فهد محمد شحادة نصار، 36 عاما، متزوج، من سكان مشروع بيت لاهيا.
منزلنا مساحته 180 متر، مكون من 4 طوابق، أعيش فيه مع أسرة ممتدة، 3 عائلات قوامها 10 أفراد منهم 3 نساء و3 اطفال لأخي، وباقي الطوابق يسكن بها أعمامي.
منذ 7/10/2023، بداية العدوان على غزة من الاحتلال الإسرائيلي، ونحن في المنزل رغم القصف المدفعي، وقصف طائرات الاحتلال الإسرائيلي، حيث كنا نسمع صوت القصف في منازل جيراننا، وفي الأراضي الزراعية وفي المقبرة وفي كل مكان من حولنا.
قبل الهدنة (24/11/2023) بحوالي أسبوع، اشتد القصف وصار ما يسمى أحزمة نارية، ومن قصف الطائرات الحربية دمرت منازل كليا لجيراننا من عائلات حماد، والكريري، وأبو صفية، وأبو اللبن، ومسجد التقوى. خرجنا مجبرين نازحين إلى مستشفى كمال عدوان خوفا على حياتنا، على أمل أن نعود في اليوم التالي، إلاّ أن نزوح الناس ازداد، وازدحمت المستشفى بالنازحين من السكان، ولم نعد إلى المنزل لخطورة مكانه.
مكثنا في المستشفى، وكان الرجال منا ينامون على بسطات الدرج، والنساء في الممرات، طبعا الفرشة بطانية والغطاء بطانية. وبعد 5 أيام صارت الهدنة، حاولنا العودة إلى المنزل لكن المكان كان مخيفا ولا يوجد خدمات، ولا يوجد أي شخص في المنطقة، فعدنا إلى المستشفى التي كانت تعج بالنازحين. ومرت علينا أيام صعبة في توفير الطعام والشراب، كنا فيها نعتمد على المعلبات … كيس الدقيق وصل ثمنه 600 شيكل، والخضروات نادرة فأصبح كيلو الطماطم 25 شيكل، واستخدام الحمام يستغرق نصف ساعة انتظار في الطابور لتتمكن من قضاء حاجتك.
في حوالي الساعة 10:00 صباح 1/12/2023، استأنفت قوات الاحتلال الإسرائيلي العدوان على غزة وعشنا أياما مرعبة، حيث بدأت قوات الاحتلال تقصف أماكن في محيط المستشفى. وفي صباح 9/12/2023، اشتد الحصار على مستشفى كمال عدوان وكان أي شخص يحاول الخروج من الباب الشمالي أو الغربي للمستشفى تطلق طائرة كواد كابتر النار عليه، أو تستهدفه طائرة استطلاع. ففي صباح ذلك اليوم، خرج ثلاثة شبان من باب المستشفى الشمالي أحدهم ابن خالي وهو منهل صلاح نصار، 45 عاما، وحسين العبادي، 29عاما، والثالث لا أعرفه، فاستهدفتهم طائرة استطلاع بصاروخ ما أدى إلى مقتل ثلاثة أحدهم من الشارع، وأصيب ابن خالي بشظايا في قدميه، حيث تم سحبهم من الشبان بعد ساعات من إصابتهم وبعد مغادرة طائرة الاستطلاع الأجواء. وفي صباح 10/12/2023، خرج شاب من عائلة لبد من المستشفى أيضا فأطلقت طائرة كواد كابتر النار عليه أسفر عن مقتله، وأدخلوه الشبان إلى المستشفى. وفي حوالي الساعة 11:00 صباح 11/12/2023، حاول شاب الخروج من المستشفى من الباب الغربي فأطلقت طائرة كواد كابتر النار عليه فأصيب في صدره وكانت إصابته خطيرة ولا اعرف هل استشهد أم لا يزال حيا.
في حوالي الساعة 11:30 صباح 12/12/2023، كان جنود الاحتلال الإسرائيلي قد تقدموا واقتربوا وحاصروا المستشفى من الباب الغربي والشمالي، ونادوا علينا بمكبرات الصوت بأنه على الرجال من سن 16 إلى 60 عاما الخروج من المستشفى. فبدأنا بالخروج واحداً واحداً على شكل طابور من أمام جنود الاحتلال. وبعد السير 20 مترا من باب المستشفى، أمروني كغيري بخلع ملابسي ماعدا الملابس الداخلية (البوكسر). ثم سرنا مسافة 300 متر وأثناء السير حدث اشتباك مع جنود الاحتلال، فأجلسونا 5 دقائق على الأرض ثم أمرونا بالوقوف واستئناف السير إلى حديقة الحيوان التي كانت مجرفة وبها 3 حفر إحداها حفرة كبيرة، وكان يوجد كاميرا منصوبة، وطلب منا المرور أمامها 5 أشخاص، 5 أشخاص.
بعد مروري أمام الكاميرا اقتادوني أنا وآخر إلى الحفرة الصغيرة بعد أن قيدوا يدي للخلف بقيود بلاستيكية وعصبوا عيني بقطعة قماش أنا والشخص الآخر، وجمعونا في الحفرة حسب ما اعتقد كان عددنا حوالي 150 معتقلا. ثم شدوني خارج الحفرة، وفكوا قيودي والعصبة وأعطوني قميص وبنطال واسعين ارتديتهما، ثم أخذوا هويتي وخاتم فضة (الأمانات)، ووضعوا في يدي حلقة بلاستيكية بها رقم الأمانات، وقيدوا يدي للخلف بقيود بلاستيكية وأعصبوا عيني بقطعة قماش وأجلسوني على ركبي ووجهي إلى الأرض في وضع السجود، من5 إلى 10 دقائق. ثم سحبوني إلى بناية ودفعوني إلى غرفة كان بها جندي وحقق معي مدة 15 دقيقة كان أكثرها سب وشتم وألفاظ نابية باللغة العربية. اقتادوني إلى شاحنة مكشوفة جوانبها صفيح حديد، وكانت القيود في يدي كلما حركت يدي ضغطت القيود على يدي حتى تمنيت الموت من شدة الألم في معصمي.
في حوالي الساعة 9:00 مساء، تحركت بنا الشاحنة والشتائم والسب والألفاظ النابية من جنود الاحتلال كلما تحرك أحد أو صرخ من آلام القيد. سارت الشاحنة بنا عن طريق القرية البدوية إلى حاجز ايرز شمال بيت حانون، حيث كنت أشاهد بعض الشيء من تحت العصبة. وعند وصولنا إيرز، أنزلونا من الشاحنة على ركبنا على أرض من الحصى، وما إن جلسنا على ركبنا على الأرض بدأ المطر بالهطول بغزارة وتساقط علينا برد وكان أحدهم يرجمنا بحصى، وقد استمر المطر حوالي 30 دقيقة، فصرنا نصرخ: أدخلونا من المطر.
بعد المطر أدخلونا إلى غرفة أرضيتها بلاط ولكن بها وحل من رمال وطينة ونحن حفاة. وبعد حوالي 15 دقيقة، أخرجونا من الغرفة، وكان عددنا حوالي 30 معتقلا، وفكوا قيودنا والعصبة عن أعيننا، وأمرونا بخلع الملابس التي نرتديها كاملة كما ولدتنا أمهاتنا أمام الجنود والمجندات، وأعطونا افرهول ابيض اللون_ كالذي كانت الطواقم الطبية ترتديه إبان جائحة كورنا، وقيدوا يدي للخلف وعصبوا عيني بقطعة قماش، وأدخلونا في غرفة وأمرونا بالنوم.
في اليوم التالي 13/12/2023، لا طعام ولا شراب والحمام بصعوبة يسمحون لك الذهاب إليه. كنت أسمع صوت الجنود عندما يأخذون أحد المعتقلين للتحقيق في الغرفة المجاورة، حيث كنت أسمع المعتقلين وهم يصرخون من التعذيب والضرب أثناء التحقيق معهم. وفي حوالي الساعة 12:00 ظهرا، أثناء محاولتي التحرك لأرتاح على الجانب الآخر قام أحد الجنود بضربي بحذاء الجيش الذي يرتديه (بسطار)، في وجهي، فنزفت دما من أنفي، وعندما قلت للجندي حرام عليك ضربني بقدمه أسفل بطني فصرخت من الالم، وبقيت أتألم حتى الساعة 6:00 مساء. سحبوني كغيري من القيود مع الشتائم والسب، وأصعدونا إلى ناقلة جند نقلتنا إلى مكان لا أعرف أين، وأنزلونا في ساحة وفكوا قيودنا والعصبة وأمرونا بخلع ملابسنا وأعطوني ملابس داخلية (بوكسر وشباح)، وبيجاما سكنية اللون. ارتديت الملابس ثم أعادوا تقييد يدي للخلف بقيود بلاستيكية وعصبوا عيني بقطعة قماش، ووضعونا في بركس محاط بالشبك مسقوف بألواح الصفيح (زينكو)، وارضيته من الحصى، وبعد حوالي 10 دقائق أعطوني الهوية وأدخلوني إلى غرفة بها مجندة أخذت الهوية مني وسألتني هل تعاني من أمراض فأجبتها اني اعاني من نزلة برد فقالت لي لا يهم وألبستني حلقة بلاستيكية بها رقم اعتقالي وهو058951، وأمرتني بالخروج. أخرجوني من الغرفة إلى ناقلة جند ودفعني أحدهم إلى داخلها وهو يسب ويشتم.
بعد 10 دقائق جمعونا داخل الناقلة التي نقلتنا إلى مكان مجهول لا اعرف أين. أنزلونا من الناقلة وأعطونا فرشة سمكها أقل من 1 سم، وبطانية، وأدخلوني الى بركس أرضيته باطون، وكان عددنا 30 معتقلا، وأمرونا بالنوم، حيث كانت الساعة 10:30 مساء موعد النوم.
مكثت في الاعتقال 37 يوما، تعرضت فيها للتحقيق مرتين. الأولى بعد 9 أيام، وكانت مدة التحقيق 15 دقيقة، سألني بها المحقق أين كنت في 7/10/2023، وهل أنا من حماس، وطبعا السب والإهانة والألفاظ النابية من المحقق. والمرة الثانية كانت بعد ذلك بـ 5 أيام وتكررت نفس الأسئلة ونفس الشتائم والاهانة. وأدخلوا علينا الكلاب ٣ مرات على ما أذكر، وكانوا في كل مرة يأمرونا بالنوم على البطن والأيدي على الرأس، ويدخلون كلاب كبيرة الحجم علينا تسير بيننا وعلى بعض المعتقلين، ويستغرق ذلك أكثر من 30 دقيقة.
كانت كمية الطعام قليلة، في 6:00 صباحا قطعتان من الخبز وجبن وخيارة، الغداء 4 سندويشات وحبة طماطم، والعشاء لبنة وقطعتا خبز وتفاحة. الاستحمام يوم الاثنين والخميس، والصلاة تيمم لا وضوء. وطول فترة الاعتقال كان الوقوف ممنوع، تجلس على ركبتيك على الأرض مقيد بقيود حديدية باليدين للأمام ومعصوب العينين من الساعة الخامسة صباحا حتى العاشرة ليلا. يوجد شاويش من المعتقلين هو من يوزع علينا الطعام أو يأخذنا إلى الحمام أو يأتي لنا بمياه الشرب من صنبور ماء في البركس. العد أو ما يسمى “سفرا” أربع مرات يوميا: الساعة 6 صباحا، الساعة 12:00 ظهرا، الساعة 6 مساء، والساعة 10:00 ليلا قبل النوم.
في حوالي الساعة 9:00 صباح الخميس 18/1/2024، جاء جندي ومعه كشف أسماء نادى على 8 معتقلين كنت أنا منهم ثم غادر. وفي حوالي الساعة الواحدة مساء عاد الجندي ونادى علينا وأمرنا بأخذ الفرشة والغطاء، واقتادنا إلى بركس آخر يوجد به 30 معتقلا آخرين، وفي حوالي الساعة11:00 ليلا عاد الجندي وأمرنا بالنوم بجوار الباب.
في حوالي الساعة 3:00 فجر الجمعة 19/1/2024، أخرجنا الجندي من البركس وفك قيد الحديد وقيد يدي للخلف بقيد بلاستيك وعصب عيني وأعطاني الهوية والخاتم وضعها في ظرف، وأصعدوني في باص وصاروا يصعدون في الباص معتقلين آخرين.
بعد حوالي ساعتين سار بنا الباص ايضا حوالي ساعتين، حيث وصل معبر كرم ابو سالم، انزلونا من الباص وفكوا قيودنا، وكان عددنا 35 معتقلا، و5 نساء. وأمرنا جنود الاحتلال الإسرائيلي بالسير إلى الامام، فسرنا حوالي 200 متر ثم انحرفنا يميناً فقام جنود الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق النار في الهواء لأننا أخطأنا الطريق، فعدنا إلى الخلف حيث انحرفنا وسرنا مسافة 100 متر اخرى فوجدنا سيارتي باص تابعة لوكالة الغوث. ركبنا الباصات وأخذونا الى بركس على بعد 200 متر غربا وكان يوجد فيه موظفين من الصليب الأحمر. دخلنا الحمام، والبسونا وقدموا لنا الطعام، ثم نقلونا إلى مركز إيواء مدرسة الطائف الإعدادية للذكور في الحي برفح واجلسونا في خيم كل 7 في خيمة. وانا حتى الآن لم أتواصل مع أهلي في الشمال. أعاني هنا في الخيمة لأنه لا يوجد معي نقود وأعتمد في الطعام على ما يتم تسليمي إياه من مركز الايواء من معلبات. نعاني من البرد وخاصة أيام المنخفضات، ففي المنخفض الاخير غرقت خيمتنا والفرش، وأمضينا طوال الليل واقفين نخرج الماء من الخيمة. اتمنى أن تنتهي هذه الحرب وأعود لمقابلة أهلي والعيش معهم.
نسخة تجريبية