يوليو 17, 2025
من الغرق إلى الزنازين: شهادة توثق فصولًا من التعذيب بسجون الاحتلال
مشاركة
من الغرق إلى الزنازين: شهادة توثق فصولًا من التعذيب بسجون الاحتلال

تاريخ الإفادة: 22/5/2025

أمين عبد الله إسماعيل العثامنة، 41 عاماً، سكان بيت حانون شمال غزة، ونازح في مدينة غزة.

أنا متزوج وأعمل موظفًا في السلطة الفلسطينية. أسرتي مكوّنة من ثمانية أفراد: أنا وزوجتي وستة أبناء. في صباح يوم 7 أكتوبر 2023 كنتُ في منزلي الكائن في منطقة البورة بحي الأمل في بيت حانون، بالقرب من السلك الفاصل شمال قطاع غزة. تفاجأتُ صباح ذلك اليوم بانطلاق صواريخ، ثم تبيّن لنا أنّ الفصائل الفلسطينية بدأت عملية عسكرية. توقعتُ أن يكون الردّ الإسرائيلي قويًّا، فطلبت من أبنائي عدم التوجّه إلى المدرسة وقلت لهم: “لا تطلعوا”. كنا نسمع أصوات القصف ولا نفهم ما يجري. بعد ساعتين أرسل الجيش الإسرائيلي رسائل يطالبنا فيها بإخلاء بيت حانون.

أخليت المنزل وتوجّهتُ إلى بيت أخي الذي يبعد عن منزلي شارعين في حارة أخرى. وبعد أربع ساعات فقط تفاجأتُ باستهداف منزلي من طائرات الاحتلال وتدميره بالكامل. لو بقيت هناك لكنتُ أنا وأطفالي في عداد الضحايا. في اليوم التالي، 8 أكتوبر 2023، الساعة العاشرة صباحًا، أخذت زوجتي وأبنائي وتوجّهنا إلى المدارس العلوية قرب مطعم حمدان، في مدرسة فلسطين بمنطقة الفالوجة جنوب بيت حانون.

الاعتقال الأول

استقرّينا في المدرسة فترة طويلة حتى توغلت قوات الاحتلال في المنطقة، واعتقلتني من المدرسة بتاريخ 28/12/2023. كان ذلك بعد أن ألقى الجيش قنابل إنارة ومنشورات يطالبنا فيها بالنزوح إلى الجنوب، لكننا رفضنا بسبب القصف في كل مكان. فوجئت بالجيش على باب المدرسة. رأيتهم بعيني، دخلوا المدرسة ونادوا على أخي علاء، كبّلوه واعتقلوه. خرجتُ وجلستُ مع الناس، وكان ابني أمامي واثنان من أولادي خلفي. وضعتُ ابني أمامي لأن الجيش كان يضع كرسيًا، ومن يجلس عليه يُطلق عليه النار. كنا جالسين في ساحة المدرسة، وطلبوا منا التقدّم خمسةً خمسةً أمام الكاميرا. أخرجوا النساء جميعًا، وقبل أن أصل إلى الكاميرا نادوا عليّ بالميكروفون: “أمين العثامنة، اقعد على ركبك”. جلستُ على ركبتيّ واضعًا يديّ على رأسي، فجاء جندي إسرائيلي وكبّل يدي بسلك مجدول وشدّه بقوة. قلت له إن السلك مشدود جدًا، فرفع يديّ إلى أعلى من الخلف بطريقة كادت تكسر كتفي. أخذوني ووضعوني في شاحنة، ونقلوني إلى زيكيم في الشمال الغربي لقطاع غزة داخل إسرائيل.

بقينا ثلاثة ليالٍ في زيكيم، في برد مياه البحر، دون أن يتحدّثوا معنا بكلمة، فقط أخذوا بياناتنا وصورًا لنا. كنتُ مكبّل اليدين ومعصوب العينين ومرميًا على البحر ومغطّى ببطانية. في اليوم الرابع جاءت شاحنة أخذتنا وألقت بنا خلف مجمع الشفاء الطبي غرب مدينة غزة، وهناك أطلقوا سراحي للمرة الأولى.

نزوح وقصف وحصار

وجدت زوجتي نازحة، والمدرسة التي كنا فيها قد قصفت وكل أغراضي ضاعت، فقررت إعادة بناء حياتي. بقيت في مدينة غزة في مدرسة فلسطين بشارع الوحدة، لكن منعونا من العودة للشمال. أعطوني أسبوعًا للنزوح إلى الجنوب، لكنني لم أستطع التأقلم في غزة، فجمعت ما تبقى من أغراضي وتوجّهت إلى الجنوب عبر شارع الرشيد. وصلت إلى حاجز لم أكن أعلم ما هو، فوجدت نفسي بين نارين: جنود أمامي وآخرون خلفي.

أشار إليّ أحد الجنود بالتقدّم نحو الجنوب، وبعد قليل ناداني: “أبو العيال تعال”. اقتربتُ منه، فطلب مني أن أرفع ملابسي وأدور بجسمي أمامه، ثم سمح لي باللبس مجددًا وتقدمت. أثناء التحقيق أرسل طائرة مسيرة لتفتيش أبنائي، وعندما عدتُ إليهم وجدتم يبكون خوفًا من الطائرة. ناداني الجندي مجددًا، ثم أبلغني بعد ساعة ونصف أن بإمكاني المرور نحو الجنوب. طلب منا الجلوس على بعد 50 مترًا من الحاجز، لكن الدبابات الإسرائيلية اقتربت من أطفالي بشكل مخيف، وتقدّمت جيبات عسكرية تطلق النار أمام الأطفال. جلسنا أربع ساعات من دون أكل أو شرب. من شدة إطلاق النار طلبت منهم السماح لي بالمرور أو العودة للشمال، لكنهم لم يستجيبوا، فقررت العودة. عدتُ إلى غزة بعربة يجرّها حيوان.

توجّهت إلى مدرسة فلسطين مجددًا، ثم إلى مدرسة قلبيو في أقصى الشمال، في عزبة بيت حانون، وبقيت فيها وحيدًا ستة أيام، ثم ستة أشهر. وخلال اجتياح مايو 2024 غادرتُ المدرسة إلى بيت حانون في مدرسة غازي الشوا، وبقيت هناك 21 يومًا. خلال هذه الفترة استخدمت قوات الاحتلال لأول مرة “الروبوت المفخخ”، ففجّرت أحد الأحياء. وبعد ذلك شاهدت الدبابة والجرافة فأبلغتُ النازحين المدرسة بمحاصرتها، فخرجوا يلوّحون للآليات العسكرية بأن المباني مأهولة بالمدنيين. أمر الجيش النازحين بالبقاء منبطحين في غرفة واحدة. وبعد ذلك فجّروا الروبوت، ثم قصفت الطائرات أحد المنازل ما أسفر عن عشرة شهداء من بينهم سمور أبو عودة وزوجته وابنته وأولادها من عائلة البسيوني.

بعد إجلاء المصابين، قصفت الطائرات منزل عائلة الزويدي. لا أذكر التاريخ، لكنه في نطاق الـ 21 يوما الذي كنا فيه بمدرسة غازي الشوا. ثم عدنا إلى مدرسة قلبيو دون أن نعلم أن الجيش لم ينسحب منها. أبلغني الجيران بأن الجيش في الطابق العلوي للمدرسة، فغادرناها فورًا وعدنا بعد تأكّدنا من انسحاب الجيش. بقينا في المدرسة حتى 6 أكتوبر 2024.

في ذلك اليوم حاصر الجيش المدرسة، أطلق أربع قذائف داخلها، هدم السور وأغلقها بسواتر ترابية. كنا حوالي 16 عائلة نعيش في غرفة واحدة لثلاث ليالٍ. في اليوم الرابع حلّقت طائرة مسيرة وصوّرتنا، ثم دخل الجيش بما يقارب 30 دبابة وجرفوا المنازل المحيطة. أمروا كل عائلة بالخروج منفردة.

