يوليو 30, 2025
من بيت العمر إلى خيمة: رحلة النزوح والمعاناة وبتر القدم بدون تخدير
مشاركة
من بيت العمر إلى خيمة: رحلة النزوح والمعاناة وبتر القدم بدون تخدير

تاريخ الإفادة: 15/7/2025

علاء محمود سليمان أبو معوض، 39 عامًا، سكان القرية البدوية شمال غزة، ونازح حاليًا في مدينة غزة

أنا رجل فلسطيني بسيط، كنت أعيش في أقصى شمال قطاع غزة، وتحديدًا في القرية البدوية، المنطقة المحاذية للحدود مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث يحيط بنا الخطر من كل جانب ولا يفارق حياتنا لحظة واحدة. كنت أُقيم مع أسرتي في منطقة تُعد من بين الأكثر تهديدًا وخطرًا في القطاع، نتيجة قربها المباشر من مناطق التماس. ورغم ذلك نحاول أن نحيا حياة طبيعية قدر الإمكان في ظل واقع يومي محفوف بالخوف والحرمان.

أنا متزوج وأب لخمسة أطفال هم: غزل 15 عامًا ومايا 13 عامًا وعدي 10 أعوام وغنى 8 أعوام و محمد 3 أعوام. أطفالي، مثل غيرهم من أطفال غزة، لا يعرفون الأمان كما يجب ويكبرون في ظل الحصار والعدوان والانقطاع المتكرر للضروريات الأساسية للحياة. ومع ذلك نُعلّق الأمل دائمًا على مستقبل أفضل يُمنح فيه أطفالنا حقهم في الحياة الآمنة والتعليم والكرامة.

كنا نعيش حياة بسيطة ومتواضعة في بيت صغير مكوّن من طابق واحد أُقيم فيه أنا وشقيقي سليمان. ذلك البيت بنيناه بجهدنا وتعبنا على مدار سنوات طويلة من الكد والعمل في محاولة لبناء مأوى آمن لعائلتينا وسط واقع قاسٍ.

كنت أعمل سائقًا على سيارة أجرة داخل القطاع، أحاول من خلالها توفير لقمة العيش لأطفالي وأسرتي رغم قلة العمل وضيق الحال. لم تكن الحياة سهلة أبدًا؛ البطالة كانت منتشرة على نطاق واسع والفقر أصبح ضيفًا ثقيلًا في كل بيت من بيوت غزة حتى قبل اندلاع الحرب الأخيرة.

ومع كل ذلك لم نيأس يومًا. كنا نحاول أن نحيا بسلام ونتمسك بالحياة، رغم أن الاحتلال الإسرائيلي لم يكن يتركنا نعيش لحظة واحدة دون تهديد أو استفزاز، خاصة في منطقتنا السكنية المحاذية للحدود. كانوا يطلقون الرصاص بين الحين والآخر تجاه بيوتنا، أحيانًا بشكل عشوائي وأحيانًا بشكل متعمد، وكأنهم يريدون أن يذكّرونا دائمًا بأننا نعيش على أرض لا يريدون لنا البقاء فيها.

ورغم هذا الواقع القاسي كنا نحمل في قلوبنا أملًا لا ينطفئ ونتمسك بالحياة بكل ما أوتينا من قوة، من أجل أطفالنا ومن أجل حقنا في أن نعيش بكرامة على أرضنا.

كنا نغادر مناطق سكنانا في كل تصعيد عسكري يحدث بين الاحتلال الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية، خوفًا من الموت أو الإصابة. لم تكن تلك التنقلات خيارًا بل ضرورة للبقاء على قيد الحياة. فقد اضطررنا للنزوح مرارًا وتكرارًا من منطقة إلى أخرى نبحث عن مكان آمن يحمينا ويحمي أطفالنا من نيران الحرب التي لا تفرّق بين مدني ومقاتل ولا بين بيت وساحة معركة.

كل مرة كنا نرحل فيها نترك خلفنا جزءًا من ذاكرتنا ونعرف أننا قد لا نعود. كانت رحلة النزوح تعني أن نبدأ من جديد في مكان مؤقت لا يضمن شيئًا سوى النجاة المؤقتة. ورغم مرارة التهجير كنا نتمسك بما تبقى من حياتنا ونحاول أن نحافظ على كرامتنا في ظروف لا تُحتمل.

بداية الحرب والنزوح

باغتتنا الحرب على قطاع غزة في صباح يوم السبت الموافق 7/10/2023، حيث استيقظنا على أصوات الصواريخ والقذائف المدفعية والقصف المكثف الذي استهدف المنازل بشكل وحشي مدمّرًا البيوت فوق رؤوس ساكنيها. منذ اللحظات الأولى بدأت حركة نزوح جماعية لسكان المنطقة الذين هرعوا لمغادرة منازلهم بحثًا عن النجاة.

في تلك اللحظة أيقنت أن البقاء في منزلنا هو بمثابة حكم بالإعدام لي ولأطفالي. نحن نعرف تمامًا، من تجارب الحروب السابقة، أن منطقتنا الحدودية تصبح في قلب المعركة منذ اللحظة الأولى وتتحول إلى ساحة مفتوحة للموت والاستهداف المباشر.

لم يكن أمامي وقت للتفكير. بسرعة جمعت ما استطعت من أغراض وبعض الملابس لأطفالي ووثائق مهمة وأشياء ضرورية للبقاء. تركت خلفي بيت العمر الذي بنيناه أنا وشقيقي سليمان حجرًا فوق حجر بعد سنوات من التعب والشقاء.

أمسكت بيد زوجتي ورفعت طفلتي غنى بين ذراعي وخرجنا نركض وسط أصوات القصف والانفجارات وصراخ الأطفال من حولنا. كنا نغادر كل شيء خلفنا ولا نحمل معنا إلا أملًا ضئيلًا بالنجاة.

بعد مغادرتنا للقرية البدوية توجهنا بدايةً إلى معسكر جباليا حيث لجأنا إلى مدرسة أبو حسين التي فُتحت لاستقبال النازحين. كانت المدرسة مكتظة بآلاف العائلات مثلنا، كلها هاربة من الموت تبحث عن لحظة أمان وسط الفوضى. لكن لم نستطع تحمل البقاء هناك لأكثر من خمسة أيام بسبب التكدس الشديد وانعدام أبسط مقومات الحياة.

النزوح إلى رفح

اضطررنا إلى استكمال رحلة النزوح نحو الجنوب. توجهنا إلى أقصى جنوب قطاع غزة إلى مدينة رفح وتحديدًا إلى مدرسة الابتدائية المشتركة الواقعة في منطقة تل السلطان. قطعنا عشرات الكيلومترات سيرًا على الأقدام في رحلة منهكة لا توصف، نحمل أطفالنا ونجرّ أقدامنا المتعبة بحثًا عن مكان يحمينا من القصف.

وصلنا إلى رفح منهكين تمامًا نعلق آمالنا على أن نجد هناك شيئًا من الأمان الذي حُرمنا منه في الشمال. بقينا في مدرسة الابتدائية المشتركة بتل السلطان ما يقارب ثمانية أشهر نحيا تحت القصف الذي لم يتوقف والموت الذي كان يلاحقنا من كل اتجاه. لم تكن الطائرات الحربية الإسرائيلية تفارق السماء تقصف وتدمر بلا رحمة فيما كانت المجاعة تحاصرنا من جهة أخرى بسبب إغلاق المعابر ومنع دخول أي مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة.

عشنا ثمانية أشهر من القهر والذل نعتمد على بعض المساعدات القليلة التي كانت توزّعها إدارة المدرسة التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا بالكاد كانت تسد رمق أطفالنا الصغار.

لم يكن في جيبي قرش واحد. لم أملك شيئًا أقدمه لأطفالي حتى أبسط احتياجاتهم. حاولت مرارًا أن أجد فرصة عمل أو أي وسيلة أستطيع من خلالها أن أوفر قطعة خبز أو علبة حليب لطفلي محمد لكن دون جدوى، كل الطرق كانت مسدودة وكل الأبواب مغلقة.

بقينا في مدينة رفح حتى تاريخ 6/5/2024 حين أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن بدء عملية عسكرية لاجتياح المدينة من شرقها إلى غربها. بدأت الطائرات المسيرة بإلقاء المناشير التي تهددنا بمغادرة أماكن نزوحنا محذّرة من البقاء في مناطق العمليات. ثم بدأ القصف العنيف يجتاح المدينة، خاصة القذائف المدفعية التي كانت تسقط بشكل عشوائي على الأحياء والمباني دون تمييز بين بشر أو حجر. وجدت نفسي حينها أمام خيارين كلاهما موت: إما أن أبقى وأموت تحت القصف مع أسرتي، أو أهرب بلا وجهة ولا مال وأنا لا أمتلك حتى أجرة وسيلة تنقلني وأطفالي إلى مكان أكثر أمانًا.

النزوح إلى دير البلح

قررت أن أحمل أطفالي وأن أخرج بهم سيرًا على الأقدام علّنا ننجو بأرواحنا من آلة الموت. مشينا عشرات الكيلومترات وسط التعب والخوف حتى وصلنا إلى مدينة دير البلح وسط قطاع غزة. هناك عثرنا على مخيم صغير أقيم في منطقة تُعرف باسم “المشاعلة” غرب المدينة. استقبلتنا إدارة المخيم وساعدتني في نصب خيمة بسيطة نعيش فيها اليوم.
كان التعب باديًا على وجوه أطفالي والخوف لا يفارق أعينهم، لكن السؤال الذي كسر قلبي ولم أجد له جوابًا كان يتكرر منهم دائمًا: “بابا، ليش بدهم يموتونا؟ إحنا شو عملنا؟” أقسم أني بكيت أمامهم بكاء رجل مكسور لا يملك جوابًا ولا يملك شيئًا سوى حضن يحتضنهم وصمت يعتذر لهم عن هذا العالم القاسي.

بقينا في مدينة دير البلح نعيش نفس المعاناة التي رافقتنا منذ بداية الحرب وكأن القهر كُتب علينا في كل مكان نذهب إليه. أوضاع معيشية لا تُطاق: لا مأوى يحمي أطفالنا من البرد أو الحر، لا طعام يكفي، ولا ماء صالح للشرب.
كنت أقف لساعات طويلة في طوابير تكيات الطعام أنتظر بصبر أن أحصل على وجبة واحدة تسد جوع أطفالي. وكنت أقف في طوابير أطول للحصول على قنينة ماء بينما أطفالي يتصببون عرقًا تحت الشمس الحارقة منهكين من التعب والجوع.

العودة إلى الشمال

بقينا على هذا الحال حتى جاء يوم 19/1/2025، يوم إعلان وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي. كانت لحظة لا يمكن وصفها، فرحة عارمة اجتاحت قلوبنا، بكينا من شدة الفرح. أخيرًا سنعود إلى بيوتنا التي هجّرنا منها قسرًا بعد أن ذقنا ذل المخيمات وقهر النزوح ووجع الفقر الطويل.

بدأت رحلة العودة بعد أسبوع من الإعلان. لم يُسمح لنا باستخدام أي وسيلة نقل، فمشينا عشرات الكيلومترات سيرًا على الأقدام عبر شارع الرشيد الساحلي، رحلة طويلة ومرهقة عانينا فيها الجوع والعطش والحر حتى وصلنا إلى مدينة غزة.

ومن هناك توجهت أنا وعائلتي مباشرة إلى القرية البدوية في أقصى شمال القطاع، إلى بيتنا… بيت العمر… بيتنا الذي حلمنا طويلًا بالعودة إليه. ولكن يا ليتني لم أصل ويا ليتني لم أر ما رأيت. فقد وجدت منزلنا مدمّرًا تمامًا. لم يتبقَ منه شيء… لا جدار، لا سقف، لا حجر، فقط رماد أسود فوق التراب، كأنّه لم يكن هناك يومًا بيت ولا حياة. وحين اقتربت من المكان لأتحقق مما تبقى بدأت دبابة إسرائيلية بإطلاق النار الكثيف علينا لإبعادنا، في رسالة واضحة: هذه الأرض لم تعد لكم. فقد استولى الاحتلال على منطقتنا بالكامل وحولوها إلى ثكنة عسكرية. وقفت هناك في صدمة عاجزًا حتى عن البكاء. أين سأذهب الآن؟ أين سأُربّي أطفالي؟ ماذا سأقول لهم وهم ينظرون إليّ بعيون متعبة ينتظرون مأوى ومستقبلًا؟ أي مستقبل ينتظرهم تحت خيمة؟

لم يكن أمامي خيار سوى أن أنصب خيمة صغيرة عند دوّار الشيخ زايد، شمال غزة، سكنت فيها مع زوجتي وأطفالي في انتظار ما ستؤول إليه الأمور لأتمكن من العودة إلى بيتي. لكن لم تكتمل فرحتنا حتى بوقف إطلاق النار. فما هي إلا أسابيع حتى أعلن جيش الاحتلال استئناف حربه على قطاع غزة يوم 18/3/2025. عادت الطائرات الحربية لتحلّق والمدفعية لتقصف وعاد الموت يلاحقنا. لم يعد هناك مكان آمن، حتى خيامنا البسيطة لم تسلم من القذائف، فقد صاروا يستهدفون النازحين في كل زاوية، وخصوصًا في الشمال.

في إحدى الليالي اشتد القصف المدفعي العشوائي من كل اتجاه والطائرات المسيّرة أطلقت الرصاص فوق رؤوسنا. لم أجد مفرًا سوى الفرار بأطفالي وسط ظلام الليل كحال جميع سكان المنطقة. تركنا خلفنا الخيمة التي حصلنا عليها بعد عناء طويل وذل السؤال وركضنا سيرًا على الأقدام حتى وصلنا إلى شارع الجلاء بحثًا عن مأوى. نمنا تحت عمارة الزهارنة نلتحف السماء ونتوسد الأرض حتى تبرّع لنا أهل الخير بخيمة نصبناها هناك. بقينا نعاني العطش، لا عمل، لا طعام، لا مياه، إلا ما يجود به علينا أهل الخير، ومع كل يوم كنا نموت مئة مرة من الذل والحاجة ووجع الحرب.

المجاعة وشاحنات المساعدات

ومع توالي الأيام اجتاحت المجاعة كل أرجاء القطاع. شحّ الطحين وندرت الأغذية وجفّت الأسواق من كل ما يُؤكل. صار الناس يركضون خلف لقمة، رغيف، كيس طحين يُبقي أبناءهم على قيد الحياة. وصل سعر كيس الطحين الواحد إلى أكثر من 2000 شيكل، وأنا، كغيري، لم أكن أملك حتى ثمن كيلو واحد منه. رأيت أطفالي يتضورون جوعًا وعجزت عن إدخال ولو ذرة طحين إلى خيمتي.

وفي بداية مايو 2025، بدأ الاحتلال بإدخال شاحنات مساعدات محدودة جدًا وبشكل مدروس. كانوا يتحكمون بمسارها ومكان توزيعها ليُمارسوا علينا إذلالًا علنيًا. يُجبر السائقون على التوقف في نقاط محددة بحراسة الاحتلال بينما يتزاحم الآلاف من الجوعى حولهم.. كنت واحدًا من هؤلاء. دفعني الجوع للذهاب إلى تلك الأماكن. وهناك تبدأ طائرات الاحتلال بإطلاق الرصاص الحي من الجو على الجموع لتسقط عشرات الجثث لأناس لا ذنب لهم سوى أنهم جوعى.

إصابتي انتهت ببتر قدمي

وفي يوم 15/6/2025، جاءني أحد جيراني في الخيام يخبرني بتوافد شاحنات مساعدات إلى منطقة التوام شمال غزة. قررت الذهاب علّني أعود ولو بكيس دقيق لأطفالي. وصلت عند الساعة السادسة مساءً. الحشود كانت بالمئات بل بالآلاف. رجال، نساء، أطفال، جميعهم جائعون ينتظرون الشاحنات. وما إن توقفت الشاحنات أمام برج الأندلس المدمر حتى بدأ الناس بالتدافع. وفجأة حلّقت طائرات الكواد كابتر فوق رؤوسنا وبدأت بإطلاق الرصاص الحي بشكل مباشر على الجموع. ثم وفي تعمد واضح لإيقاع أكبر عدد من الضحايا أطلقت إحدى الطائرات صاروخًا وسط الحشود.

 كنت في قلب المكان. شعرت بانفجار عنيف وتطاير الناس من حولي، أجساد تنزف ووجوه مضرّجة بالدم. لم يكن أحد يحمل سلاحًا، كلنا كنا هناك من أجل لقمة عيش. سقطت أرضًا. رأيت الدماء تغطي جسدي. أحسست بحرارة الألم تمزق قدمي اليمنى. كان آخر ما رأيته قبل أن أغيب عن الوعي هو جسدي المدمى والناس يفرّون من حولي يركضون هربًا من الموت. استيقظت لاحقًا على أرضية قسم الاستقبال في مستشفى الشفاء. أخبرني من حولي أنهم حملوني بعدما بقيت أنزف لثلاث ساعات على الأرض وأوصلوني إلى هنا. لكن حتى هنا لم أجد رحمة. بقيت ممددًا على الأرض ست ساعات كاملة لا طبيب يقترب ولا ممرض يسأل. كنت أصرخ وأتوسل إليهم: “قدمي تؤلمني… النزيف لا يتوقف…” لكن لا مجيب.

قال لي بعض الممرضين: “ما في أطباء أوعية دموية، وما في علاج. بدك تستنى يمكن حدا يجي من الدكاترة اللي ضايلين عايشين.” كل لحظة تمر كانت حالتي تتدهور أكثر وأكثر ساعة بعد ساعة. عائلتي كانت تبحث بكل يأس عن طريقة لإنقاذي وسط مستشفى مدمر لم يبقَ فيه شيء… لا أطباء، لا معدات، لا علاج.

بعد معاناة طويلة من التوسل والانتظار وفقدان الأمل قررت عائلتي نقلي بنفسها. لم تكن هناك سيارات إسعاف تعمل ولا وقود متوفر فحملوني على شيالة وخرجوا بي مشيًا على الأقدام حتى وصلوا بي إلى مستشفى القدس في تل الهوى.

وصلنا إلى هناك لكن لم أمكث سوى نصف ساعة فقط. قال لي الأطباء: “أنت بحاجة إلى عملية تركيب بلاتين عاجلة، وعندك نزيف داخلي في القدم، بس ما في بلاتين ولا إمكانيات ولا غرف عمليات فاضية.”

لم يكن بيدهم شيء فعاد بي أهلي مرة أخرى إلى مستشفى الشفاء ووضعوني في قسم الجراحة الذي كان أشبه بخرابة، بلا جدران، بلا أسرّة، ولا أدنى مقومات مستشفى. بقيت هناك أسبوعًا كاملًا يتردد أخي يوميًا على الأطباء عله يجد من ينقذني، وكل يوم يعود بنفس الجواب: “ما في حدا، لا دكاترة مختصين، ولا أدوية، ولا عمليات، ولا حتى غرفة سليمة.” كنت ملقى على سرير المشفى أسبوعًا كاملًا بلا أي تدخل طبي، بلا عملية جراحية، ولا علاج.

بتر قدمي دون مخدر

في 21/6/2025 أجروا لي صورة أشعة ثم قالوا: “لو توفرت الإمكانيات، لو كان عندنا غرفة عمليات، ولو وجدت أدوية، كان ممكن ننقذ قدمك. لكن الآن فات الأوان.” قالوا لي إن الالتهابات انتشرت بشكل خطير في القدم ولم يعد هناك حل سوى بترها حتى لا تمتد العدوى لبقية جسدي.

وفي مشهد لا أنساه ما حييت، ومن دون حتى مخدر يخفف عني العذاب، أمسكوا بمنشار طبي وبدأوا بقص قدمي أمامي وأنا أصرخ وأبكي وأتوسل لهم أن يتوقفوا. صرخت بكل ما تبقى في صدري من قوة: “مشان الله وقفوا، بالله عليكم، خدروني، يا ناس ارحموني.” لكن لم يكن هناك لا إمكانيات ولا دواء. وغبت بعدها عن الوعي واستيقظت بعد ساعات لأجد نفسي في السرير لكن بلا قدم.

في لحظة واحدة انتهت حياتي. ضاع مستقبلي ولم أعد قادرًا على الحركة ولا حتى على توفير لقمة طعام لأطفالي الذين ينتظرونني في الخيمة. وما زاد الطين بلة أن سوء حالتي والتهابات الجرح استمرت بالتفاقم بسبب غياب العلاج والأدوية.

في 27/6/2025 أجروا لي صورة أخرى وقالوا: “لازم نقص 5 سنتيمترات زيادة لأن الالتهابات تتحرك وإذا ما عملناها ستمتد لعرق القدم وبقية جسدك.”

في اليوم نفسه قام الأطباء بقص مواضع الالتهابات من قدمي لكن المعاناة لم تنتهِ، ما زلت حتى الآن أعيش على وجع الانتظار أتوسل يوميًا لكل جهة إنسانية ولكل مؤسسة حقوقية ولكل من يسمع صوتي أن يمد لي يد العون وأن يساعدني في السفر لتلقي العلاج خارج قطاع غزة.

أخبرني الأطباء صراحةً أنه لا مكان لعلاجي هنا في ظل استمرار حرب الإبادة وانهيار المنظومة الصحية وتدمير كل سبل الحياة، لا توجد إمكانيات لعلاجي ولا حتى لتسكين ألمي.

أنا الآن أرقد في غرفة داخل الطابق الثاني من مبنى غسيل الكلى في مستشفى الشفاء أعاني لساعات طويلة من الألم بسبب نقص المسكنات وحتى خافضات الحرارة أصبحت شحيحة أو مفقودة.

مؤخرًا أصبت بتسلخات مؤلمة في ظهري تزداد سوءًا يومًا بعد يوم خاصة أنني ممنوع من الحركة أو التقلب خوفًا من فتح جرح القدم مجددًا وهو ما قد يسبب نزيفًا خطيرًا.

لكنني ما زلت هنا بسبب إغلاق جيش الاحتلال لمعبر رفح وسيطرته العسكرية عليه حيث يمنعون أي مريض من السفر خارج القطاع ويتركوننا نموت هنا موتًا بطيئًا.

خلال الأيام الماضية لم أتناول أي طعام يمكن أن يساعد جسدي على الترميم أو التعافي فالغذاء إما مفقود بالكامل أو إن توفر تكون أسعاره خيالية تفوق قدرتنا.

زوجتي تحاول جاهدة أن تحضر لي شيئًا يسدّ رمقي وفي بعض الأحيان لا تجد سوى بضع حبات فلافل وحبة بندورة دون حتى قطعة خبز.

ما يؤلمني أكثر من جراحي هو جوع أطفالي، إنهم يعانون من الجوع يوميًا وليس بيدي حيلة لإطعامهم وهذا أكثر ما يكسِر قلبي.

من هنا أناشد كل من يملك ضميرًا حيًّا توفير الحد الأدنى من الطعام لي ولأطفالي حتى أتمكن من استعادة قوتي ومتابعة العلاج وتوفير آلية آمنة وعاجلة لسفري خارج القطاع لاستكمال العلاج وتركيب طرف صناعي يعينني على الحركة والعيش بكرامة.

13 Comments

  1. cheapest buy enclomiphene generic enclomiphenes

    how to buy enclomiphene generic germany

  2. génériques indiens kamagra

    kamagra livraison le lendemain pas cher

  3. buy androxal generic london

    buy androxal singapore where to buy

  4. how to order dutasteride cheap australia

    cheap dutasteride cost at walmart

  5. ordering flexeril cyclobenzaprine ireland over the counter

    ordering flexeril cyclobenzaprine generic no prescription

  6. order fildena price discount

    how to get a prescription for fildena

  7. order gabapentin cheap with prescription

    online order gabapentin cost new zealand

  8. how to order itraconazole uk pharmacy

    how to buy itraconazole usa online pharmacy

  9. purchase avodart generic drug india

    canadian discount avodart

  10. online order staxyn price london

    buying staxyn generic now

  11. discount rifaximin usa pharmacy

    cheapest buy rifaximin generic version

  12. cheap xifaxan buy japan

    buy xifaxan without rx online

  13. levné kamagra no rx

    zdarma kamagra vzorků poštou

اترك رداً على how to order enclomiphene generic uk next day delivery إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *