السابقة منذ عام 1991، المدعي العام ضد ستانيسلاف غاليتش، القضية رقم IT-98-29-T، الحكم الصادر في 5 ديسمبر 2003، الفقرة 54، صفحة 439.
[13] المحكمة الجنائية الدولية، فلسطين تعلن قبولها اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بدءً من 13 حزيران/يونيو 2014، 5 يناير 2015، https://www.icc-cpi.int//Pages/item.aspx?name=pr1080&ln=Arabic