في لحظة واحدة .. أصبحت وحيدًا بلا أبناء ولا زوجة

يوليو 18, 2025

تاريخ الإفادة: 12/7/2025

مجدي موسى عليان جاد الله، 41 عاما، سكان مخيم خان يونس.

أعمل مرشدًا أكاديميًا للطلبة الجدد في قسم شؤون الطلبة، في كلية العلوم التطبيقية، وأسكن في شقة مساحتها 55 م² في الطابق الثالث من منزل العائلة المكوَّن من ثلاثة طوابق على مساحة 70 م². أعاني منذ الولادة من تشوّهات في العمود الفقري أثّرت على نموّي في الطول والعضلات، فأصبحت حركتي صعبة ولا أتحرّك بعيدًا عن المنزل إلا بكرسي كهربائي.

كنت متزوجًا من السيدة آسيا طه عيد زعرب، ولدي منها ثلاثة أطفال هم: يحيى (14 عامًا)، وموسى (12 عامًا)، وإبراهيم (عامًا واحدًا).

خلال العدوان على قطاع غزة بتاريخ 7/10/2023 كان أول نزوح لي في 24/1/2024 إلى المدرسة الابتدائية للبنات (ج)، مكثت فيها شهرًا، ثم نزحتُ إلى المواصي (غربي خان يونس) وعدت إلى منزلي في المخيم بتاريخ 1/6/2024 وما زلت حتى الآن في منزلي. ورغم إنذارنا من الاحتلال الإسرائيلي بإخلاء المخيم في بداية شهر يوليو الجاري، إلا أنني لم أنزح لقلة الإمكانيات المادية ولعدم وجود مكان، ولأن النزوح معاناة خاصة بسبب وضعي الصحي. والجيران أيضًا لم ينزحوا، فقلت: مثلي مثل الجيران.

عند حوالي الساعة 9:45 مساء الأربعاء 9/7/2025، بينما كنت في شقتي في الطابق الثالث بعد أذان العشاء، وكان أطفالي في الأسفل يلعبون في منزل عمي المتوفى محمود عثمان الملاصق لمنزلنا من الجهة الجنوبية، يلعبون مع بنت بنت عمي تنسيم مصعب أبو خضير (7 سنوات) – وهي نازحة عندنا من شمال غزة – دخلت عليّ زوجتي وفي يدها جوالي (الهاتف المحمول) وقالت لي إنّ زميلي يتصل بي. فأخذت الجوال منها وتحدثت معه، ثم أجريت مكالمة أخرى، وأعطيتها الجوال لتتصل على أهلها كالعادة، لكنها لم تتصل وتركتني ونزلت إلى الطابق السفلي. بدأتُ بصلاة العشاء، وفجأة سمعت صوت انفجار وتناثر رمال وحجارة وغبار.

أكملتُ صلاتي بسرعة ونزلت إلى الأسفل. وأنا أنزل كنت أسمع صوت صراخ نساء، وعندما نزلت إلى الشارع شاهدت منزل عمي المتوفى محمود عثمان مدمَّرًا كليًا، وشاهدت جيراني الشبان يتجمهرون في مكان القصف. توقفت غير مستوعب ما يحدث وأنا أقول: الحمد لله. بدأ الشبان يبحثون عن أبنائي وزوجتي ومن في المنزل، وأول من أخرجوا ابني يحيى، ثم موسى، ثم إبراهيم، ولم يجدوا زوجتي التي عثروا عليها في مدخل المنزل تحت الركام. وبعد عشر دقائق جاءت سيارات الدفاع المدني ونقلوهم إلى المستشفى.

كان الشبان كلما أخرجوا أحدًا من أبنائي يقولون لي إنه بخير، وأنا أقول لهم: إنه استُشهد. كان إحساسي يقول لي إنهم استُشهدوا جميعًا. حاولت الذهاب إلى مستشفى ناصر ولكن أقاربي والشبان منعوني من الذهاب. واستمر الدفاع المدني والشبان في البحث عن تنسيم أبو خضير التي كانت مفقودة.

وعند حوالي الساعة 12:00 من بداية اليوم التالي الخميس 10/7/2025 توقّف الدفاع المدني عن البحث بسبب وجود أحداث أخرى. استمر الشبان بالبحث، وبعد ساعتين توقفوا، ثم عاودوا البحث عن تنسيم في حوالي الساعة 5:30 صباح اليوم نفسه، وعثروا عليها ونقلوها إلى مستشفى ناصر، حيث توجهت معهم في حوالي الساعة 7:10 صباحًا إلى مستشفى ناصر. وبعد عمل إجراءات الدفن والصلاة عليهم قمنا بدفنهم في مقبرة جماعية (فُسْدُقِيّة) في مقبرة السطرية خلف الحي النمساوي، لامتلاء مقبرة العائلة.

وقد أُصيبت في الحادث خالتي سعاد عبد الله صافي (55 عامًا)، وابن عمي محمد محمود عثمان (36 عامًا)، وأسماء محمود عثمان (33 عامًا)، ومن الجيران – حسب معرفتي – سارة نصر أبو مصطفى (24 عامًا)، ومحمد محمود خلف الله (33 عامًا)، وآخرون لا أعلمهم. كما وقعت أضرار في المنازل المجاورة وتضرر الكرسي الكهربائي الذي أستخدمه في حركتي.

وفي الليل، عند حوالي الساعة 11:00 ليلًا، كنت نائمًا في الطابق الأرضي، فسمعت أبنائي وزوجتي وهم ينادون عليّ: “الحقنا يا بابا، انخنقنا يا بابا”. فاستيقظت من نومي، وكان حولي في الطابق الأرضي خالتي سعاد ومحمد ابن عمي وأختي صابرين (33 عامًا) – لأنهم منعوني من النوم في شقتي – فسألتهم: هل تسمعون ما أسمع؟ قالوا لي: لا. فصعدت إلى شقتي وأجهشت بالبكاء.

في لحظة أصبحت وحيدًا بلا أبناء ولا زوجة. زوجتي التي كانت يدي وقدمي، كانت تقوم بجميع مهام المنزل، كنت فقط أذهب إلى عملي وأعود، لا أعرف أي شيء، كانت تقوم بكل شيء. ابني يحيى كنت أناديه يا أستاذي، وعلى موسى يا دكتور، وعلى إبراهيم يا مهندس. كنت قد تواعدت أنا وزوجتي وأولادي منذ بداية العدوان أن نموت معًا أو نحيا معًا، حتى لا يتحسر أحدنا على فقدان الآخر، راحوا مني. حسبي الله ونعم الوكيل.