في يوم الجمعة الموافق 30 مارس 2018 الذي يواكب يوم الأرض ، بدأ الفلسطينيون موجةً كبيرةً من التظاهرات الأسبوعية السلمية التي باتت تعرف بمسيرة العودة الكبرى والتي امتدت على طول السياج الأمني الذي يفصل بين إسرائيل وقطاع غزة. حيث طالبت التظاهرات بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى منازلهم التي هجروا منها عام 1948 ، هذا الحق قد تم تكريسه بقرار الأمم المتحدة رقم 194 ، وكذلك طالبت التظاهرات –بشكلٍ أبرز- برفع الحصار المفروض على قطاع غزة من قبل إسرائيل لما يناهز عقداً من الزمان. التظاهرات – التي كان من المقرر أن تستمر لمدة ستة أسابيع فقط في بادئ الأمر- استمرت لتعقد كل يوم جمعة منذ (51 أسبوعاً) ، تشارك في هذه التظاهرات قطاعاتٌ متنوعة من المجتمع بما فيهم الشباب والأطفال والنساء والأطفال و ذوي الإعاقة وكبار السن.
مسيرات العودة الكبرى تعتبر في أعين الكثير من الفلسطينيين في قطاع غزة بمثابة ملجأ للتنفيس عن أنفسهم بسبب الوضع الاقتصادي والانساني المتهالك الذي كان نتاجاً للحصار الإسرائيلي الخانق على قطاع غزة الممتد لاثني عشر عاماً. هذا الحصار قد حد كثيراً من حرية حركة المواطنين و دخول البضائع الأمر الذي ساهم في تدمير اقتصاد القطاع وسبب انهياراً كاملاً لمختلف القطاعات، وأحدث فجوةً بين سكان القطاع وباقي السكان في العالم[1] ، يعاني قطاع غزة اليوم من فقرٍ متفشٍ ورقم بطالةٍ عالٍ بسبب شح فرص العمل، وخاصةً في أواسط الشباب ، ويعاني كذلك من انهيار المرافق العامة كمرافق العناية الصحية ومرافق المياه ومرافق الصرف الصحي. وقد حذرت الأمم المتحدة من أن غزة قد تصبح مكاناً غير صالحٍ للحياة بقدوم عام 2020.
منذ بداية مسيرات العودة الكبرى ، حدد منظموها خمس مواقع تظاهر رئيسة ممتدة على طول الحدود بين غزة وإسرائيل حيث تم نصب خيام التظاهر على مسافة تراوحت بين 700 إلى 1000 متر غرب السياج الفاصل. هذه المواقع الخمسة تمثلت في منطقة أبو صفية (شرقي جباليا) ، ومنطقة ملكة (شرق مدينة غزة) ، ومخيم البريج (وسط قطاع غزة) ، ومنطقة النجار (شرق بلدة خزاعة في خانيونس) ، ومنطقة الشوكة (شرق رفح). وابتداءً من أغسطس لذات العام ، نُظِمت مظاهرات أسبوعية على شاطئ زيكيم شمالي غزة.
شدد منظمو “مسيرة العودة الكبرى” مراراً أنه قد خُطِطَ لأن تكون هذه المظاهرات “سلميةً تماماً من البداية حتى النهاية” وأن المتظاهرين سيكونون عزلاً. فضلاً على أن تحقيقات المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان قد خلصت إلى أن المظاهرات على مدار العام قد كانت مدنية بطبيعتها ، حيث شارك في هذه التظاهرات مجموعات مختلفة من المجتمع ومتنوعة من حيث السن والانتماء بما فيهم الأطفال والنساء وكبار السن . المظاهرات تضمنت نشاطات ثقافية وفلوكلورية ، إلى جانب تضمنها في بعض الأحيان لحرقٍ لبعض الإطارات وقيام مجموعات من الشباب برمي الحجارة دون تشكيل أية خطر على قوات الاحتلال الإسرائيلي . كما أن تحقيقات المركز لم تسجل أي مظهرٍ عسكريٍ تخلل أي موقع من المواقع الخمسة المخصصة للتظاهر منذ بداية المظاهرات . كما أنه وفقاً لتقرير لجنة الأمم المتحدة المستقلة للتحقيق في تظاهرات غزة ، فإن التظاهرات كانت “مدنيةً بطبيعتها و ذات أهدافٍ سياسيةٍ واضحة ، وأنها – رغم بعض أعمال العنف البارزة- لم تشكل حملةً قتالية أو عسكرية” . بل إن اللجنة قد قررت أن المتظاهرين كانوا بشكلٍ عام عزلاً [2] ، فقد أشار تقرير اللجنة أنه باستثناء حادثتين – إحداهما الحادثة التي وقعت شمال قطاع غزة في 14 مايو 2018 والتي قد ترقى إلى مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية ، والأخرى الحادثة التي وقعت في وسط غزة في 12 أكتوبر2018 والتي قد شكلت “تهديداً محدقاً لحياة الجنود أو تهديداً بإصابتهم اصابةً بالغة” – فإن المتظاهرين لم يكونوا يشكلون أية تهديدٍ محدق لحياة قوات الاحتلال الإسرائيلي.
تدعي إسرائيل أن التظاهرات ليست عفويةً وسلميةً على الاطلاق ، وإنما اضطرابات عامة وعنيفة تدار من قبل حماس والمجموعات العسكرية الأخرى في قطاع غزة . فهي تؤكد على أن حماس تحاول استخدام هذه التظاهرات للتغطية على محاولات اختراق السياج الأمني وتسلسل إرهابيين نحو حدود إسرائيل –على حد زعمهم-[3] . المشاركون في المسيرة تم وصفهم بشكل جماعي من قبل وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بأنهم “أعضاء حماس” و “فاعلون بجناحها العسكري” و يمثلون تهديداً لحياة القوات الأمنية والمدنيين الإسرائيليين وسلامتهم الجسدية[4]. ونتيجة ً قررت إسرائيل -وقبيل بداية المظاهرات- نشر 100 قناص على طول السياج الأمني مع قطاع غزة ، وصدرت الأوامر بفتح النار على أي شخص يحاول اجتياز السياج[5].
وفقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر، “فإن أية تظاهرة مدنية ضد السلطات في حال النزاع المسلح كانت لتتطور لتصبح عنيفة ، فإن استخدام القوة في هذه الحالة كردٍ على التظاهرات يكون محكوماً بقواعد إنفاذ القانون”[6]. المبادئ التوجيهية المتعلقة باستخدام القوة في سبيل إنفاذ القانون- المستقاة بشكلٍ رئيس من القانون الدولي لحقوق الإنسان وتحديداً حظر حرمان الأشخاص من حياتهم[7]. هذه المبادئ تنظم استخدام القوة من قبل حكومات الدول للحفاظ على النظام والأمن العام والقانون .هذه المبادئ تم تقنينها في مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، حيث تنص المادة 9 منها على أنه :
” لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون استخدام الأعيرة النارية في مواجهة الأشخاص إلا في الأحوال الآتية: الدفاع عن النفس أو الغير ضد الخطر الوشيك المهدد للحياة أو لإحداث اصابات خطيرة، و لمنع ارتكاب جريمة بالغة الخطورة تشكل تهديداً وشيكاً للحياة، .. وفي جميع الأحوال فإن استخدام القوة المميتة بشكل متعمد لا ينبغي اللجوء إليه إلا حين يكون اجتناب استخدامه غير ممكن على وجه التحديد وذلك من أجل حماية الحياة.”[8].
ونظراً للطبيعة السلمية لمظاهرات مسيرة العودة ، فإن القانون الدولي يفرض على قوات الاحتلال الإسرائيلية التي من المنوط بها ضبط الحدود مع غزة بألا تلجأ إلى استخدام القوة المميتة إلا في مواجهة خطر واضح ووشيك للحياة كملاذٍ أخير لدفع هذا التهديد. ودلالة الخطر “الوشيك” تنصرف إلى كونه مسألة ثوانٍ وليس ساعاتٍ وفقاً لما قررته لجنة التحقيق الأممية المستقلة . إضافةً إلى أنه من الواجب على موظفي إنفاذ القانون “تقليل الأضرار والإصابات واحترام حياة الإنسان والحفاظ عليها” وذلك في الأحوال التي يكون فيها اللجوء إلى القوة ضرورياً[9]. ومع ذلك فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي تستخدم الذخيرة الحية في مواجهة المتظاهرين، في الوقت الذي كان متوافراً بعض البدائل أقل فتكاً للتعامل مع المتظاهرين وكذلك وجود تعزيزات دفاعية ضخمة للقوات الإسرائيلية ، الأمر الذي يشكل انتهاكاً لحق المتظاهرين بالحياة كما أشار إلى ذلك تقر لجنة التحقيق الأممية المستقلة.
