هديل يوسف عيسى الدحدوح، 24 عامًا، متزوجة وأم لطفلين، سكان حي الزيتون في غزة.
أنا متزوجة من السيد رشدي زياد رشدي الظاظا، 31 عامًا، ولدى طفلان: محمد، 4 سنوات، وزين، 9 أشهر.
بتاريخ 8/10/2023 سمعنا أصوات صراخ الجيران في الشارع بأن الاحتلال سيقصف منزل جيراننا ومحيطهم يقوم بالإخلاء وجميع الناس يركضون في الشارع للابتعاد قدر الإمكان عن المنزل المراد قصفه. وعند رؤية هذا المشهد حملت أطفالي أنا وزوجي ونزلنا للطابق الأرضي في منزل شقيق زوجي للحماية من القصف واتخذنا مكانا آمنا بعيدا عن المناطق الخطرة، ولاحقا حدث القصف الذي زلزل أرجاء المنزل في حينه دون وقوع إصابات.
بقيت في شقتي في الطابق الرابع مدة ٤ أيام منذ بداية الحرب، وكنت أشاهد القصف الذي يتم على منطقة الشجاعية والأحزمة النارية المنفذة بالمكان. كانت الأحزمة النارية مكثفة وكنا نشعر بالخوف الشديد، وأطفالي يصرخون من شدة الخوف.
ثم أصبح القصف قريبا ويشتد أكثر فأكثر والأحزمة النارية تزداد كثافتها وأنا في حالة رعب مما يحدث، أجلس وأحتضن أبنائي وهم يصرخون من الخوف وأعصابي متعبة جدا..
بتاريخ 16/10/2023 الساعة السابعة صباحا كنت في شقتي أقف بأطفالي على الشباك ننظر للخارج، طفلي الرضيع بين يديّ وطفلي الآخر بجانبي، تفاجأنا بقصف الاحتلال المنزل بصاروخ ما تسبب بضرر كبير طال نصف المنزل. ومن حمد الله أنني كنت في نصف المنزل الآخر وليس ضمن منطقة القصف ولكن قوة القصف دفعتني للداخل وكأن كرة من النار قد هبت في وجهي وأوقعتني أرضاً. ظننت أن اطفالي قد ماتوا والزجاج تكسر فوق رؤوسنا وامتلأت يداي وقدماي بالزجاج الصغير جراء تكسر الشبابيك والحماية التي على الشباك وحلق الشباك خلع من مكانه. حملت أبنائي وخرجت ركضا للطابق الأرضي من الخوف وبحثا عن زوجي، ونزلت حافية القدمين أنا وابني البالغ 4 سنوات، وكان الدرج مليئا بالحجارة والزجاج. عندما نزلت للطابق الأرضي وجدت شقيق زوجي قد أصيب في بطنه إصابة خطيرة جدا وأحشاؤه صارت واضحة لمن يراه، فإصابته شقت بطنه إلى نصفين. وفي الغرفة الأخرى زوجة شقيق زوجي كانت في غرفة نومها وهيا سيدة حامل 9 شهور مصابة بشظايا حديد في ظهرها وفي وجهها وفي جوانبها وكانت ممتلئة بالدماء وتقول أنا لا أشعر بجسدي، ووالدة زوجي كانت قد أصيبت برأسها جراء تكسر الزجاج.
لا يمكنني شرح مدى صعوبة الموقف والخوف الذي سيطر علينا، أبنائي يصرخون بشدة من الخوف وأنا أبكي وأرتجف من الخوف والمنظر الذي كان أمامي وكنت أصرخ بحثا عن زوجي فوجدته أيضا مصابا جراء القصف ولكن تبين أنه شعر في اليد فقط.
لم يكن هناك إسعاف في المكان ولم تكن الاتصالات متاحة في ذلك الوقت ومن ساعد بإسعاف المصابين هم جيران المنزل في سياراتهم الخاصة ونقلوهم لمستشفى الشفاء.
بعد قصف المنزل نزحنا لمنزل خالة زوجي في منطقة الشمعة البلدة القديمة. بقينا هناك مدة 20 يوما، ثم نزحنا بعد أن هددت قوات الاحتلال منزلا ملاصقا لمنزل خالة زوجي. ذهبت لمنزل والدي الذي كان يبعد عن منزلي في الزيتون عدة أمتار، وكان يكتظ بالنازحين من أقاربنا وبقيت هناك إلى ما قبل إعلان الهدنة بيوم واحد (23/11/2023)، ثم رجعت لمنزلي ثانية وكنا ننام في الطابق الأرضي، ثم عاد أهل زوجي إلى المنزل في الهدنة.
كان جيش الاحتلال الصهيوني في ذلك الوقت متوغلا في تل الهوا بالقرب من جامع عمر بن العاص وكانت رسائل الإخلاء مستمرة منذ أول يوم في الحرب على غزة وتتزايد في كل يوم يمر في الحرب.
بعد انتهاء الهدنة عاد القصف العنيف للمناطق المجاورة لنا مرة أخرى والأحزمة النارية بكثافة والمنزل يهتز بنا، من قوة صوت القصف، وكنا نشعر بآلام في الأذن وكانت الأحزمة النارية على مدار اليوم وكانت تستهدف مربعات بأكملها. كنا نشعر بالخوف الشديد من قصف المنزل على رؤوسنا، فقرر والد زوجي اللجوء للمنزل المجاور لنا للجلوس معهم في البدروم، رفضت الذهاب معهم وطلبت من زوجي أن اذهب بجانب أهلي.
في اليوم التالي تم قصف منزل أهلي الذي يقع في الطابق الرابع بقذيفة من مدفعية جيش الاحتلال أصابت صالة المنزل وتكسر زجاج المنزل كله. وبلطف الله لم نكن متواجدين في هذا الجزء من المنزل، حيث كنا في الصالون المجاور للصالون الذي تم قصفه، فركضنا للطابق الأرضي في منزل عم والدي. كانت ليلة صعبة جدا علينا جميعا، لم ينم أحد منا من شدة القصف المحيط بنا ومدفعية جيش الاحتلال تطلق القذائف على منزل والدي ومحيط المنزل والحجارة والزجاج يتطاير فوق رؤوسنا. كنا نتشاهد وسلمنا أمرنا لله إلى أن طلع الصباح وتمكنا من الهرب من المنزل.
لحظات مرعبة
أخبرني زوجي بأن نرجع لمنزل جيراننا في البدروم بجوار أهله، وبالفعل ذهبنا للبدروم وأمضينا اليوم بكامله. وفي اليوم التالي أخبرت زوجي بأنه لا يوجد خبز لنطعم الأولاد وأنني اريد الذهاب للمنزل واقوم بالخبز وشقيق زوجي وزجته كانا سيذهبان لغسل ملابسهم وملابس أطفالهم في المنزل فذهبنا سويا.
شقيق زوجي ذهب مع زوجته في الطابق الأرضي وأنا صعدت للطابق العلوي لجلب الطحين ولكني خفت من البقاء وإكمال العجن في المنزل لأنه مكشوف من كل مكان ومدمر وجدرانه مفتوحة جراء القذائف. حملت الطحين ونزلت للطابق الأرضي عند شقيق زوجي وزوجي، وأشعلنا النار في الفرن، وملأ الدخان المكان فكان شقيق زوجي ينادي علينا لتخفيف النار والدخان. في هذه الأثناء تم إطلاق طلقين من قناصة جيش الاحتلال الاسرائيلي باتجاهي أنا وزوجي ولكن ظننا بأن شقيق زوجي يلقي الحجارة لننتبه له فعاد شقيق زوجي للقول خففوا من الدخان سألناه هل القيت الحجارة منذ قليل علينا فأجاب بالنفي هنا تم إطلاق علينا من قناصة جيش الاحتلال مجددا. عندها زوجي قال لي لا أريدك أن تكملي الخبز سأطفئ النار، فخرج شقيق زوجي لشرفة المنزل لرؤية أين يتم القصف وإطلاق النار، فتم قنصه من قناص جيش الاحتلال في منتصف جبينه واستشهد على الفور. وهنا سمعنا صراخ زوجته تصرخ على زوجي بأن زوجها ياسر أصيب. نظرنا إليه وعندما أراد زوجي الدخول لإخراج شقيقه تم اطلاق النار علينا فتراجعت أنا وزوجي للخلف وأخبرني زوجي بالذهاب والمناداة على عائلته من البدروم وإخبارهم باستشهاد ياسر. خرجت حافية القدمين أركض في الشارع وأبكي إلى أن وصلت وأخذت عائلته وعدنا للمنزل نركض، فقام شقيق زوجي الآخر بسرعة دون تقدير للأوضاع واندفاعه وحرقته لاستشهاد أخيه وظنا منه انه سينقذه وينقله للمشفى دخل إلى جانب شقيقه ياسر الشهيد فتم اطلاق النار عليه من قناصة جيش الاحتلال. وما أن دخل إلى الشرفة، تم اطلاق طلقين على كتفه ويده ووقع أرضا وقناصة جيش الاحتلال تطلق النار بكثافة باتجاهنا ونحن نصرخ ونبكي على ما حدث مع شقيقي زوجي. وهربنا إلى البدروم ثانية من كثافة إطلاق النار وظنا منا بأن المنزل سيتم قضفه فوق رؤوسنا. وسحب زوجي شقيقه المصاب وحمله بين ذراعيه مخاطرا بحياته وتوجه للمستشفى المعمداني سيرا على الاقدام، ومسيّرة جيش الاحتلال تطلق النار عليهما، وكان لطف الله غالبا وأوصل شقيقه إلى المستشفى. وعاد بعدها زوجي لنا للبدروم وبمجرد وصوله فقد وعيه من شدة التعب والخوف الذي مر به في الطريق. ومضى الوقت ونحن نبكي على من استشهد ومن أصيب وحالة من الذعر والخوف ممتزجة ببكاء وقهر على من استشهد وصوت جرافات جيش الاحتلال الاسرائيلي نسمعها على مقربة منا.
الاعتقال
عصر يوم ٦/١٢/٢٠٢٣ دخل جيش الاحتلال للمنطقة الموجودين فيها وصوت الدبابات في الشارع وصوت إطلاق النار في كل مكان وقنابل الغاز ملقاة في كل مكان في الشارع حتى اختنقنا من الرائحة والصغار اختنقوا وكنت من الخوف أضع المحارم المعطرة على أنف صغاري لحمايتهم ولو قليلا من الغاز. كنا في حالة رعب ونحاول إغلاق أفواه أطفالنا لمنعهم من البكاء والصراخ كي لا يعلم الجيش بوجودنا ولكن ظهر جندي إسرائيلي يحمل سلاحه المركب به ليزر وسلطه علينا. في تلك اللحظة صرخنا جميعا من شدة الخوف، فقام الجندي بالمناداة على باقي الجنود ونحن نصرخ. والد زوجي كان يعرف العبرية وكان يقول لهم باللغة العبرية إننا مدنيون ومستسلمون فأمره بإخراج النساء والاطفال أولا إلى الخارج وبالفعل خرجنا إلى الشارع ووضعونا في منتصف الشارع وأمرونا برفع الأيدي والجلوس على الركب وأنا احمل طفلي ذو الـ9 اشهر بيد وابني ذو 4 سنوات بجانبي وأجلس على ركبتي وأرفع يد واحدة. وتم اخذ الرجال لمخزن مقابل لنا واصبح الجندي يتكلم العربية ويقول لا تقلقوا سوف نأخذكم لمنطقة امنة وسوف تسمعون القليل من الانفجارات وتم نقلنا لمخازن لعائلة حجاج.
كان المنزل فيه مخزنان أحدهما حجزت به النساء والآخر الرجال الذين تعرضوا للضرب الشديد وجرى تقييد أيديهم وأرجلهم.
قبل أذان المغرب كان طفلي الرضيع معي والطفل الآخر مع جدته خلفي فقام جنود الاحتلال بالمناداة علي بأن أتحرك إليهم. أصبت بالرعب والخوف الشديد لمناداتي من بين كل هؤلاء النساء. ذهبت إليه فطلب اسمي وكم عدد أبنائي ومكانهم وأخبرته وأعادني ثانية لمكاني. وبعد أذان المغرب نادى ضابط إسرائيلي عليّ وكان الرجال معذبين من جنود الاحتلال وظاهر عليهم الضرب الشديد وهم مقيدين وأدخلوني عندهم، وأمروني بالجلوس. وكان مع جنود الاحتلال كلاب تقدمت نحوي وأنا أصرخ بأنني أخاف من الكلاب وكان أبنائي نائمين عند اقتيادي، ولكن زين الصغير بكى وسمعت بكاءه فطلبت منهم أن احضره فسمحوا لي ذهبت أحضرت طفلي الرضيع وعدت لهم ثانية وجلست وأرضعته.
تحليلي جيني بسبب لون بشرة الأطفال
جاء جندي وقال لوالد زوجي سوف نقوم بأخذها مدة نصف ساعة لعمل تحاليل لها وإعادتها ثانية، إذ عند رؤيتهم لأبنائي وجدوهم بيض البشرة وشعرهم أشقر فشكوا بأن الأطفال أطفال إسرائيليين وليس أطفالنا، فقاموا بسحب عينات من أطفالي الصغار وقامت الجندية بسحبي. صرخت من الخوف إلى أين تأخذونني فأخبرني جندي جيش الاحتلال بأننا سنأخذك نصف ساعة لعمل تحليل ونعود بك ثانية فطلبت منه أن آخذ ابني الرضيع معي وأنني لا أريد تركه وأصررت على بقائه. فوجه الكلام لوالد زوجي وتكلم معه بالعبرية فقال لي والد زوجي أعطي الطفل لجدته فرفضت فأخبرني والد زوجي بأنني إن لم افعل سيقومون بقتلنا جميعا هنا اضطررت لترك صغيري لجدته. وكان طفلي يمسك بحجابي ويبكي بشدة ولا يريد الانفصال عني. تركته لجدته وجدته تبكي وأنا أبكي وأدخلوني إلى الدبابة وأدخلوا أيضًا والد زوجي وزوجي وشقيقه وأكثر من 15 شخصا آخرين. قيدوا يداي للخلف بقيود مرابط وعصبوا عيناي ما حجب عني الرؤية وتم نقلنا في الدبابة لمنزل في منطقة الزيتون من طابقين كان يتخذه جيش الاحتلال ثكنة لهم.
عند وصولنا كانت المجندة تحمل في يديها حقن أخذوني وأجلسوني على ركبي ويداي مقيدة للخلف وممنوع رفع رأسي وبقيت على هذه الحالة لمدة 3 ايام وأنا أتعرض للضرب صعدت للطابق العلوي وأنا أشتم رائحة مطابقة تماما لغرفة العمليات وبالفعل كان مكان أشبه بمكان للعمليات. وحقنوا الرجال بمخدر حتى غابوا عن الوعي.
ثم قاموا بإعطائي حقنة مخدر على ما يبدو، وقبل إعطائي إياها سألتني المجندة هل تتأثرين من البنج أخبرتها أني أتأثر لأني لا أريد فقدان الوعي كباقي الرجال فقامت بإعطائي ابرة في الظهر وقاموا بسحب عينة مني من ظهري وعينة من زوجي لعمل تحليل الحمض النووي.
كنت إذا تحركت يقوم بالصراخ على لا تتحركي، الرجال كانوا قد فقدوا الوعي وكنت أستطيع الرؤية قليلا من تحت عصبة العينين ولم أفقد الوعي بالكامل من البنج، وشعرت بالجفاف الشديد وكنت أحاول تبليل شفتاي من شدة العطش.
وكان الغرض من المخدر هو أن يدخل الرجال في حالة عدم وعي لما يقول وكانوا يقومون بسؤالهم عن حماس والمقاومة والأنفاق وعند إغماض أحد منهم لعينيه يقومون بضربه والصراخ عليه (اصح) ويقومون بضربهم وخلعوا ملابسهم جميعها ما عدا البوكسر.
كنت أتألم من صدري لأني لم أرضع طفلي وهو جائع طوال اليوم وأنا بالأساس قمت بالولادة بعملية قيصرية ولم يشفى جرحي بعد ويداي تؤلماني فكنت أخبر والد زوجي أن يطلب منهم إعادتي أريد إرضاع طفلي وعند طلبه منهم رفضوا وقام الجندي الاسرائيلي بضربي في كعب سلاحه على ظهري ويداي وجوانبي. طلبت منه تخفيف قيد يداي فرفض، وشدها بشكل أكبر. كنت أشعر بالبرد الشديد وطلبت منه فك العصبة عن عيناي فيشدها اكثر وأكثر فدخلت رموش جفني في عيني من قوة الربط شعرت بأني عميت، وصرخت وبكيت وكانت الدماء سالت من عيناي من شدة الألم وكلما طلب منهم والد زوجي تخفيف العصبة عن عيني يقومون بضربه بشدة وضربي ويقومون بالضغط على القيود أكثر.
في اليوم التالي نقلونا إلى منزل آخر مشيا على الأقدام وكان يتواجد في المنزل جميع المعتقلين من المنطقة وجميعهم بلا ملابس عدا البوكسر وانا المرأة الوحيدة بينهم وضعوني مقابلهم ويقومون بضربنا وصدري بدأ يتحجر وأنا مقيدة ولا أستطيع التحمل وأبكي وأطلب منهم إرضاع صغيري يقومون بضربي بأقدامهم.
في اليوم الثالث ويداي مقيدة للخلف ويقومون بضربي بأقدامهم على ظهري وبطني وجوانبي ويشتمون علينا (انت وحدة شرمو** قحبة انت حماس انت نخبة مع حماس) ويقوم الجندي برمي القذارة علي وضربي بقدمه (يا كلبة يا شرمو**). ثم قاموا بنقلنا مقيدي الأيدي للخلف ومعصبي الأعين وقاموا بوضعنا في حفرة كبير بداخلها دبابة وعدد كبير من الجنود خارج الحفرة والدبابة بجانبي والجرافة في الخارج جاهزة لدفننا كنت أرى من تحت عصابة عيني قليلا ما يحدث في الخارج وكان الرجال مخدرين جميعهم طوال ال٣ أيام. واقتربت الدبابة مني شيئا فشيئا وانا احاول سحب نفسي بعيدا عنها ولكن كان هناك جندي من جنود الاحتلال خلفي وقام بضربي بكعب سلاحه على ظهري بقوة وقال (اقعدي شرمو** يا قح** اقعدي)
وأنزلوا غطاء رأسي وأنا أبكي واقوم برجائهم لتغطية شعري وهم يضحكون ويرفضون وضعه لي. وبدأوا بإنزال الرمال فوق رؤوس الرجال وهم يبكون بصوت مرتفع ووالد زوجي يصرخ علي (يا عمي تعالي شيلنا يا عمي تعالي شيلي الرمل عنا انخنقنا) وانا ابكي عليهم واحاول تحريك نفسي باتجاههم والجندي يقوم بضربي بقدمه وبسلاحه والدبابة تقترب أكثر مني والجرافة تقترب وأخذوا معتقلاً وهددوه بأنه إذا لم يعترف سيقومون بقتلنا جميعا. ثم أخذوا زوجي ووضعوه تحت جنازير الدبابة وأطلقوا طلقين في الجو وأخبرني الجندي بأنه قام بقتل زوجي وأنا اصرخ وأبكي على زوجي وأصابني الانهيار أنا بدون حجاب وزوجي قتل وانا اصرخ وابكي. قمت بسؤاله عما سيفعله بنا أخبرني (هلقيت راح اطمكم واخلي الكلاب تأكلكم وانتم عايشين) أخبرته بأن يطلق النار علينا وأبكي وأتشاهد وبقينا على هذا الحال مدة نصف ساعة وهم يقومون بتخويفنا بدفننا أحياء.
بعد حوالي نصف ساعة قاموا بنقلنا لشاحنة كبيرة ووضعوني في الزاوية وقاموا برمي الرجال فوقي وهم عراة ما يقارب الـ١٠٠ رجل فوقي وقاموا بتصويري والشباب يقومون بالبكاء على حالتي والجنود يقومون بالضحك علينا وانا بحالة انهيار على ما حدث لزوجي. (ظهرت صورتها في شاحنة مليئة بالمعتقلين العراة).
تم وضعنا بناقلة جنود كبيرة الحجم وانا السيدة الوحيدة الموجودة بينهم وبلا حجاب والرجال فوقي طوال الطريق وكان الطريق طويل جدا.
ثم تم فصلنا في داخل إسرائيل في خيمتين واحدة للرجال وواحدة للنساء ونقلت إلى خيمة النساء. من شدة الالم والتعب عندما قاموا بإدخالي للخيمة وكانت أرضيتها حجارة (زلط) ومبللة بالمياه فقدت الوعي حتى اعتقدت المعتقلات بأني قد فارقت الحياة وعلمت فيما بعد من المعتقلات كن يحاولو هزي لأفيق، ولكني لم أستجب وبقيت على هذه الحالة على الأرض المبتلة، كان هذا بتاريخ 8/12/2023، حتى استيقظت في صباح اليوم التالي.
بتاريخ9/12/2023، جاؤوا بمعتقلات وأصبحنا داخل الخيمة 19 معتقلة ثم قاموا بتقييد اليدين بقيود بلاستيكية والقدمين بجنازير وتعصيب الأعين وضربنا على رؤوسنا من جنود الاحتلال بأيديهم. كانت الساعة ٨ ونصف تقريبا وقاموا بضربنا بكعب السلاح وكان بأيديهم اشبه بكفات حديدية ويقومون بضربنا على رؤوسنا بها ويقولون (ممنوع تحركي رأسك ممنوع ترفعي راسك يا شرمو** وطي راسك يا قحب*) ووصلنا إلى سجن عنتوت وأمضيت ٩ أيام هناك.
عندما وصلت لسجن عنتوت تم اخذي لغرفة التفتيش العاري وكان بحوزتي ذهب ونقود، كان بحوزتي ثلاثة آلاف دينار والذهب عبارة عن أساور وجوز حية وسنسالين والجوال والهوية وتم إعطائي ورقة أمانات وأعطوني بيجاما رمادية لأرتديها بدون ملابس داخلية من فوق. ومن ثم إلى النقطة الطبية سألني مما أعاني من امراض فأجبته بأني مرضعة وان صدري محجر ويؤلمني بشدة وقام بإعطائي شافط حليب ولكني من شدة الألم لم أستطع شفط الحليب واخبرني اني سأبقى طويلا في المعتقل وضعت حجابي عند دخولي لسجن عنتوت قامت المعتقلات بمساعدتي على ارتدائه ثانية وبقيت مدة 4 ايام في سجن عنتوت اعاني من الالم بسبب تحجير صدري وكانوا يعطوني آلة شفط الحليب كل يوم مدة معينة ثم يأخذونها ويقوم الجنود بالاستهزاء بي.
وانا في سجن عنتوت كنا نتوضأ سرا عن الجنود لأن جنود الاحتلال حين مشاهدتنا نتوضأ كانوا يضحكون علينا وعندما نصلي يضحكون علينا ولكن لم نكن نستطيع الذهاب للوضوء أو التحرك براحتنا او حسبما نشاء فكان يمنع علينا الحركة بكثرة فكنا نقوم بالتيمم للصلاة.
كان جنود الاحتلال يفتحون الأغاني بأعلى صوت والرقص امامنا ووضع الاكل والمسليات امامنا ويقومون بالضحك علينا وشتمنا(يا شرموط** يا كلبات). وقاموا بأخذي للتحقيق في سجن عنتوت ثلاث مرات وكانت الاسئلة في كل مرة نفسها (وين كنتي في 7 أكتوبر الساعة السابعة شو كنتي تعملي وين في انفاق وين الاسرى موجودين الجيبات الي تم اخذها من داخل اسرائيل وين موجودين) وأجيبه بأني لا اعلم فيقوم بضربي بكعب السلاح في ظهري ويضربني في رأسي بيديه. في كل مرة كنت اذهب للتحقيق كنت اتعرض للضرب وسؤال الاسئلة ذاتها يتم تفتيشي من فوق الملابس واخذي للتحقيق.
بعد انتهاء مدة الـ9 ايام في سجن عنتوت فتشونا من فوق الملابس ونقلنا في الباص إلى منطقة في بئر السبع لعمل بطاقات تعريفية لنا وكانوا يقومون بضربنا بداخل الباص بأقدامهم واسلحتهم وأجلسونا على ركبنا على انجيل مليء بالمياه وننزل رؤوسنا وأيدينا مقيدة واقدامنا مقيدة وضربوني على ظهري بكعب السلاح بقوة وضربني أحدهم بقدمه في بطني بقوة شديدة فصرخت من شدة الألم، وعندما قلت له بأني قد ولدت بعملية قيصرية قام بضربي اكثر على بطني وفي هذا الوقت انفتح جرح عمليتي (قامت بالولادة القيصرية ولم يكن جرحها قد شفي بعد) وأصبح مع الوقت يخرج قيح ورائحة نتنة وصار محل العملية المنطقة شديدة الاحمرار وأشعر بالنخزة فيها وكنت متعبة بشدة. ثم قاموا بتحميلنا ثانية إلى الباص وعادوا لضربنا بأيديهم على رؤوسنا وعصبة عيني يقوم بشدها بقوة حتى شعرت بأن رأسي سيقسم إلى نصفين وأنا أبكي من شدة الألم والجنود يكثرون من ضربنا. ثم وصلنا إلى سجن الدامون فتم فك قيود أيدينا وأقدامنا وعصبة اعيننا وصار الضابط الاسرائيلي من سجن الدامون يقول (لا تخافوا ) فقد كنا نبكي وملابسنا متسخة واثار الضرب ظاهرة علينا. وتم ادخالي لغرفة التفتيش العاري ثم إلى غرفة التحقيق وكانت الاسئلة نفس الاسئلة السابقة (وين كنتي في 7اكتوبر الساعة السابعة شو كنتي تعملي وين في انفاق وين الاسرى موجودين) وكنت ابكي بشدة واقول له اريد ابنائي فكان يقول (لما ولادنا يجو من غزة بنرجعك لولادك) سألته عن زوجي اخبرني (زوجك واهلك وعيلتك وولادك كلهم ماتوا) ثم إلى النقطة الطبية تم الكشف على جرحي وكان ملتهباً ولكنها لم تعطني علاج وقالت لي اشربي المياه وفقط أعطتني حبوب لتنشيف الحليب. وطوال فترة السجن في سجن الدامون وانا ابكي وفي حالة انهيار وكان عدد المعتقلات من قطاع غزة يفوق الـ120 معتقلة كانوا يحاولوا التخفيف عني ولكني كنت في حالة انهيار وبكاء مستمر على زوجي وابنائي واهلي. كنت اتواجد في قسم 9 وكان الباب يوجد به اشناف (فتحة صغيرة في الباب) يتم من خلالها تقديم الطعام وكان الأكل عبارة عن بيضة على الفطور وقطعة توست جبنة شوربة في بعض الاوقات على الغداء والعشاء كان بيضة وكنا نخرج فورة مدة نصف ساعة ثم تم تمديدها لساعة. بقيت في سجن الدامون 49 يوماً وذهبت للتحقيق 5 مرات ولم يكن هناك تفتيش عارٍ في سجن الدامون فقط من فوق الملابس يتم تفتيشنا وكانت الاسئلة في ال5 مرات مكررة وهي نفس الاسئلة من بداية اعتقالي حتى نهايته ولم يتم تعذيبي او ضربي في سجن الدامون.
الإفراج من الاعتقال
الساعة السابعة والنصف تقريبا بتاريخ ٢٦/١/٢٠٢٤ أخبرونا بأنه سيتم اخراجنا للرجوع إلى غزة ونادت اسماء المعتقلات الذين سيتم الافراج عنهن وقامت بنات الضفة بإعطائنا ملابس لارتدائها ونحن عائدات إلى غزة. قمنا بالاستحمام وجهزنا. قبل الخروج من سجن الدامون اخذونا إلى غرفة لتبصيمنا والتوقيع على استلام الأمانات وأرتني الجندية الاسرائيلية الذهب والنقود وملابسي كلها واخبرتني بأنه سيتم اعطائي اياه عند الافراج عني وتم تفتيشنا من فوق الملابس. نقلنا بباص وظننا بأننا في الطريق إلى غزة، ولكن تم نقلنا إلى معتقل في بئر السبع. كنا في باص صغير جدا اختنقنا ونحن بداخله أيدينا واقدامنا مقيدة بالجنازير كنت انا واربع معتقلات في جزء من الباص المغلق. نقلونا إلى معتقل عبارة عن قفص يشبه سجن عنتوت ولكن ليس هو عندما تم ادخالنا للمعتقل جعلونا نجلس على ركبنا من الساعة الرابعة فجرا حتى الساعة العاشرة مساءا وبعد الساعة العاشرة يقولوا (قولوا للكابتن ليلا توف ) يعني تصبح على خير ويقوموا بعدنا ثم ننام على الفراش. وكل يوم هكذا من الصباح للمساء وكان هذا قانون لديهم، ومكثنا في المعتقل مدة 6 أيام. كان الحمام لا يصلح للاستعمال وكنا نقوم بالتيمم لكي نصلي ونحن في مكاننا. كان يتم تقديم قطع توست وجبنة مع خيارة او حبة بندورة في جميع الوجبات. وكنت من الجلوس بهذه الوضعية اتألم من الجرح الذي يخرج مادة كريهة الرائحة بسبب التهابه اقول لهم أنى متعبة فلم يستجيبوا لي.
بتاريخ 26/1/2024 تم وضعنا بباص وتقييد ايدينا وتعصيب اعيننا والرأس باتجاه الارض ممنوع رفعه وبقينا على هذا الحال حتى وصلنا لمعبر كرم ابو سالم وتم إطلاق النار في الهواء وقالوا اركضوا. كنا 70 معتقلاً و 19 معتقلة وكنا في غاية التعب والالم لم نكن نستطيع الركض فكانوا يطلقون النار في الهواء لنقوم بالركض حتى وصلنا نقطة الأونروا واعطونا مياه وحبة مولتو. كنت اقوم بالاتصال على اهلي وزوجي ولكن لم يكن يتم الاتصال بهم، كنت ابكي بشدة اني فقدت عائلتي وابنائي وزوجي. فجاء أحد الموجودين واخبرني بأن زوجي ترك معه رقم هاتف لأقوم بالتواصل معه عليه حين خروجي من المعتقل وقام بالاتصال بزوجي ولكني لم اكن اصدق بأنه زوجي فطلبت منه الهاتف لأتأكد من انه زوجي وبالفعل كان زوجي وجاء ليأخذني من المعبر ولم اعرفه كان قد تغير كثيرا في لقاء أليم وفي موجة بكاء طويلة وهو يحتضنني بين يديه ولا يستطيع الوقوف على قدميه قام بنقلي للمستشفى الكويتي لمعالجتي وتم الكشف على جرحي ومعالجته وعملت فحوصات ليداي وقدماي حتى الآن لا أشعر بيداي اشعر دائما وكأنه تم تخديري ظهري يؤلمني وعيناي تؤلماني حتى الآن.
نسخة تجريبية