يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بأشد العبارات، قصف قوات الاحتلال الإسرائيلي مركبة لمنظمة “وورلد سينترال كيتشن” (المبطخ المركزي العالمي) في خانيونس، ما أدى إلى استشهاد 5 فلسطينيين، منهم 3 من العاملين في المطبخ العالمي. وفي أعقاب القصف، أعلن المطبخ العالمي وقف عمله في قطاع غزة.
وهذه المــرة الثانيـة التي تستهدف قــوات الاحتلال فيها فريق المطبخ المركزي العالمي، إذ سبــق أن استهدفت مركبــة له في 1 إبريل/نيسان 2024 وسط قطاع غزة، ما أدى في حينه إلى استشهاد 7 من أعضائه، منهم 6 من جنسيات أجنبية، وهو الأمر الذي دفعه لوقف عمله في غزة للوقت الحالي.
ويعبر المركز عن مخاوفه بأن يكون القصف في إطار توجه الاحتلال الإسرائيلي لتكريس سياسة التجويع ووضع القيود على وصول المساعدات والمواد الغذائية، بما في ذلك وضع قيود على عمل المؤسسات الإغاثية الدولية، إمعانا في جريمة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.
ووفق المعلومات التي توفرت لباحث المركز، ففي حوالي الساعة 07:50 صباح السبت 30/11/2024 هاجمت طائرة إسرائيلية مسيرة، بصاروخ، مركبة جيب بيضاء اللون كانت متجهة شمالا على شارع صلاح الدين الرئيس بالقرب من شارع العبارة شمال خان يونس. أسفر القصف عن استشهاد ثلاثة فلسطينيين، كانوا يستقلون الجيب وتبين فيما بعد أنهم من العاملين في المطبخ المركزي العالمي. توجه عدد من السكان والمزارعين الذين كانوا شرق الطريق ناحية الجيب لمحاولة إنقاذ من فيه، فأطلقت طائرات الاحتلال صاروخًا ثانيا أدى إلى استشهاد اثنين منهم، وإصابة آخرين بجروح، ووصفت حالة أحدهم بالخطيرة.
والشهداء هم: عازم جلال محمد ابو دقه، 33 عاما ومحمد عادل محمد النملة 28 عاما، وعهد عزمي محمد قديح، 31 عاما وهم من العاملين في منظمة المطبخ المركزي العالمي. وعادل حسين احمد سمور، 35عاما وإبراهيم جميل عبد ابو لحية، 31 عاما من المدنيين الذين حاولوا المساعدة والإنقاذ.
وأفاد شاهد عيان لباحث المركز بما يلي:
“كنت أستقل سيارة تندر تسير على طريق شارع صلاح الدين، ونزلت عند شارع العبارة فإذا بسيارة جيب بيضاء اللون تسير بسرعة متجهة شمالا وكانت تبعد عني حوالي 40 مترا وتوقف الجيب فجأة، وسمعت صوت انفجار وشاهدت دخانا يتصاعد من الجيب الذي تحرك من الضربة حوالي 3 أمتار. أسرعت إلى الجيب واقتربت منه مسافة حوالي 17 مترا فسمعت صوت استغاثة من داخل الجيب يقول الحقونا الحقونا، وعندها سمعت صوت صاروخ آخر فارتميت أرضا وتساقطت بعض الحجارة وشظايا بالقرب مني، وبعد دقائق توقفت وأسرعت تجاه الجيب وسمعت صوت استغاثة مرة أخرى، وازداد عدد الناس الذين تجمهروا لإنقاذ من في الجيب وحوله، وعند اقترابي شاهدت حوالي 5 أشخاص على الأرض بجانب الجيب وداخل الجيب كان 3 أشخاص، السائق وبجواره آخر في الكرسي الأمامي، وفي وسط الكرسي الخلفي الثالث، كانوا يرتدون قبعات وبزة مكتوب عليها المطبخ العالمي وبلا حراك وشاهدت أحد أقاربي، 39 عاما، من سكان المنطقة التي وقع بها الحادث، وكان من بين الناس الذين أسرعوا ناحية الجيب بعد الصاروخ الأول لغرض الإنقاذ، وعندما رآني نادى علي فتقدمت نحوه وكان ينزف دما من فخذه الأيسر ويده، وسمعت أنينه من شدة الألم جراء إصابته. حملته بمساعدة آخرين ووضعناه في سيارة فيات مع مصاب آخر وأخذته إلى مستشفى مجمع ناصر الطبي.“
وإثر القصف، أعلن المطبخ تعليق أعماله في قطاع غزة، وقال في بيان له: يؤسفنا أن نشارك أن مركبة تقل زملاء في المطبخ المركزي العالمي تعرضت لغارة جوية إسرائيلية في غزة… لم يكن لدى المطبخ المركزي العالمي أي علم بأن أي فرد في السيارة له علاقات مزعومة بهجوم حماس في السابع من أكتوبر”.
ويشير المركز إلى أن قصف المركبة وما ترتب عليها من تعليق عمل المطبخ العالمي يأتي في وقت يعاني فيه جنوب قطاع غزة من تفشي الجوع نتيجة سياسات الاحتلال التي تعرقل وصول المساعدات وتمنع التنسيق الرسمي للبضائع للتجار، وهو ما ترتب عليه نفاد الطحين من الأسواق وارتفاع سعره عدة مرات.
ونتيجة نفاد الطحين من الأسواق وعدم توزيعه يتكدس الآلاف قرب المخابز القليلة التي تعمل. نجم عن هذا التكدس والتدافع وفاة امرأة وطفلتين صباح أمس الجمعة 29/11/2024. ووفق المعلومات التي توفرت لباحث المركز، ففي صباح أمس الجمعة، وصل لمستشفى شهداء الأقصى ثلاث إناث( سيدة وطفلتين) جثث هامدة، بعد اختناقهن جراء الازدحام والاكتظاظ والتدافع من ألاف المواطنين أمام مخبز البنا الآلي المدعوم من برنامج الغذاء العالمي الواقع بشارع عكيلة بمدينة دير البلح بالمحافظة الوسطى، وذلك للحصول على ربطة من الخبز، كما أصيب عدد آخر من المواطنين بالاختناق الشديد.
ومن شأن وقف عمل المطبخ العالمي أن يحرم آلاف الأسر التي كانت تعتمد على ما يقدمه المطبخ من وجبات وبالتالي مفاقمة أزمة الجوع.
ويشير المركز إلى أن الاحتلال يمنع دخول المواد الغذائية بكميات كافية، وإن دخلت إلى القطاع بكميات محدودة، يوفر الحماية لمجموعات من اللصوص لسرقتها، وبيعها بأسعار مضاعفة، وإن دخلت كميات محدودة يمنع وكاله الأونروا من توزيعها وإيصالها للمحتاجين، وان خزنت يقصفها، ويستهدف العاملين في المنظمات الدولية العاملة في تأمين احتياجات الطعام، وهذا هو النموذج للذهنية المركبة لدى الاحتلال الذي يمارس التجويع كجزء من جريمة الإبادة الجماعية.
ويؤكد المركز أن استمرار مثل هذه الهجمات المشينة هو نتيجة طبيعة لسياسة الإفلات من العقاب التي تحظى بها إسرائيل، ونتيجة لازدواجية المعايير التي يتعامل بها المجتمع الدولي مع الاحتلال الإسرائيلي من خلال التغاضي عن الجريمة الأخطر التي يرتكبها الاحتلال وهي الإبادة الجماعية.
وفي ضوء ذلك، يطالب المركز المجتمع الدولي بعدم الاكتفاء بالإدلاء بالبيانات وإدانة الهجمات العسكرية الإسرائيلية غير القانونية وما تفضي إليه من قتل لأعضاء الفرق الإنسانية، والمدنيين والمدنيات وتجويعهم، بل اللجوء إلى خطوات عملية فورية لإجبار إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، على وقف إطلاق النار، بل وضمان تحقيق المساءلة على جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها اسرائيل في قطاع غزة.
ونطالب المجتمع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة كافة إلى بذل جهد حقيقي وفعال لضمان توفير المساعدات الغذائية والدوائية، وكذلك المياه الصالحة للشرب للسكان بآليات تضمن حماية أرواحهم وكرامتهم.