الاعتقال الثاني

ناداني جندي وطلب مني أن أُبلغ الرجال بالتقدّم واحدًا تلو الآخر للتحقّق من الهوية. بعد عودتي من فتح الصفوف، وجدتهم قد وضعوا ابني في حفرة داخل ساحة المدرسة، وكانت زوجتي تبكي وتصرخ خوفًا عليه. قلت لها: “هم يريدونني أنا”، وسلّمتها كل شيء معي، حتى هويتي، وودّعتها وقلت لها: “أوصيكِ على الأولاد”. ذهبتُ للجندي وقلت: “هذا ابني، ماذا تريدون منه؟”، فأجابني: “يا أنت يا ابنك”، فاخترت نفسي. أطلقوا سراح ابني وكبّلوني وضربوا رأسي في الدبابة فجرحت وسالت الدماء. اعتقلوني أنا وأربعة آخرين بتاريخ 20/10/2024، ونقلونا إلى “غلاف غزة”. هناك أنزلونا في بركة مياه، مكبّلي الأيدي، وتعرّضنا للضرب والإغراق. شعرتُ بالموت وأنا أغرق، مكبَّل اليدين داخل البركة في الغلاف، وكلما حاولتُ الخروج من الماء كانوا يضربونني على رأسي، والذين يضربوننا هم أولاد المستوطنين. أنا لا أُجيد السباحة وكنتُ مكبَّلًا، وشربتُ الكثير من الماء الوسخ. وبعدما أخرجونا، خلعوا عنّا الملابس وأعطونا «أفرهول»، وطلبوا منا خلع ملابسنا ولبس الأفرهول. بعد ذلك كبّلوا يديَّ وقدميَّ، ثم عصَبوا عينيَّ وأدخلوني إلى الساحة.

التعذيب في سديه تيمان

ثم نُقلنا في شاحنة إلى منطقة أخرى، وأنزلونا، وطلبوا منا السجود، ووضعوا رأسي على البسكورس، وبدأوا بإهانتنا لفظيًا من قِبَل المجندات، قائلين: «يا شراميط يا منايك، بدي أُنيك أمهاتكم وخواتكم»، وضربوني في كل مكان من جسمي، وخاصة الأماكن الحساسة، بالبوستار. ثم أخذونا في الباص ونقلونا إلى معتقل سديه تيمان. عرفتُ ذلك لاحقًا لأنني كنتُ مغمى العينين ويداي مربوطة طوال الطريق.

في سديه تيمان، لا يُسمح بدخول الشاحنة إلا بعد انتظار عشر دقائق على البوابة للحصول على تصريح الدخول. وطوال الطريق كان هناك جندي يضربنا. وأول ما دخلنا، عرضونا على شخص اسمه الدكتور ربيع، فقال لي: «ضربوك؟» قلت له: «لا» فورًا، مع أنه كان يرى جسمي مليئًا بالكدمات. ولو قلت له «نعم» كان سيكذبني. ثم عرضني على جهاز يأخذ بصمة العين.  وبعدها أخذونا إلى البركس داخل سجن سديه تيمان، وطلبوا من كل معتقل أن ينام على بطنه. اعتقدتُ أنها إجراءات استقبال سجن عادية، ولم أكن أتوقع أنها قمع أو قنابل أو كلاب. فجأة شعرت بشيء ثقيل على ظهري وسمعت صوت «لهث الكلب» ولم أكن أعرف ما هو، فنبهني المعتقل الذي بجانبي قائلًا: «دير بالك، لا تحرك حالك، في كلب على ظهرك ولو تحركت سيضربك بالكمامة على رأسك». بعدها أخذني وسحبني إلى غرفة، وفكّ قيدي من يديَّ ورجليَّ ثم أعاد تكبيل يديَّ من الأمام لا من الخلف، لكنه لم يفك العصبة عن عينيَّ.

قضيتُ 110 أيام مكلبشًا ومكبّلًا، حتى إلى الحمام كنتُ أدخل بدون أن أُشطف وبدون أن أخلع ملابسي. أحيانًا كانوا يأخذوننا إلى منطقة اسمها «البدود» (العزل)، وهي منطقة بلا كاميرات، كانوا يعذبوننا فيها، وكل ذلك بدون تحقيق. وبعد ثلاثة أشهر ونصف تقريبًا بدأوا يتحدثون معي.

في سديه تيمان، أول ما وصلت كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل. أول يوم حرمونا النوم تمامًا، وعند الساعة الثالثة فجرًا بدأ الجيش يضرب على الزينجو (الصفيح) ويصرخ: «اصحوا، اصحوا، أسفروت»، وأسفروت تعني العدد. وكان أول رقم تعريفي 745، وكانوا ينادونني بالرقم. نادت عليّ مجندة وطلبت منا الركوع، فقلنا: «ما بنفع»، فقلت للشباب: «احسبوها لله وكبّروا واركعوا». جاءت مجندة تفهم العربية، ولما جاء دوري كبّرتُ وركعتُ، فجاءت ووَضعت رجلها على رقبتي وعضّتني في يدي، ولليوم مكان أسنانها أثر مطبوع في يدي.

في اليوم التالي صباحًا، جاء الكابتن وقال: «أنتم لازمكم شاويش»، وناداني وسألني: «شو اسمك؟» قلت له: «أمين العثامنة»، وسألني عن رقمي، فأعطيته إياه. هذا الرقم أرسله للمخابرات، فاختاروني أن أكون شاويشا. ولحد اللحظة لم أتعرض لأي استجواب، وصرت أساعد الناس الذين يأتون، فأدخلهم الحمام، ومن يريد أن يتوضأ يسمحون له بالوضوء. كانوا يسمحون لنا بالصلاة لكن فردية؛ ممنوع التكبير، ممنوع رؤية مصلية، ممنوع القرآن. كنت أنظمهم، كل واحد يصلي وحده.

بالنسبة للأكل، كنا نعاني كثيرًا. في الشتاء كانوا يأتوننا بوجبة «لبنة» باستمرار، واللبنة تزيد البرد وتسبب المغص. لم يكن لدينا سوى بطانية واحدة. الروتين اليومي: في الصباح كان الشاويش يجمع الفُرش ويخرجها خارج البركس حتى لا يبقى شيء.

الأكل كان ثلاث وجبات صغيرة لا تشبع دجاجة: الأولى لبنة مع حبة بندورة صغيرة أو خيارة، الثانية تونة مع لبنة أو خيارة، والثالثة مربى أو لبنة مع حبة تفاح. الوجبة الواحدة كانت صغيرة جدًا: ربع ملعقة على ثلاث خبزات توست صغيرة. بعض الشباب كانوا يصومون يوميًا ليجمعوا الوجبات الثلاث معًا لأن الوجبة الواحدة لا تكفي.

أما الفرشات فكانت تُسحب الساعة السادسة صباحًا حتى الحادية عشرة ليلًا، وممنوع النوم، ممنوع القيام من مكانك بدون استشارة الشاويش، وممنوع الشاويش يتصرف بدون استشارة الكابتن. لو أحد يريد الحمام يجب أن يخبرني، وأنا أخبر الضابط، وغالبًا يكون قد تبول على نفسه. كان معنا معتقلون كبار في السن، ومات عندي اثنان: مصعب هنية ومعاذ ريان.

بعد 110 أيام، في الليل الساعة العاشرة نادوا عليّ. لم أكن أعد الأيام، كنت فقط أريد أن أنهي الأمر. مدة التحميم دقيقة واحدة، ولو تأخرت تخرج عاريًا، والماء بارد كالجليد صيفًا وشتاءً. لا أذكر أنني تحممت بماء دافئ إطلاقًا.

التعذيب في عوفر

الساعة العاشرة ليلًا أخذوني إلى عوفر. أخذوني مكبّلًا وضربونا هناك «تكسير» قبل أن ندخل الغرف. بعد الضرب أدخلونا الغرف. بعد ثلاثة أيام من نقلي إلى عوفر نقلوني إلى «الديسكو»، أحد أقسام عوفر، وبقيت هناك 27 يومًا. هو نظام تحقيق استخباراتي، عبارة عن بركس تجري تحته مياه الصرف الصحي، وأنا جالس على مشاطيح خشبية، مكبّل اليدين والرجلين، والرجلان مربوطتان بالأرض، وهناك سلسلة مربوطة برأسي تجعلني أنزل رأسي إلى الأسفل. في الليل يرمون عليّ بطانية وأنا على هذه الحالة، وفي الصباح يرفعونها فقط. وإذا سقط الغطاء عني في الليل أبقى طوال الليل بدون غطاء وأموت من البرد، ولا أحد يعيده، ولا أستطيع أنا لأنني مكبّل.

سألني أسئلة روتينية: اسمك؟ عمرك؟ عملك؟ ثم سألني: «بتعرف حدا في المقاومة؟» قلت له: «لا». سألني: «كيف بتعرفش؟» قلت له: «أنا موظف في رام الله، شو دخلني بالمقاومة». فقال لي: «كمان شوي بعرفك كذاب ولا صادق»، وأعادني إلى البركس «الديسكو» قرب المجاري.

صرت أخاف أن أذهب إلى الحمام لأن الذهاب والعودة يكونان تحت الضرب، حتى توقفت عن شرب الماء لأتفادى الحمام. في اليوم العشرين ليلًا جاءت مجندة ووضعت كرسيًّا خلفي وتبولت على ظهري وأنا مربوط ومكبّل. لم أرها لأني كنت مغطى بالبطانية، لكن المعتقل الذي بجانبي قال لي: «المجندة شخت عليك»، فقلت له: «لا تتمسخر عليّ»، فقال: «والله شخت عليك». شعرت بالقهر وقتها.

في الصباح جاء الضابط الذي يرفع الأغطية عنا وهو يرتدي قفازات، ورفع عني الغطاء، وقال: «مين بده يروح الحمام؟» من يطلب يدخل، ومن لا يطلب يبقى. الحمام عبارة عن حاوية فيها برميل قذر مليء بالبراز، شيء مقرف. كثير من المعتقلين كانوا يفضلون قضاء حاجتهم على أنفسهم بدلًا من دخول ذلك الحمام.

تعليق من الباحثة التي أخذت الإفادة: في هذه اللحظات، كان المعتقل يروي التفاصيل ودخل في نوبة بكاء ووضعه النفسي كان صعبًا. قمت كباحث ومن واجبي الإنساني بتقديم الدعم النفسي له والتخفيف عنه، كوني عملت مرشدة نفسية سابقًا، وكان المعتقل يشعر بالقهر وتنهيداته موجعة. قدّمت له إسعافًا نفسيًّا أوليًّا وطلبتُ منه أن يتحدث في كل مرة ليُخفّف عن نفسه ويحاول أن يخرج كل يوم من مكانه ليخفف عن نفسه.

أكمل حديثه قائلًا: «حسبي الله ونعم الوكيل، وما كان بيدي شيء أفعله غير الصبر على هذا الظلم. كان الجيش يسألنا: مين بده يأكل؟ فصرت أرفض الأكل حتى لا أذهب إلى الحمام. وصرت أقول للشباب: بدنا نصبر.

كان معي من ضمن الشباب الذين أعرفهم واحد من دار صلاح وآخر من دار الزعانين من بيت حانون، وهذان الاثنان كانا قبالتي دائمًا. في الليل، الجنود كانوا يلعبون حجر النرد طوال الليل ويشغّلون أغاني بصوت عالٍ للتعذيب النفسي ولمنعنا من النوم. كانوا يشغّلون أغنية عبرية ويجبروننا على الرقص عليها ونحن مقيَّدون.

هناك منطقة في عوفر اسمها «منطقة الشجرة»، بعيدة عن الكاميرات، كانوا يضربوننا ويعذبوننا، وبعد أن يعود المعتقل مكسرًا من الضرب يضعونه في «البدود» (العزل الانفرادي) لمدة ثلاثة أيام. يأتي الضابط ويقول: «أنت بعايوت، تبع مشاكل، محكوم عليك عزل ثلاثة أيام». وفي الحقيقة، يكون الاختيار للتنكيل عشوائيًا وبدون سبب. فجأة ضربوني بدون سبب.

