يوليو 27, 2025
“اقتلوا كل من في البيت”: أم من غزة تروي لحظات الرعب، التهجير القسري، فقدان المعيل على يد قوات الاحتلال
مشاركة
“اقتلوا كل من في البيت”: أم من غزة تروي لحظات الرعب، التهجير القسري، فقدان المعيل على يد قوات الاحتلال

تاريخ الإفادة: 1/7/2025

أنا علا حسن موسى الزوارغة، 43 عاماً، حاصلة على بكالوريوس في الجغرافيا وأعمل مدرسة للمرحلة الثانوية، سكان منطقة الصحابة في حي الدرج بغزة.

أنا أم لأربعة أطفال: أيان، 8 سنوات، راوين، 7 سنوات، مياس، 6 سنوات، يحيى، 4 سنوات، وزوجة سليم صالح محمد حسونة، 56 عاماً، محامٍ ومدير شركة للاستشارات القانونية.

منذ بداية الحرب التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي على غزة في السابع من أكتوبر 2023، ونحن نعيش أسوأ أيام حياتنا، أيام لم أتخيل يومًا أننا سنمر بها. بدأنا رحلة النزوح داخل غزة أكثر من مرة، هربًا من الموت الذي يلاحقنا من السماء. خرجنا من منزلنا في حي الدرج بعدما أصبح القصف الجوي الإسرائيلي بصواريخه الحربية يستهدف كل شيء: المباني، البيوت، وحتى المواطنين في الشوارع، دون أي رحمة أو تمييز.

في نوفمبر 2023، لجأنا إلى منطقة الرمال، بحثًا عن مأوى آمن. مكثنا في عمارة المعتز 7، بجوار سوبر ماركت أبو الكاس، محاولين أن نمنح أطفالنا القليل من الأمان وسط هذا الجحيم. لكن ذلك الشعور لم يدم طويلًا، ففي 28 نوفمبر 2023، أي بعد انتهاء الهدنة الأولى، اجتاحت قوات الاحتلال المنطقة ونحن لا نزال بداخل العمارة. استهدفوا الطوابق العليا بالصواريخ بينما كنا أنا وزوجي وأطفالي مختبئين في الطابق الأرضي. عشنا ليالي رعب لا يمكن وصفها. لم نجرؤ على التحرك، لم نستطع حتى تغيير أماكننا خوفًا من أن نصبح هدفًا للرصاص أو القنابل النارية التي لا تتوقف.  كنا مختبئين جميعًا أنا وزوجي وأطفالي في زاوية صغيرة من الشقة، نحاول ألا نصدر أي صوت، فيما كانت أصوات الانفجارات تهز الجدران من حولنا. الأطفال كانوا يرتجفون خوفًا، وعيونهم تملؤها الدموع. لم أستطع أن أواسيهم، لأني كنت خائفة مثلهم تماماً.

وعند الساعة الخامسة صباحًا، حدث ما لم أكن أتوقعه أبدًا. اقتحم أكثر من أربعين جنديًا إسرائيليًا العمارة، مدججين بجميع أنواع الأسلحة، ترافقهم الكلاب البوليسية المخيفة. لم نتمكن من التفكير، حتى التنفس كان ثقيلًا من شدة الخوف. فجأة ألقوا علينا قنابل صوتية، انفجرت بقوة وهزت المكان بأكمله.

كان زوجي يعرف اللغة العبرية، فاستطاع فهم ما قاله أحد الجنود عبر جهاز الاتصال حين تلقى أوامر من قيادة الجيش: “اقتلوا كل من في البيت… لا فرق بين صغير وكبير.” بمجرد أن أدرك زوجي خطورة الموقف، اختبأ للحظات ثم خرج مسرعًا وقفز إلى العمارة المجاورة محاولًا النجاة. لم أكن أعلم حينها أنه قد غادر المنزل.

داخل المنزل، كان الرعب قد بلغ ذروته. النوافذ الزجاجية تحطمت فوق رؤوسنا، والشظايا تطايرت في كل مكان. الرصاص يخترق الجدران والغرفة التي كنا نحتمي بها، والقنابل الصوتية تنفجر في آذاننا. أطفالي، من شدة الخوف، لم يتمكنوا حتى من التحكم بأنفسهم، وتبولوا لا إراديًا في المكان. كنا أنا وأطفالي نلتصق بالجدران، نحاول أن نخفي أجسادنا قدر المستطاع كي لا يرانا الجنود، فيما الدبابات الإسرائيلية تواصل قصفها للمنطقة كلها بلا توقف. لم نستطع أن نحرك ساكنًا، وكل دقيقة تمر كانت أشبه بعام كامل من الرعب والانتظار للمجهول.

وبمجرد أن اقتحم الجيش الإسرائيلي منزلنا، رأينا عشرات الجنود المسلحين يصرخون في وجوهنا بوحشية لم أعهدها في حياتي. كسروا أبواب الغرف، فتشوا كل شيء بعنف، حطموا هواتفنا المحمولة أمام أعيننا، وسرقوا الأموال التي كنت أحتفظ بها في المنزل.

صاح أحد الجنود بأعلى صوته: “ارفعوا أيديكم لأعلى”، ودفعونا بقوة إلى الصالون حيث أجلسونا جميعًا تحت تهديد السلاح. كنت أرتجف وأنا أقول لهم بصوت مخنوق: “نحن ناس مدنيين… معي أطفال صغار، أرجوكم اتركونا.”  لكن أحد الجنود نظر إليّ بعينين باردتين لا تحملان أي ذرة إنسانية ورد: “روحي انتِ وأولادك على الجنوب… إلى رفح.”

قلت له وأنا أكاد أختنق من الخوف: “كيف نخرج هكذا؟ نحن لا نستطيع الوصول إلى الجنوب.”  أبقونا واقفين ساعتين كاملتين، أيدينا مرفوعة للأعلى، أجسادنا ترتعش من التعب والخوف، وأنا عاجزة حتى عن تعديل حجابي أو وضع منديل على رأسي. الجو كان بارداً جداً، وممطر، ولم يرحموا حتى أطفالي الذين قاموا بتعريتهم من ملابسهم الثقيلة، تاركين أجسادهم الصغيرة عارية ترتجف تحت المطر والبرد.

وفي تلك اللحظات كان سلفي، محمد صالح محمد حسونة، نائمًا في إحدى الغرف. إنه رجل يبلغ من العمر 51 عامًا، من ذوي متلازمة داون، لا يؤذي أحدًا ولا يدرك حتى حجم الخطر الذي حولنا. اقتحم أحد الجنود الغرفة، أيقظه بعنف، ثم جرّه إلينا وأجلسوه معنا في الصالون، متجاهلين إعاقته.

مرة أخرى أمرني الجندي: “اطلعي أنتِ وأولادك إلى الجنوب.”  توسلت إليهم: “أرجوكم دعونا نأخذ معنا ملابسنا، دعوني ألبس أطفالي على الأقل، وأضع شالة على رأسي.” لكنهم رفضوا، وكأننا لا نستحق حتى ستر أجسادنا أو حماية أطفالنا من البرد الذي كان ينهش عظامهم. كنا نرتجف جميعًا، ليس فقط من البرد، بل من الخوف ايضاً.

أخرجونا أنا وأطفالي من المنزل الساعة السادسة صباحًا، في مشهد لن يمحى من ذاكرتي ما حييت. لأول مرة في حياتي شعرت بالإهانة والمذلة بهذا الشكل، خرجت بشعري مكشوفًا، حافية القدمين، وأطفالي عراة الأقدام، أجسادهم ترتجف من البرد، وأنا عاجزة عن فعل أي شيء لحمايتهم. أي جريمة هذه بحقنا؟ أي وحشية تجعلهم يعاملون مدنيين عزل بهذه القسوة؟ أين الرحمة؟ أين الإنسانية؟

وقبل أن أغادر، توسلت إليهم أن يأذنوا لي بأخذ سلفي المريض معي، لكن الجندي قال ببرود قاتل: “اتركوه هنا… لا تخافي عليه. وقفت مصدومة، أقاوم دموعي، وأنا أشعر أنني أُنتزع من إنسانيتي لحظة بعد لحظة.

خرجنا من المنزل في الساعة السادسة صباحًا، وأنا في حالة هستيريا. حاولت أن أجد كلمات لأصف ما عشناه، لكن كل مصطلحات اللغة العربية، بكل بلاغتها وفصاحتها، تبدو عاجزة، ضعيفة، تافهة أمام حجم الرعب والإهانة التي تجرعناها في تلك اللحظات. كان شعور الخوف والإذلال يمزقني وأنا أُجبر على الخروج في مشهد مخجل ومحزن، تحت وابل من القصف الذي ينهمر فوق رؤوسنا بلا توقف.

الجنود كانوا يصرخون، يتلفظون علينا بأبشع الألفاظ، كلمات مهينة تحطم كرامتنا كنساء وكبشر. كانوا يسخرون من أطفالي الصغار، يضحكون بصوت عالٍ على منظرهم وهم عراة، أقدامهم الصغيرة الحافية تغوص في الطين والبرد القارس ينهش أجسادهم.

كل شيء حولنا كان مرعبًا. الدبابات أمام المنازل، جرافات ضخمة تمعن في تدمير البيوت، تقتلع أحجارها وأبوابها ونوافذها دون شفقة، والجنود يتنقلون كالوحوش. كانت تلك الأيام من أصعب ما عشته في حياتي، أيامًا مخيفة ومرعبة، محفورة في ذاكرتي بحروف من دموع ووجع، لن أنساها أبدًا… إنها قمة الإجرام، قمة الوحشية التي لا يمكن أن يتصورها عقل إنسان.

عندما وصلنا إلى مفترق الجامعات في منطقة الصناعة، كنت خائفة حد الموت على أطفالي. قلت لابني أيان، 8 سنوات، أن يأخذ شقيقتيه راوين (7 سنوات) ومياس (6 سنوات) من طريق مختلف، فيما سلكت أنا طريقاً آخر برفقة والدتي السبعينية وابني الأصغر (4 سنوات)، لعل أحدنا ينجو إذا أصابنا القصف. سقطت والدتي على الأرض وسط الطريق الوعر المليء بالزجاج المكسور والحجارة، وفيما كنت أساعدها على النهوض، جُرحنا جميعاً بأقدامنا العارية. الجو كان ماطراً، والبرد لا يحتمل.

عند وصولنا مفترق الصناعة، وجدت أطفالي بانتظاري، فبدأنا نسير معاً وسط صيحاتي: “يا ناس، استروا عليّ وعلى أولادي”. رأف بي أحد الرجال فأعطاني طقم صلاة لأغطي به رأسي، وطرقت أبواب المنازل أطلب ملابس وشباشب لأطفالي. عدنا إلى منزلنا المدمر في حي الدرج دون أن نعلم مصير زوجي، هل هو حي أم استشهد؟ بقينا هناك 15 يوماً دون طعام، نشرب الماء فقط. أجسادنا ضعفت، وصحتنا تدهورت، وأطفالي حتى اليوم يعانون من التبول اللاإرادي بسبب هول ما عاشوه.

في 6 ديسمبر علمت ان قوات الاحتلال انسحبت من منطقة الرمال، حاولت العودة إلى المنزل الذي اخرجونا منه، لكن الدبابات أطلقت علينا النار، فأجبرنا على العودة أدراجنا. حاولت مجدداً في وقت لاحق حيث انني تركت جميع اغراضنا في عمارة المعتز لعلي أجد شيئاً منها، متسللة عبر طرق ملتوية خوفاً من القناصة، وعندما وصلنا قرب منطقة أصدقاء المريض، استهدفتنا قذائف الدبابات وطائرات الكواد كابتر. ركضنا بكل قوتنا، وضاع أيان مني في الفوضى، لكنني عثرت عليه أخيراً قرب مفترق السرايا.

في تلك اللحظة، رأيت رجلاً من بعيد يشبه زوجي. قلت لابني: “هذا أبوك!”. ركزت النظر، وإذا به زوجي حي يُرزق! لم أصدق عيني. ركضت نحوه وأنا أصرخ وأبكي فرحاً، كانت لحظة ولادة جديدة بالنسبة لي بعد 18 يوماً من انقطاع أخباره وظني أنه استشهد. كنت في حالة ذهول لم أستوعبها، وكأنني أرى شبحًا عاد إلى الحياة. كان مشهد لقائنا بعد 18 يومًا من الفقدان والخوف والانقطاع أسعد يوم في حياتي. احتضنته وأنا أبكي بحرقة، دموع فرح وحزن وخوف امتزجت جميعها، ولم أستطع سوى أن أردد: “الحمد لله أنك على قيد الحياة.”

عدنا مرة أخرى إلى بيتنا في حي الدرج، نحاول لملمة ما تبقى من حياتنا الممزقة. كانت معظم الشوارع التي نسير فيها محفوفة بالموت، حيث القناصون يتمركزون على أسطح العمارات، خاصة في منطقة الوحدة ومفترق العائلات، ينشرون الرعب في كل خطوة نخطوها. كنا نسير ونحن نحبس أنفاسنا، نراقب النوافذ والأسطح بخوف شديد، كلنا أمل أن نصل إلى بيتنا سالمين.

بعد عودتنا، حاولنا بشتى الطرق تدبير مبلغ من المال لشراء الطعام، فقد كنا نعاني من جوع لم نذق مثله من قبل. وأخيرًا، تمكنا من شراء بعض العدس، وكانت تلك أول وجبة نأكلها بعد 18 يومًا من الجوع والعطش والخوف.

مكثنا معًا في منزلنا بحي الدرج نحاول التقاط أنفاسنا، إلى أن جاء في الأخبار خبر انسحاب الجيش الإسرائيلي من بعض المناطق التي اجتاحها. لم نتردد لحظة، وسرعان ما توجهنا إلى عمارة المعتز، المكان الذي كنا فيه سابقًا. لكن ما وجدناه هناك كان مشهدًا يفوق قدرة القلب على الاحتمال.

سلفي المريض، المصاب بمتلازمة داون، وجدناه ملقى على الأرض بجانب العمارة. كان جسده ساكنًا بلا حراك، وقد فارق الحياة. كانت الإصابات منتشرة في جسده: إصابة في رقبته، ورصاصة بين عينيه، ورصاصة أخرى اخترقت صدره لتستقر في قلبه. عدة رصاصات قاتلة أُفرغت في الجزء العلوي من جسده، وكأنهم أصروا على إنهاء حياته بدم بارد. لقد قتلوه عمدًا، أعدموه بلا رحمة، رغم أنه شخص مدني مريض من ذوي الاحتياجات الخاصة، لا يحمل سلاحًا ولا يشكل أي خطر عليهم. أي إجرام هذا؟ أي قسوة يمكن أن تدفع جنودًا لإعدام إنسان مريض لا حول له ولا قوة؟ كان المنظر يفطر القلوب، فقد كانت جثته قد بدأت بالانتفاخ من طول المدة التي بقي فيها ملقى على الأرض دون دفن. قمنا بنقله بالإسعاف إلى مستشفى المعمداني بتاريخ 29 يناير 2024، وقلوبنا تنزف حزنًا وقهرًا على فقدانه بهذه الطريقة الوحشية.

بعد ذلك مكثنا في منزلنا في حي الدرج فترة أخرى، نحاول أن نبقى متماسكين وسط كل هذا الدمار والخذلان، حتى جاء يوم اجتياح جباليا في 5 أكتوبر 2024، حين عاد الرعب ليحاصرنا من جديد ويهدد ما تبقى لنا من حياة.

بتاريخ 30 أكتوبر 2024، خرج زوجي سليم من المنزل في تمام الساعة 8:30 صباحًا متوجهًا إلى سوق الشيخ رضوان لشراء بعض الأغراض الضرورية. ونظرًا للظروف الأمنية الصعبة في تلك المنطقة، حيث كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية والطائرات المسيّرة (الكواد كابتر) تحوم في الأجواء وتستهدف المدنيين، ازداد قلقي عليه كثيرًا بعد خروجه.

في الساعة 11:00 صباحًا، لم أستطع كتمان خوفي أكثر فاتصلت به للاطمئنان. رد عليّ بصوت بدا مطمئنًا وقال إنه في طريق عودته إلى البيت، وأخبرني أنه سيلتقي بزوج أختي، شادي صالح جبريل “أبو أحمد”، بالقرب من محطة بهلول. ثم أنهى المكالمة.

مع مرور الوقت، كانت الساعة قد قاربت 11:30 ظهرًا اتصلت عليه مجددًا، أجاب، فسألته: “اشتريت الأغراض؟” فرد قائلاً: “نعم.” ثم أضفت بقلق: “ليه طولت؟” فأجاب: “زوج أختك شادي اتصل عليّ وطلب مني انتظاره عند محطة بهلول، وهو في الطريق إليّ.” وأثناء المكالمة، قال لي: “هيه شادي وصل عندي، حضري الغذاء، أنا مش مطول.”

حضرت الغداء بانتظار عودته. لكن تأخر كثيرًا عن الموعد الذي حدده. حاولت الاتصال عليه مرة أخرى لكن هاتفه صار مغلقًا أو خارج التغطية. اتصلت بأختي وسألتها: “هل رجع سليم مع زوجك؟” فأجابت بقلق: “لا، حتى أنا قلقت على شادي لأنه لم يعد بعد.”

كنت على أعصابي، قلبي يخفق بقوة، رأسي يضج بالأسئلة: ماذا حدث له؟ أين هو؟ هل أصابه مكروه؟ لم أستطع التفكير إلا فيه، وأنا أردد الدعاء في قلبي بلا توقف: “يا رب احفظه، يا رب رجّعه لنا سالمًا.”

قضيت تلك الليلة في حالة من القلق، وعجزت عن النوم. كنت أستمع لصوت القصف في منطقة أبو إسكندر القريبة، والطائرات المسيّرة التي تطلق قنابلها النارية على المواطنين، وكان قلبي يزداد انقباضًا مع كل انفجار.

في اليوم التالي، ومع أول ضوء للصباح، بدأت رحلة البحث. ذهبت أنا وأختي إلى جميع مستشفيات غزة، نسأل عن اسمه بين قوائم المصابين والشهداء، نحمل صورته معنا على الهاتف علّ أحدًا يتعرف عليه. لكن لا أثر له، لا بين الجرحى ولا بين الشهداء. كما بحثنا في منطقة فقدانه، لكن دون جدوى.

تقدمت ببلاغ إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر حول فقدانه، وأبلغوني بأنه لا توجد لديهم أي معلومات عنه حتى تاريخه. لم أعد أعلم إن كان سليم على قيد الحياة، أم معتقلًا لدى قوات الاحتلال الإسرائيلية، أم قد استشهد.

كل يوم يمر يثقل صدري أكثر، أنا وأطفالي الأربعة نعيش في حالة نفسية صعبة للغاية، يملؤنا القلق والتوتر المستمر، خاصة وأن زوجي كان المعيل الوحيد لنا. كان سليم بالنسبة لنا أكثر من زوج وأب، كان الأمان والسند، إنسانًا لا يكرره الزمن، متعلمًا ومثقفًا، طيب الأخلاق وحسن السمعة، كريمًا شهمًا لا يتوانى عن مساعدة أي محتاج.

واصلت البحث عنه صباحًا ومساءً لمدة أربعة أشهر، أنا وأختي نتنقل بين المستشفيات والمناطق المدمرة، نسلم صورتهما للمسعفين علّ أحدًا يعثر عليهما. لكن دون أي معلومة تطمئننا عن مصيرهما.

وبعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من جباليا، توجهت أنا وأختي إلى منطقة مسجد الخالدي على شاطئ البحر نبحث عن أي أثر لهما، حتى لو كان جسدهما بين الركام. كانت المنطقة مرعبة، كل معالمها متغيرة، دمار هائل وخراب بلا حدود. كنا نسير وقلوبنا معلّقة بأمل، لكن لم نعثر على شيء.

الشهر الأول بعد فقدانه كنت في حالة نفسية هستيرية، مصدومة بالكامل، عاجزة عن الكلام مع أي شخص تقريبًا. قضيت ثلاثة أشهر أعاني من قلة النوم بسبب التفكير الدائم بمصير زوجي. دخلت في حالة اكتئاب حاد جعلتني عاجزة عن ممارسة حياتي الطبيعية. حتى أولادي الأربعة تأثروا بشدة بالأحداث الصادمة، وأصيبوا بحالة تبول لا إرادي نتيجة الخوف والضغط النفسي المستمر جراء الوحشية التي عوملنا بها من قبل الجيش الإسرائيلي. لا أزال حتى اليوم أعيش في دوامة من الألم، والقلق النفسي الشديد على مصير زوجي المجهول. زوجي كان المعيل الوحيد لأسرتنا، وغيابه تركنا مهددين بالجوع والضياع، وزاد من معاناتنا النفسية والاجتماعية بشكل لا يُحتمل. أريد أن أعرف مصيره، أريد أن أودعه إن كان قد استشهد. الانتظار القاتل يمزق قلبي أنا وأطفالي كل يوم.

13 Comments

  1. buy enclomiphene buy dublin

    cheap enclomiphene fedEx

  2. pouvez-vous acheter kamagra aux états-unis sans pré-requis

    remise kamagra sans ordonnance

  3. ordering androxal purchase online from india

    buy cheap androxal usa cheap

  4. dutasteride prices in mexico

    cheap dutasteride uk london

  5. cheap flexeril cyclobenzaprine purchase in australia

    how to get a doctor to prescript flexeril cyclobenzaprine

  6. discount gabapentin generic uk

    gabapentin online canada no prescription

  7. how to buy fildena australia price

    purchase fildena canada fast shipping

  8. ordering itraconazole usa buying

    ordering itraconazole generic switzerland

  9. buy staxyn online new zealand

    buying staxyn generic from canada

  10. overnight delivery of avodart

    cheap avodart cheap online pharmacy

  11. what do you tell your doctor to get some rifaximin

    discount rifaximin no prescription mastercard

  12. online order xifaxan generic is it safe

    I want to order xifaxan without a perscription

  13. kamagra anglie přes přepážku

    kamagra online bez lékařského předpisu

اترك رداً على how to order rifaximin generic in canada إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *