يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بشدة استمرار استهداف وقتل الصحفيين والصحفيات بشكل متعمد من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب الإبادة التي تشنها على الفلسطينيين في قطاع غزة منذ عام، وذلك استمرارا لمحاولاتها تغييب الحقيقة. آخر هذه الجرائم المتعمدة كان مقتل الصحفي حسن عبد الرحيم حمد، 19 عاماً، صباح اليوم خلال تغطيته أحداث القصف الإسرائيلي على مخيم جباليا، شمال غزة.
ووفق المعطيات، في حوالي الساعة 6:50 صباح اليوم الأحد الموافق 6 أكتوبر 2024، استهدفت قوات الاحتلال منزل الصحفي حمد، ويعمل مع شركة ميديا تاون، ومتعاون مع عدة مؤسسات إعلامية، ما أدى إلى مقتله وتحوله إلى أشلاء، خلال عمله على تصوير وتغطية التوغل والقصف الإسرائيلي من منزله في مخيم جباليا شمال غزة. وعمل الصحفي طوال الليلة الماضية وحتى قبل نصف ساعة من استهدافه على نشر مقاطع فيديو وتسجيل مقاطع صوتية حول تطورات الأحداث في مخيم جباليا. وسبق أن تلقى الصحفي حمد، بتاريخ 13 مايو/أيار 2024، رسالة عبر رقمه على واتساب، من رقم هاتف إسرائيلي، تحمل تهديدا بقتله واستهداف عائلته إذا واصل النشر ضد إسرائيل.
ويرتفع عدد الصحفيين الذين قتلوا على أيدي قوات الاحتلال منذ السابع من أكتوبر 2023، إلى (174) صحفياً، وفق المكتب الإعلامي الحكومي، وهو العدد الأعلى في العالم منذ بدء الإحصاء للقتلى الصحفيين في العام 1992. بين هؤلاء القتلى (13) صحفية. وقتلت الغالبية العظمى من الصحفيين (170) خلال غارات جوية، سواء من الطائرات الحربية، وطائرات الاستطلاع، بينما قتل (4) آخرون جراء إطلاق النار عليهم من قناصة. العدد الأكبر من الشهداء الصحافيين وعددهم (72) قتلوا هم وعائلاتهم خلال عمليات استهدفت منازلهم، فيما قتل (53) صحفياً خلال جرائم القصف العشوائي على امتداد حرب الإبادة المستمرة، وقتل (25) صحفياً خلال استهداف مباشر، وقتل (24) صحفياً خلال قيامهم بمهام صحفية ولم يتم التأكد من قتلهم عن عمد. كما أصيب خلال العدوان (185) صحفياً آخرون في ظروف مختلفة. هذا عدا عن نشطاء التواصل الاجتماعي الذين استهدف الاحتلال عددا كبيًرا منهم ودأب على التحريض عليهم وتهديدهم بالقتل إذا لم يصمتوا.
وتسعى إسرائيل عبر قتل الصحفيين/ات وتغييبهم إلى احتكار الرواية، حيث لا تريد أن يرى العالم الجرائم التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني، في وقت تمنع فيه الطواقم الصحفية الدولية من الوصول إلى غزة وتغطية حرب الإبادة، وكل ذلك في إطار عملية شاملة تمارس فيها الإبادة الجماعية ومجموعة جرائم دولية أخرى تحاول من خلالها ترسيخ نكبة ثانية ضد 2.3 مليون فلسطيني/ة في قطاع غزة منذ العام.
يرى المركز أن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يمعن في اتباع سياسة ممنهجة للقضاء على الصحافة في قطاع غزة، من خلال الاستهداف المباشر وعدم إعطاء أي اعتبار للشارة الصحفية، علماً أن هناك صحفيين قتلوا خلال ارتدائهم زي الصحافة المميز، ويباشرون أعمالهم، وفي مكان معروف لقوات الاحتلال.
يؤكد المركز أن استهداف الصحفيين/ات جاء بهدف الاستفراد بالضحية وتغييب نقل وقائع الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال ضد المدنيات والمدنيين في قطاع غزة. ولذلك نطالب المجتمع الدولي بإدانة استهداف العاملين بالصحافة بشكل علني، والضغط على دولة الاحتلال لوقف استهدافهم بشكل فوري، والعمل دون تأخير على توفير حماية دولية للمدنيات والمدنيين بما فيهم للصحفيات والصحفيين في قطاع غزة.
يعيد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان التذكير بأن الصحفيين/ات يتمتعون بحماية خاصة بموجب القانون الدولي الإنساني شأنهم في ذلك شأن المدنيين/ات. فوفقًا للمادة 79 من البروتوكول الأول الملحق لاتفاقيات جنيف الأربع، والتي وصلت لمستوى القانون العرفي الدولي، “يعد الصحفيون الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق النزاعات المسلحة أشخاصاً مدنيين ضمن نطاق الفقرة الأولى من المادة 50”. كما يتمتع هؤلاء بحماية القانون الدولي لحقوق الإنسان، وخصوصًا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه دولة الاحتلال الإسرائيلي، وترفض الاعتراف بانطباقه على سكان الإقليم المحتل، تمامًا كما تنكر انطباق القانون الإنساني الدولي عليهم.
ويؤكد المركز أن القتل العمد للصحفيين/ات يعد جريمة حرب تقع ضمن اختصاص المحكمة الدولية، وفقًا للمادة 8 من نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة. كما يعد حرمانًا تعسفيًّا من الحياة وفقًا للمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويستوجب مساءلة مرتكبيه. كما ويعد استهداف الصحافة اعتداء على الحق في حرية الصحافة وحرية التعبير المكفولة وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وخصوصًا المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وإزاء ذلك، يطالب المركز المجتمع الدولي بالضغط على دولة الاحتلال لوقف استهداف الصحفيين بشكل فوري، والعمل دون تأخير على توفير حماية دولية للمدنيين/ات بما فيهم للصحفيات والصحفيين في قطاع غزة، وتفعيل أدوات الضغط على سلطات الاحتلال بوقف جرائمها والامتثال لقواعد القانون الدولي، وحماية المدنيين. كما ونطالب أجسام الصحافة الدولية منها الاتحاد الدولي للصحفيين بالتحرك العاجل للضغط على الاحتلال محاسبته على قتل واستهداف الصحفيات والصحفيين في فلسطين وبالتحديد في قطاع غزة.
كما يدعو المركز المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية للتسريع باتخاذ إجراءات عملية لإنجاز التحقيق بالجرائم المرتكبة على إقليم دولة فلسطين، بما فيها جرائم قتل الصحفيين/ات، الذين يدفعون حياتهم ثمنًا لإظهار الحقيقية، والمضي بالخطوات اللاحقة، وخصوصًا، أن الضحايا في فلسطين طال انتظارهم للعدالة والانصاف. كما ندعو المقررة الخاصة المعنية بحرية الرأي والتعبير بالأمم المتحدة إلى تعزيز وتكثيف الجهود لحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، والتحقيق في جرائم الاحتلال المقترفة بحق الصحفيين ووسائل الاعلام في الأرض الفلسطينية المحتلة.