رامي عبد الرازق احمد مصلح، 42 عاما، عامل بناء، متزوج، وأب لـ 10 أبناء، سكان بيت حانون شمال غزة
في حوالي الساعة 1:30 فجر الأحد 08/10/2023، قصفت طائرات الاحتلال المنطقة التي أقطن بها بعدة صواريخ، ما أدى إلى تحطم زجاج المنزل وخلع الأبواب، وامتلأ المكان بالدخان والركام. من شدة القصف أخذت أسرتي وترجلت إلى الطابق الأرضي من البيت، وشاهدت الجيران تجري، فسألتهم إلى أين فأخبروني إلى المدرسة، لأنها أكثر أمانا، فتوجهت مع عائلتي إلى مدرسة فلسطين الإعدادية للبنات التابعة لوكالة غوث اللاجئين.
وبدأ النازحون يتوافدون على المدرسة وقدر عددهم بنحو 3200 شخص، وكان عدد الصفوف بالمدرسة 30 صفا و18 خيمة في فناء المدرسة. ونظرا لتوقف المساعدات من الوكالة قام متطوعون بالمدرسة بتدبير أمور النازحين وجلب احتياجاتهم قدر المستطاع، حيث واجهنا صعوبات كثيرة خصوصا في توفير المياه وتعبئتها، وكنا نحاول الاقتصاد بوجبات الطعام بدل الثلاث وجبات وجبة واحدة والاعتماد على المعلبات والنشويات.
وفي 13/10/2023، بدأ النزوح إلى الجنوب، بعدما ألقت علينا طائرات الاحتلال المناشير بضرورة الإخلاء والتوجه إلى الجنوب. ولكن أنا رفضت الانتقال إلى الجنوب، فأسرتي عددها كبير ولا يوجد لدينا معارف هناك، فضلا عن تكلفة الانتقال المرتفعة (أجرة المواصلات) والنقود التي كانت بحوزتي أحتاجها لشراء الأساسيات للأسرة وخصوصا أن لدي أطفال، حيث تبقى من النازحين في المدرسة بعد نزوح البعض إلى الجنوب نحو 1800 شخص.
وفي 05/12/2023، حاصرت قوات الاحتلال منطقة الفالوجة وهي المنطقة التي تقع بها المدرسة التي نحتمي بها وملاصقة لها مدرسة الفالوجة، واعتلت قوات الاحتلال البنايات المرتفعة بالمنطقة، فصارت حركتنا مقيدة بالمدرسة خوفا من القنص.
وفي حوالي الساعة 1:00 مساء 10/12/2023، تفاجأنا بأن جرافة إسرائيلية هدمت سور المدرسة وتبعها 6 دبابات وجيبات همر، وعبر مكبرات الصوت طلبوا منا النزول إلى الساحة وأن نرفع أيدينا ونحمل البطاقات الشخصية. كان في فناء المدرسة 9 سيارات و18 خيمة قاموا بتدميرهم ، ثم طلبوا من النساء والأطفال الخروج من المدرسة، والتوجه إلى مدارس أبو زيتون مدعين أنها منطقة آمنة. وطلبوا منا نحن الرجال أن نصطف في طابور، وشرعوا بالتقاط الصور لنا، وكانوا يطلبون منا واحدا تلو الآخر التوجه إليهم، وعندما جاء دوري طلبوا مني التوجه خلف الدبابة، وهذا يعني أنهم يريدون اعتقالي. خلال ذلك كان هناك رجال كبار في السن يتحركون ببطء ووصلوا متأخرين، فاعتدوا عليهم بالضرب بواسطة الهراوات وأيديهم وارجلهم .
وخلف الدبابة قام أحد الجنود بربط يديّ بقيود بلاستيكية للخلف، وآخر وضع غطاءً على عيوني. كان يقدر عدد الرجال الذين اعتقلوهم معي من المدرسة 40 شخصًا، وساروا بنا مشيا إلى مكان آخر، أعتقد أنه مدرسة شادية أبو غزالة. ومن ثم نقلنا بواسطة حافلات ” شحون ” إلى موقع زيكيم، وطبعا كان المكان مليء بالمعتقلين من عدة أماكن من شمال ومدينة غزة.
كان المكان عبارة عن براكس مسقوف بالزينكو والأسوار عبارة عن سلك شائك”. بمجرد وصولنا، انهالوا علينا بالضرب العشوائي على أجسادنا بالأسلحة التي بحوزتهم والهراوات وأرجلهم، ثم أجبرونا على خلع ملابسنا وبقينا بالملابس الداخلية. ثم أخذونا بشكل منفرد إلى التحقيق، تم أخذ البيانات الشخصية، وبعد ذلك كانت الاسئلة عن حركة حماس وأحداث 7 اكتوبر. استمر التحقيق معي مدة الساعة والنصف، وبعد ذلك تم نقلنا إلى مكان رملي وجلسنا عليه وكان شاطئ البحر، حيث سمعنا صوت الموج، وتم التحقيق معنا مرة أخرى ولكن بشكل جماعي، دون أخذ كل شخص بشكل منفرد وكانت أسئلة التحقيق تتمحور حول المواضيع نفسها.
وفي 13/12/2023، تم نقلنا بواسطة حافلات إلى مكان آخر كان عبارة عن غرف باطون. مع العلم أننا مازلنا بملابسنا الداخلية والقيود البلاستيكية بأيدينا والغطاء على عيوننا وبدون طعام أو شراب مع رفض السماح لنا بالذهاب إلى دورات المياه، لدرجة أن بعض المعتقلين تبولوا على أنفسهم. وتم التحقيق معنا والضرب خلال التحقيق وأسئلة التحقيق لم تتغير، وأعتقد أن المكان الذي كنا فيه هو إيرز.
وفي 14/12/2023 تم نقلنا بواسطة حافلات إلى بئر السبع، وهناك أدخلونا إلى غرفة ونزعوا الغطاء عن عيوننا والقيود من أيدينا والتقطوا الصور لنا. وتسلمنا ملابس عبارة عن بيجاما رمادية اللون، وبعد ارتدائها، وضعونا في بركسات السقف زينكو والأسوار عبارة عن سلك شائك. وتم وضع الغطاء على عيوننا وتقييد أيدينا إلى الخلف بقيود حديدية، وأجبرونا على الجلوس على الركبة ومن يتحرك أو يقع يتم شبحه مدة 4 ساعات.
كان الشبح عبارة عن ربط اليد بالقيود مع الشبك واليد الثانية مع الرجل من الخلف، فالشخص يكون معلق واليد تجرح وينزف منها الدم، حيث تعرضت للشبح في هذا المكان أكثر من 100 مرة، وكل مرة ما يقارب 4 ساعات، وتم التحقيق معي 4 مرات، كل مرة يستمر التحقيق مدة الساعتين، والأسئلة عن حماس ومن أعرف منهم ويذكروا لي أسماء ويريدون أن يعرفوا أماكنهم.
وفي 28/12/2023 ، تم أخذي إلى مكان يطلقون عليه “السينما ” وهي عبارة عن مكان مغلق والأرض حصمة مكسرة ومبتلة بالماء، حيث نزعوا ملابسي عني وبقيت بالملابس الداخلية، والغطاء على عيوني والقيود في يديّ. ومكثت مع معتقلين آخرين في المكان على الأرض مدة 12 ساعة تقريبا، حيث قاموا بتشغيل المكيفات والمراوح مع العلم أن الجو كان باردا، مع فتح مكبرات صوت تتوعد بالقتل والتعذيب والقضاء على حماس. وبين وقت وآخر كانوا ينهالون علينا بالضرب المبرح بالهراوات والاسلحة وبأرجلهم حتى فقدت الوعي ولم أستيقظ إلاّ وأنا أمام الطبيب، حيث أعطاني جرعة دواء وحقنة باليد، وبعد ذلك تم إعادتي إلى البركس، وسمحوا لنا بارتداء الملابس مرة أخرى. وأثناء الليل كانوا يدخلون علينا لتفتيش مفاجئ ومعهم الكلاب.
وحوالي الساعة 2:00 فجر 03/01/2024، حضر طبيب إلى المكان وسأل من يستطيع منا المشي، وفكوا القيود الحديدية من أيدينا ووضعوا القيود البلاستيكية وجلسنا بالشارع، وبعد ساعتين تقريبا حضر باص وصعدنا فيه وسار بنا مدة ساعتين.
وفي حوالي الساعة 6:00 صباحًا، وصلنا معبر كرم أبو سالم وترجلنا من الباص ورفعوا الغطاء عن عيوننا وفكوا القيود وطلبوا منا السير في طريق معين، حيث سرنا مسافة كيلومتر تقريبا. ورأينا بعد ذلك موظفي الوكالة (الأمم المتحدة)، وهناك اتصلت على أحد أشقائي وعلمت أنهم نزحوا إلى مدرسة تابعة لوكالة الغوث في حي تل السلطان برفح، فحضروا وأخذوني معهم. وأنا الآن معهم في خيمة داخل المدرسة لكن بدون زوجتيّ الاثنتين وأبنائي لأنهم بقوا في الشمال، والاتصال معهم قليل جدا، وعلمت أنهم تنقلوا لعدة مناطق وأصيب ابني محمد، 19 عاما بعيار ناري بالركبة، وأنا أشعر بقلق دائم عليهم ولا أعلم كيف يدبرون الأكل والشرب والعلاج في حالة مرض أحدهم مع سوء الأوضاع في شمال غزة وعدم وصول مساعدات هناك.
نسخة تجريبية