يستنكر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان صمت المجتمع الدولي إزاء تصاعد سياسة الاستهداف الممنهج التي تنتهجها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد المستشفيات والمرافق الصحية في شمال قطاع غزة، والتي أسفرت خلال الأيام الماضية عن تدمير وإخراج جميع المستشفيات الحكومية في المحافظة عن الخدمة، وكان آخرها فجر اليوم باستهداف مستشفى العودة الأهلي، المستشفى الوحيد الفاعل الذي تبقى لخدمة مئات الآلاف من السكان في تلك المناطق. كما يرى المركز في استمرار هذه السياسة انسجام واضح مع أوامر الإخلاء القسري التي تُصدرها قوات الاحتلال تباعًا لمناطق واسعة في محافظة شمال القطاع، وذلك لتحقيق مساعيها في تسريع إفراغ المنطقة من سكانها، بعد أن أصبحت بلا مستشفيات ومراكز للإغاثة، ما يقطع عن السكان سبل الحياة الأساسية ويحول البيئة المدنية إلى منطقة طاردة بفعل الحصار والقصف الجوي والمدفعي المكثف ضد التجمعات السكانية، والامعان في تنفيذ جريمة الإبادة الجماعية المستمرة منذ أكثر من 19 شهرًا.
ووفقًا لبيان أصدرته جمعية العودة الصحية والمجتمعية1، استهدفت دبابات الاحتلال المتوغلة في محيط المستشفى عند الساعة الثانية من فجر اليوم الخميس، 22 مايو 2025، بشكل مباشر قسم الجراحات التخصصية في مستشفى العودة – شمال القطاع، وكذلك مستودع الأدوية ما أدى إلى اندلاع حريق كبير فيه عجزت الطواقم عن السيطرة عليه بسبب استمرار إطلاق النار. أسفر الاستهداف عن تدمير خزانات المياه والسولار، وألحق أضراراً جسيمة بالبنية التحتية للمستشفى، فيما توغلت دبابات الاحتلال وأحرقت خيام العيادات الخارجية، وأصابت عددًا من العاملين والمتطوعين. وذكرت الجمعية في بيانها بأن 130 من طواقمها ومتطوعيها يواصلون تقديم الرعاية الطبية للمرضى والجرحى داخل المستشفى في ظروف بالغة الخطورة. يأتي هذا الهجوم بعد يومين من استهداف مشابه تعرض له المستشفى الإندونيسي، وأخرجه عن الخدمة بعد قصف المولدات الكهربائية وخزانات الوقود، ما تسبب في انقطاع تام لمصادر الطاقة، في ظل انعدام البدائل وغياب الزيوت وقطع الغيار الأساسية لتشغيل الأنظمة الكهربائية في مستشفيات شمال القطاع.2
يجدد المركز تأكيده بأن هذا النهج المتكرر في استهداف المرافق الصحية المدنية يشكل انتهاكاً خطيراً لأحكام القانون الدولي الإنساني، لا سيما المادتين 18 و19 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، اللتين تشترطان الحماية المطلقة للمستشفيات، والمادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي تُجَرّم استهداف المرافق الطبية المحمية. كما يندرج هذا الاستهداف الممنهج تحت نص المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، التي تحظر “فرض ظروف معيشية يُقصد بها التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة محمية”، بما في ذلك حرمانها من الخدمات الصحية الأساسية.
كما يعتبر المركز استمرار الصمت الدولي أمام الجرائم المرتكبة ضد السكان الفلسطينيين في غزة، وبخاصة الجرائم الممنهجة ضد المنظومة الصحية ومنشآتها، تواطئاً يشجع قوات الاحتلال على المضي في سياساتها التدميرية دون أي رادع، كما أن حالة الإفلات من العقاب السائدة لمرتكبي هذه الجرائم تقوّض منظومة القانون الدولي، وتهدد أسس العدالة والسلم في المنطقة والعالم.
وإزاء الانهيار التام للمنظومة الصحية في قطاع غزة وخروج جميع المستشفيات والمراكز الصحي في محافظة شمال قطاع غزة، وما يُشكله من تهديد مباشر لحياة آلاف الجرحى والمرضى، يكرر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان مطالبته المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف، بالتحرك الفوري والفعّال لوقف هذه الانتهاكات الخطيرة، وتوفير الحماية العاجلة للمستشفيات والطواقم الطبية، وضمان وصول الإمدادات الطبية والوقود والاحتياجات الإنسانية دون إبطاء. ويؤكد المركز على ضرورة إرسال لجنة تحقيق دولية مستقلة لتوثيق الجرائم المرتكبة وتقديم مرتكبيها إلى العدالة، ويدعو إلى اتخاذ إجراءات دولية رادعة بحق المسؤولين عن هذه الجرائم، بما يشمل فرض العقوبات ووقف أي دعم يمكن أن يسهم في استمرار هذا العدوان.