الملخص التنفيذي:
شَكَلت سياسة التهجير واسعة النطاق التي اتبعها جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال حربه على قطاع غزة نكبة جديدة للشعب الفلسطيني بما تسببت به من أزمة إنسانية غير مسبوقة وصلت إلى حد المجاعة والتشرد وانتشار الأوبية. وتلك الأزمة افتعلها جيش الاحتلال من خلال إجبار حوالي 2 مليون مدني من سكان قطاع غزة على ترك منازلهم، ومن ثم عرقلة إدخال المساعدات والبضائع ومنع الخدمات الأساسية عنهم، وخاصة لمدينة غزة والمناطق الشمالية لقطاع غزة. ويضاف إلى ذلك التدمير الواسع وغير المبرر للمباني السكنة والبنى التحتية في كافة المناطق التي نفذ فيها جيش الاحتلال عملياته، حيث أن التقديرات الأولية تشير إلى أن نسبة الدمار لا تقل عن 62% من البنى التحتية والمساكن المدنية.
وبمراجعة الوقائع وتحليليها في ظل النصوص القانونية الدولية ذات العلاقة والملزمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي اتضح أن سياسة الإخلاء التي اتبعها جيش الاحتلال الإسرائيلي قد ترقى إلى جرائم دولية بالنظر إلى طبيعتها الواسعة وغير المبررة وما رافقها من ظروف لاإنسانية لا يمكن للبشر احتمالها أو تجاوزها. وبالنظر إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي عضو في اتفاقية منع الإبادة الجماعية واتفاقية جنيف الرابعة، وانطباق ميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية على فلسطين، فأن قادة الاحتلال يمكن مساءلتهم جنائياً أمام المحكمة الجنائية الدولية عن جريمة التهجير حيث أنها قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بل قد تصل إلى جرائم إبادة جماعية. كما إن ملاحقة دولة الاحتلال الإسرائيلي على جريمة التهجير يمكن أن تتم من خلال القضية المنظورة أمام محكمة العدل الدولية والتي تنظر في الاتهام الموجهة لدولة الاحتلال بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة خلال حربها التي بدأت منذ السابع من أكتوبر 2023.
وضعت المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة شروطاً للتهجير لكيلا يكون مخالفاً للقانون الدولي، ومن خلال تحليل الوقائع اتضح أن دولة الاحتلال لم تلتزم بهذه الشروط، بل تعمدت استهداف النازحين بالقصف والرصاص الحي، وأخضتهم لظروف لا إنسانية في ظل غياب المأوى المناسب وشح المأكل والمشرب وكافة الخدمات الأساسية، وفق منهجية واضحة. ويتضح من ذلك أن عمليات التهجير التي ارتكبها جيش الاحتلال كانت على الأرجح قسرية وغير قانونية.
وبمراجعة الفقرة (7- 1) من المادة (8) من ميثاق روما نجد أن التهجير القسري يعد جريمة حرب إذا توافرت شروط معينة. وبمطابقة هذه الشروط مع الوقائع التي أوردتها على الورقة عن ممارسات جيش الاحتلال الإسرائيلي، استخلصت هذه الورقة إن عمليات التهجير ترقى إلى جريمة حرب وأن الادعاءات الإسرائيلية بأن التهجير جاء لحماية السكان المدنيين لا تقره الوقائع، بل المرجح أن جيش الاحتلال استخدم التهجير كعقاب جماعي وكوسيلة للضغط السياسي.
وبمراجعة الفقرة المادة (7) المتعلقة بالأفعال التي تشكل جرائم ضد الإنسانية، نجد أن الفقرة (د) قد أدرجت التهجير القسري ضمن الأفعال التي تشكل جرائم ضد الإنسانية إذا توافرت شروط معينة. وبتحليل الوقائع ومدى انطباقها على تلك الشروط، وجدت هذه الورقة أن التهجير الذي مارسه جيش الاحتلال الإسرائيلي قد يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية بالنظر إلى كونه ارتكب ضد مدنيين محميين بموجب القانون الدولي الإنساني ولا توجد ضرورة عسكرية تبرره بالشكل الذي نفذ به، وتثبت الوقائع انه لم ينفذ لحماية المدنيين وبالتالي فهو غير قانوني. وأخيراً فإن التهجير كان منهجي وواسع النطاق، حيث شمل 2 مليون فلسطيني، ونفذ بأوامر رسمية ومتتابعة صادرة عن قيادة جيش الاحتلال.
وبمراجعة الفقرة (ج) من المادة (2) من اتفاقية منع الإبادة الجماعية الملزمة لدولة الاحتلال والفقرة (ج) من المادة (6) من ميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية ذات الولاية القضائية على فلسطين، والمتعلقتان بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية من خلال إخضاعها لظروف يقصد منها تدمير الجماعة كلياً أو جزئياً، يتضح ما يأتي:
أن عملية التهجير وما صابحها من فرض ظروف لاإنسانية وحاطة بالكرامة على حوالي 2 مليون نازح فلسطيني قد ترقى إلى جريمة إبادة جماعية، ويؤيد هذا الطرح بعض الأحكام الصادرة عن المحكمة الدولية في يوغسلافيا والمحكمة الجنائية الدولية في روندا، والتي أكدت على أن التهجير قد يرقى إلى إبادة جماعية لو تصاحب مع ظروف تؤيد قصد إهلاك الجماعية كلياً أو جزئياً.
أن نية الإبادة الجماعية لدى قادة جيش الاحتلال يمكن الاستدلال عليها من خلال التصريحات العنصرية التي واكبت الحرب على قطاع غزة ومحاولات تهجير سكانها عبر الحدود. وكذلك يمكن الاستدلال على نية الإبادة الجماعية من خلال السياسات الإسرائيلية المصاحبة للحرب على غزة والمتمثلة في تشديد الحصار ومنع إدخال السلع والبضائع وقطع الخدمات الأساسية بالرغم من التحذيرات الدولية حول بدء مجاعة في مدينة غزة وشمالها، وانتشار الأوبئة والأمراض في أماكن النزوح في ظل تغييب متطلبات النظافة الشخصية وأدنى متطلبات المأوى الملائم. ويضاف إلى ذلك، قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي لاحق النازحين بالقصف والدمار خلال نزوحهم وفي أماكن النزوح حتى تلك التابعة للأمم المتحدة، مما تسبب في سقوط آلاف القتلى والمصابين منهم.
مما سبق يتضح أن قادة الحرب الإسرائيليين بما يشمل مجلس الحرب والمجلس الوزاري المصغر ورئيس هيئة الأركان الإسرائيلية يرجح بارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة إبادة جماعية، بسبب ما قاموا به من عمليات تهجير قسرية وجماعية للمدنيين في قطاع غزة، وإخضاعهم لظروف إنسانية لا تطاق، تهدد حياتهم بالخطر الشديد والمحدق، بما قد يسبب تدمير للوجود الفلسطيني في قطاع غزة بشكل كلي أو جزئي. وبناء على ما سبق، فإن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان:
نسخة تجريبية