ت. ع، 34 عاماً، متزوجة وأم لثلاثة أطفال، سكان خانيونس.
تاريخ الإفادة: 10/11/2024
أنا متزوجة وأم لثلاثة أطفال: حسن (15 سنة)، يحيى (12 سنة)، شام (5 سنوات). كنت أسكن في منزل عائلة زوجي في حي المنارة في مدينة خانيونس. المنزل مكون من طابقين يحتوي كل طابق على شقتين، وقد أصبح غير قابل للسكن بعد استهدافه بالقذائف المدفعية الإسرائيلية بشكل شبه كامل. كان زوجي يعمل عاملًا في إسرائيل بتصريح يومي قبل الحرب. في بداية عام 2024، كنت أيضًا حاملاً.
عندما بدأت الحرب في صباح السابع من أكتوبر 2023، كان أطفالي يستعدون للذهاب إلى مدارسهم، وكان زوجي في عمله في إسرائيل، منعت أطفالي من الذهاب إلى المدرسة خوفًا من تصاعد الوضع، وسرعان ما بدأ القصف على قطاع غزة من كل الاتجاهات، وكان الاحتلال يستهدف المنازل وبيوت العبادة. بقينا في المنزل نشاهد التلفاز، حيث كانت المشاهد مروعة من القصف والدمار. حاولت التواصل مع زوجي للاطمئنان عليه، لكنه كان يتعرض للأوضاع نفسها. ترك عمله في إسرائيل وانتقل إلى مدينة قلقيلية حيث استقر هناك بانتظار تطورات الوضع.
وفي 13 نوفمبر 2023، علمت أن جيش الاحتلال الإسرائيلي اعتقل زوجي مع مجموعة من العمال في قلقيلية، وأُخذ إلى سجن “عناتوت”، ولكن أفرج عنه وعاد إلينا سالماً بعد خمسة أيام عبر معبر كرم أبو سالم، وتحديدًا في 18 نوفمبر. ومع تزايد القصف بالأحزمة النارية والتهديدات باجتياح مدينة خانيونس، قررنا مغادرة منزلنا لكوننا في المناطق الشرقية. وإثر إعلان الاحتلال عملية عسكرية في خانيونس، توجهنا بتاريخ 3 ديسمبر 2023، إلى مدينة رفح في منطقة خربة العدس، حيث لجأنا إلى منزل أقارب زوجي. مكثنا هناك حتى 14 فبراير 2024، حيث تعرضت المنطقة لقصف جوي استهدف منزلين مجاورين، أسفر عن استشهاد ما يقارب عشرة أشخاص. بسبب تدمير المنطقة، انتقلنا إلى منطقة تل السلطان غرب مدينة رفح، ونصبنا خيامنا بالقرب من البحر. هناك عانينا من كثافة السكان، حيث كان ما يقارب الـ 20 شخصا في مساحة ضيقة، وقلة مياه الشرب والطعام، وارتفاع الأسعار.
مع تصاعد القصف الإسرائيلي على رفح، وصدور الأوامر بالإخلاء، بدأنا نتحرك نحو مواصي خانيونس في 2 مايو 2024، حيث مكثنا في خيام مع عائلات أخرى. كانت الأوضاع صعبة للغاية، خاصة مع نقص المياه والطعام. بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق الشرقية لخانيونس أحس زوجي بالأمان، خصوصاً بعد انسحابهم من حي المنارة منطقة سكننا، قررنا وعائلته العودة إلى منزلنا في حي المنارة والمكوث فيه لما عانيناه في الخيم من وضع سيء وأيقنا اننا سنكون بحالٍ أفضل من المكوث تحت حرارة الشمس، ولهيبها، ورذاذ البحر، ورطوبته. ولكن لم نتمكن من البقاء طويلاً، ففي 24 أكتوبر 2024، في تمام الساعة السابعة والنصف مساءً، شن الجيش الإسرائيلي هجومًا مفاجئًا على المنطقة. وبشكل لا يصدق ولا يوصف بدأنا نسمع أصوات جنازير الدبابات وطائرات الكواد كابتر تحاصر منطقة حي المنارة بشكل كامل والمليئة بالعوائل المتواجدين في بيوتهم وبدأ جيش الاحتلال بشكل مباشر قصف البيوت بالقذائف المدفعية والطائرات الحربية حيث قُصف البيت المجاور لنا والذي يعود لعائلة الفرا واستشهد فيه 13 شخصا أغلبهم من الأطفال، وتم قصف الطابق الثاني من بيتنا بالقذائف المدفعية حيث كنا ما يقرب الـ 20 شخصا في الطابق الأرضي مع أولادي وزوجي وإخوتي وأهل زوجي.
كنا محاصرين في المنزل، ومن شدة القصف المدفعي المتواصل، اختبأنا جميعاً في الحمام، وبقينا فيه حتى الساعة الـ 10 مساءً. وفجأة أدخلت قوات الاحتلال كلبا مُزوداً بكاميرا للبحث في أرجاء المنزل. وقف أمامنا وتوجه إلينا وعندها قام بعضّ أختي الصغيرة (17 عاما) وهي متزوجة وكانت حاملاً أيضا.
وأثناء ذلك، هجم الكلب عليَّ، وعضني في فخذي، ما تسبب في جروح بليغة وأدى إلى نزيف حاد. علماً بأنني كنت حاملاً في شهري التاسع أيضاً. فقام زوجي بضربه بأقدامه بشدة وقام أهل زوجي بضربه بالعصي، ولكن لم يكن ليتركني أبدا وسط صراخ أطفالي الصغار والذين أصابهم الرعب والخوف الشديد وبعد ذلك قام الكلب بسحبي من الحمام مسافة 15 مترا وأحكم قبضته على قدمي وعندها أحسست بأن لحم قدمي قد خرج من مكانه بشكل كامل وبدأت قدمي تنزف الدماء بشكل كثيف ومرعب في كل أرجاء البيت وبقي الكلب محكما قبضته على قدمي لمدة تقرب الـ 10 دقائق ولم يكن أحد يستطيع أن ينتزع فكه من قدمي، حتى سمعنا صوت أقدام الجنود تصعد على درج المنزل، ثم دخلوا علينا بأعداد كبيرة، جاء ثلاثة منهم لينتزعوا فك الكلب من قدمي. لم يستطيعوا القيام بذلك حتى جاء الجندي الرابع، وهو المسؤول، وانتزع الفك بقوة. عندها رأيت قدمي، وكان الجرح عميقًا، حيث تم حفر فخذي بعمق 8 سنتيمترات وبطول 12 سنتيمترًا، كما أخبرني الأطباء فيما بعد. كان منظر قدمي مروعًا، شعرت وكأنها ستُقطع بسبب شدة الجرح. كما بدا لي أن الكلب كان يمضغ اللحم من فخذي، وكانت الأرض مغطاة بالدماء بشكل فظيع. كنت أصرخ من الألم بأعلى صوتي، وفي نفس الوقت شعرت بأنني قد أفقد طفلي بسبب النزيف الحاد الذي كنت أعاني منه.
بعد ذلك، قام الجنود باحتلال البيت والسيطرة عليه بالكامل، حيث صعدوا إلى سطح المنزل بأعداد كبيرة، وبدأوا بإطلاق الرصاص بشكل عشوائي في كل الاتجاهات، بالإضافة إلى القصف المدفعي الذي استمر بلا توقف منذ لحظة اقتحامهم حتى مغادرتهم، مما دام حوالي 7 ساعات. كان هناك حصار كامل للمنطقة، ونحن لا نعلم مصير العائلات المجاورة إذا كانوا أحياء أم أموات. وفي تلك الأثناء، جاء الضابط المسؤول عن العملية، وسألني عمن فعل بي ذلك، فأجبته بأن الكلب هو من أصابني. لكنه أنكر ذلك وقال لي “نحن لم نفعل ذلك”. ثم حملني من يدي ووضعني على الكنبة، وسألني إذا كنت حاملاً؟ قلت له نعم فقال لي أكشفي عن بطنكِ لأري فاضطررت أن أكشف عن بطني حتى يتأكد من حملي.
ثم بدأوا في نداء الرجال من داخل وخارج المنزل، وعزلوهم في غرفة، بينما وضعوا النساء مع أطفالي في غرفة أخرى. كان الأطفال في حالة صدمة كبيرة من الأحداث، واستمروا في الصراخ والبكاء. كنت أصرخ من الألم والنزيف، وبدأت أغيب عن الوعي شيئًا فشيئًا. جاء الضابط مجددًا وقال لي إنه إذا تحدثت عما حدث وأخبرت الناس أن الجنود هم من أطلقوا الكلب علي، فإنهم سيأتون ويعذبونني، وسيقتلون أطفالي وعائلتي كلها. كان يهددني بأنه سيصل إليَّ أينما كنت، وكنت أعتقد أنهم سيقتلونني.
وفي الساعة 2:30 فجرًا، بعد تهديداتهم، انسحبوا من المنزل. اعتقلوا زوجي مع شاب من عائلة الفرا، وغادروا تحت القصف المدفعي الذي لم يتوقف لحظة. بدأ الأطفال في البكاء والصراخ خوفًا على والدهم، وكانوا في حالة رعب شديدة. بقيت لا أعرف أي شيء عن زوجي حتى الساعة السابعة صباحًا، حيث بدأنا نسمع أصوات سيارات الإسعاف. عندها علمنا أن الجيش قد انسحب من الحي، فخرج أهلي وأشقائي لإحضار سيارة الإسعاف لي، حيث تم نقلي إلى مستشفى ناصر. وأثناء خروجي تفاجأت بأعداد كبيرة من الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ المُلقون على الأرض وبدأ الجيران بانتشال شهدائهم حيث كانوا ما يقرب ال 35 شهيدا من عوائل أبو عابدين وعويضة والفرا.
في المستشفى، صُدم الأطباء من شدة الجرح وخطورته، خاصة أنني كنت أعاني من آلام شديدة نتيجة الحمل. بعد فحصي، أخبروني أنني أعاني من ارتفاع ضغط الدم وأنني كنت في مرحلة تسمم الحمل نتيجة النزيف الحاد وعضة الكلب في فخذي. وقال لي الأطباء أن الجرح عميق جداً ويحتاج الى جراحة عاجلة وإلا سأفقد قدمي. كانوا في البداية غير قادرين على علاج الجرح بشكل مناسب بسبب نقص الإمكانيات في المستشفى نتيجة الحصار الذي يطبقه الجيش الإسرائيلي على غزة، حيث كانوا يفتقرون إلى الأدوات الطبية اللازمة مثل المطهرات والشاش والمعقمات. قاموا بتحويلي إلى مستشفى مبارك في 28 أكتوبر 2024، حيث قرر الأطباء إجراء عملية قيصرية عاجلة بسبب تسمم الحمل الذي كنت أتعرض له.
دخلت إلى غرفة العمليات في الساعة 9 صباحًا، وظللت في انتظار طبيب حتى الساعة 6:30 مساءً، بينما كان المكان غير نظيف تمامًا ولا يوجد سرير مناسب للولادة. بعدها أجريت العملية القيصرية، ولكن للأسف فقدت الجنين بسبب التسمم والنزيف. بعد العملية القيصرية بثلاث ساعات، أخبرني الأطباء بأنني بحاجة إلى عملية عاجلة لجرحي في قدمي، الذي كان يتطلب تدخلًا سريعًا. بسبب نقص الإمكانيات في المستشفى، أجريت العملية في نفس غرفة العمليات التي ولدت فيها “كشك الولادة”، وكانت العملية صعبة جدًا بسبب نقص المعدات والموارد.
بعد ساعة من العملية، تم نقلي إلى العناية المركزة في مستشفى ناصر، حيث مكثت أسبوعًا حتى تحسنت حالتي. في 4 نوفمبر 2024، فوجئت بأن الجيش قد أفرج عن زوجي بعد اعتقال دام عشرة أيام. أُخبرنا أنه تم نقله إلى منطقة فيلادلفيا في رفح، حيث تم التحقيق معه، وبعد ذلك تم الإفراج عنه. التقيت بزوجي في منزل أهلي في مدينة خان يونس، حيث نعيش الآن.
لكن رغم شعورنا بالسلامة الجسدية، ما زلت أعاني من حالات نفسية صعبة للغاية فأصاب بحالة هستيرية نتيجة التهديدات التي تلقيتها من الضابط والآلام الجسدية التي مررت بها. لا أستطيع أن أنسى الرعب الذي عشته وتعرض له أطفالي، خاصة طفلتي شام التي لا تزال تعاني من الخوف الشديد والتبول اللا إرادي بسبب الصدمة النفسية التي تعرضت لها. أما حالتي الصحية، فما زلت غير قادرة على المشي أو التحرك بشكل طبيعي، وأحتاج إلى تغيير الضمادات مرتين يوميًا حتى لا يصاب الجرح بالتهاب. للأسف، لا أستطيع الحصول على الأدوية اللازمة لعلاج قدمي والمعقمات والضمادات في ظل الظروف الحالية في غزة، ناهيك عن حاجتي لممرضة بشكل يومي حتى تستطيع أن تُضمد جرحي.
BWER is Iraq’s go-to provider for weighbridges, ensuring durability, accuracy, and cost-efficiency in all weighing solutions, backed by exceptional customer support and maintenance services.