يصادف اليوم مرور عشر سنوات على جريمة قتل واستهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي أربعة أطفال فلسطينيين من عائلة بكر في غزة، وهم: عاهد (9 سنوات)، زكريا (10 سنوات)، محمد (11 سنة)، وإسماعيل (9 سنوات). وفي هذه الذكرى المؤلمة، تسلط المؤسسات الحقوقية: مركز الميزان، ومؤسسة عدالة- المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل- والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان (PCHR)، الضوء على فشل وإخفاق النظام القانوني الإسرائيلي بمساءلة الجناة عن انتهاكاتهم المستمرة ضد الشعب الفلسطيني. ومازال هذا الفشل قائماً في ظل حملة الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد أكثر من مليوني فلسطيني/ة في غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وفي تفاصيل الجريمة التي وقعت بتاريخ 16 يوليو/تموز 2014، في حوالي الساعة 3:30 مساءً، استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي بثلاثة صواريخ مجموعة من الأطفال بينما كانوا يلعبون كرة القدم على شاطئ بحر مدينة غزة، فقتلت أربعة منهم وأصابت ستة آخرين، من بينهم أربعة أطفال من نفس العائلة. حظي هذا الحدث باهتمام كبير من وسائل الإعلام الدولية والرأي العام، خاصة لوقعوه بالقرب من فندق كان يقيم فيه العديد من الصحفيين الأجانب. وبعد يومين من الهجوم، طالبت مؤسسة عدالة ومركز الميزان المدعي العام العسكري الإسرائيلي بفتح تحقيق جنائي في الحادثة على أساس وجود شبهات بارتكاب قوات الاحتلال انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي في الهجوم المباشر الذي أدى إلى مقتل الأطفال. وعلى الرغم من أدلة واضحة على الطبيعة العشوائية للهجوم، أغلقت سلطات الاحتلال التحقيق، الذي لم يكن محايداً ولا مستقلاً كما ينص القانون الدولي، في يونيو 2015، ودون اتخاذ أي إجراءات أخرى. وعلى مدى السنوات الخمس التالية، استأنفت المؤسسات الحقوقية: مركز الميزان، ومؤسسة عدالة، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، على هذا القرار، ولكن دون جدوى.
وفي العام 2020، قدمت المؤسسات الحقوقية الثلاث التماساً إلى المحكمة العليا الإسرائيلية للطعن في قرار إغلاق الملف. ولكن، في حكمها الصادر في 24 أبريل/نيسان 2022، رفضت المحكمة الالتماس مشيرةً إلى عدم وجود مبرر للتدخل في قرار السلطات الإسرائيلية بإغلاق الملف. ولم تقوم المحكمة بتقييم الأدلة الجوهرية المقدمة أو العيوب الكبيرة في التحقيق الذي أجرته السلطات الإسرائيلية، بما في ذلك حقيقة أنه لم يتم استجواب أو طلب إفادات من أي شهود مدنيين على الهجوم، مثل الصحفيين الدوليين الذين تواجدوا لحظة الاستهداف. وبدلاً من ذلك، أشارت المحكمة إلى أن إجراءات التحقيق الإسرائيلية تتوافق مع القانون الدولي ولم ترَ مبرراً للتدخل في تقدير السلطات الأخرى.
حاولت مؤسسات حقوق الإنسان من خلال العمل على هذا الملف تقديم واحدة من أخطر القضايا من حرب عام 2014 على قطاع غزة- وهي القتل العمد لأربعة أطفال فلسطينيين وهو يلعبون على شاطئ البحر وإصابة آخرين – أمام المحكمة العليا الإسرائيلية. لكن لم يكن هناك تحقيق جنائي حقيقي وفعال في القضية، ولم تحاسب المحكمة أحداً. إن غياب المساءلة في هذه القضية ليس حادثة منفصلة، بل هو جزء من نمط أوسع من الإفلات من العقاب، مما يبرهن على أن النظام القضائي الإسرائيلي غير قادر وغير راغب في ضمان المساءلة عن الجرائم الدولية التي يرتكبها مواطنوه ضد الفلسطينيين وفقًا للمعايير الدولية.
وفقاً لتوثيق مركز الميزان، خلال ال51 يوماً ما بين 7 يوليو و 26 أغسطس 2014، قُتل 2,219 فلسطينياً في قطاع غزة، 70% منهم مدنيين، من بينهم 566 طفل. وقدمت كل من مؤسسة عدالة ومركز الميزان والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان طلبات فيما يخص مئات الجرائم التي وقعت خلال العدوان العسكري الإسرائيلي في عام 2014، والتي تضمنت الاستهدافات المباشرة للعمارات السكنية والمستشفيات والمساجد ومراكز النازحين التابعة للأونروا، بالإضافة إلى الاستهدافات التي ألحقت أضراراً واسعة بالمدنيين من خلال القتل، الإصابة، وإلحاق الدمار بالأعيان المدنية. ولم تصدر سلطات الاحتلال الإسرائيلي أي لائحة اتهام بحق جرائم الحرب هذه ولم يخضع أي مسؤولين أو قادة عسكريين أو أفراد إسرائيليين للمحاسبة على عمليات قتل أو إصابة مدنيين فلسطينيين.
وبعد عقد من الزمن، لم تتحقق العدالة لعائلة بكر وغيرهم من أعداد لا حصر لها من الضحايا الفلسطينيين الذين تعرضوا لأبشع الجرائم على أيدي قوات الاحتلال والمسؤولين الإسرائيليين خلال عدوان عام 2014 على قطاع غزة. وفي ظل الحصانة الكاملة التي تمنحها السلطات الإسرائيلية أو النظام القضائي الإسرائيلي، بما فيها المحكمة العليا الإسرائيلية، للجناة من المساءلة عن جرائم ارتكبوها سابقاً، استمرت السلطات الإسرائيلية بارتكاب انتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي ضد الشعب الفلسطيني. وتجلى هذا النمط من الإفلات من العقاب خلال مسيرات العودة الكبرى، والعمليات العسكرية الشاملة والمتكررة في قطاع غزة، والاعتداءات المستمرة التي ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية. علاوة على ذلك، تتجاهل إسرائيل بشكل واضح التدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية في 26 يناير و28 مارس و24 مايو 2024.
وفي ظل غياب مساءلة دولية واضحة، من غير الممكن أن تتحقق العدالة لمئات الآلاف من الضحايا الفلسطينيين وعائلاتهم، سواء فيما يتعلق بالجرائم الوحشية التي تعرضوا لها خلال هجمات عسكرية إسرائيلية متكررة في الأعوام 2008-2009 و2012 و2014 و2021 و2022، أو خلال مسيرات العودة 2018-2019، أو خلال التسعة أشهر الماضية من الإبادة الجماعية في قطاع غزة. على المجتمع الدولي ألا يغفل عن الاعتداءات الوحشية السابقة. إن نهج التقاعس المتعمد للنظام القانوني المحلي الإسرائيلي في محاسبة مرتكبي الجرائم، يتطلب دعوة عاجلة لاتخاذ إجراء دولي. فيما يجب على المحكمة الجنائية الدولية تكثيف جهود التحقيق في الجرائم الدولية المرتكبة في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ 13 يونيو/حزيران 2014، بما في ذلك أثناء عدوان 2014 على قطاع غزة، لضمان تقديم المسؤولين عن هذه الجرائم إلى العدالة.
نسخة تجريبية