تم تغيير رقمي في عوفر إلى 808. جاء الجنود إلى غرفتنا وقالوا لنا: تطلعوا الفورة. فجأة وأنا أمشي نادوا على رقمي بالعبرية: «808 اقعد على ركبك». جلستُ على ركبتي ووضعت يدي على رأسي، فجأة جاء كلبان كبيران يركضان نحوي. غطيت وجهي، والمعتقلون معي قالوا لي: «غطّ وجهك، لأن الكسر يجبر، أما الوجه إذا أُصيب لا يُصلح». انبطحت على الأرض، ووضع كلب على يميني وآخر على يساري. قال لي الضابط: «انزل على بطنك وانبطح»، ففعلت ووضعت يدي على رأسي. تحدّث الضابط مع الكلاب، والكلاب مدربة، فجلس أحدها على ظهري، ثم جاء الجيش وكبّل يديّ ورجليّ وقالوا لي: يلا امشي.

أخذوني إلى تلة جبل، يُقال إنها في القدس، لست متأكدًا، لكن المعتقلين لاحقًا قالوا إنها مخابرات الجيش في القدس. أخذوني في باص يسير ببطء، وكانوا يضربونني طوال الطريق.

وصلتُ إلى المخابرات، اسمها مخابرات تجنيد. طلبوا مني أن أعمل معهم. قلت: «كيف؟» قال: «نتواصل مع بعض زي الصحاب». جاوبته ساخرًا: «يعني عميل؟ أنا باحترم رأيك، لكن أنا ما بنفعكم». عندما رفضتُ، استفز الضابط، فنادى على جنديين وأخذوني إلى كراج سيارات، وجرّدوني من كل ملابسي بالكامل، وجاءت المجندات يتفرجن عليّ، وكنت عاريًا تمامًا ومكبّل اليدين وراء ظهري ومفتوح العينين. قالوا لي: «هيك أحسن؟» قلت له: الموت ولا المذلة. ولو بدي أشتغل معك بدي أموت أنا وولادي. بكون قتلت أولادي على وجه الحياة، وأولادي مقبلين على زواج وعندي حياة بدي أعيشها رسمتها إلي ولأولادي، وأنا هيك بهدمها بيوم وليلة.

قال لي الضابط: «كيف يعني؟» قلت له: «أنا لو بدهم يحكوا عني جاسوس وعميل بكون هدمت كل حياتي». صاروا ينكّلون بي الجنود بالضرب والتعري من الملابس، وضربي على أماكن حساسة. أمروني أن أجلس على حجار بسكورس حادة تنخز جسمي كله وأنا عارٍ، وقال لي: «اقعد على طيزك زي ما أنت»، فقعدت مكبّلًا وأنا أتوجع. وجاءوا بمستوطنين ليتفرجوا عليّ ويضحكوا وأنا على هذه الحال، وصوّروني بجوالاتهم.

تعليق من الباحثة: انتهت الجلسة الأولى من اللقاء بسبب الحالة النفسية الصعبة التي مر بها المعتقل وتذكره ظروف التنكيل التي مر بها. أنهيتُ اللقاء مراعاةً لظروفه، وقدمتُ له الدعم المعنوي اللازم.

في جلسة ثانية مع المعتقل المفرج عنه بتاريخ 17/6/2025، أكمل إفادته قائلا:

من ضمن أشكال التعذيب في سجن سديه تيمان، أطلق الجيش الكلاب علينا، وصارت تنهش فينا. كسر الجيش يدي من الضرب، وعلقوها في رقبتي، ولم يرضوا أن يأخذوني إلى العيادة ليُجبّر الكسر. ظللت أتوجع من الكسر حتى بعد أسبوع من الإصابة سمحوا لي بتجبيرها. العلاج بأقصى حد كان عبارة عن حبة «أكمول» كمسكن. كانت هذه معاناة حقيقية، ورفضوا أن أرى دكتورًا، ولما سمحوا له برؤيتي سألني: «من شو إيدك؟» وكان ضابط المخابرات مهددني ألا أقول إنها من الضرب، فأجبت الطبيب تحت الخوف والتهديد بأنها نتيجة سقوطي على يدي.

