يوليو 17, 2025
جيل يُمحى قبل أن يولد: الاحتلال الإسرائيلي يواصل تنفيذ إبادة بيولوجية في غزة
مشاركة
جيل يُمحى قبل أن يولد: الاحتلال الإسرائيلي يواصل تنفيذ إبادة بيولوجية في غزة

تصاعدت الانتهاكات الإسرائيلية ضد المدنيين في قطاع غزة إلى مستويات مروعة وغير مسبوقة، طالت الفئات الأكثر ضعفًا، وعلى رأسها النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة. فقد تعرضت النساء لأشكال متعددة من الانتهاكات، شملت سياسة التجويع والتعطيش المدمرة، فضلاً عن غياب الحماية من الهجمات العسكرية العشوائية وتدهور الخدمات الصحية إلى حدٍ غير محتمل. أسفرت هذه السياسات الوحشية عن وفاة العديد من الأطفال حديثي الولادة، وفقدان أجنّة، ومعاناة أخريات من الولادة المبكرة أو إنجاب أطفال ميتين. إن هذه الممارسات الممنهجة تحول دون الإنجاب في قطاع غزة، وترقى إلى جريمة إبادة جماعية تهدف إلى القضاء على جيل كامل ومحو مستقبل الشعب الفلسطيني بأسره.لقد سجلت وزارة الصحة خلال النصف الأول من هذا العام في قطاع غزة 17 ألف حالة ولادة، من بينها 2,600 حالة إجهاض و220 حالة وفاة للأجنة أثناء الحمل أو قبل الولادة. كما تم تسجيل 21 حالة وفاة لحديثي الولادة في اليوم الأول. كما وُلد خلالها 67 طفلًا بتشوهات خلقية بنسبة 0.39%، ودخل 2,535 مولودًا الحضانة بسبب مشاكل صحية، ما يشكل 14.91% من الإجمالي، بينما وُلد 1,600 طفل بوزن أقل من الطبيعي بنسبة 9.41%. كما بلغت حالات الولادة المبكرة 1,460، ما يعادل 8.59%..1

السيدة شموخ كرسوع، 20 عاماً، التي دفعت ثمن الحصار والتجويع والحرمان من الرعاية الطبية بفقدان طفلها، أفادت المركز بما يلي:“بتاريخ 2 يوليو 2025، وضعت طفلي “معين” بولادة طبيعية مبكرة، وهو لا يزال في الأسبوع السابع والعشرين من الحمل. وُلد بوزن كيلوغرام واحد فقط، وكان ضعيفًا جدًا، لم تكتمل لديه الرئتان ولا الكبد ولا الكلى. كنت أعاني طوال حملي من سوء تغذية شديد، حيث لم يكن لدينا ما نأكله سوى وجبتين من العدس في اليوم من التكية، ولا شيء آخر. كنت آخذ إبر تثبيت الحمل لأن حالتي كانت بحاجة لها، لكنها باهظة الثمن، وسعر الإبرة الواحدة 35 دولار تقريباً، ولهذا لم أستطع الاستمرار بها. كل ذلك زاد من ضعف جسدي، خاصة مع الضغوط النفسية التي عشتها بسبب الخوف الشديد والنزوح المتكرر والظروف القاسية في الحرب. بعد الولادة، نُقل طفلي “معين” إلى الحضانة في مستشفى الصحابة، لكنه لم يصمد، وبعد 48 ساعة فقط، فقدته.”2

تُعزى هذه النسب المروعة إلى جملة من العوامل الكارثية، في مقدمتها استمرار قوات الاحتلال الإسرائيلي في شن هجمات عشوائية ومكثفة على قطاع غزة، مستخدمة أطنانًا من المتفجرات وغاز الفوسفور الأبيض، دون أي حماية للنساء الحوامل أو إمكانية لإجلائهن إلى مناطق آمنة. وفي ظل هذا القصف المستمر، أصبح الوصول إلى الرعاية الصحية أمرًا نادرًا ومحفوفًا بالمخاطر. يترافق ذلك مع انهيار شبه كامل في المنظومة الصحية، التي وصلت إلى مرحلة حرجة بسبب استهدافها بالقصف المباشر، وبسبب الحصار المستمر ومنع إدخال الإمدادات الطبية الطارئة. أما المستشفيات القليلة التي ما تزال تعمل، فترزح تحت وطأة الاكتظاظ الحاد، وانعدام الوقود، وبالتالي انقطاع الكهرباء وتعطّل محطات الأكسجين وحضانات المواليد، والنقص الحاد في أجهزة التشخيص. ومع تفشي الأمراض المعدية، والنفاد الكامل لمخزون الأدوية والمستلزمات الطبية، يقف النظام الصحي في غزة على حافة الانهيار الكامل، في مشهد ينذر بدخول مرحلة اللاعودة.3

أفادت م.ق.، التي يمزقها ألم فقد ابنتها وسط ظروف قاسية لا تُحتمل، بما يلي:

“في 1 يوليو 2025، فقدت طفلتي الأولى خديجة بعد ولادة مبكرة في الأسبوع الخامس والثلاثين من حملي، بينما كنت في شهري الثامن. وُلدت الطفلة مشوهة وغير مكتملة النمو، بجسد ضعيف وجمجمة غير مكتملة. أخبرني الأطباء أن ذلك نتيجة سوء التغذية الحاد الذي عانيت منه طوال فترة الحمل، وتعرّضي المستمر للدخان والفسفور الناتج عن الصواريخ التي تطلقها قوات الاحتلال الإسرائيلي. لقد عشت فترة حمل صعبة جدًا، كنت أعاني خلالها من مغص كلوي مستمر ومضاعفات متكررة، دون أي قدرة على الوصول إلى رعاية صحية مناسبة. وكان غذائي طوال الحمل لا يتجاوز المعكرونة والعدس، دون توفر للدقيق، الذي إن وُجد كان سعره باهظًا لا يمكننا تحمله. وفي الشهر السادس، وبعد إجراء تصوير للجنين، تم إبلاغي بأن طفلتي تعاني من تشوهات خلقية. في الشهر الثامن، ازدادت حالتي سوءًا فجأة، وحدثت الولادة المبكرة بشكل طارئ، وتوفيت خديجة أثناء الطلق.”4

وفي الوقت نفسه، يواجه قطاع غزة مرحلة غير مسبوقة من سياسة التجويع التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي، حيث بات خطر المجاعة يهدد حياة السكان، وعلى وجه الخصوص النساء والأطفال، في ظل الإغلاق الكامل للمعابر منذ 2 آذار/مارس من هذا العام. ومع التدمير شبه الكامل للقدرة الإنتاجية المحلية للغذاء، يُجبر السكان على المجازفة بحياتهم من أجل الحصول على فتات يسدّ رمقهم، حيث يُستهدفون ويُقتلون عمدًا أثناء محاولاتهم الوصول إلى الطعام.5

وقد أفاد الدكتور ناجي القرشلي، استشاري امراض النساء والولادة بأنه “منذ مارس 2025 وحتى اليوم، نشهد ارتفاعًا صادمًا في حالات الإجهاض، والولادات المبكرة، ووفاة الأجنة داخل الرحم. أُقابل يوميًا تقريبًا ما بين 4 إلى 5 حالات من هذا النوع، الوضع خرج تمامًا عن نطاق المألوف. لا شك أن المجاعة المستمرة هي العامل الرئيسي وراء ذلك إذ أصبحت الأنيميا وسوء التغذية الحاد ظاهرتين متفشيتين بين الحوامل، ما أدى إلى مضاعفات خطيرة تهدد حياتهن وحياة أجنتهن.”6  ووفقاً للدكتور نعيم أيوب، أخصائي النساء والولادة ومدير مشفى الصحابة الطبي، أن “سياسة التجويع الشديدة المفروضة على قطاع غزة تترك أثرًا بالغًا على صحة الأمهات الحوامل وأجنتهن. وأنه حتى في الحالات التي تتمكن فيها الأم من استكمال فترة الحمل الطبيعية فإنها غالبًا ما تلد طفلًا يعاني من نقص في الوزن، وتأخر أو خلل في نمو الأعضاء، وقد يُولد بعضهم بتشوهات خلقية تعيقهم عن مقاومة الحياة خارج الرحم. كما أن ضعف البنية الجسدية والمناعة يجعل هؤلاء الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالأمراض والعدوى المتكررة، وقد يواجهون صعوبات في النمو أو يُصابون بأمراض مزمنة تستمر معهم مدى الحياة.”7  وأضاف الدكتور أيوب: “نُلاحظ اليوم حالات لنساء حوامل فقدن أكثر من 10 كيلوغرامات خلال الحمل. هذه الخسارة تؤثر بشكل مباشر على صحة الأم الجسدية والنفسية، وتنعكس سلبًا على قدرة جسدها على دعم الجنين. كثير من الأمهات يُعانين من ضعف في وظائف القلب، والجهاز العصبي، والتنفس، نتيجة نقص الغذاء والفيتامينات. نحن في الميدان نرى هذه الحالات يوميًا. النسب مقلقة، والحالات تتفاقم، وكل يوم نواجه نتائج المجاعة القاتلة على أجساد النساء وأطفالهن الذين بالكاد يجدون فرصة للحياة.”أفادت فلسطين، 36 عاماً، التي تعيش في قلب مأساة فقد جنينين خلال حرب الإبادة المستمرة، بأنها “في خضم هذه الحرب الظالمة، أُجهضت في مايو 2024. فقد حاصر الاحتلال الإسرائيلي منطقة الزيتون التي كنت أسكن فيها، ولم يكن هناك ما يكفي لقوت يومنا. كنا نعيش على “الدقة” فقط، بلا خبز أو أي مصدر غذاء حقيقي، وهذا النقص الحاد في التغذية أثر بشكل مباشر على حملي، ففقدت طفلي في الشهر السادس من الحمل. حدث الإجهاض في المنزل، ورافقه نزيف حاد كاد أن يودي بحياتي، ولم نتمكن حتى من تسمية ذلك الطفل الذي فقدناه في صمت. وللأسف، لم تنته معاناتي عند هذا الحد، إذ فقدت طفلي الثاني بسبب الظروف القاسية التي نعيشها الآن، والمجاعة المتكررة التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي.أصطف لساعات طويلة للحصول على بعض العدس من التكية، وأحيانًا لا توجد حتى تكيات لتوفر لنا هذا القليل من الطعام. في بعض الأيام، كنا نتناول القليل من الملح ونشرب الماء بكثرة لمحاولة تهدئة جوعنا الشديد. حتى جاءت ولادة طفلي في 7/7/2025، وهو طفل لم يكتمل بعد، ولد في الأسبوع الخامس والعشرين من الحمل، وهي أصعب أسابيع مرّت عليّ، مليئة بالنزوح، وقلة الطعام، والتعب، والإرهاق، وانتظار التكيات. وُلد يوسف بوزن 700 غرام فقط، وكان دمي 8.5، كانت الولادة مبكرة، والطفل غير مكتمل النمو، ووُضع على الأوكسجين والمحلول لمدة يومين، وبعد 48 ساعة فقدت طفلي. الحزن يثقل قلبي لفقد أطفالي الواحد تلو الآخر، وأعيش الآن في خوف دائم على بقية أطفالي الذين يعانون من الجوع الشديد.”8

يجدد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان تحذيره من السياسات الإسرائيلية الممنهجة التي تحول دون الإنجاب في قطاع غزة، والتي تُعدّ من أفعال الإبادة الجماعية الرامية إلى محو الوجود الفلسطيني من الأساس. ويؤكد المركز أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي اعتمدت سياسة التجويع كأداة لتحقيق تدمير كلي أو جزئي للشعب الفلسطيني من خلال: (أ) إلحاق ضرر جسدي أو نفسي خطير بالمواطنين الفلسطينيين، و(ب) إخضاعهم عمدًا لظروف معيشية تهدف إلى تدميرهم المادي بشكل كلي أو جزئي، وهو ما يشكل جريمة إبادة جماعية بموجب القوانين الدولية.

يُطالب المركز المجتمع الدولي بالتحرك الفوري للضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي من أجل وقف جريمة الإبادة الجماعية التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بمختلف أفعالها. كما يُشدد المركز على أهمية التزام الدول الأعضاء في نظام روما الأساسي بتنفيذ أمر التوقيف الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، على خلفية تورطهما في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، من بينها استخدام التجويع كسلاح ممنهج ضد المدنيين في قطاع غزة.  كما يشدد المركز على أهمية استمرار عمل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في ملاحقة مقترفي الجرائم الدولية الإسرائيليين، بمن فيهم القادة السياسيين والعسكريين.


  1. مقابلة أجراها طاقم المركز مع زاهر الوحيدي، مدير وحدة المعلومات الصحية في وزارة الصحة بغزة بتاريخ 15 يوليو 2025. ↩︎
  2. تلقى طاقم المركز الإفادة بتاريخ 15 يوليو 2025 بمنطقة الزيتون بمدينة غزة. ↩︎
  3. مكتب الإعلام الحكومي. بيان صحفي لوزارة الصحة بتاريخ 25 يونيو 2025. رابط ↩︎
  4. تلقى طاقم المركز الإفادة بتاريخ 15 يوليو 2025 بمنطقة السدرة بمدينة غزة. ↩︎
  5. انظر: المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، قصف الاحتلال نقطة توزيع طحين وسط دير البلح وقتل 18 مدنيًّا جريمة مشينة تؤكد تعمد التجويع ونشر الفوضى، 26 يونيو2025 . انظر أيضاً: تكريسًا للتجويع والإبادة: الاحتلال يقتل أطفالًا ونساءً في دير البلح لحظة بحثهم عن الغذاء، 10 يوليو 2025، ↩︎
  6. مقابلة هاتفية أجراها طاقم المركز مع الطبيب ناجي القرشلي، استشاري امراض النساء والولادة، بتاريخ 16 يوليو 2025. ↩︎
  7. مقابلة هاتفية أجراها طاقم المركز مع الطبيب نعيم أيوب، أخصائي النساء والولادة ومدير مشفى الصحابة الطبي، بتاريخ 12 يوليو 2025. ↩︎
  8. تلقى طاقم المركز الإفادة بتاريخ 16 يوليو 2025 بمنطقة الزيتون بمدينة غزة. ↩︎

13 Comments

  1. y a-t-il quelque chose en vente libre comme kamagra

    medicament kamagra beon pharmacie

  2. online order enclomiphene australia no prescription

    is enclomiphene over the counter in the UK

  3. ordering androxal cost australia

    how to buy androxal cheap from india

  4. how to buy dutasteride cheap store

    purchase dutasteride for sale usa

  5. buy cheap flexeril cyclobenzaprine american express canada

    online order flexeril cyclobenzaprine ireland over the counter

  6. cheap fildena cheap online in the uk

    compare fildena prices

  7. discount gabapentin cheap discount

    how to order gabapentin for sale usa

  8. how to order itraconazole generic from canada

    how to buy itraconazole no prescription needed

  9. cheapest buy staxyn purchase no prescription

    staxyn overnight delivery cheap

  10. buy cheap avodart uk online pharmacy

    order avodart australia cheap

  11. purchase xifaxan cheap online in the uk

    online order xifaxan cost australia

  12. how to order rifaximin generic germany

    order rifaximin us pharmacies

  13. kamagra v austrálii

    je nezákonné objednat si kamagra online

اترك رداً على purchase rifaximin cheap now إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *