في حرب الإبادة والتهجير: الاحتلال يستهدف نازحين أثناء تعبئة مياه الشرب في النصيرات

يوليو 13, 2025

في تصعيد خطير آخر يندرج في سياق الإبادة الجماعية التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، ارتكبت قوات الاحتلال صباح اليوم جريمة مروعة جديدة، تمثّلت في استهداف مباشر لنازحين مدنيين أثناء اصطفافهم في طابور لتعبئة المياه الصالحة للشرب، في مخيم النصيرات بالمحافظة الوسطى، ما أدى إلى مقتل 10 مواطنين، بينهم 7 أطفال، وإصابة نحو 20 آخرين، بعضهم في حالات حرجة.

ووفق إفادات الشهود والمعلومات التي جمعها المركز، فعند حوالي الساعة 8:40 من صباح اليوم الأحد الموافق 13/7/2025، أطلقت طائرة مسيّرة إسرائيلية صاروخًا تجاه تجمع من المواطنين أثناء تعبئتهم للمياه أمام منزل عائلة سلامة، المجاور لمقر جمعية وروضة “آفاق”، وسط المخيم الجديد في النصيرات.

أسفر القصف عن مقتل 10 مواطنين، بينهم 7 أطفال، وإصابة نحو 20 آخرين، من ضمنهم 8 أطفال، بعضهم في حالات حرجة. والقتلى هم: عبد الله ياسر محمود عبد الرحمن (14 عامًا) وبدر الدين عبد الرحمن قرمان (10 أعوام) وسراج الدين خالد صالح إبراهيم (11 عامًا) وإبراهيم أشرف إبراهيم أبو عريبان (10 أعوام) وكرم أشرف ياسر الغصين (10 أعوام) ولنا أشرف ياسر الغصين (11 عامًا) وأحمد سليم محمد أبو سلمية (15 عامًا) وقاسم محمود قاسم الميناوي (41 عامًا) وفؤاد نبهان حسن سلامة (58 عامًا) ومحمد محمود مسلم قرمان (29 عامًا).

ووفق الشهادات؛ كان المواطنون يصطفون في طابور طويل للحصول على مياه الشرب في ظل أزمة مياه خانقة ناجمة عن تدمير الاحتلال لشبكات المياه والصرف الصحي، ومنع دخول الوقود والمعدات اللازمة لتشغيل محطات الضخ والتحلية.

وأفاد المواطن أشرف ياسر مسعود الغصين، 48 عاما، والد الطفلين كرم ولنا، لباحث المركز، أن أطفاله اعتادوا يوميًا التوجه إلى نقطة تعبئة المياه المجاورة، لتعبئة القالونات الخاصة بالعائلة ونقلها إلى الفصل الدراسي الذي ينزحون داخله في إحدى مدارس وكالة الغوث (أونروا) في المخيم الجديد.

وأضاف الوالد المفجوع: “في حوالي الساعة 8:30 صباحا، توجه كرم (10 أعوام) ولُنا (11 عامًا) كالمعتاد إلى نقطة المياه. وبعد نحو عشر دقائق فقط، سمعت صوت انفجار قوي هزّ المنطقة، فركضت على الفور نحو المكان، وهناك وجدت أطفالي من بين المصابين وقد نقلهم المواطنون إلى مستشفى العودة داخل المخيم”.

وتابع بحرقة: “في المستشفى، تبيّن أن كرم ولُنا قد فارقا الحياة، وكانا من ضمن 10 شهداء سقطوا في نفس الحادثة. كانت صدمة كبيرة لا توصف، ولم يكن أمامي سوى التوجه لدفنهما في المقبرة.”

وأفاد شقيق المواطن فؤاد سلامة لباحث المركز، أن شقيقه كان يحرص يوميا على تعبئة برميل المياه الصالحة للشرب من مصدر المياه التابع لجمعية وروضة “آفاق”، المجاورة لمنزلهم من الجهة الشرقية. وأوضح أن المواطنين في المنطقة اعتادوا على الاصطفاف في طابور لتعبئة الغالونات والبراميل الخاصة بهم، بسبب شحّ المياه الحاد الذي تعاني منه المنطقة.

وأضاف أنه أثناء وجود المواطنين في موقع التعبئة، أطلقت طائرة مسيّرة إسرائيلية صاروخًا باتجاه التجمع، ما أسفر عن استشهاد عدد منهم، وإصابة آخرين بجراح متفاوتة، من بينهم شقيقه فؤاد. وقد جرى نقل المصابين والشهداء إلى مستشفى العودة في المخيم ذاته.

إن جريمة استهداف المدنيين في مخيم النصيرات، وبينهم عدد كبير من الأطفال، أثناء اصطفافهم للحصول على المياه الصالحة للشرب، لا يمكن فصلها عن السياق الأشمل للهجوم العسكري الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، والذي يتخذ أشكالًا متعددة من القتل والتدمير والتجويع والتعطيش، ضمن سياسة ممنهجة هدفها تقويض فرص البقاء وسحق مقومات الحياة ضمن محاولات محو الفلسطينيين وإبادتهم.

وجاء الاستهداف بالتزامن مع إعلان بلديات محافظة الوسطى في قطاع غزة، وبالتنسيق مع مجلس إدارة النفايات الصلبة للهيئات المحلية في المحافظات الجنوبية (رفح، خان يونس، والوسطى)، عن التوقف التام لجميع خدماتها الأساسية، نتيجة الانقطاع الكامل لإمدادات الوقود اللازمة لتشغيل آبار المياه، ومحطات الصرف الصحي، وآليات جمع وترحيل النفايات، والمعدات الثقيلة الخاصة بإزالة الركام وفتح الطرق.¹

هذا التزامن بين القصف المباشر للمدنيين في طابور المياه، وتعطيل الخدمات الحيوية بفعل الحصار المحكم، يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الاحتلال الإسرائيلي ينفّذ استراتيجية إبادة جماعية متعددة الأدوات: بالقتل تارة، وبالحصار والتجويع والتعطيش تارة أخرى، وكلها تؤدي إلى نتيجة واحدة وهي محو الفلسطينيين وإخراجهم من الجغرافيا والتاريخ.

وفي هذا السياق يقول المحامي راجي الصوراني، مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان:

“كل ما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي من جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم اضطهاد، وكل ما يقوم به من قتل وتدمير وتجويع وتهجير، واستهداف لموارد الغذاء والمستشفيات ومقوّمات الحياة، وتجميع سكان القطاع في ما لا يتجاوز 15% من مساحته، إنما يهدف إلى أمر واحد: دفعهم نحو اللا خيار، أي الهجرة القسرية، ضمن سياسة تطهير عرقي تشكّل نكبة قديمة جديدة بحق الشعب الفلسطيني.

قادة الاحتلال يعلنون ذلك صراحة، ويمارسونه فعليًا بجعل غزة منطقة غير صالحة للحياة.

هذا هو عار المجتمع الدولي، الذي يرى ويسجّل ما يحدث بالصوت والصورة وفي الزمن الحقيقي، لكنه لا يفعل شيئًا. بل إنّ بعض دوله لا تزال تزوّد إسرائيل بالسلاح والذخائر التي تُستخدم في قتل أطفال ونساء غزة، بينما تتخاذل في أداء الحد الأدنى من الواجبات التي يفرضها القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.”

إن استهداف الأطفال والنازحين أثناء سعيهم للحصول على الحد الأدنى من مقومات الحياة، يمثل جريمة حرب مكتملة الأركان وفق القانون الدولي الإنساني، خاصة اتفاقيات جنيف الرابعة التي تحظر استهداف المدنيين ومرافقهم الحيوية، وتكفل لهم الحق في الوصول إلى الغذاء والماء والرعاية.

ويذكّر المركز بأن سياسة التعطيش والتجويع والتدمير الشامل للبنية التحتية تمثل أدوات إبادة جماعية بحسب تعريف اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لسنة 1948، ويؤكد أن صمت المجتمع الدولي على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب بحق الفلسطينيين، يشجع الاحتلال على المضي قدمًا في سياساته الدموية، ويقوّض أسس العدالة والكرامة الإنسانية.

ويجدد المركز دعوته للمجتمع الدولي، إلى التحرّك العاجل للوقف الفوري للإبادة الجماعية، وضمان توفير حماية فاعلة للمدنيين، وضمان ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية بشكل آمن وعادل ويحفظ الكرامة الإنسانية، ويحذر بأنه ما لم يتحرك العالم فورًا، فإن المزيد من الأطفال والنساء سيسقطون، والمزيد من دماء الأبرياء ستُراق دون أي مبرر.

بلدية النصيرات، الصفحة الرسمية على فيسبوك، تصريح صحفي صادر عن بلديات محافظة الوسطى – قطاع غزة ومجلس إدارة النفايات الصلبة في المحافظات الجنوبية، 13/7/2025. الرابط ↩︎