تقرير رقم 10
مقدمـــــة
يهدف هذا التقرير إلى الوقوف على جرائم قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بحق الأراضي الزراعية والمنازل السكنية والممتلكات المدنية الفلسطينية. فمنذ بداية الانتفاضة في التاسع والعشرين من العام 2000، وحتى تاريخ إعداد هذا التقرير، تواصل تلك القوات وبشكل ممنهج تدمير الممتلكات المدنية وتجريف الأراضي الزراعية وهدم المنازل السكنية في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويقتصر هذا التقرير – وهو العاشر الذي يصدره المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان – على عمليات التجريف والهدم التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكل متواصل في قطاع غزة. [1] ويغطي الفترة ما بين 1/4/2003-30/4/2004. فوفقا لتوثيق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان خلال تلك الفترة، جرفت قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة ما مجموعه 6424 دونماً، من الأراضي الزراعية، فيما قامت بهدم وتجريف العشرات من شبكات الري وماتورات المياه التابعة للأراضي الزراعية، كما طالت أعمال الهدم ممتلكات السكان من الثروة الحيوانية كخلايا النحل المنتجة للعسل وحظائر الحيوانات والطيور، وأتت أيضا على عدد كبير من مخازن المزارعين وأسوار المزارع وبعض البيوت المصنوعة من الصفيح.
وخلال الفترة نفسها، هدمت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي 803 منزلاً سكنياً بشكل كلي، فضلاً عن مئات المنازل التي أصيبت بأضرار جزئية مختلفة.[2] وقد أسفرت عمليات هدم المنازل السكنية عن تشريد سكانها دون أي نوع من الإخطار المسبق، ودون أن يتمكنوا من نقل ممتلكاتهم من داخل منازلهم. وقد خلفت تلك العمليات غير القانونية واقعاً إنسانياً مأساوياً لشاغليها، كونها كانت تتم في ظروف مفاجئة لهم ودون أي إبلاغ أو تحذير مسبق من قبل قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي. وأصبح حوالي 6554 شخصاً بدون مأوى، بواقع 950 عائلة، حيث أصبحوا بحاجة ماسة لتوفير احتياجاتهم الرئيسية من الغذاء والملابس والرعاية الصحية والمأوى المناسب.
وبهذا تصبح مساحة ما جرفته قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي من الأراضي الزراعية منذ بداية انتفاضة الأقصى وحتى نهاية شهر أبريل 2004، حوالي 22892دونماً، أي قرابة 14.6% من مجموع الأراضي الزراعية للقطاع، فيما بلغ مجموع المنازل التي هدمتها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بشكل كلي حوالي 1867منزلاً. وقد خلفت عملية هدم المنازل تشريد وتشتيت حوالي 16497 شخصاً، أصبحوا يعيشون بدون مأوى، وذلك بواقع 2371 عائلة.
محافظة رفح شكلت حالة كارثية ونموذجاً صارخاً لعمليات هدم وتدمير منازل السكان المدنيين على مستوى الأراضي الفلسطينية المحتلة. فقد دمرت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي، منذ بداية انتفاضة الأقصى وحتى 30/4/2004، حوالي 1059 منزلاً تدميراً كلياً فيها، وتعرضت مئات المنازل والوحدات السكنية لعمليات تدمير جزئية، أصبح معظمها غير صالح للسكن. وقد شكلت الفترة التي يغطيها التقرير نموذجاً تصعيدياً سافراً في ارتفاع حجم عمليات الهدم والتدمير للمنازل في هذه المحافظة، حيث دمرت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي 487 منزلاً فيها، وهو ما يشكل حوالي 46% من إجمالي المنازل التي هدمت منذ بداية إنتفاضة الأقصى في 29 ايلول/ سبتمبر 2000. وقد تركزت هذه العمليات على امتداد الشريط الحدودي مع مصر، وتركزت في أجزاء كبيرة من مخيم رفح، حي قشطة والشاعر شرق بوابة صلاح الدين الواقعة داخل الشريط الحدودي، حي البرازيل، حي السلام منطقة تل زعرب وغرب رفح ومحيط منطقة موراج.
وفي خطوة تصعيدية جديدة نسفت قوات الاحتلال الاحتلال الحربي الإسرائيلي فجر يوم الأحد الموافق 26/10/2003 ثلاثة أبراج سكنية في مدينة الزهراء، المقابلة لمستوطنة نتساريم جنوب مدينة غزة، وحولتها إلى ركام. وقد خلفت تلك العملية الوحشية تدمير كامل لـ 156شقة سكنية كان أصحابها يستعدون للسكن فيها، غير أنهم اضطروا لتأجيل انتقالهم إليها بسبب عمليات إطلاق النار الكثيفة التي كانت تتعرض لها تلك الأبراج كلما حاول أن يقترب منها أي شخص. وقد زرعت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي الأبراج المذكورة بالديناميت وقامت بتدميرها في نفس الوقت، ما شكل سابقة من أوسع وأبشع عمليات التدمير التي تنفذها سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي ضد الممتلكات والأعيان المدنية لسكان الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل عام، وقطاع غزة بشكل خاص منذ اندلاع انتفاضة الأقصى.
من جهة أخرى اعتبرت منطقة بيت حانون في محافظة الشمال من أكثر المناطق التي طالتها عمليات تجريف الأراضي الزراعية. واعتبرت أيضاً منطقة منكوبة. حيث فرضت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي حصاراً مشدداً علي المنطقة استمر 47 يوماً من تاريخ 15/5/2003، وحتى 30/6/2003، دمرت خلالها عشرات المنازل وجرفت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والبنية التحتية.
الانتهاكات الصارخة التي نفذتها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي في قطاع غزة، تسببت في تدهور غير مسبوق للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لأهالي القطاع، خاصة للمزارعين الذين فقدوا ممتلكاتهم وكذلك أولئك الذين أصبحوا بدون مأوى. فقد حرم الآلاف من العمال الذين كانوا يعملون في زراعة وفلاحة تلك الأراضي من الاستمرار في شغلهم لأعمالهم، وبالتالي فقد أنضم هؤلاء العمال إلى صفوف العاطلين عن العمل، حيث فقدوا مصدر رزقهم الذي يعتاشون منه هم وعائلاتهم، وأصبحوا في عداد العائلات الفلسطينية التي تعيش تحت مستوى خط الفقر.
عدا عن ذلك خلفت سياسة هدم المنازل وتجريف الأراضي التي قامت بها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي أثاراً كارثية على البيئة. حيث تحولت آلاف الدونمات من أراضي طبيعية وزراعية إلى مناطق صفراء وجرداء غير قابلة للاستخدام الزراعي في الوقت الحالي، وإن إعادة استصلاحها يحتاج إلى أموال طائلة ليس بمقدور أصحابها توفيرها. فضلاً عن حرمان السكان من الفوائد التي تؤديها عشرات الآلاف من الأشجار في تلطيف البيئة والمناخ، وذلك جراء اقتلاعها وتسويتها في الأرض من قبل قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي. إضافة إلى هلاك الثروة الحيوانية ونفوق الطيور بأنواعها المختلفة، وتدمير آلاف خلايا النحل التي كانت تؤم هذه المناطق وتعتاش منها. كما تقوم قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بسرقة الرمال من هذه الأراضي عبر نقلها بشاحنات كبيرة إلى داخل إسرائيل.
إن سياسة الاعتداءات المنظمة التي تقوم بها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي، على الأراضي الزراعية الفلسطينية ومنازل السكان المدنيين، شكلت، ولا تزال بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني، انتهاكات جسيمة وخطرة. بل إنها جزء من العقوبات الجماعية التي تحظرها قواعد هذا القانون. إن قيام تلك القوات بهذه الأعمال لا يمكن أن يفسر إلا في إطار ما يمكن أن يسمى أعمالاً انتقامية ضد المدنيين وممتلكاتهم من الأعيان المدنية، وهي أعمال غير قانونية، بل ومخالفة للقواعد والأعراف الدولية، وينبغي ملاحقة مقترفيها ومن أعطى الأوامر بارتكابها. إن التركيز على القطاع الزراعي الفلسطيني واستهدافه بات واضحاً وهدفاً أساسياً لقوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي الغاية الأساسية منه هو تدمير هذا القطاع الذي يشكل العمود الأساسي للاقتصاد الفلسطيني.