تاريخ الإفادة: 24/12/2024
أنا عزيزة ماجد محمد فرج، 32 عامًا، سكان جباليا- البلد، متزوجة من سميح فرج، وأم لأربعة أطفال: سندس 12 عاماً، الشهيدة فاطمة 11 عاماً، وهداية 8 أعوام، ومصباح 4 سنوات.
في السابع من أكتوبر 2023، لم نفهم بدايةً طبيعة ما يحدث. اجتاحنا الخوف. خلال الأيام الثلاثة الأولى التي تلت السابع من اكتوبر، كان القصف على منطقتنا عشوائيًا. قررنا الانتقال إلى منزل عم زوجي في جباليا الزاوية، معتقدين أنه سيكون مكانًا آمنًا، لكننا لم ندرك أننا نسير نحو مصيرنا المحتوم.
في فجر الحادي عشر من أكتوبر 2023، تعرض المنزل الذي لجأنا إليه للقصف. أصبتُ إصابة بالغة، وفقدت ابنتي فاطمة إلى جانب طفلين آخرين من العائلة نفسها. كنا 12 شخصًا ننام في الغرفة نفسها، فيما كان المنزل يضم نحو 50 شخصًا. أصابت الضربة الأولى الجانب الذي كنا ننام فيه، لتودي بحياة ابنتي فاطمة سميح فرج، والطفل عصام فرج، وياسمين فرج. كان المنزل مكونًا من طابقين، وكنا جميعًا في الطابق الأول أثناء القصف.
لم أفقد وعيي على الفور، بل شعرت بألم شديد شل حركتي. رغم ذلك، صرخت بأعلى صوتي لأحث الأطفال على الهروب. لم يكن هناك أمل في وصول الإسعاف بسبب كثافة القصف في كل مكان. سكان الحي هم من قدموا لنا المساعدة، حيث أخرجونا من تحت الأنقاض ونقلونا باستخدام كارة وحمار، مغطين أجسادنا بالأغطية. عندما وصلت إلى المستشفى الإندونيسي، لم يتمكن الأطباء من التعامل مع حالتي الحرجة، فتم تحويلي على الفور إلى مستشفى الشفاء. هناك، اكتشفوا أن مستوى دمي انخفض إلى 3، وأدخلوني إلى غرفة العمليات على وجه السرعة. قام الأطباء بوضع أنابيب داخل جسدي لمعالجة الوضع الطارئ، واحتجت إلى نقل 14 وحدة دم. كانت الشظايا قد أصابت كل جزء من جسدي تقريبًا: رأسي، شفتي، أذني، يدي، وظهري الذي تعرض لإصابة مروعة جعلته مفتوحًا تمامًا. بقيت 20 يومًا دون خياطة للجروح، إذ استخدم الأطباء دبابيس لتثبيت الأنسجة حتى تلتحم. حتى رحمي لم يسلم، واضطروا إلى خياطته بـ 30 غرزة. الألم كان لا يُطاق، لكنني ظللت أقاوم لأجل من تبقى.
تأثرت أحبالي الصوتية نتيجة للإصابة، ما تسبب لي بمشاكل في النطق. أحيانًا تجد عائلتي صعوبة في فهم ما أحاول قوله، وهو أمر يزيد من إحساسي بالعجز. كذلك، أعاني من صعوبة في المشي وحدي، حيث أحتاج إلى الارتكاز على أحد أفراد عائلتي، وغالبًا ما يساعدني أطفالي الصغار الذين كبروا سريعًا تحت وطأة الحرب، رغم أنهم هم أنفسهم بحاجة للرعاية والاهتمام. تمزقت طبلة أذني اليسرى بسبب الإصابة، وأظهرت الفحوصات في مستشفى شهداء الأقصى أنني لا أسمع جيدًا الآن. إضافة إلى ذلك، أعاني من ألم شديد يمنعني من الأكل باستخدام الجهة اليسرى من فمي. الضرر في الجانب الأيسر من جسدي كبير جدًا، والشظايا التي استقرت في رأسي تتحرك أحيانًا، مما يسبب لي ألمًا لا يطاق يدفعني للصراخ.
لم أعد قادرة على القيام بأعمالي اليومية أو رعاية أطفالي بمفردي. أعاني من سرعة الغضب والصراخ، وهي صفات لم تكن جزءًا من شخصيتي قبل الحرب. أشعر وكأنني فقدت السيطرة على نفسي، جسديًا ونفسيًا. الأطباء أخبروني أن إخراج الشظايا يتطلب المتابعة ويمكن تأجيله حتى انتهاء الحرب، لكن الألم مستمر ولا يمكن احتماله. فكرة الذهاب إلى المستشفى لإجراء الفحوصات تخيفني للغاية، خاصة مع الأخبار المتكررة عن استهداف المستشفيات أو الخيام الطبية. أصبحت المستشفيات مكانًا مرعبًا، حتى التفكير في التحرك نحوها يزيد من خوفي وقلقي.
ابنتي سندس عانت من إصابة شديدة، إذ اخترقت شظية رقبتها وتم خياطة الجرح، لكن إصابة يدها كانت أكثر تعقيدًا. بعد فترة من المتابعة وجلسات العلاج الطبيعي، تمكنت من تحريك يدها جزئيًا، وهو تقدم منحنا بعض الأمل وسط هذه المأساة.
لكن بالنسبة لي، يبقى الجرح الأكبر هو فقدان ابنتي فاطمة. لا أستطيع استيعاب هذه الحقيقة حتى الآن. تم انتشالها من تحت الركام في اليوم التالي للقصف، وكانت لا تزال تقاوم للبقاء على قيد الحياة. لكن القدر لم يمهلها طويلًا وفارقت الحياة ولم أتمكن حتى من وداعها. في تلك اللحظات كنت في العناية المركزة، وقلبي لم يتوقف عن البكاء عليها. هذا الجرح غائر، عميق، ولن يندمل أبدًا.
في ديسمبر 2023، عندما غادرت مستشفى الشفاء متجهة نحو الجنوب، كنت وحدي تمامًا. لم يكن أحد من عائلتي بجانبي ليساعدني على الحركة أو ليهدئ من روعي. حاصر جيش الاحتلال الإسرائيلي المستشفى فجأة وأجبرنا على النزوح دون اكتراث بحالة المرضى أو الجرحى. تعاملوا معنا وكأننا بلا حقوق أو إنسانية، وفرضوا علينا السير في خطوط محددة باتجاه جنوب وادي غزة، مرورًا بحاجز على طريق صلاح الدين. أثناء طريقنا، التقيت بالصليب الأحمر الذي ساعدنا في الوصول إلى الحاجز. في ذلك اليوم، مر جميع النازحين من مستشفى الشفاء عبر هذا الحاجز، بمن فيهم أنا. عبرت الحاجز وحدي، وكان هناك شخص لا أعرفه يدفعني على كرسي متحرك، عاجزة وخائفة، دون أن أعرف وجهتي.
لاحقًا، تمكنت من الاجتماع مع عائلتي، ووجدنا ملجأ مؤقتاً في كلية فلسطين التقنية في دير البلح، حيث نحاول أن نعيش وسط الخوف والمعاناة. كل زاوية هنا تذكرنا بما فقدناه، وكل يوم يحمل تحديات جديدة. رغم كل هذا الألم، قلبي مفعم برجاء لا ينطفئ. أدعو الله أن يصلح الحال، وأن يجمعنا مجددًا مع ذكرياتنا وأرضنا في الشمال. وأرجو أن تنجلي هذه الغيمة السوداء عن سماء حياتنا، وأن نجد سبيلًا لإنهاء هذا العذاب الذي يخنقنا منذ زمن طويل.