غير أن الحكومة الإسرائيلية تؤكد أن المتظاهرين لا يمكن اعتبارهم مدنيين و تعتبر المظاهرات جزءاً لا يتجزأ من النزاع المسلح المستمر بين إسرائيل وحماس. وفي ردٍ لها على التماسٍ مقدمٍ لدى محكمة العدل العليا الإسرائيلية بصدد قواعد الاشتباك المتبناة من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي ، ذهبت إسرائيل للدفع بتأويل قانوني غير مسبوق يقضي بأن قواعد إنفاذ القانون قد تجد لها مكاناً في اطار قواعد النزاع المسلح جنباً إلى جنب الضوابط التي تحكم الأعمال العدائية[10]. بعبارةٍ أخرى ، فإن قواعد إنفاذ قانونٍ أخرى يمكن أن تتأصل من قانون النزاعات المسلحة الذي يحكم استخدام الجيش للقوة ضد متظاهري غزة. إلا أن هذا الاختلاف المزعوم بين قواعد إنفاذ القانون في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان عنه في قانون النزاعات المسلحة خطيرٌ إلى حدٍ كبير إذ أنه ينذر باستخدام القوة بشكلٍ أوسع ضد المدنيين. ووفقاً لدولة إسرائيل، فإنه من خلال هذا الاطار يمكن استخدام القوة المميتة ضد الأشخاص الذين لا يشكلون تهديداً فردياً ، وإنما جزءاً من تهديدٍ جماعي. أما النتيجة الثانية الخطيرة لمثل هذا التأويل القانوني متمثلة في أن القوة المميتة يمكن استخدامها ضد أي تهديد قبل أن يتحقق أو يصبح فورياً. وبكل أسف ، فإن المحكمة العليا الإسرائيلية قد قبلت الحجج القانونية التي دفعت بها الحكومة الإسرائيلية، مما فتح الباب واسعاً أما قواعد إنقاذ قانون جديدة ذات سمة غامضة ووسعت من خلالها من فكرة الخطر المحدق للسماح بالاستخدام الوقائي للقوة المميتة. وبعد تقرير هذا الحكم ، فإن المحكمة قد أضفت صفة الشرعية الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد المتظاهرين الفلسطينيين والتي أفضت إلى مقتل ما يقرب من 196 متظاهر مدني ، وإصابة أكثر من 11000 آخرين وفقاً لإحصاءات المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان[11].
ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي انتهاكاتٍ جسيمة للقانون الدولي لحقوق الانسان و القانون الدولي الانساني في إطار تعاطيها مع مسيرات العودة الكبرى. حيث أن استهداف المتظاهرين المدنيين يشكل انتهاكاً لحق الفلسطينيين في الحياة وحقهم في حرية التعبير والتجمع. وقد استمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي في مخالفتها بشكل متعمد لمبادئ الأمم المتحدة الأساسية التي تنظم استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل المكلفين بإنفاذ القانون ، هذه المبادئ التي تحظر استخدام القوة المميتة إلا في “حالة كونها الملاذ الوحيد لحماية الحياة” كما تم الإشارة إليه سابقاً. ففي مسيرات العودة الكبرى لم تستدعِ معظم الحالات استخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين السلميين الذين يمارسون حقهم بالتجمع السلمي. ورغم ذلك فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي قد أقدمت على قتل 196 مدنياً بما فيهم 41 طفلاً و8 أشخاص ذوي إعاقة و امرأتان وصحفيان و4 مسعفين خلال 51 أسبوعاً[12] الأمر الذي قد يرقى إلى جريمة القتل العمد التي تشكل انتهاكاً جسيماً لاتفاقيات جنيف[13] و جريمة حرب[14].
بالإضافة إلى أن التكلفة المدمرة لتعاطي القوات الإسرائيلية مع المتظاهرين لا ينبغي أن تقاس بعدد القتلى وحسب بل بعدد وحجم الاصابات أيضاً . فقوات الاحتلال الإسرائيلي قد استخدمت أسلحة فائقة السرعة في إطلاق النار من مدىً قريب الأمر الذي سبب اصاباتٍ بالغة على مستوى العظام والأنسجة بالإضافة إلى وجود مخارج واسعة للعيارات النارية مما تسبب بإصابات ذات تأثير بعيد المدى وكفيل بتغيير مسار حياة المصابين ، بما في ذلك التسبب بالشلل أو البتر. ومنذ بداية التظاهرات ، فإن ما يقرب من 114 متظاهراً فلسطينياً تعرضوا لإصابات سببت بتر أطرافهم السفلية أو العلوية بما في ذلك 14 طفلاً. وهذا قد يشي بنية متعمدة للجيش الإسرائيلي لإحداث إصابات مؤثرة مدى الحياة ، وهو ما قد يرقى إلى تعمد إحداث معاناة شديدة أو إصابة بالغة بصحة الجسد ، أي جريمة حرب[15].
كما أن إسرائيل رفضت منح المتظاهرين الذين تعرضوا لإصاباتٍ تصاريح خروج للوصول إلى المستشفيات خارج القطاع بدعوى مشاركتهم في الأعمال العدائية المنظمة من قبل حماس. حيث أن العديد من الإصابات التي تسببت بالبتر كان بالإمكان التدخل لإنقاذها في حال سمحت إسرائيل لها بالسفر للحصول على الرعاية الطبية خارج القطاع. إلا أن إسرائيل ، وفي مخالفةٍ لالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الانسان ، اختارت منع هؤلاء الجرحى المهددين بفقدان أحد أطرافهم من مغادرة قطاع غزة كضرب من ضروب العقاب لهم جراء ممارستهم حقهم في التظاهر السلمي.
بتاريخ 4 أبريل 2018 قرر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إنشاء لجنة تقصي حقائق “للتحقيق في الحوادث الاستثنائية المدعى بارتكابها على حدود غزة واستخلاص نتائج ومواد لتقديمها للمدعي العام العسكري لمراجعتها” ، على أن يترأس هذه اللجنة لواء من الجيش. وفقاً للجيش الإسرائيلي ، فإن المدعى العام العسكري سيأمر بفتح تحقيق جنائي حال إثارة نتائج التحقيق أسباب معقولة تدفع للاعتقاد بوجود إساءة سلوك جنائي على مستوى الجيش. جدير بالذكر أن هذه التحقيقات الجنائية التي أمر المدعي العام العسكري بفتحها يتم اجرائها من قبل الوحدة القطرة للتحقيقات العملياتية التابعة للشرطة العسكرية الإسرائيلية[16].
ووفقاً لتقرير لجنة تقصي الحقائق المستقلة المنشأة بقرار مجلس حقوق الإنسان ، فإن الجيش الإسرائيلي لم يقم بفتح تحقيقات جنائية سوى في 5 حالات ، منها 4 تحقيقات بصدد مقتل أطفال. ومؤخراً أفاد مسؤولون إسرائيليون بفتح تحقيقات جنائية في مقتل 11 فلسطينياً على حدود قطاع غزة العام الماضي[17].
ومع ذلك فإن هذا الرقم غير متناسب إلى حدٍ كبير مع عدد المتظاهرين الذي قتلوا أو أصيبوا خلال مسيرة العودة الكبرى. إلا أن مسلك الجيش في التعاطي مع الانتهاكات المرتكبة على مر السنين ليس جديداً ، فالأرقام أثبتت أن آلية التحقيق الاسرائيلية الحالية لا تتضمن تحقيقات جدية بل إنها قلما أحالت أياً من مقترفي هذه الانتهاكات إلى المحاكمة الأمر الذي يبعث بالاطمئنان إلى قوات الاحتلال الإسرائيلي بالإفلات من المساءلة حال ارتكابهم مخالفاتٍ لحقوق الإنسان . فعلى سبيل المثال ، أقدمت إسرائيل على قتل 2217 فلسطينياً خلال عملية الجرف الصامد عام 2014 ، بما فيهم 1543 مدنياً لم يشاركوا في أية أعمال عدائية(أي ما يشكل ما نسبته 70%). كما أن ما يقرب من 31000 منزلاً تعرضت إما لتدميرٍ كلي أو جزئي.[18] ورغم الرقم الضخم لعدد القتلى والمصابين ، فإنه قد تم توجيه الاتهام لثلاثة جنود فقط بالقيام بجريمة السلب[19].
كما أن إسرائيل فشلت –بشكلٍ ممنهج- في القيام بفتح تحقيقاتٍ جادة خاصة في ظل الحقائق المتواردة عن وجود العديد من الانتهاكات للقانون الدولي المرتكبة خلال الحروب الأخيرة على قطاع غزة ، وذلك كنتيجةٍ مباشرة للسياسات المتبناة من قبل أعلى المستويات العسكرية والسياسية في إسرائيل الذين تعهدوا في العديد من التصريحات بعدم التحقيق مع أي جندي في أيٍ من الجرائم المدعى بارتكابها ضد الفلسطينيين.
وفقاً للفقرة b-1 من المادة 5 من قانون المخالفات المدنية الإسرائيلي (مسئولية الدولة) لعام 1952 ، والتي تم استحداثها في 2012 ، فإن المقيمين في الأراضي التي تم الإعلان أنها “معادية” كقطاع غزة الذي تم إسباغ صفة “الاقليم المعادي” عليه من قبل إسرائيل عام 2007 ، فإن هؤلاء لا يكون لهم الحق في مطالبة إسرائيل بالتعويض عن الأضرار المدنية بغض النظر عن الظروف وشدة الاصابات والأضرار المدعاة. كما أن التعديل رقم 8 قد قدم معايير يصعب استيفائها على مواطني القطاع الذي يقاسي أغلب سكانه فقر العيش ، بالإضافة إلى القيود على حرية الحركة[20] . هذه المعايير تتطلب من الضحايا الآتي:
بتاريخ 18 مايو 2018 أنشئت لجنة تحقيق الأمم المتحدة المستقلة بقرار مجلس حقوق الإنسان رقم S-28/1 وذلك بهدف التحقيق في الانتهاكات والجرائم الدولية المشتبه بارتكابها خلال مسيرات العودة الكبرى. حيث قامت اللجنة بعرض نتائج تحقيقها وتوصياتها على مجلس حقوق الإنسان في جلسته الأربعين والذي قد تبنى هذا التقرير يوم الجمعة الموافق 22 مارس الماضي[21]. اللجنة ذهبت إلى وجود أساسٍ معقول للاعتقاد أن قوات الاحتلال الإسرائيلي ارتكبت مخالفاتٍ جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وأن بعضاً من هذه الانتهاكات قد يرتقي إلى جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية ، وهو ما يفرض على إسرائيل واجب التحقيق في ظروفها فوراً. كما طالبت اللجنة إسرائيل بالامتناع عن استخدام القوة المميتة ضد المدنيين وضمان وصول الجرحى إلى مراكز الرعاية الصحية بالخارج عبر منحهم تصاريح سفر لمغادرة القطاع. فضلاً عن مطالبتها برفع الحصار عن قطاع غزة الذي يمثل مصدراً للعديد من الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
مسيرات العودة الكبرى لا زالت مستمرةً ، ولذلك فإن هناك قلقاً جاداً من أن قوات الاحتلال الاسرائيلي ستعاود مرةً أخرى اللجوء للقوة المميتة بشكل مفرط وغير قانوني لقمع المتظاهرين الفلسطينيين في 30 مارس القادم الذي يواكب الذكرى السنوية الأول لبدء المسيرة . وفي ضوء ذلك يجب على إسرائيل الامتناع عن استخدام القوة المميتة ضد المدنيين الذين لا يشكلون خطراً محدقاً ، كما يجب عليها تغيير قواعد الاشتباك بما يتوافق مع القانون الدولي لحقوق الإنسان مع الأخذ بالاعتبار الطبيعة المدنية للمتظاهرين. كما يجب عليها أن تتعامل مع مسيرة العودة الكبرى من حيث معالجة الأسباب الداعية إليها عبر رفع الحصار المفروض بشكل غير
قانوني على قطاع غزة بشكل غير قانوني، وهو ما يشكل عقاباً جماعياً ويجعل غزة مكاناً غير قابلٍ للحياة. بالإضافة إلى تمكين اللاجئين من العودة إلى منازلهم وممتلكاتهم كما هو منصوصٌ عليه بالقانون الدولي.
——————-
[1] فريق الأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة “غزة بعد 10 سنوات”، يوليو 2017:
[2] تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن احتجاجات 2018 في الأرض الفلسطينية المحتلة “، 28 فبراير 2019:
[3] وزارة الخارجية الإسرائيلية، “حماس تحشد لمواجهات على حدود إسرائيل”، 6 إبريل 2018:
[4] جيروزاليم بوست، “لا يوجد مدنيون أبرياء في غزة على حد قول وزير الدفاع الإسرائيلي”، 8 إبريل 2018:
[5] هاآرتس، “القوات الإسرائيلية تنشر أكثر من 100 قناص على طول حدود غزة قبيل الاحتجاجات الجماهيرية”:
[6] اللجنة الدولية للصليب الأحمر، “القانون الإنساني الدولي وتحديات النزاعات المسلحة المعاصرة” ، ديسمبر 2015:
[7] تنص المادة 6 (1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن ” الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمى هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا.”
[8] المبادئ الأساسية لاستخدام القوة والأسلحة النارية من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون والتي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة
الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين، هافانا، كوبا، وعقد من 27 أغسطس إلى 7 سبتمبر 1990:
: https://www.ohchr.org/en/professionalinterest/pages/useofforceandfirearms.aspx
[9] المادة 5 (2) ، أنظرالمرجع 8.
[10] يش دين، “عريضة إلى محكمة العدل العليا تفيد ب: إلغاء قواعد الاشتباك التي تسمح بإطلاق النار الحي على المتظاهرين اللذين لا يشكلون خطراً بالقرب من السياج الفاصل في غزة” ، 15 أبريل 2018 :
[11] المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، “في الجمعة الـ 51 لمسيرة العودة وكسر الحصار: الاحتلال يقتل مدنيين فلسطينيين ويصيب 181 آخرين منهم 53 طفلا و5 نساء و3صحفيين ومسعف”، 22 مارس 2019: https://pchrgaza.org/ar/?p=16931
[12] المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، “في الجمعة الـ 51 لمسيرة العودة وكسر الحصار: الاحتلال يقتل مدنيين فلسطينيين ويصيب 181 آخرين منهم 53 طفلا و5 نساء و3صحفيين ومسعف”، 22 مارس 2019: https://pchrgaza.org/ar/?p=16931
[13] المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949
[14] المادة 8 (2) (أ) (1) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، 1988
[15] المادة 8 (2) (أ) (2) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، 1988
[16] قوات الدفاع الإسرائيلية ، “الأحداث على حدود غزة: أسئلة وأجوبة” ، 1 فبراير 2019:
[17] رويترز، “مسؤولون: إسرائيل تحقق في مقتل 11 فلسطينياُ في احتجاجات غزة: 13 مارس 2019: https://www.reuters.com/article/us-israel-palestinians-un/israel-investigating-11-palestinian-deaths-in-gaza-protests-officials-idUSKCN1QU2QK?feedType=RSS&feedName=worldNews
[18] المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، تقرير إحصائي حول الخسائر والأضرار التي لحقت بالمدنيين خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 2014″، 22 يونيو 2015: http://www.pchrgaza.org/files/2015/report_staics_2014.pdf
[19]قوات الدفاع الإسرائيلية، قرارات المدعي العام العسكري لجيش الدفاع الإسرائيلي فيما يتعلق بالحوادث الاستثنائية التي زُعم وقوعها أثناء عملية “الجرف الصامد”، التحديث رقم 6 ، 15 أغسطس 2018:
[20]المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، “المحاكم الإسرائيلية تمعن في قراراتها التي تحول دون وصول الضحايا الفلسطينيين إلى العدالة والإنصاف القضائي، وتجعله أمراً مستحيلاً”، 12 يناير 2019: https://pchrgaza.org/ar/?p=8862
[21] المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، “المركز يرحب بما جاء في تقرير اللجنة الأممية للتحقيق في الانتهاكات التي تخللت مسيرة العودة”، 28 فبراير 2019: https://pchrgaza.org/ar/?p=16809