دينا زهير عامر حجي، 35 عاما، من سكان مخيم الشاطئ غرب غزة.
في شهر سبتمبر 2024، بدأت والدتي آمال يوسف اسماعيل أيوب، 67 عاماً، سكان مخيم الشاطئ غرب غزة، تشعر بالتعب والإرهاق، وحدوث نزيف، وهبوط في الدم إلى 6 درجات، وعندما اشتدت الأعراض عليها، توجهت إلى دكتور باطنة وعندما فصحها، طلب فحوصات إضافية، وأظهرت نتائج التحاليل بأنها مصابة بورم في القولون والكبد، ثم توجهت إلى مستشفى الشفاء، ومكثت في المستشفى 3 مرات كل مرة أسبوع خلال شهر سبتمبر. وتبعاً لحالتها وملفها الصحي قالوا إنه يجب أن يتابعها لجنة من الأطباء لمتابعة حالتها الصحية، وحولتها مستشفى الشفاء إلى مستشفى الصداقة التركي – الفلسطيني.
كان أول موعد لها في المستشفى التركي يوم الاثنين 9 أكتوبر 2023، ولم تبدأ بالعلاج نظراً لحدوث الحرب قبل يومين من موعدها العلاجي الأول بالمستشفى يوم السبت في 7 اكتوبر 2023.
ذهبنا خلال الحرب إلى مستشفى الشفاء وقالوا لنا يجب أن تذهب إلى جنوب غزة لعدم توفر العلاج هناك. ثم بدأت والدتي تشعر بالإعياء والتعب الشديد، وأصبحت لا تقوى على الحركة والجلوس، فقررنا أنا واختي النزوح معها إلى وسط قطاع غزة تحديداً إلى دير البلح، لنبحث لها عن علاج لحالتها، وبقي بقية العائلة وأبي في مخيم الشاطئ بغزة.
وبتاريخ 9 نوفمبر نزحت أنا وأختي مع والدتي إلى دير البلح، لنبحث على أطباء ومختصين وعلاج، ذهبنا إلى عدة أطباء وقالو لنا لا يوجد علاج ويجب أن تنتظر لما بعد الحرب.
كانت والدتي تحتاج كل فترة لمحلول ومسكنات لارتفاع وظائف الكلى بسبب السرطان، فذهبنا إلى مستشفى شهداء الاقصى ورفضوا استقبالها وإعطائها أي علاج، لأن المستشفى تعمل كحالة طوارئ فقط، وقالو لها علاج الأورام حالياً في مستشفى دار السلام في خانيونس.
ذهبنا ووالدتي إلى مستشفى دار السلام بخانيونس لأن الألم بدأ يزيد جداً واصبحت لا تستطيع النوم من ألم ظهرها ولا تستطيع الجلوس، وكانت تقول باستمرار وهي تصف ألمها “كأن أحداً ما يُمسك بعصا ويضرب في كل أنجاء جسدي”. قالوا لنا في المستشفى إن الورم غالباً انتشر ووصل إلى الرئتين وانتشر في أماكن أخرى، واصبح عندها ضيق في التنفس، ويلزمها تحاليل وهي غير متوفرة الآن نظراً لأن مستشفى دار السلام كانت تعمل بشكل إداري فقط ولم تكن مجهزة بأجهزة طبية أو علاجات. كان الألم يشتد عليها في الليل أكثر من النهار، فلجأنا إلى شراء بعض المسكنات كالتروفين والترامادول ولكن بدون اي جدوى، الألم كان أكبر من مفعول المسكنات.
ومع اشتداد الألم أعطوها في المستشفى مسكنا أدى إلى تسكين الألم عندها لمدة يوم، ونامت لمدة 24 ساعة، وأخرجوها من المستشفى في اليوم التالي، وكتبوا لها مسكنات لتأخذ 4 حبات من كل مسكن لتستطيع ان تتعايش ولا تشعر بالألم. وكانت عملية الحصول على المسكنات وشرائها صعبة للغاية، ولم تكن متوفرة بالصيدليات، كنا نضطر أن نلجأ إلى بعض التجار لنشتري منهم حبة المسكن ب 40 شيكل.
وقمنا بعمل تحويلة مرضية لها للعلاج بالخارج بمستشفى دار السلام، وبصعوبة بالغة جداً استطعت الحصول عليها لوالدتي وكانت التحويلة للعلاج في دولة الإمارات العربية المتحدة، وأشار الأطباء عليها بأنها عاجلة جداً لأنها تحتاج إلى عملية جراحية عاجلة في القولون.
انتظرت والدتي طويلاً لإدراج اسمها في كشوفات السفر للعلاج في دولة الإمارات، لدرجة أنني كنت أذهب يومياً الساعة 8 صباحاً للمبنى الإداري في مستشفى شهداء الأقصى مشياً على الاقدام لأقوم بمراجعة الملف الخاص بوالدتي وأبحث إن كان اسمها أُدرج في كشوفات السفر أم لا، لأننا لا نملك انترنت أو اتصالات ولا وسائل تواصل اجتماعي أو كهرباء.
وجهت مناشدة على تلفزيون العالم، ومناشدة على الواتساب، والفيسبوك، ولم يجد أي منها نفعاً، وتواصلت مع الأصدقاء والمعارف بالخارج في الإمارات للذهاب إلى المستشفى للتسريع في الإجراءات ولم ينفع، وعندما أقوم بمراجعة المستشفى يقولون لي الأمر ليس بيدنا إنما هي إجراءات لدى السلطات الإسرائيلية.
بقيت والدتي تنتظر وهي على هذا الحال إلى أن تم اجتياح خانيونس ولم نعد نستطيع الذهاب إلى مستشفى دار السلام بعد الاستهداف للمستشفيات. توجهنا إلى مستشفى شهداء الاقصى ووجدنا بعض الأطباء الذين كانوا يعملون في المستشفى التركي للأورام، وتوفرت بعض الأدوية في المستشفى وصرفو لنا الادوية مجاناً بناء على ملفها الصحي.
بدأت حالة والدتي الصحية تتفاقم يوما عن يوم، وتزيد الأعراض الظاهرة عليها، وكل يوم يظهر لديها عرض مختلف كالاستفراغ والحرارة. وأصبح الألم لديها غير محتمل، تصرخ طوال اليوم من ألم صدرها وظهرها وعندما نسأل الأطباء يقولون سوف تبقى على هذا الحال إلى أن يتوفاها الله.
كانت والدتي تحتاج إلى أكل معين وتطلب أن تأكل، ولا يتوفر في السوق بسبب الحرب، فنطلبه خصيصاً لها، وندفع ثمنا باهظا، ونطهوه على الحطب، خصيصاً لها، وعندما نقوم بتقديم الطعام لها تستفرغ ولا تأكله بسبب مضاعفات المرض. وكانت تطلب فواكه ولا نستطيع توفيرها لها بسبب عدم توفرها في السوق وثمنها الباهظ جداً حتى إن آخر ما طلبته هو العنب ولم يكن متوفر في السوق وتوفت ولم تأكله.
لا أستطيع أن أصف مدى صعوبة تعبها وما كان يحصل مع والدتي من مضاعفات بسبب المرض وأثناء انتظار العلاج والسفر للعلاج بالخارج، كانت والدتي تخاف أن تنام في الليل كي لا يحدث لها شيء وأنا وأختي نائمتان فكانت تتخيل أنها سوف تموت في الليل فكانت تمنعنا من النوم بالليل وأن نبقى مستيقظتان معها. كنت أقول لها صفي لي مكان ألمك كانت تقول لي لا أعرف، كل شيء في جسمي يؤلمني، أنا موجوعة جداً ولا أعرف أين مكان الألم.
بتاريخ 21/1/2024 أخذناها إلى مستشفى شهداء الأقصى ودخلت في غيبوبة لمدة ثلاثة أيام، وقالوا لنا هذه حالة نزاع قلنا لهم نريد إبقائها في المستشفى لأنني أنا وأختي لوحدنا ولا يوجد معنا أحد من العائلة.
وتوفت والدتي بتاريخ 24/1/2024 بسبب إعاقة سفرها للعلاج مع عدم توفر الأدوية، ولا مستشفيات لمرضى السرطان، كان من المفترض ان تغادر والدتي قطاع غزة للعلاج بالخارج وبسبب البطء الشديد في إجراءات التحويلة المرضية وعرقلة الاحتلال الإسرائيلي لسفر المرضى لم تستطيع والدتي أن تسافر لتلقي العلاج حتى توفاها الله.
نسخة تجريبية