يوليو 24, 2025
من بين ركام المجزرة.. كنت الناجية الوحيدة: شهادة نور عن إبادة عائلتها بالكامل
مشاركة
من بين ركام المجزرة.. كنت الناجية الوحيدة: شهادة نور عن إبادة عائلتها بالكامل

تاريخ الإفادة: 8/7/2025

أنا نور أيمن أحمد الجمال، 24 عاماً، أحمل شهادة بكالوريوس في التمريض العام. قبل النزوح كنت أعيش مع عائلتي في حي الشجاعية، شارع حسنين.

عائلتنا كانت مكونة من 9 أفراد: أبي، أيمن أحمد حسن الجمال، 51 عاماً، وأمي، حنان خالد يوسف الجمال، 43 عاماً، اختي، شهد، 22 عاماً، واخوتي، أحمد، 20 عاماً، محمد، 18عاماً، عبد الرحمن، 16 عاماً، يوسف، 14 عاماً، ايهم، 6 سنوات. اليوم، لم يتبقَ منهم أحد غيري انا، الناجية الوحيدة من المجزرة التي ارتكبتها الطائرات الإسرائيلية بحق عائلتي بتاريخ 24 يونيو 2025، الساعة 3:30 فجراً، يوم الثلاثاء، في مكان نزوحنا بحي الصبرة.

بدأت معاناتنا مع النزوح يوم 13 أكتوبر 2023، بعد الهجوم الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة في 7 أكتوبر. تنقلنا كثيرًا، من تل الهوى إلى رفح، ثم إلى منطقة ميراج، فالمنطقة الحدودية مع مصر، وبعدها إلى الزوايدة، مدينة حمد، منطقة فش فرش، وكل مكان نزحنا إليه كان يحمل معه معاناة لا يمكن وصفها.

كانت الظروف قاسية إلى حد لا يحتمل، انعدام الأمن، غياب الخدمات الأساسية كالماء والطعام، انعدام المأوى المناسب، واضطررنا أحيانًا للنوم في العراء أو في خيام مهترئة. كل مرة ننزح فيها كنا نترك وراءنا القليل مما جمعناه بصعوبة، ونتحمل ألم الخوف المستمر من القصف أو الأوامر العسكرية المفاجئة بالإخلاء القسري.

كنا نعاني نفسيًا وجسديًا وماليًا، فلا مال يكفي للمواصلات، ولا راحة نفسية من عناء التنقل المستمر، وازدادت المعاناة مع قلة الماء وصعوبة الوصول إلى الحمامات. إخوتي كانوا ينهارون نفسيًا كلما أجبرنا على النزوح دون أن نعرف إلى أين نتجه، وكل ذلك بسبب القصف الإسرائيلي المستمر علينا وتهجيرنا القسري من بيوتنا وأراضينا.

أنا ممرضة متخرجة حديثًا، لكنني لم أجد فرصة عمل بسبب ظروف الحرب. ومع ذلك، بدافع حبي لمهنتي ورغبتي في مساعدة الناس، تطوعت للعمل في مستشفى شهداء الأقصى لمدة ثلاثة أشهر، من 7 يوليو حتى 6 أكتوبر 2024. كانت هذه التجربة رغم قسوتها وسيلة لدعمي نفسيًا وسط المعاناة. وخلال فترة التطوع، كنت أضطر للإقامة داخل المستشفى نفسه بسبب بُعد المسافة عن رفح، حيث نزحت أمي واخوتي. كنت أزورهم مرة أو مرتين في الأسبوع للاطمئنان عليهم، بينما كان والدي نازحًا أيضًا في المستشفى ومعه شقيقي عبد الرحمن، ما جعل وجودي هناك فرصة للبقاء قريبًا منهما.

حياتي داخل المستشفى لم تكن سهلة؛ فقد كنت أعاني من شح الطعام والملابس، وأفتقد لأمي وإخوتي بشدة. لكنني كنت أجد في عملي عزاءً يساعدني على الاستمرار، خاصة بعد أن حصلت على تصريح مزاولة المهنة لمدة شهر ونصف خلال وجودي هناك.

خلال عملي في المستشفى تعرفت على سيدة نازحة تُدعى أم محمد قزعاط (سمر حسين قزعاط – 39 عامًا).

احتضنتني كابنة لها، وكنت أنام عندها أحيانًا، وشعرت معها بدفء العائلة.

فقد أبي، أول الصدمات..

في ليلة 6 أكتوبر 2024، كنت أعمل في المستشفى. حوالي الساعة 11 مساءً، اتصل بي أبي وقال: “تعالي نحكي بموضوع.” اعتذرت له لأن الوقت كان متأخرًا وعليّ دوام صباحًا وكان آخر يوم لي في التطوع. فقال لي: “تمام، بنتقابل الصبح.” كانت هذه آخر كلماته لي.

الساعة 2:15 فجراً، دوى انفجار عنيف هزّ المستشفى بأكمله. كان قصفًا مباشرًا للطيران الإسرائيلي استهدف المصلى الداخلي حيث كان أبي وأبو محمد قزعاط يؤديان صلاة قيام الليل. هرعنا إلى مكان القصف أنا وأم محمد، وسط الدخان، والركام، والصراخ. كان المشهد مرعبًا، المسجد تحول إلى أطلال، لم يتبقَ منه شيئاً.

ركضت بسرعة إلى مكان القصف. رأيت غبارًا كثيفًا، شظايا، وناس تركض وتصرخ. الجامع كان قد تحول إلى ركام. صرت أصرخ “وين بابا؟ وين بابا؟” حتى وجدت أخي عبد الرحمن مصابًا بحروق في ظهره وقدميه، وتمت معالجته بـ 15 غرزة. ثم رأيت أبي محمولًا على الشيالة في الطوارئ. أمسكت يده أصرخ: “أمانة يا بابا لا تسيبنا، عشان أيهم يا بابا، لا تتركنا”، لكنه نظر إليَ نظرة أخيرة، بعينين دامعتين، ثم استشهد بين يدي.

تلك اللحظة حطمتني. شعرت أن الأرض انشقت وابتلعت قلبي. رأيت أبي يذهب مني وأخذوه إلى ثلاجة الموتى. بقيت هناك وحيدة أتحمل الصدمة، دون أمي أو إخوتي.

فورًا اتصلت بعائلتي وأخبرتهم أن بابا قد استشهد. صُدموا بالخبر، وانهاروا بالبكاء والصراخ. لم يتوقعوا أبدًا هذه الفاجعة التي قلبت حياتنا رأسًا على عقب. هرع أهلي إلى مستشفى شهداء الأقصى لتوديع بابا، وكانت الدموع لا تفارق أعينهم والحزن يثقل قلوبهم على فقدان إنسان بكل هذا النقاء. أخي الصغير أيهم كان شديد التعلق ببابا، الذي كان لنا جميعًا أكثر من أب، كان صديقًا، وسندًا، وقدوةً لنا جميعًا أنا وأشقائي. كان معروفًا بأخلاقه العالية وطيبة قلبه، وهب حياته للمساجد، واستشهد وهو فيها. صلوا عليه في المسجد، ودُفن في مقبرة مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح.

في القصف نفسه، استشهد أيضًا السيد محمد حسان قزعاط، زوج السيدة أم محمد. أصيب بشظايا قاتلة في الرأس والكتف، وفارق الحياة إلى جانب والدي داخل مستشفى شهداء الأقصى. كان السيد محمد قد نزح مع عائلته من غزة إلى الجنوب هربًا من القصف، لكنه لم ينجُ من الموت الذي لحق بهم حتى في مكان ظنوا أنه أكثر أمانًا.

كنت يومها قد أنهيت آخر يوم من فترة تطوعي في المستشفى، بتاريخ 6/10/2024، وعدت مع عائلتي إلى منطقة فش فريش في رفح. كنا في حالة صدمة، غير مصدقين أن بابا رحل عنا. قضينا أيامًا قاسية غارقين في الحزن والألم بعد استشهاد والدي، أنا وأمي وإخوتي.

ومع تصاعد القصف واستهداف الطائرات الحربية الإسرائيلية لمنطقتنا بشكل متكرر، قررنا بعد فترة النزوح إلى منطقة حمد بحثًا عن قدر أكبر من الأمان.

بعد بدء الهدنة بتاريخ 27/1/2025، عدنا إلى بيتنا في حي الشجاعية بمدينة غزة. لكن المشهد كان مفجعًا، وجدنا البيت مثقوبًا بفتحات كبيرة أحدثتها قذائف الدبابات، والجدران قد انهارت جزئيًا. حاولنا قدر المستطاع ترميمه بوضع شوادر بدل الحيطان والنوافذ، فلم يكن لدينا مأوى آخر نلجأ إليه. عشنا هناك رغم صعوبة الظروف، لكن الأصعب كان دخولنا البيت لأول مرة دون بابا. كل زاوية فيه تحمل ذكرياته، وكل ركن يذكرنا بصوته وضحكته، مما جعل الحزن يثقل قلوبنا أنا وإخوتي أكثر وأكثر.