كان تعامل الجيش مع كل المعتقلين بنفس الوحشية، سواء معتقلين 7 أكتوبر أو من أماكن أخرى. التعامل كان بالضرب حتى مع المريض والجائع. الدخول للحمام بالضرب وبعد إذن الشاويش.

في يوم من الأيام جاءت كلاب تتحرش بنا، ومرات يضعوننا في قفص الكلاب. وكان الضرب بالعصي على أماكن حساسة، وشبح لمدة 27 يومًا متواصلة. لم أكن آكل أو أشرب كي لا أذهب إلى الحمام. كان معتقل سديه تيمان عبارة عن مسلخ فعليًّا.

الآن تذكرت من ضمن الأسئلة التي سألوني إياها: «وين مكان الأسرى؟» قلت لهم: «ما بعرف». فقالوا: «كيف ما بتعرف وانت ساكن جنب الاندونيسي؟» جاوبتهم: «مش عارف»، فضربوني وعلقوني (شبحوني)، وكان الألم شديدًا بكل جسمي. كان لزامًا عليّ أن أخلع كل ملابسي بالكامل وأدخل التحقيق وهم يفتشونني بالكامل، وأجلس على الكرسي مكلبشًا، والجنود يرونني على هذه الحال من باب الإذلال، فأنا مغمى لكنهم يرونني. وبعد انتهاء التحقيق يلبسونني ملابسي.

ظروف الإفراج:

عندما تم الإفراج عني كنت في النقب. سلّموني ملابس جديدة، ثم أعادوها وأعطوني ملابس قديمة، ونقلوني إلى سديه تيمان مجددًا. في 22/5/2025 نادوا على اسمي صباحًا، كبلوني وأخذوني بالباص إلى معبر كرم أبو سالم. حين رأيت السلك الشائك للمعبر عرفت أننا نعود إلى غزة. استقبلني الصليب الأحمر، وفكوا القيود. وصلتُ فجر اليوم التالي إلى مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح، أجريت الفحوص الطبية، ثم التقيت أختي التي أبلغتني بوفاة أمي. انفجرت بالبكاء. اتصلت بزوجتي فأخذت تبكي من الفرح.

 في اليوم التالي انطلقت نحو عائلتي في غزة عبر الطريق الساحلي، وبين مشاهد الدمار الكبير لم أتمالك نفسي من البكاء. وصلت إلى عائلتي النازحة في الجامعة الإسلامية وسط مدينة غزة. لم أتعرف على نفسي حين رأيت وجهي في المرآة لأول مرة منذ عام، فقد خسرت حوالي 40 كيلوجرامًا من وزني. عانقت أبنائي وبكيت طويلًا، والحمد لله على الحرية.

أطالب كل المؤسسات الحقوقية بتسليط الضوء على معاناة الأسرى وما يتعرضون له في سجون الاحتلال. الحمد لله على الحرية، وعقبال كل الأسرى.

13 Comments

  1. androxal over the internet

    buy androxal generic available in united states

  2. cheap enclomiphene price discount

    buying enclomiphene buy mastercard

  3. cheapest buy rifaximin canada with no prescription

    get rifaximin cheap with prescription

  4. buy xifaxan cheap new zealand

    online order xifaxan uk meds

  5. buying staxyn generic in canada

    get staxyn cost of tablet

  6. ordering avodart canada mail order

    cheap avodart buy online no prescription

  7. how to order dutasteride generic now

    No prescripton dutasteride

  8. ordering flexeril cyclobenzaprine purchase online from india

    ed meds flexeril cyclobenzaprine

  9. buy cheap gabapentin purchase generic

    online order gabapentin cheap melbourne

  10. how to get a doctor to prescribe fildena

    fildena overnight online

  11. buying itraconazole generic release date

    how to order itraconazole cheap new zealand

  12. kamagra prášky kanadské lékárny objednávky

    kamagra kanada

  13. kamagra sans dr

    generique kamagra sans prescrire france

اترك رداً على purchase itraconazole buy germany إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *