المرجع: 58/2017
التاريخ: 12 يوليو 2017
التوقيت: 11:00 بتوقيت جرينتش
يعرب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عن قلقه الشديد من تفاقم أزمة الكهرباء في قطاع غزة على نحو غير مسبوق، ويحذر بشدة من تداعياتها الكارثية على الأوضاع الانسانية المتدهورة أصلاً. ويؤكد المركز أن انقطاع الكهرباء لمدة تزيد عن 20 ساعة يومياً منذ أكثر من 3 شهور حول حياة السكان في منازلهم وأماكن عملهم إلى جحيم، وحرمهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي في ظل ارتفاع درجات الحرارة ونسبة الرطوبة في أجواء القطاع. كما أدى تفاقم أزمة الكهرباء إلى تدهور متسارع في مستوى كافة الخدمات الأساسية للمواطنين، وخاصة الخدمات الصحية، خدمات صحة البيئة، بما فيها إمدادات مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي، وأدى كذلك إلى تدهور غير مسبوق في عمل المنشآت الصناعية والتجارية، وتسبب في مزيد من التدهور الاقتصادي الذي يعاني منه القطاع.
وقد تفاقمت أزمة الكهرباء في أعقاب طلب السلطة الفلسطينية من سلطات الاحتلال الاسرائيلية تقليص إمدادات الكهرباء إلى قطاع غزة، وتخفيض مدفوعاتها الشهرية المخصصة لدفع فواتير إمدادات الكهرباء من “إسرائيل”، وقد استجابت السلطات المحتلة للطلب وخفضت كمية الطاقة الكهربائية بنسبة 41.6%، حيث أصبحت كمية الطاقة الكهربائية الواردة من الخطوط الاسرائيلية 70 ميجا وات بعد أن كانت 120 ميجا وات، وتزامن ذلك مع توقف محطة الكهرباء عن العمل بسبب نفاد كميات الوقود اللازم لتشغيلها، وإصرار الحكومة في رام الله على فرض الضرائب على الوقود، كما تزامن مع استمرار تعطل الخطوط المصرية التي كانت تمد القطاع بنحو 35 ميجا وات.
وفي محاولة للتخفيف من أزمة الكهرباء المتفاقمة بدأ بتاريخ 21/6/2017 توريد السولار المصري لمحطة توليد الكهرباء عبر معبر رفح الحدودي بعد التفاهمات التي تم التوصل إليها مسبقاً في القاهرة، والقاضية بشراء سلطة الطاقة في غزة للسولار من الجانب المصري مباشرة، وعلى أثر ذلك تم تشغيل محطة الكهرباء، ودخلت الخدمة بقدرة ثلاثة مولدات تنتج 70 ميجا وات. وفي تطور خطير، أعلنت سلطة الطاقة في غزة بتاريخ 8/7/2017، عن توقف مولدين في محطة توليد الكهرباء، وانخفاض طاقتها الإنتاجية إلى 20 ميجا وات فقط، وذلك بسبب توقف توريد السولار المصري. وقد حملت سلطة الطاقة في غزة المسؤولية للسلطة الفلسطينية في رام الله التي أوعزت لسلطة النقد الفلسطينية بوقف التحويلات المالية عبر البنوك الفلسطينية المخصصة لشراء الوقود من مصر. وتزامن ذلك مع استمرار التقليص الاسرائيلي لإمدادات الكهرباء وتعطل الخطوط المصرية. وأدى ذلك الى تفاقم أزمة الكهرباء على نحو غير مسبوق حيث تقلصت ساعات وصل الكهرباء إلى مدة تتراوح ما بين 2 إلى 4 ساعات يومياً فقط، مقابل نحو 20 ساعة قطع، ومن دون جدول منتظم أو مواعيد محددة.
ووفقاً لشركة توزيع الكهرباء في غزة، تبلغ احتياجات القطاع من الطاقة الكهربائية حالياً 500 ميجا وات، متوفر منها 90 ميجا وات (18%) فقط، فيما بلغ العجز 410 ميغاوات (82%)، وأشارت الشركة إلى أن الكهرباء المتوفرة هي من الخطوط الاسرائيلية التي تمد القطاع بـ 70 ميجا وات، ومحطة التوليد التي تعمل بمولد واحد بقدرة 20 ميجا وات، أما الخطوط المصرية فهي متعطلة.
وفي ظل أزمة الكهرباء المستمرة، والمتفاقمة باضطراد، بات من المؤكد أن أطراف الصراع السياسي الفلسطيني ترتهن المواطنين وتضحي بحقوقهم الأساسية من أجل تحقيق مصالح سياسية لهذا الطرف أو ذاك. ويبدو أن الاجراءات الجائرة التي اتخذتها السلطة الفلسطينية لتعطيل أية حلول لأزمة الكهرباء تهدف للتضييق على سكان قطاع غزة، وهو ما عبر عنه بوضوح د. محمد اشتية، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، حيث صرح في برنامج حال السياسة المذاع على فضائية فلسطين بتاريخ 9/7/2017 بما يلي: “هناك اجتهادات في أن الاجراءات التي تقوم بها السلطة قد تؤدي إلى تفجير الوضع في قطاع غزة، وبالتالي الاخوة في مصر يقوموا ببعض عمليات التنفيس هنا وهناك. بيت القصيد نحتاج لقضيتين أولاً لا نريد تنفيس اجراءاتنا من جانب. من جانب آخر أي اجراء مصري يجب أن يكون منسق مع القيادة الفلسطينية”.
ويتسبب انقطاع التيار الكهربائي لمعظم ساعات اليوم، في تداعيات خطيرة على حياة السكان، ويهدد بشكل مباشر كافة الخدمات الأساسية والتي لا تستقيم حياتهم بدونها، كما كبد اقتصاد القطاع، وخاصة أصحاب المنشآت الصناعية والتجارية والمزارعين ومربي الدواجن والحيوانات خسائر فادحة.
فقد اضطرت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة في إلى تقليص خدماتها التشخيصية والمساندة بسبب تفاقم أزمة انقطاع الكهرباء والنقص الحاد للوقود اللازم لتشغيل مولدات المستشفيات. وأفاد الناطق باسم الوزارة د. أشرف القدرة، أن منحة الوقود المخصصة لتشغيل مولدات المستشفيات والمراكز الطبية في قطاع غزة قاربت على النفاذ، ومن شأن ذلك الانعكاس سلباً على الأوضاع الصحية، ويؤدي إلى توقف عمل 40 غرفة عمليات جراحية، و11 غرفة عمليات نساء وولادة، إضافة إلى توقف 50 مختبر طبي و10 بنوك دم. كما حذر من تداعيات الأزمة على الحالة الصحية لمرضى أقسام العناية الفائقة، وحضانات الأطفال، وأقسام غسيل الكلى. ونوه إلى أن الأزمة تؤثر على سلامة مئات الأدوية الحساسة، والمواد المخبرية، والتطعيمات المحفوظة في الثلاجات؛ إضافة لتأثيرها على أقسام الطوارئ في المستشفيات وحرمان المرضى من الخدمة الصحية الآمنة لهم.
كما انعكست أزمة الكهرباء سلباً على تقديم الحد الأدنى من خدمات المياه والصرف الصحي للمواطنين في القطاع، وباتت تخلق أزمات كبيرة في إمدادات مياه الشرب وانقطاعها لفترات طويلة تجاوزت 4 أيام عن العديد من المناطق، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وضخها إلى البحر من دون معالجة. وقد أفاد بهاء الدين الأغا مدير عام حماية البيئة أن 50 % من شواطئ بحر القطاع باتت ملوثة بفعل ضخ مياه الصرف الصحي غير المعالجة إليها، وحذر من وصول نسبة تلوث شاطئ بحر غزة إلى 70% في ظل اشتداد أزمة الكهرباء. وأضاف أن نسبة التلوث العالية في بحر غزة تجعله غير مؤهل للاستجمام والسباحة ويهدد سكان القطاع بعدد من الأمراض. وأكد الأغا أن تصريف مياه الصرف الصحي بدون معالجة قد يتسبب أيضاً بتلوث خزان المياه الجوفية الرئيسي الوحيد لسكان القطاع كمصدر للمياه.
كما أدى انقطاع الكهرباء لساعات طويلة إلى تدهور العمل في المنشآت الاقتصادية التي تعتمد في آلية انتاجها على الطاقة الكهربائية، وأدى ذلك إلى مزيد من التدهور الاقتصادي الذي يعاني منه القطاع. فقد شهد القطاع التجاري ركوداً حاداً بسبب ضعف القوة الشرائية ونتيجة الأعباء المالية التي يتحملها أصحاب المتاجر للصرف على وسائل الكهرباء البديلة. وعلى صعيد القطاع الصناعي أدى انقطاع التيار الكهربائي إلى زيادة تكلفة الإنتاج وانخفاض الطاقة الإنتاجية للمصانع، وقد نجم عن ذلك توقف العمل في عشرات المصانع الموسمية لهذا الصيف بشكل كامل خاصة في صناعة الايس كريم والمثلجات والعصائر. كما انعكس انقطاع الكهرباء سلباً على عمل مزارع الدواجن وعمليات الإنتاج والتفريخ، ومطاحن القمح ومصانع الأعلاف ومصانع منتجات الألبان.
إن المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، إذ يشدد أن قطاع غزة ما زال اقليماً محتلاً، ويترتب على سلطات الاحتلال مسئوليات تجاهه، فإنه يطالب السلطات المحتلة بالوفاء بالتزاماتها القانونية تجاه سكان القطاع المدنيين، كونها سلطات محتلة بموجب قواعد القانون الإنساني الدولي، والعمل على كفالة وصول كافة الخدمات الأساسية الضرورية اللازمة لحياة سكانه، بما في ذلك إمدادات الوقود اللازم لإعادة تشغيل محطة كهرباء غزة والطاقة الكهربية.
كما يطالب الأطراف المسئولة عن إدارة ملف الكهرباء بعدم زج المواطنين في أتون الصراع السياسي، وعدم التضحية بحقوقهم من أجل مصالح سياسية لأي طرف من الأطراف، ويدعو الأطراف المسئولة عن إدارة ملف الكهرباء في غزة ورام الله إلى سرعة حل الأزمة الحالية لتجنيب القطاع المزيد من التدهور، ويحذر من العواقب الوخيمة المترتبة على استمرار الأزمة على كافة القطاعات الحيوية، بما فيها الخدمات الأساسية التي يحتاجها 2 مليون فلسطيني من سكان القطاع، كإمدادات مياه الشرب، تعطل المرافق الصحية، بما فيها المستشفيات والمراكز الطبية وعمل محطات الصرف الصحي وقطاع التعليم.