محمد صابر إبراهيم سلامة، 23 عامًا، صحفي، سكان عبسان الكبيرة شرقي خانيونس
تلقى طاقم المركز هذه الإفادة في 19/2/2024.
كنت متواجدا في مستشفى ناصر الطبي منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، بعد نزوحي مع عائلتي إلى المستشفى بسبب قربنا من الشريط الحدودي. كانت هذه الأيام تزداد صعوبة يوما بعد يوم إلى أن اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة خانيونس وبدأت بالاقتراب من مستشفى ناصر الطبي.
خلال فترة حصار المستشفى مكثت حوالي 25-30 يوما داخل المستشفى، وكانت أياما صعبة جدا نفتقر فيها لمقومات الحياة بسبب شدتها ونقص الطعام والشراب.
آخر حوالي 10 أيام (أي منذ 9 فبراير تقريبا) في المستشفى المحاصر كانت صعبة للغاية إلى درجة أن من كان يخرج إلى ساحة المستشفى يتم استهدافه من قناصة الاحتلال أو طائرات الكواد كابتر التي كانت تملأ المكان. وكانت المستشفى عبارة عن مكان لا يطاق نظرا للقمامة التي تجمعت في كل مكان دون قدرتنا على إخراجها بالإضافة للصرف الصحي الذي كان يملأ المكان بسبب عدم القدرة على تسليكها وعدم وجود طاقم نظافة يهتم بالمكان.
وبسبب نقص الطعام توفي شخصان داخل المجمع وذلك بسبب النقص الشديد في الأغذية والشراب والمستلزمات اللازمة للحياة.
بتاريخ 12-2-2024، استهدفت قوات الاحتلال مستودع الأدوية داخل المجمع ما أدى لنقص شديد في المستلزمات الطبية الخاصة بالمرضى إلى درجة عدم القدرة على التغيير على الجروح عدة أيام لنقص الشاش والمواد اللازمة للغيار.
بتاريخ 13-2-2024، وفي تمام الساعة 11 صباحا، أرسلت قوات الاحتلال الشاب جمال أبو العلا الذي اعتقلته سابقا وهو مقيد اليدين والقدمين، وكان يرتدي ملابس بيضاء تشابه زي كورونا، لإخبار النازحين بضرورة إخلاء المستشفى والانصياع لقرارات جيش الاحتلال وأخبروه ان يبلغ الناس بالخروج من المكان على الفور. وكانت والدة الشاب في المكان برفقتنا وأمسكت بابنها جميل وطلبت منه عدم الخروج للجنود خشية قتله، لكنه رفض وأخبرها أنه حال عدم عودته فسوف يقومون بقتله. وبعدها عاد جميل مرة أخرى حسب طلب الجيش الإسرائيلي برفقة شاب آخر وطلبوا منه أن يقوموا بإخراج الناس وبعدها خرج معهم عدة شبان وعادوا لجنود الاحتلال الذين كانوا يتمركزون قرب بوابة المستشفى. وأطلق الجنود النار تجاه جمال وأعدموه بدم بارد، وأطلقوا النار تجاه الشبان الذين كانوا معه وأصابوهم بجروح وتم سحبهم من الشبان المتواجدين إلى داخل المستشفى.
ويوم الخميس بتاريخ 15-2-2024، حوالي الساعة 2 ونص فجراً، استهدف الاحتلال قسم العظام بثلاث قذائف ما أدى لاستشهاد أحد المتواجدين وإصابة 4 آخرين. كنت حينها أقف على باب القسم وأصبت إصابات طفيفة من سقف القسم، وقمنا بإسعاف الناس ووثقت ما حدث بالفيديو. وبعد الاستهداف بدقائق طلب طيران الاحتلال عبر مكبرات الصوت بإخلاء المستشفى بشكل عاجل وطلب من مدير المجمع الدكتور عاطف الحوت أن يقوم بعمليات الإخلاء وإبقاء المرضى والطواقم الطبية ونقلهم لأحد الاقسام داخل المستشفى، وطلب إخلاء المرافقين لكنهم رفضوا لعدم قدرتهم على ترك مرضاهم دون مساعدة.
ومع تمام الساعة 3 فجرا، خرج الجميع من المستشفى وكنا حوالي 4 آلاف نازح ووقفنا عند بوابة المستشفى حتى الساعة 7 صباحا لأنه كان الدخول على الحاجز الذي أقامه الاحتلال (الحلابات) بمعدل 5 أشخاص كل مرة يتم الوقوف أمام كاميرا والإجابة على بعض الاسئلة.
كمية القهر التي كنا نمر بها خلال دخولنا للحاجز كانت كبيرة وصعبة بسبب السب والشتم الذي كنا نتعرض له من جنود الاحتلال خلال سيرنا إلى أن وصلنا إلى بوابة الحاجز. ووقفت مدة نصف ساعة أمام الكاميرا تم خلالها أخذ اسمي وبياناتي الشخصية، وكان بجانبي سيدة معها أطفال بدأ الجندي بتصويرها وتصوير أولادها وقام بشتمهم وشتم زوجها ونعته بالإرهابي. وبعد نصف ساعة قام بوضع جنديين بقناصة على أحد المباني ووجههما علينا مباشرة حتى اعتقدنا أنهم سيقومون بإعدامنا ومن ثم طلبوا منا المغادرة.
خلال وجودنا على الحاجز، اعتقل جنود الاحتلال زميلي الصحفي عمرو أبو ريدة وإجباره على خلع جميع ملابسه أمام نظر الجميع ومن ثم تركوه فقط بالبوكسر وتم اقتياده إلى داخل ساحة وسمعنا صراخه وهم يحققون معهم نتيجة الضرب. كما اعتقلوا عددًا من الشبان واحتجزوا آخرين، وبعضهم عاد بعد ساعتين والدماء تسيل منهم ويعرجون على اقدامهم نتيجة الضرب الذي تعرضوا له خلال التحقيق.
كان يتم اقتياد المعتقلين إلى ساحة استاد خانيونس، ويتم تعريتهم ووضعهم في داخل الملعب ومن ثم يتم جلب ملابس تشبه ملابس كورونا ووضع عصبة صفراء على رأسهم ونقلهم بعربات خاصة لأماكن مجهولة.
طلب الجنود منا السير تجاه الشرق نحو عمارة جاسر ومن ثم شارع البحر وصولا إلى كراج رفح ومن ثم إلى منطقة موراج الغربية. وخلال الطريق شاهدنا جنود الاحتلال وهم يتواجدون في الشوارع وعلى العمارات ويقومون بالغناء والرقص داخل هذه البيوت. وخلال سيرنا في شارع البحر كان يوجد محل أحذية مفتوحة أبوابه فقامت احدى السيدات بالدخول للمحل لأخذ حذاء لأحد ابنائها فقام أحد جنود الاحتلال بإطلاق النار عليها في جانب بطنها وتركوها تنزف دون قدرتنا على إسعافها ولم نعرف مصيرها حتى اللحظة.
شاهدنا في الطريق ايضا جنود الهندسة التابعين لجيش الاحتلال وهم يحملون العبوات لتفجير المنازل بالقرب من عمارة جاسر وهذه العمليات (نسف المربعات السكنية) كنا نسمعها ونوثقها يوميا خلال وجودنا بالمستشفى.
خلال توجهنا إلى منطقة موراج، جنوب خانيونس، التي أخبرنا الجيش بالوصول اليها تمكنا من الوصول لأحد المنازل للاستراحة لمدة ساعة بسبب التعب الشديد من المشي، وكنت قد تواصلت مع الزميل صالح الجعفراوي ليقوم بنقلنا بسيارته وكنا 8 أشخاص أغلبهم من الطاقم الطبي، وفجأة بعد ساعة وبسبب اشتداد القصف في الجهة المقابلة لنا استهدف طيران الاحتلال سيارة فارغة بالقرب منا بصاروخ ونجا من بجانب السيارة ونحن أيضا. وبعد ذلك قمنا بالمشي حوالي 10 امتار وكان حينها صديقي صالح قد وصلنا، وما ان قمنا بفتح باب السيارة حتى أطلق الاحتلال صاروخًا ثانيا باتجاهنا ووجدت نفسي قد طرت من قوة الضربة إلى مقدمة الجيب. نجوت أيضا وقمت بإزالة الغبار عني ووجدت الممرضة إسراء قد أصيبت في بطنها بالشظايا. وعندما صعدت في سيارة صالح وعلى بعد خطوات من نفس المكان تم اطلاق صاروخ ثالث علينا وبحمد الله نجونا أيضا وكنت حينها في غيبوبة مدة 5 ساعات لم أفق نفسي إلا وانا في المستشفى، وقد كنت مصابا بجروح طفيفة ولله الحمد، لأبقى بعدها نازحا في رفح إلى هذه اللحظة.
نسخة تجريبية