حاولنا التكيف حتى عاد الهجوم الاسرائيلي مجددًا على غزة بتاريخ 18/3/2025، في شهر رمضان. بدأ القصف الجوي العنيف يستهدف المنازل والمدنيين، وأصدرت قوات الاحتلال الإسرائيلي أوامر بالإخلاء. اضطررنا للنزوح قسرًا إلى حي التفاح، لكن الوضع هناك لم يكن أفضل، حيث استمرت الغارات والقصف، والذعر سيطر علينا.

مرة أخرى، تركنا المكان وانتقلنا إلى منطقة الصبرة، حيث لجأنا إلى حاصل تابع لعائلة قزعاط. لنفس السيدة التي تعرفت عليها سابقًا في مستشفى شهداء الأقصى، أم محمد قزعاط. في نهاية شهر أبريل، رتبنا الحاصل للإقامة فيه. كان منزلها عبارة عن طابق أرضي تسكن فيه أم محمد مع عائلتها، وتقابلها شقة صغيرة، وفوقها شقة غير مكتملة (سطح) كانت قد أجرته لعائلة القرم.

لن أنسى ذلك اليوم ما حييت..

في 23 يونيو، كانت أجواء مختلفة تمامًا. كان عيد ميلاد السيدة أم محمد قزعاط، الأرملة التي استشهد زوجها مع والدي سابقًا في مستشفى شهداء الأقصى. لديها ولدان، واحتفلنا معها في بيتها المتواضع. كانت سعادة مؤقتة وسط الحرب. بعد انتهاء الحفل، طلبت مني أم محمد، أن أبيت عندهم. ذهبت إلى والدتي أستأذنها، وعندما وصلت بدأت أضمها وأحضن إخوتي واحدًا تلو الآخر، خاصة أيهم، الصغير الذي كان شديد التعلق بأبي.

قالت لي أمي، وهي تغالب دموعها: “أنا خايفة عليكِ، خليكِ الليلة معنا.” جلست معها نتحدث عن أبي وذكرياته، عن فسخ خطوبتي مؤخرًا من شخص لم أجد معه التوفيق، وعن أحمال الحياة الثقيلة التي كانت أمي دائمًا تخشى أن تثقل كاهلنا بها. اعتذرت لي وهي تبكي: “سامحيني يا ماما، حَمّلتكم همًا كبيرًا.” لم أتمالك دموعي، شعرت أننا جميعًا ننهار ببطء منذ رحيل أبي.

أيهم كان نائمًا مكان فراشي بجانب شقيقتي شهد، بينما محمد كان يدخل البيت في تلك اللحظة. قالت أمي إنها جائعة، حاولت أن أحضر لها خبزًا من جارتنا أم محمد، لكنها لم تكن تملك شيئًا هي الأخرى. قالت ستعجن صباحًا وتجلب لنا الخبز، فقلت لأمي: “نامي وارتاحي، وبكرا نفطر معًا.” محمد عرض عليها إعداد معكرونة، لكنها رفضت خوفًا من إشعال النار في الحاصل الصغير ليلاً. كانت صحتها متدهورة منذ استشهاد أبي؛ تعاني من غضروف مؤلم، ومع كل هذا كانت قوية، لكنني شعرت بخوف داخلي أن أفقدها أيضًا. حضنتها طويلًا قبل أن أغادر.

نمت في الصالون على فراش أرضي، وفجأة، الساعة 3:30، استيقظت على ركام يسقط فوقي، وطنين رهيب في أذني، ثم دوى انفجار ضخم. شعرت أنني اختنق، الغبار يملأ صدري، أكوام الحجارة تغطي جسدي بالكامل. بدأت أستوعب ما حدث، صرت أردد الشهادة وأصرخ بأعلى صوتي: “أنا هنا… أنا عايشة!” أحاول رفع يدي فوق الركام ليراها من يبحث عن ناجين. كان وزن الحجارة ثقيلًا جدًا علي، لكنني قاومت.

أتى الناس، ونجحوا في إخراجي من بين الركام. كنت أصرخ: “وين أمي؟ وين إخوتي؟!” لكن الإجابة كانت صمتًا موجعًا. أخبروني أن أم محمد استشهدت، وأن أهلي جميعًا ما زالوا تحت الركام، أجسادهم غير ظاهرة. حاولت الاقتراب، لكنهم منعوني.

أخرجت هاتفي الذي كان مدفونًا بجانبي واتصلت بخطيب أختي شهد أبلغه بالمجزرة: “البيت انهدم فوق أهلي… أنا الوحيدة اللي طلعت.” خسرت كل شيء.

حين أخرجوا جثامين أهلي من تحت الأنقاض، أخذوني إلى مستشفى المعمداني لأودعهم، كان المشهد لا يُحتمل. جسد أحمد رأسه منفصل، محمد جمجمته فارغة بلا دماغ، عبد الرحمن يداه مبتورتان، يوسف كف قدمه اليسرى مبتور، أمي وشهد وجههما مشوه ومحروق، وأيهم نصف جسده الأيمن مفقود.

وفي نفس القصف، استشهدت السيدة أم محمد قزعاط، التي كانت بالنسبة لي أكثر من صديقة، كانت أماً ثانية احتضنتني كابنتها في أشد أيامي قسوة. ونجا من عائلتها ابنائها: محمد، 14 عامًا، وإسلام، 12 عامًا، اللذان فقدا والديهما وبقيا يواجهان هذا العالم وحدهما. واستشهد أيضًا شاب من المارة من عائلة مرتجى، وطفل يدعى عبيد أحمد القرم عمره 11 عامًا.

بعد تكفينهم ودفنهم، أخذني خالي، هاشم خالد يوسف الجمال، لأعيش معه في مدرسة بلقيس، في تل الهوى. ومنذ ذلك اليوم، 24 يونيو 2025، لم يعد لحياتي طعم. كان هذا ثاني انهيار روحي بعد استشهاد أبي، لكن هذه المرة لم يبقَ أحد. فقدت كل شيء، كل من أحببتهم، حتى الهواء في غزة صار ثقيلًا علي.

فقدتُ اخي الصغير أيهم، كنت أعتبره ابني وأخي ورفيقي الدائم، كما فقدت والدَيّ وإخوتي وأخواتي، وكل من كان يُشكّل عالمي. تركوا في حياتي فجوة لا يسدها شيء، وأصبح فقدانهم جميعًا أثرًا نفسيًا ومعيشيًا كارثيًا. فجأة وجدت نفسي بلا سند، في ظروف نزوح قاسية تفتقر إلى أبسط مقومات الأمان والخصوصية.

حين استشهد والدي سابقًا، شعرت أن الدنيا انطفأت في قلبي. كنت أستمد قوتي من أمي وإخوتي، خاصة أيهم، حبيب قلبي وروحي. لكن الآن فقدت كل شيء. لم أفقد أمًا وأبًا فقط، بل حياة كاملة. أشعر وكأن روحي دفنت معهم تحت الركام.

أعيش الآن بلا مأوى دائم، في بيئة مزدحمة لا تراعي خصوصيتي الإنسانية ولا احتياجاتي النفسية. أشعر بضغط نفسي رهيب، ولا أشعر بالأمان، فحتى المدرسة قد تُقصف في أي لحظة. لا أمان في غزة.

لكن رغم الألم، تسلّحت بالإيمان والتزمت الصبر فأنا إنسانة قوية، لكنني أشتاق لحضن أمي وسند إخوتي، حين أفكر أنني سأعود إلى بيتنا وحيدة بعد انتهاء الحرب، أشعر أن ذلك أصعب ما يمكن احتماله. خرجنا من البيت 9 أشخاص، وسأعود وحدي.

لكن، سأبدأ حياتي من جديد، سأعمل وأقاوم الحزن لأنه لا خيار أمامي سوى الاستمرار. لكنّي متمسكة بأن يحاسب المجرمون وقادة الاحتلال المسؤولون عن هذه الجريمة البشعة التي أبادت عائلتي بلا أي ذنب.

12 Comments

  1. buy enclomiphene generic information

    discount enclomiphene generic south africa

  2. acheter kamagra medicament nist prescrire

    acheter kamagra los angeles californie

  3. get androxal real price

    get androxal uk in store

  4. discount dutasteride generic vs brand name

    canada pharmacy dutasteride generic

  5. ordering flexeril cyclobenzaprine usa drugstore

    cheap flexeril cyclobenzaprine generic online uk

  6. discount fildena buy online no prescription

    buy fildena uk online

  7. gabapentin from canada

    buy cheap gabapentin generic available

  8. buy cheap generic online staxyn

    discount staxyn price london

  9. comprar itraconazole en usa

    how to get free itraconazole

  10. order avodart generic does it work

    get avodart canada internet

  11. order xifaxan canadian sales

    get xifaxan purchase in canada

  12. online order rifaximin new zealand buy online

    online order rifaximin cheap to buy online

اترك رداً على kamagra feminino onde comprar إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *