بهاء الدين يوسف محمود الغلاييني، 74 عاماً، متزوج وأب لخمسة أبناء، سكان مدينة غزة، طبيب نساء وولادة وإخصاب.

تاريخ الإفادة: 2/11/2024

أملك وأدير مركز بسمة الطبي للإخصاب وأطفال الأنابيب الذي تأسس عام 1997، ويقع في مبنى من طابقين على مساحة دونم في شارع الجلاء في مدينة غزة، ويعمل به 35 موظفًا من الطواقم الطبية والإدارية، وهو يضم مختبراً وتجهيزات متعلقة بالإخصاب وحفظ الأجنة.

مع سماع دوي الانفجارات صباح يوم السبت 7 أكتوبر 2023، أدركت أن الأمور تتجه نحو أحداث صعبة وعدوان إسرائيلي كبير، وبالفعل مخاوفي تحققت مع شن الاحتلال الإسرائيلي غارات عنيفة وقصف في كل مكان.

ونتيجة الإدراك بصعوبة الوضع في الأيام التالية، قررنا تعليق العمل في المركز، وأبلغنا النساء المراجعات بوقف العمل، وأن من لديها عملية ستلغى، ومن يفترض لديها حقن، ستؤجل، ومن لديها أجنة سنجمدها، لحين توقف العدوان، حيث كان هناك من 40-50 سيدة لهن مواعيد للحقن تم إلغائها. وأبلغناهم أنه لعل بعد وقف العدوان يتوفر لهم أي جهة تساعدهم وتعوضهم لبدء رحلة العلاج من أجل الإنجاب من جديد، لأن العملية مكلفة وتجري عبر برنامج طويل، متوسط تكلفته من 700-750 دولار.

كان يوجد لدينا أربعة آلاف من الأجنة المجمدة، التي تحفظ في حافظات مخصصة عبارة عن تنك بمواصفات معينة طوله 80 سم بقطر 40 سم، وتكلفته 10 آلاف دولار، وكان لدينا 3 حافظات في المركز. وكذلك لدينا ألف نطفة عبارة عن حيوانات منوية مستخلصة من الأزواج بعد كورسات وعلاجات وجراحات مطولة وهذه يتم تخزينها إلى حين خضوع الزوجة لسحب بويضات تمهيدًا لتلقيحها تحت المجهر خارج الجسم. وجزء كبير من هذه العينات والأجنة كانت لأشخاص لا ينجبون وبعضهم سنه كبير أو يعاني من مرض السرطان أو لديهم أمراض مزمنة، وبالتالي كانت هذه العينات آخر فرصة لهم في الإنجاب.

ونتيجة تخوفنا من تطورات الأمور نتيجة العدوان، قررنا تجميد الأجنة حيث استخدمنا حافظتيْن لتخزين الأجنة والنطف، بحيث توضع كل نطفة في أنبوبة شعرية تعلق بحامل معدني، والحافظة الثالثة تستخدم لتخزين نيتروجين سائل احتياطي لتزويد الحافظتين في حال النقص. وللتوضيح يتم حفظ الأجنة والنطف في الحافظات التي يوضع فيها النيتروجين السائل الذي عند إضافته يتحول إلى غاز يوفر درجة برودة 183 تحت الصفر، ومع الوقت ينقص الغاز ويحتاج إلى إضافة نيتروجين جديد لضمان بقاء درجة البرودة للحفاظ على الأجنة والعينات. وهذا الغاز كنا نستورده من خارج غزة بكميات معينة شهريًا.

بعد إلقاء قوات الاحتلال منشورات تطالب سكان غزة وشمال غزة بالإخلاء إلى الجنوب، مع اشتداد وتيرة القصف، اضطررت للانتقال مع أسرتي إلى خانيونس، وذلك بتاريخ 14/10/2023، ولاحقًا سافرت إلى مصر وتحديدا في 7 نوفمبر 2023. خلال وجودي في مصر وكذلك قبلها في فترة وجودي في خانيونس، كنت أتابع مع مدير المختبر في المركز الطبي الدكتور محمد عجور، لمتابعة وتفقد الأجنة.

وخلال هذه المدة، جرت اتصالات من طرفنا مع العديد من الجهات، حيث أبلغني الدكتور عجور أنه تحدث مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والعديد من منظمات حقوق الإنسان والجهات الدولية، وإبلاغها لضمان نقل وتأمين الأجنة والعينات الموجودة في المركز كونها تمثل أمل الحياة والإنجاب لآلاف الأسر الفلسطينية، ولكن دون جدوى. ونظرًا لأن مدير المختبر يسكن في منطقة قريبة من المركز، كان يتفقد الحافظات بين الحين والآخر، وكان الغاز ينقص، وفشلت محاولاتنا في نقل الحافظات أو توفير غاز نيتروجين لها، واضطررنا لحفظ الأجنة جميعها في حافظة واحدة للاستفادة من الغاز في الحافظات الموجودة لعدم وجود الغاز المطلوب، وكان ذلك في نهاية شهر نوفمبر 2023. وعلمنا بوجود كمية غاز في النصيرات وطالبنا بتمكيننا من نقلها، إلى المركز، لكن محاولات ذلك باءت بالفشل لرفض الاحتلال التنسيق لذلك. وكان ذلك مؤلما بالنسبة لنا، لأنه خلال متابعتنا للحرب في أوكرانيا، سمعنا بحادثة مماثلة، تتعلق بمركز إخصاب، وجرى بعد الاتصالات مع المنظمات الدولية الاتفاق على وقف النار في منطقة المركز، ونقل حافظات الأجنة والعينات لدولة أخرى للحفاظ عليها، وكنا نتمنى أن يتكرر ذلك معنا لنبقي الأمل لآلاف الأسر.

جراء الأحزمة النارية التي شنها الاحتلال على مدينة غزة، تضررت الأسوار الخارجية لمبنى المركز، دون أن تؤثر على الحافظات والعينات، ولكن في أواخر ديسمبر 2023 أو مطلع شهر يناير 2024، أرسل لي مدير المختبر صورة للمركز تظهر أن حافظات الأجنة تعرضت للأضرار بعد أن أصابت قذيفة إسرائيلية غرفة مختبر الأجنة بشكل مباشر، ما أدى إلى إتلاف في الحافظة بعد انفتاح غطائها وتفريغ محتواها وتسرب الغاز وبالتالي إتلاف الأجنة والعينات. كان الخبر صادمًا ومؤلمًا، والألم الأكبر هو لعشرات أو مئات الأسر التي ربما ستفقد للأبد فرصتها الأخيرة للإنجاب. كما تسبب القصف بإلحاق أضرار في المبنى وأجهزته المختلفة، فضلا عن التعطيل في العمل طوال أكثر من عام وهو ما يمس جميع العاملين في المركز.