هند وليان .. صرخات استغاثة بلا إجابة
على مدار 12 يومًا، هزت صرخات الطفلة الفلسطينية هند رجب وجدان العالم بصرخاتها وطلبها النجدة، قبل العثور على جثمانها الصغير مع جثامين 5 من أفراد عائلتها داخل سيارة دمر القصف مقدمتها وملأتها ثقوب الرصاصات الإسرائيلية في مدينة غزة.
“خذيني تعالي .. أمانة كثير خايفة تعالوا .. رني على حدا يجي ياخذني أمانة” .. بهذه الكلمات والصرخات المرتجفة جاءت كلمات الطفلة الفلسطينية هند رجب في تسجيل صوتي مع والدتها قبل أن ينقطع الاتصال بها، كما حدث مع ابنة عم والدتها ليان (14 عاما) التي كانت برفقتها في السيارة وقطعت رصاصات الاحتلال صرخات استغاثتها.
وعثر على الطفلة هند (6 أعوام) صباح 10 شباط/فبراير وأفراد عائلة خالها داخل المركبة، بعد 12 يوما من إطلاقها نداء استغاثة مرتجف وهي عالقة بين جثث أفراد عائلتها في سيارة محاطة بدبابات الاحتلال. ولم يتمكن أحد من الوصول إليها وإنقاذها، طوال تلك المدة.
بداية المأساة
بداية القصة المأساوية تعود إلى مساء يوم 29 يناير/كانون ثان، عندما استقل الفلسطيني بشار حمادة سيارته المدنية سوداء اللون، وبرفقته وزوجته وأطفالهما: ليان (14 سنة) ورغد (13 عاما) ومحمد (11 عاما) وحفيدة شقيقه بهاء، الطفلة هند رجب (6 أعوام)، هرباً من منطقتهم، بعدما أمر جيش الاحتلال سكان المنطقة الغربية لمدينة غزة بإخلائها والنزوح جنوبا خلال عملية التوغل البري، ليجدوا أنفسهم في دائرة الاستهداف الإسرائيلي.
واستهدفت دبابات الاحتلال، المتوغلة في محيط “دوار المالية” بحي تل الهوى، جنوب غربي مدينة غزة، سيارة حمادة على مقربة من محطة فارس للبترول التي حاول اللجوء إليها هربًا من الدبابات.
على الفور استشهد الزوجان وابنهما محمد، تبعتهما رغد بتجدد إطلاق النار، وبقيت هند وليان، التي استطاعت رغم هول الموقف وما أصاب عائلتها الاتصال بعائلتها ومن ثم بالهلال الأحمر الفلسطيني طلبًا للنجدة والإبلاغ باستشهاد أفراد أسرتها وأنها مصابة برجلها هي، وأن هند لا تزال على قيد الحياة.
وغاب الصوت للأبد
ووثّق تسجيل نشره الهلال الأحمر الاتصال بالطفلة ليان وهي تطلب المساعدة وتقول “نحن بحاجة لمساعدتكم.. إنهم يطلقون النار باتجاهنا.. نحن داخل السيارة والدبابة بالقرب منا”، ثم سمع أصوات إطلاق نار كثيف وصرخات شديدة للطفلة، لينقطع الاتصال ويغيب صوت ليان للأبد بعد أن قتلتها الرصاصات الإسرائيلية، كما قتلت قبلها شقيقتها رغد وقبلها باقي أسرتها.
تعالوا خذوني
لاحقًا، استطاعت الطفلة هند استخدام الهاتف ومحادثة عائلتها التي اتصلت عليها وكررت طلب النجدة وأبلغت أن جميع من معها ماتوا.
تقول والدتها المتخصصة في علم النفس: أخبرتني هند (حسب تسجيل نشر يوم 30 يناير) أن ليان استشهدت وأنها لا تزال على قيد الحياة، وأكدت لها أنها مصابة في يدها وظهرها ورجلها، وقالت: أنا خايفة تعالوا خذوني، وخلال ذلك حاولت الأم طمأنة طفلتها، وأبلغتها أنه يجري التنسيق لوصول المسعفين إليها.
ولأكثر من ثلاث ساعات، بقي طاقم الهلال الأحمر على اتصال مع الطفلة هند لتهدئتها في ظل مناشدتها المستمرة لإخلائها من السيارة، إلى أن تم التنسيق من خلال الارتباط الفلسطيني لتوجه مركبات الإسعاف إلى المكان، وفق إعلان الهلال الأحمر الفلسطيني.
بناء على التنسيق، وصلت حوالي الساعة السادسة مساء ذلك اليوم مركبة إسعاف للهلال الأحمر تقل المسعفين يوسف زينو وأحمد المدهون إلى المنطقة التي بها الطفلة المحاصرة داخل السيارة التي تعرضت لإطلاق النار بالقرب من محطة فارس للمحروقات في غزة، وسرعان ما انقطع الاتصال بطاقم الإسعاف.
تفاعل بلا استجابة
في اليوم التالي (30 يناير)، بثت جمعية الهلال الأحمر التسجيل الصوتي لنداء الاستغاثة الذي أطلقته ليان وهند، لتهز صرخات الاستغاثة من الطفلتين وجدان العالم، وتتصدر قصتهما منصات التواصل الاجتماعي، ونشرات الأخبار الدولية، دون ان يغير ذلك شيئا في إمكانية الوصول لموقعهما، أو حتى موقع مركبة الإسعاف التي توجهت للمساعدة، وبات مصير من فيها مجهولاً.
على مدار الأيام التالية، حرصت جمعية الهلال الأحمر على إبراز عدد ساعات انقطاع الاتصال دون أن يفلح ذلك في ضمان الوصول للموقع الذي استهدفت فيه السيارة.
وأتاح إعادة قوات الاحتلال انتشارها من منطقة غرب غزة، صباح يوم السبت 10 فبراير/شباط الجاري، للسكان التحرك في المنطقة لينجلي المشهد المؤلم للسيارة التي تدمرت مقدمتها وتهشم زجاجها، وبدت آثار ثقوب الرصاص على هيكلها، وعثر داخلها على الطفلة هند بين جثامين أقاربها التي بدأت بالتحلل، وأغرقت دماؤهم وبعض أشلائهم السيارة.
سميح حمادة، أحد أقارب العائلةـ، أكد العثور على جثامين هند و5 آخرين من أقربائها داخل المركبة التي كانوا يستقلونها. وأوضح أن جثامينهم كانت متحللة بعد مضي 12 يوما على استشهادهم برصاص جيش الاحتلال.
وعثر الهلال الأحمر الفلسطيني على جثماني المسعفين يوسف زينو وأحمد المدهون، اللذان أوفدهما لإنقاذ الطفلة هند، بعد تلقيه نداء الاستغاثة منها عبر الهاتف، وإجراء التنسيق المسبق وعلى النحو الذي تشترطه إسرائيل للسماح بمثل هذه المهمات. وعثر عليهما شهيدين داخل مركبة الإسعاف التي استهدفتها قوات الاحتلال على بعد أمتار من موقع سيارة بشار حمادة، بعدما تعمد جيش الاحتلال استهداف مركبة الإسعاف فور وصولها الموقع، وفق الهلال الأحمر.
وفي موقع الجريمة، بدت آثار جنازير دبابات الاحتلال وتحركها في المنطقة وموقع تمركزها قبالة السيارة المدنية ومركبة الإسعاف دون أن يقدم الجنود لهم أي مساعدة بعد تعمد استهدافهما. وتبقى صرخات الطفلتين شاهدة على واحدة من آلاف الجرائم التي ارتكبها الاحتلال في قطاع غزة.
نسخة تجريبية