صباح نعيم مصطفى الدقس، 44 عاما، متزوجة، وأم لـ 8 أبناء، سكان مخيم جباليا شمال غزة.
تاريخ الإفادة: 23/10/2024
بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر2023، بقينا في منزلنا المكون من طابقين بمخيم جباليا، ولم نغادره، رغم أن القصف اشتدت في المخيم، وارتكب الاحتلال العشرات من المجازر المروعة داخله، وكنّا نسمع يومياً أصوات الانفجارات والاستهدافات المتواصلة للمنازل، كما شهد المخيم نزوح العشرات من العائلات من المناطق الشرقية والشمالية لوسط المخيم هروباً من القصف والموت، وأصبح المخيم مكتظاً جداً بالسكان.
ومع الإعلان عن الهدنة الإنسانية، أذكر بتاريخ 24/11/2023 اعتقدنا تماماً بأن الحرب قد أوشكت على الانتهاء ولا يوجد داعٍ للنزوح لأي مكان آخر خارج منزلنا، إلا أننا كنا مخطئين، لأنه فور انتهاء أيام الهدنة الإنسانية اجتاحت قوات الاحتلال مخيم جباليا للمرة الأولي.
بتاريخ 7/12/2023، تقدمت قوات الاحتلال صوب المخيم، تزامن ذلك مع اشتداد القصف الجوي والمدفعي وتوالت القذائف العشوائية والقنابل الدخانية نحو منازل المخيم، مما اضطرنا إلى النزوح إلى بيت أهلي (عائلة عطا لله) والكائنة في غزة – حي الدرج – شارع الصحابة، رغم صعوبة الطريق، حيث خرجنا من المخيم تحت إطلاق النيران من بين الشوارع الفرعية ومشياً على الأقدام، حتى وصلنا لمنطقة الصحابة.
في منتصف 12/2023، تقدمت أيضا الآليات الإسرائيلية إلى حي الدرج والتفاح، وكان الوضع صعبًا جداً داخل منطقة الصحابة، وخاصة الشارع (يمن) الذي يتواجد به منزل والدي، حيث شهد العشرات من الاستهدافات الإسرائيلية التي طالت منازل المواطنين به ما أدى إلى عشرات الشهداء والمصابين، واضطررت للنزوح مع عائلتي وأهلي إلى منطقة غرب مدينة غزة “الصناعة”.
فور انسحاب قوات الاحتلال من جباليا ولا أذكر التاريخ، رجعت أنا وعائلتي إلى منزلنا الأساسي بمخيم جباليا، فوجدنا منزلنا مدمراً جزئياً، لأنه تعرض لقذيتين خلال الاجتياح، إلا أننا قمنا بتنظيفه وسكنا به. بقينا في منزلنا حتى تاريخ الاجتياح الثاني لمخيم جباليا، وذلك في شهر مارس 2024، حيث تقدمت قوات الاحتلال للمرة الثانية وبشكل مفاجئ إلى شمال غزة وبالتحديد مخيم جباليا. تزامن ذلك مع إطلاق المدفعية عشرات القذائف والقنابل التي كانت تسقط في كل أرجاء المخيم بشكل عشوائي، ولا يخفى أيضا انتشار طائرات كواد الكابتر بكل شوارع المخيم، وبذات اللحظات ألقت الطائرات عشرات المنشورات التي تطلب فيها من جميع سكان محافظة شمال غزة للنزوح من المخيم كونها منطقة قتال خطيرة.
اضطررنا مرةً أخرى للنزوح لبيت أهلي الكائن في حي الدرج، وفور انسحاب قوات الاحتلال بمنصف شهر 4/2024م، وبعد انتهاء العملية العسكرية داخل المخيم، رجعت أنا وعائلتي لمكان لمنزلنا بجباليا، حيث كانت منطقة المخيم شبة مدمرة بالكامل كامل، وبيتنا مدمراً جزئياً بدرجة بليغة إلا أنه قائم فقمنا بترميمه بقدر المستطاع وسكنا به حتى تاريخ نزوحنا الأخير.
بتاريخ 5/10/2024، كنت وعائلتي في منزلنا كعادتنا، ومع حلول ساعات الظهر، وبصورة مفاجئة، عم الضجيج والفوضى داخل المخيم، حيث كنا نسمع أصواتا بعيدة نوعا ما لإطلاق النار والقذائف. لم يخطر ببالنا أنها قوات الاحتلال تمهد الطريق لاقتحام المخيم، وبالفعل خرجنا للشارع لمعرفة ماذا يدور بالخارج؟ فسمعنا الجيران يقولوا (جيش الاحتلال دخلوا المخيم)، على إثر ذلك قمت بتحضير بعض حقائبنا الشخصية تحسبناً لأي طارئ.
انتشرت حالة الهلع والخوف داخل المخيم، وتمكنت الآليات بصورة مفاجئة من إغلاق كل منافذ وشوارع المخيم الرئيسية وإحكام سيطرتها عليه، ومحاصرة شمال غزة وفُصل مخيم جباليا عن باقي المدن المجاورة، ولم نستطع الخروج من المنزل وأصبحنا عالقين داخله. رغم أننا قررنا مغادرة المنزل لكن طائرات (الكواد كابتر) كانت منتشرة في أجواء الشمال، وفى كل شارع كانت الطائرات المسيرة التي تطلق نيران رصاصها على كل شخص يقوم بالتحرك. وقد سمعنا كثيراً من جيرانا عن مقتل العديد من أقربائهم خلال نزوحهم بفعل الطائرات المسيرة، مما جعلنا نتراجع عن فكرة النزوح والبقاء في بيتنا.
بدأ الحصار يشتد علينا مع قرب نفاد الطعام والشراب داخل المنزل، ولا يمكننا الخروج من المنزل لإحضار الطعام أو تعبئة المياه لخطورة الوضع بالخارج، حيث إن القذائف والقنابل كانت تنهال على المخيم كالمطر، دون أن نعلم مصدر إطلاقها ولا مصدر تفجيرها.
طيلة فترة حصارنا منذ تاريخ 5/10/2024 حتى تاريخ 22/10/2024، كان صوت إطلاق القذائف والقنابل لا يتوقف ولا للحظة، صوت إطلاق الأعيرة النارية من الدبابات الإسرائيلية لا يتوقف، وكذلك مسيرات الكواد كابتر وإطلاقها الأعيرة النارية على الشوارع وأسطح المنازل وأي شخص يتحرك، وجميع ذلك قد عايشناه بفترات الحصار السابقة التي ذكرتهم أعلاه ولكن ليس بتلك القوة الهائلة، هذه المرة كان أعنف وأقوى وأشد بكثير.
ما هو جديد بهذا الحصار ويختلف عن الحصارات السابقة هو نسف المباني وبالتحديد ما يحصل في ساعات الليل ابتداء من الساعة 8:00 مساء بفعل الروبوتات التي تطلقها قوات الاحتلال، حيث اعتدنا على سماع صوت الروبوتات (تحديداً مثل صوت الماتور) كل ليلة، وهي تتحرك وتهتز بصوتها الكبير وتقوم بتفجر المنازل على رؤوس ساكنيها، حيث علمنا لاحقا بأن قوات الاحتلال تستخدم هذه الروبوتات لنسف المباني السكنية، وقد تم تفجير مربعات سكنية بالكامل داخل المخيم على رؤوس ساكنيها، وهذا ما شاهدناه خلال خروجنا من المخيم.
لقد عشنا تلك الفترة أسوأ أيام حياتنا، وأشدها قسوة منذ بدء الحرب. كنا قرابة 20 شخصا داخل المنزل وعدد من النازحين من أقارب زوجي، جميعاً نجلس داخل الصالة منتصف الشقة الأرضية، ولا نستطيع القيام بأي شيء حتى لا يشعر الجنود بوجودنا داخل المنزل، وحتى أننا لا نستطيع التحرك داخل الشقة كون أن الأمر مرتبط بإطلاق الرصاص من المسيرات التي كنّا نسمع صوتها من مكان تواجدنا بالشقة، فلم نكن نُشعل النيران من أجل الطبخ وخلافه، سيما وأن كل طعامنا كان عبارة عن معلبات أو الزعتر والدقة.
بتاريخ 18/10/2024، حاول زوجي الصعود الى سطح المنزل ليرى ما الذي يحصل بالشارع، ومعاينة خزانات المياه التي أوشكت على النفاد، ومحاولة تأمين خروجنا من داخل المنزل، حيث سقطت عليه قذيفة وهو على سطح المنزل مما أدى لإصابته في يده اليمنى.
بتاريخ 20/10/2024، حوالي الساعة 3:00 مساءً، تعرض المنزل المجاور لنا من الناحية الشرقية الشمالية وهو منزل لأبناء عم زوجي (عائلة الدقس) لقصف بصاروخ من طائرات الاحتلال الإسرائيلية، سقط بشكل مباشر على المنزل ومن بداخله من سكانه، حيث استشهد جميع من بالمنزل وعددهم 15 شخصا وجميعهم تحت الركام حتى هذه اللحظة. أما نحن فقد نجونا من الموت بأعجوبة من هذا الاستهداف فقد تضرر الطابق العلوي بالكامل، والطابق الأرضي الذى كنا نتواجد به فقد تم تفريغ كامل أسواره تقريباً، وتناثرت علينا الحجارة والركام، وبعضنا تم انتشاله من تحت (أعمدة باطون)، وجميعاً خرجنا مصابين نتيجة هذا الاستهداف.
على الفور قررنا الخروج من المنزل، والتوجه لمنزل صديق لزوجي في مشروع بيت لاهيا – بجوار مستشفى كمال عدوان، حيث خرجنا بصعوبة وأعجوبة تمكنا من التنقل والتوجه لذلك المنزل من داخل المخيم عبر الطرق الالتفافية ومن بين أزقة المنازل، وأثناء مرورنا كنّا نسمع المسيرات وهي تُطلق النيران، ولغاية هذه اللحظة لا نعلم كيف وصلنا بسلام لمنزل صديق زوجي.
بتاريخ 22/10/2024، حوالي الساعة 4:00 مساء، ونحن داخل المنزل، سمعنا صوت مسيرة (كواد كابتر) تعتلي جهاز صوتي (ميكروفون) ويخرج منها صوت بلغة عربية يقول: “على جميع السكان الخروج من منازلهم فوراً ويحملوا راية بيضاء والتحرك تجاه دوار زايد”. أصابنا الخوف والرعب أكثر فأكثر، لا نعلم ماذا سنفعل، لكن بعد لحظات سمعنا أصوات الناس وهي بالخارج في الشارع. تمكنت من النظر من نافذة المنزل لأجد أفواج من الناس تخرج من منازلها وتحمل رايات بيضاء، متجهين بالفعل لدوار زايد. على إثر ذلك فعلنا مثلهم تماماً وخرجنا رافعين رايات بيضاء، مشينا جميعنا عبر شارع مستشفى كمال عدوان، وأثناء مرورنا كان صوت القذائف والقنابل لا يتوقف والانفجارات تزداد، حتى طائرات كواد كابتر كانت فوق رؤوسنا تماماً.
عند وصولنا إلى دوّار زايد بناءً على أوامر قوات الاحتلال، كان هناك العشرات من الآليات العسكرية ما بين دبابات وعربات نقل وجرافات، لا يمكن عدهم، أكثر من 50 آلية، بالإضافة لعشرات من الجنود ممن يحيطون المكان يفوق عددهم الـ 150 جندي، وكأنك متجه لقاعدة عسكرية من كثرة الجنود والأليات الموجودة بالمكان.
لحظة وصولنا للدوار كان هناك العشرات من النازحين من الرجال والنساء والأطفال، وعبر مكبرات الصوت، طلب منا الجنود فصل النساء والأطفال عن الرجال، حيث بقي كل من هو فوق سن 15 سنة من الرجال في منطقة الدوار، لا نعلم ماذا حل بهم من بينهم زوجي محمود عبد الكريم الدقس وابني عبد الرحمن محمود عبد الكريم الدقس. أما نحن النساء والأطفال فطلب منا الجنود السير بسرعة والتوجه عبر خط صلاح الدين والتوجه نحو المنطقة الإنسانية في جنوب القطاع، إلا أننا رفضنا التوجه للجنوب وخلال سيرنا مشياً على الأقدام تمكنا من المرور من شوارع التفافية حتى تمكنا من الوصول لمدينة غزة، أما زوجي وابني فقد وصلوا بعدنا بقرابة ساعتين وأكثر.
I was recommended this website by my cousin I am not sure whether this post is written by him as nobody else know such detailed about my trouble You are amazing Thanks
[…] تطهير عرقي رغم كل التحذيرات الدولية، وهو ما وثقه المركز من خلال شهادات قاسية تظهر أوضاع السكان المحاصرين في […]
[…] نسف وتدمير باستخدام روبوتات مفخخة، حيث أفادت المواطنة صباح نعيم الدقس، 44 عامًا، من سكان مخيم جباليا، لباحث المركز بما يلي: […]