مايو 16, 2025
سياسة التجويع الإسرائيلية تعصف بنساء وأطفال قطاع غزة
مشاركة
سياسة التجويع الإسرائيلية تعصف بنساء وأطفال قطاع غزة

منذ بداية شهر مارس 2025، وبالتزامن مع انتهاء المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار واستئناف هجومها العسكري، شددت قوات الاحتلال الإسرائيلي حصارها على قطاع غزة بشكل غير مسبوق، حيث أغلقت المعابر الحدودية ومنعت دخول المساعدات الإنسانية الأساسية، بما في ذلك المواد الغذائية. في ظل هذه الظروف القاسية، ومع منع إدخال الوقود، توقفت كافة المخابز عن العمل تمامًا، كما أُغلِقت معظم التكيات التي كانت تمد مئات الآلاف من السكان بوجبات الطعام. وبالتوازي مع ذلك، ازدادت المعاناة مع نفاد معظم السلع الأساسية من الأسواق، بما في ذلك الدقيق، السكر، الأرز، الفواكه والخضروات، بالإضافة إلى غياب اللحوم والدواجن والأسماك. وفي الوقت نفسه، تضاعفت أسعار السلع المتبقية في الأسواق عدة مرات، مما جعل المواطنين عاجزين عن تأمين احتياجاتهم الغذائية الأساسية. كما تعرضت تكيات الطعام وتجمعات المواطنين أثناء اصطفافهم للحصول على الطعام لعدة هجمات من قبل قوات الاحتلال، مما فاقم أزمة المجاعة بشكل مأساوي.

تعد النساء والأطفال من أكثر الفئات تضررًا جراء هذه السياسة التي تستهدف أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة، حيث تدهورت الظروف الإنسانية إلى مستويات كارثية. فقد أصبح أكثر من 65,000 طفل مهددين بالموت بسبب سوء التغذية وانعدام الغذاء، بينما توفي أكثر من 50 طفلاً نتيجة لذلك منذ بداية الهجوم العسكري.1

أفادت الأم آية السكافي، 21 عاماً، التي فقدت ابنتها الرضيعة جراء سياسة التجويع الإسرائيلية، في مأساة أثقلت قلبها بحزنٍ عميق:” حملت بطفلتي الثانية، جنان، خلال الحرب، وكانت تلك الفترة من أصعب لحظات حياتنا. عشنا بلا طعام كافٍ، وأسعار الطعام كانت مرتفعة للغاية. كان زوجي يحضر لنا رغيفين من الخبز نتقاسمهما، وفي بعض الأيام لم يكن يستطيع توفير الخبز، فكانت وجباتنا تقتصر على الأرز أو العدس. مما أثر بشكل كارثي على صحتي خلال الحمل، حيث عانيت من سوء التغذية، وشعرت بالدوار والألم الشديد. في 22 ديسمبر 2024، ولدت طفلتي جنان ولادة طبيعية، بوزن 2 كيلو و600 جرام. بعد أسبوعين من ولادتها، فتحت المعابر، وعدنا إلى شمال القطاع حيث بدأ وضعنا الغذائي يتحسن تدريجيًا. وبدأ وزن طفلتي في الارتفاع ليصل إلى 4 كيلو ونصف بعد شهرين من ولادتها، وكانت تعتمد بالكامل على الرضاعة الطبيعية. لكن فرحتنا لم تدم طويلًا، ففي غضون شهرين، أغلقت المعابر مجددًا، وعادت الحرب تلاحقنا. أصبح الطعام شحيحًا جدًا، وبدأت حالة طفلتي الصحية تتدهور بشكل مفجع. أصيبت بالجفاف، وكان وزنها قد انخفض إلى 2 كيلو و800 جرام في عمر الثلاثة أشهر. اضطر الأطباء لإعطائها الحليب الصناعي بجانب الرضاعة الطبيعية، لكن الحليب الصناعي كان أيضاً نادرًا جدًا بسبب الحصار. قضينا 14 يومًا في مشفى الرنتيسي، حيث كانت طفلتي لا تستطيع الرضاعة، بل تعتمد على المحلول فقط. بعد أن خرجنا من المستشفى، رفضت طفلتي الرضاعة الطبيعية بشكل قاطع، وأصبح حليب الأم غير كافٍ بسبب قلة الطعام. ثم بدأت تعاني من الإسهال المزمن. حاولنا بكل جهدنا الحصول على حليب خاص لمعالجة الإسهال، لكن كان مفقودًا. أجرينا تحويلة طبية في 26 أبريل 2025، لكن بسبب إغلاق المعابر، لم تتمكن طفلتي من الخروج لتلقي العلاج الذي كانت في أمس الحاجة إليه. في 1 مايو 2025، كانت طفلتي جنان تنازع الحياة على جهاز الأوكسجين، تعيش فقط على المحلول. كانت تعاني بشدة من الجوع، وكان السكر في دمها مرتفعًا بشكل مستمر. كل لحظة كنت أراها تتألم أمامي وأنا عاجزة عن تقديم أي مساعدة حقيقية لها. كان قلبى ينفطر، ولكن يديّ كانت مقيدتين أمام ضعف الإمكانيات وقسوة الظروف. وفي 3 مايو 2025، توفت طفلتي وهي جائعة. كان وداعها ألمًا لا يمكن وصفه، وذكراها ما زالت تؤلمني في كل لحظة من حياتي.”2

الطفلة جنان

بينما أفادت الأم بسمة عوض،27 عاما التي تخشى فقد انبتها في كل لحظة: ” في 5 يناير 2025، أنجبت طفلتي بولادة طبيعية. بعد الولادة، كانت تغذيتي محدودة بأطعمة بسيطة مثل العدس والأرز والمعكرونة. بدأت طفلتي بالرضاعة الطبيعية، لكن توقفت بسبب نقص التغذية لدي، فاضطررت لاستخدام الحليب الصناعي. بعد شهر، بدأت طفلتي تعاني من إسهال شديد وارتفاع في الحرارة، مما استدعى نقلها إلى مستشفى ناصر الطبي. هناك، اكتشف الطبيب أنها تتحسس من سكر اللاكتوز، فيجب إعطاؤها حليبًا خاليًا من اللاكتوز، وهو غالي الثمن ونادر في ظل الحصار الإسرائيلي. وفي الأيام الأخيرة، لم أتمكن من العثور على الحليب لطفلتي في أي مكان، ووجدنا علبة منتهية الصلاحية واضطررنا لإعطائها إياها. أضطر لإعطاء طفلتي نصف الكمية التي تحتاجها يوميًا لتجنب انقطاعها تمامًا. كل يوم، يزداد خوفي من أن ينفد الحليب تمامًا، فتسوء حالة طفلتي الصحية بشكل خطير، وأفقدها في أي لحظة.”3

كما تعد النساء من أكثر الفئات تضررًا من سياسة التجويع، وخاصة الأمهات والحوامل والمرضعات، حيث يضطررن في كثير من الأحيان لتخطي وجباتهن ويفضلن تلبية احتياجات أطفالهن الغذائية على حساب صحتهن. كما تعاني النساء الحوامل والمرضعات بشكل خاص من سوء التغذية، مما يؤثر سلبًا على صحتهن ويقلل من فرص أطفالهن في البقاء والنمو بشكل سليم. وقد يؤدي إلى ارتفاع معدلات الإجهاض، الولادة المبكرة، وانخفاض أوزان المواليد بشكل خطير.

قالت، هـ. ك، 35 عاماً، التي تعيش بين خوفٍ مرير من فقدان جنينها وألمٍ عميق من احتمالية ولادته في ظل الحصار الإسرائيلي، حيث تجد نفسها عالقة بين معاناة جسدية ونفسية لا تُحتمل: “في شهر أكتوبر 2024، بدأ حملي وأنا الآن في الشهر التاسع. مرّ الحمل بصعوبة بالغة، حيث أُعاني حاليًا من نقص حاد في الغذاء؛ فلا يوجد بيض، ولا دجاج، ولا حليب، ولا فواكه، ولا خضروات. حتى في ظل الهدنة المؤقتة، ورغم دخول بعض البضائع إلى القطاع، إلا أننا لم نتمكن من شراء أي نوع من الأطعمة المتوفرة في الأسواق بسبب انعدام مصدر الدخل. غذائي يقتصر على بعض البقوليات والعدس والمعكرونة والأرز، لكن حتى هذه الأطعمة لم تعد متوفرة في الآونة الأخيرة. الطحين أيضًا غير متاح، ونقضي أيامًا طويلة من دونه. إنني عاجزة عن العيش بشكل طبيعي بسبب قلة الطعام، وطيلة الحمل وأنا أخشى فقد جنيني، كما أخشى على طفلي من أن يأتي إلى الحياة في هذه الظروف القاسية، فقد لا أتمكن من إرضاعه طبيعيًا بسبب سوء التغذية الحاد، بينما يعاني القطاع من شُحّ الحليب. أعاني من سوء تغذية حاد، حيث فقدت وزني بشكل ملحوظ، وأشعر بدوخة مستمرة، وإرهاق شديد، وآلام حادة في المعدة نتيجة تناول أطعمة غير صحية. كما أعاني من تساقط الشعر، وشحوب البشرة، وضعف في التركيز، وهذه كلها آثار واضحة ناتجة عن سوء التغذية.”4

يعرض سوء التغذية الأمهات والأطفال لمجموعة من المخاطر الصحية الخطيرة، مثل تشوه الأجنة ووفاة الأطفال عند الولادة. كما يؤثر بشكل كبير على نمو الأطفال، مما يزيد من تعرضهم للنزلات المعوية والهزال السريع وفقدان الكتلة العضلية، وفي بعض الحالات قد يؤدي ذلك إلى الوفاة. علاوة على ذلك، يعاني الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية من أعراض طويلة المدى، مثل تسارع دقات القلب، مما قد يتسبب في قصور في العضلة القلبية مستقبلاً. كما يمكن أن يعانوا من التقزم وتأخر النمو العقلي والجسدي.5

أفادت نعمة الكفارنة، 30 عاماً، التي تجد نفسها في موقفٍ مأساوي حيث تفتقر إلى الخيارات اللازمة للحفاظ على صحة طفلتها، وسط ظروف قاسية تجعل كل يومٍ يحمل تحديًا جديدًا: “وُلدت طفلتي في 10/4/2024 بوزن 3 كيلوغرامات في ظل ظروف مجاعة قاسية، حيث كانت وجباتي تقتصر على شوربة العدس والفاصوليا والمعكرونة، مما أثر بشكل كبير على تغذيتي وصحتي وصحة طفلتي. الأوضاع المعيشية اليوم أصبحت أصعب من أي وقت مضى، والمجاعة تضرب بقوة شديدة. منذ ولادتي لأطفالي، كنت أعتمد على الرضاعة الطبيعية، لكن مع طفلتي “ندى”، لم أتمكن من توفير الحليب الطبيعي بسبب ضعف تغذيتي الناتج عن الحصار الإسرائيلي، ما اضطرني لاستخدام الحليب الصناعي رغم ندرته وارتفاع ثمنه. أعاني من تعب شديد وإرهاق بعد كل رضاعة، يصل إلى حد الذبول، إضافة إلى أعراض سوء التغذية مثل النسيان، ضعف النظر، تراجع التركيز، وهبوط متكرر في مستوى السكر. ورغم أن طفلتي تبلغ عامًا وشهرًا، إلا أن وزنها لا يتجاوز 7 كيلوغرامات، ولا تستطيع الحبو أو المشي. تأخر نموها يعود إلى سوء التغذية الحاد. لا املك خيارات أعيش في خوف دائم من انقطاع الحليب الصناعي، وأخشى على عدم مقدرتي من إتمام الرضاعة الطبيعية بسبب إنهاكي الجسدي ونقص الطعام. كل ما أتمناه هو أن تحصل طفلتي على حقها في الغذاء وتنمو في بيئة صحية وآمنة.6

يجدد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان تحذيره من تفاقم أزمة الجوع بين المدنيين في قطاع غزة، في ظل استمرار إغلاق إسرائيل للمعابر الحدودية لأكثر من 70 يومًا، محذرًا من عواقب هذا الإغلاق المميت. ويؤكد المركز أن الاحتلال الإسرائيلي قد استخدم سياسة التجويع كأداة لتحقيق تدمير كلي أو جزئي للشعب الفلسطيني من خلال: (أ) إلحاق ضرر جسدي أو نفسي خطير بالمواطنين الفلسطينيين، و(ب) إخضاعهم عمدًا لظروف معيشية تهدف إلى تدميرهم المادي بشكل كلي أو جزئي، وهو ما يشكل جريمة إبادة جماعية بموجب القوانين الدولية.

يُطالب المركز المجتمع الدولي بالضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي لوقف جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وفرض وقف فوري لإطلاق النار بهدف كبح المجاعة الحقيقية التي تجتاح القطاع، والتي تؤثر بشكل كارثي على النساء والأطفال. كما يدعو المركز المجتمع الدولي إلى ممارسة الضغط على إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، للامتثال لقرار محكمة العدل الدولية التمهيدي الصادر في 26 يناير 2024، الذي يطالبها بوقف جميع السياسات والإجراءات التي تهدد حياة المدنيين وتساهم في تفاقم الأوضاع الإنسانية المأساوية. ويشدد المركز على ضرورة التزام الدول الأعضاء في نظام روما الأساسي بأمر القبض الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، بما في ذلك استخدام سياسة التجويع كأسلوب في الحرب.


  1. المكتب الإعلامي الحكومي، بيان صحفي رقم  (817)، بتاريخ 7 مايو 2025. https://t.me/s/mediagovps ↩︎
  2. تلقى طاقم المركز الإفادة بتاريخ 4 مايو 2025 بمدينة غزة. ↩︎
  3. تلقى طاقم المركز الإفادة بتاريخ 4 مايو 2025 بمدينة غزة. ↩︎
  4. تلقى طاقم المركز الإفادة بتاريخ 10 مايو 2025 بمدينة غزة. ↩︎
  5. مقابلة أجراها طاقم المركز مع الطبيب أحمد عبد الخالق الفرا، رئيس قسم الاطفال في مستشفى مجمع ناصر الطبي. ↩︎
  6. “تلقى طاقم المركز الإفادة بتاريخ 10 مايو 2025 بمدينة غزة. ↩︎

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *