مقـدمة:
يتناول هذا التقرير سياسة سلطات الاحتلال الإسرائيلية القاضية بحرمان مرضى قطاع غزة من السفر للعلاج في مستشفيات اسرائيل والضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة والدول المجاورة بدعوى أن علاجهم يتوافر في مستشفيات القطاع، أو بادعاء أن أمراضهم لا تشكل خطراً على الحياة، وأن علاجهم من تلك الأمراض يعتبر “جودة حياة”.
ويؤكد التقرير، أن هذه السياسة طالت مرضى يعانون من أمراض خطيرة، كمرضى الأورام السرطانية ومرضى القلب والمرضى الذين يحتاجون لعمليات جراحية عاجلة ودقيقة في مراكز طبية متقدمة، كما طالت مرضى العيون، ومرضى العظام، بدعوى أن علاجهم يعتبر وفق المعايير الاسرائيلية “جودة الحياة”، وليس “إنقاذ الحياة”، وتسبب حرمانهم من السفر في تدهور أوضاعهم الصحية بشكل خطير.
ويعرض التقرير للأساليب التي تتبعها سلطات الاحتلال الإسرائيلية حيال المرضى التي تصنف أمراضهم بأنها لا تحتاج إلى “إنقاذ حياة”، أو أن علاجهم يتوفر في مستشفيات قطاع غزة، ومن أهمها المماطلة في الرد على طلبات المرضى لعدة شهور، والرد بعد فترات طويلة بأن الطلب قيد الفحص، حرمان المرضى من السفر من دون إبداء أسباب، وعدم الاهتمام والاكتراث بمواعيد علاج المرضى.
ثم يفند التقرير دعاوى السلطات المحتلة بتوفر علاج للمرضى المحولين للعلاج في الخارج في مستشفيات القطاع، أو أن أمراض المحولين للعلاج في الخارج لا تشكل خطراً على حياتهم “جودة حياة”، ويستند التقرير على إفادات مهنية من أطباء استشاريين واخصائيين وإداريين يعملون في مستشفيات قطاع غزة.
وقد أكد الأطباء المختصون أن تحويل المرضى للعلاج في الخارج يتم بعد استنفاذ كافة وسائل العلاج في مستشفيات غزة، ويتم ذلك في حالة وجود خطر كبير على صحة المريض إن لم يستكمل العلاج خارج قطاع غزة. كما أكد الأطباء أن نفاذ أصناف محددة من المستلزمات الطبية والأدوية وتعطل الأجهزة الطبية قد أدى إلى عجز مستشفيات القطاع عن علاج بعض الأمراض أو إجراء أنواع محددة من العمليات الجراحية، وبالتالي يتم تحويل حالات مرضية أقل خطورة للعلاج خارج القطاع، بعد أن كان بالإمكان التعامل معها في مستشفيات قطاع غزة. كذلك يؤدي انشغال غرف العمليات وحجزها لفترات طويلة تصل أحياناً لـ 6 شهور قادمة إلى تحويل المرضى ممن هم بحاجة لجراحات مستعجلة ودقيقة للعلاج في الخارج.
* للحصول على نسخة للطباعة الرجاء الضغط هنـا (PDF)
أولاً: سياسة حرمان المرضى من السفر للعلاج بدعوى توفر علاجهم متوفر في قطاع غزة، أو بادعاء أن أمراضهم لا تشكل خطر على الحياة
قامت السلطات الاسرائيلية المحتلة على مدار سنوات الحصار المفروض على قطاع غزة بحرمان آلاف المرضى من السفر للعلاج بدعوى أن علاجهم يتوافر في مستشفيات القطاع، أو بادعاء أن أمراضهم لا تشكل خطراً على الحياة، وأن علاجهم من تلك الأمراض يعتبر “جودة حياة”.
وقد شرعت السلطات الاسرائيلية المحتلة باتباع هذه السياسة في أعقاب القرار التي اتخذته الحكومة الاسرائيلية في شهر سبتمبر من عام 2007، والقاضي بتشديد الحصار على قطاع غزة وفرض قيود مشددة على حركة سكانه. وشملت هذه القيود المعايير المتعلقة بحصول المرضى على تصاريح تسمح لهم باجتياز معبر بيت حانون “ايرز” لتلقي العلاج في الخارج (اسرائيل والضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة والدول المجاورة)، وقد جعلت هذه القيود مغادرة مرضى قطاع غزة الذين يعانون من أمراض خطيرة جداً ومميتة ولا يتوافر لهم علاج في مستشفيات قطاع غزة لغرض العلاج عملية معقدة ومرهقة.
وتمارس السلطات المحتلة سياسة حرمان المرضى من السفر للعلاج بدعوى أن علاجهم متوفر في مستشفيات القطاع، والتمييز بين الحالات التي يتهددها خطر الموت “إنقاذ حياة”، وتلك التي لا يوجد خطر على الحياة “جودة حياة” على أرض الواقع، رغم خطورتها على صحة المرضى الذين يعانون من أمراض خطيرة، ولا يوجد لهم علاج في مستشفيات قطاع غزة.
وقد تسببت هذه السياسة في حرمان آلاف المرضى من حقهم في تلقي العلاج، فعلى الرغم من أن مفهوم “إنقاذ الحياة” وفق المعايير الاسرائيلية واضح، وهو يخص المرضى الذين يعانون من أمراضاً تشكل خطر على الحياة، غير أن مفهوم “جودة الحياة” يبقى غير واضح، وتستخدمه السلطات المحتلة في حرمان مئات المرضى من حقهم في تلقي العلاج، من ضمنهم مرضى يعانون من أمراض خطيرة حرموا من السفر للعلاج بسبب هذا المفهوم الغامض، وتسبب حرمانهم من السفر في تدهور أوضاعهم الصحية.
يشار إلى أن إعلان منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق بخصوص إصدار تراخيص لسكان قطاع غزة لتلقي العلاجات الطبية يشترط عدم توفر العلاج في القطاع وعدم وجود حظر أمني على المريض لمنحه تصريح مرور، علاوة على ذلك تمارس السطات المحتلة التمييز بين الحالات التي يتهددها خطر الموت “إنقاذ حياة”، وتلك التي لا يوجد خطر على الحياة “جودة حياة” على أرض الواقع، ومن دون الإعلان عن ذلك رسمياً. وتعتبر هذه المعايير غريبة عن مهنة الطب وعن أخلاقياتها، عدا عن كونها انتهاك للقانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان.
ثانياً: عرقلة سفر 6,401 مريض من المحولين للعلاج في الخارج وارتفاع وتيرة رفض طلبات المرضى بدعوى توفر العلاج في قطاع غزة
عرقلت سلطات الاحتلال الاسرائيلية منذ بداية العام الجاري 2018 سفر 6,401 مريض من المحولين للعلاج في الخارج، والحاصلين على تحويلات طبية للعلاج في المستشفيات الإسرائيلية أو في مستشفيات الضفة الغربية، بما فيها مدينة القدس المحتلة، وذلك وفقاً للإحصائيات التي حصل عليها باحث المركز من دائرة التنسيق والارتباط في وزارة الصحة الفلسطينية.
وقد تعددت أشكال العرقلة بين رفض المريض أمنياً، أو بدون إبداء أسباب، عدم الرد على طلب المريض بدعوى أنه تحت الدراسة، الطلب من المريض تغيير موعد العلاج، الطلب من المريض تقديم طلب جديد، طلب المريض لإجراء مقابلة أمنية، اعتبار طلب المريض غير مناسب، واعتبار حالة المريض “تجويد حياة” وليس “انفاذ حياة” بحسب التصنيف الاسرائيلي.
وتتبع سلطات الاحتلال الاسرائيلية مجموعة من الأساليب حيال المرضى التي تصنف أمراضهم بأنها لا تحتاج إلى “إنقاذ حياة”، أو أن علاجهم يتوفر في مستشفيات قطاع غزة، وعليه فإنها ترفض منحهم تصاريح للعلاج في مستشفيات اسرائيل والضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة والدول المجاورة. ومن أهم هذه الأساليب: المماطلة في الرد على طلبات المرضى لعدة شهور، والرد بعد فترات طويلة بأن الطلب قيد الفحص، حرمان المرضى من السفر من دون إبداء أسباب، عدم الاهتمام والاكتراث بمواعيد علاج المرضى. ويتسبب ذلك في متاعب كبيرة لهؤلاء المرضى، الذين يعانون أمراضاً خطيرة ومستعصية، ويتطلب ذلك منهم تجديد التحويلة الطبية، وحجز موعد جديد في المستشفيات المحولين للعلاج فيها، وتجديد كافة المستندات اللازمة لعملية العلاج.
وتؤكد متابعات المركز الفلسطيني لحقوق الانسان بوضوح، ومن خلال الحالات المرضية التي تابعتها الدائرة القانونية في المركز، أن وتيرة رفض طلبات المرضى بدعوى أن علاجهم يتوفر في مستشفيات قطاع غزة قد ارتفعت منذ مطلع عام 2018. كما لا زالت السلطات المحتلة تتبع سياسة التمييز بين المرضى، ويتم تطبيقها بشكل دائم ليس فقط على الحالات التي تعتبرها السلطات المحتلة بأنها “جودة حياة”، وإنما أيضاً على الحالات التي تصنفها بأنها “إنقاذ الحياة”، حيث خضع مرضى يعانون من السرطان والقلب لمثل هذه المعايير. كما أدى تصنيف علاج بعض أمراض العيون والعظام على أنها “جودة حياة”، أو أن علاج تلك الأمراض يتوفر في مستشفيات القطاع، إلى تدهور صحة هؤلاء المرضى بشكل خطير.
وقد تلقت الدائرة القانونية في المركز الفلسطيني لحقوق الانسان منذ بداية العام الجاري 811 شكوى، من مرضى منعتهم السلطات الإسرائيلية من السفر للعلاج في الخارج في مستشفيات الضفة الغربية أو القدس المحتلة أو إسرائيل، وتدخلت الدائرة لدى الجهات الإسرائيلية المختصة من أجل تمكين هؤلاء المرضى من السفر، وتلقت ردود إيجابية على 280 طلباً (موافقة)، ونتائج سلبية على 208 طلباً (استمرار الرفض)، فيما تنتظر الدائرة الردود على 329 طلباً (قيد الفحص). وقد بررت السلطات الإسرائيلية رفض السماح لعدد من هؤلاء المرضى بالسفر للعلاج بدعوى أن علاجهم يتوافر في مستشفيات القطاع، أو بادعاء أن أمراضهم لا تشكل خطراً على الحياة، وأن علاجهم من تلك الأمراض يعتبر “جودة حياة”. جدير بالذكر أن عمل الدائرة القانونية في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يأتي بعد استنفاذ السبل وتلقي المريض المحول للعلاج في الخارج رفضاً من سلطات الاحتلال على طلبه المقدم من خلال دائرة التنسيق والارتباط في وزارة الصحة.
ثالثاً: تفنيد ادعاءات السلطات المحتلة بتوفر علاج المرضى المحولين للعلاج في الخارج في مستشفيات قطاع غزة
تؤكد متابعات المركز الفلسطيني لحقوق الانسان أن معظم مرضى قطاع غزة المحولين للعلاج في الخارج لا يتوفر علاج لهم في مستشفيات القطاع، وهم بحاجة ماسة للعلاج في الخارج. وقد أكد الأطباء الاستشاريون والاخصائيون العاملون في مستشفيات قطاع غزة أن تحويل المرضى للعلاج في الخارج يتم بعد استنفاذ كافة وسائل العلاج في مستشفيات غزة، ويتم ذلك في حالة وجود خطر كبير على صحة المريض إن لم يستكمل العلاج خارج قطاع غزة. كما يؤدي نفاذ أصناف محددة من المستلزمات الطبية والأدوية وتعطل الأجهزة الطبية إلى عجز مستشفيات القطاع عن علاج بعض الأمراض أو اجراء أنواع محددة من العمليات الجراحية، وبالتالي يتم تحويل حالات مرضية أقل خطورة للعلاج خارج القطاع، بعد أن كان بالإمكان التعامل معها في مستشفيات قطاع غزة. كذلك يؤدي انشغال غرف العمليات وحجزها لفترات طويلة تصل أحياناً لـ 6 شهور قادمة إلى تحويل المرضى ممن هم بحاجة لجراحات مستعجلة ودقيقة للعلاج في الخارج، حيث لا يمكن تأجيل عملياتهم لمدة 3 أو 6 شهور.
وفيما يلي إفادات أدلى بها الأطباء المتخصصين تتناول دواعي تحويل المرضى الذين يعانون من أمراض الأورام السرطانية، أمراض العظام، أمرض العيون، أمراض القلب والباطنة، وأمراض الجراحات العاجلة والمناظير، للعلاج في الخارج.
أفاد الدكتور محمد أبو سلمية، مدير مستشفى الرنتيسي لعلاج مرضى السرطان، استشاري طب الأطفال ورئيس قسم الأورام في مستشفى الرنتيسي سابقاً، لباحث المركز أن تحويل المرضى للعلاج في الخارج يتم في حالتين فقط: الأولى، عدم وجود علاج للمريض نهائياً في مستشفيات قطاع غزة. والثانية، عدم القدرة على تشخيص مرض المريض، ويتم في هذه الحالة التحويل للخارج لإجراء فحوصات مخبرية غير متوفرة أيضاً في القطاع. وأضاف د. أبو سلمية أن الفحوصات المخبرية ضرورية جداً للمرضى، وخاصة المسح الذري الذي يحدد مدى استجابة المريض بالسرطان للعلاج المقدم له، وهذا النوع غير متوفر في القطاع. وقد دحض د. أبو سلمية ادعاءات السلطات المحتلة بخصوص توافر علاج بعض المرضى المحولين للعلاج في الخارج في غزة، مؤكداً أن وزارة الصحة الفلسطينية تفرض شروطاً مشددة على التحويلات للعلاج في الخارج، وتُخضع تقارير المرضى الصادرة عن الأطباء المعالجين للفحص حتى يتسنى التأكد من صحتها. وأضاف د. أبو سلمية أن السلطات المحتلة رفضت السماح لبعض مرضى السرطان بالسفر لغرض تلقي العلاج الكيماوي بدعوى وجوده في غزة، والحقيقة أنه عندما يكون العلاج متواجداً فعلاً في غزة، لا يتم تحويل المرضى للعلاج الكيماوي في الخارج ويتم علاجهم في غزة، فيما يتم تحويل هؤلاء المرضى للعلاج في الخارج فقط عندما لا يتوفر العلاج الكيماوي في غزة، وفي هذه الحالة يكون من الضروري جداً تحويل المريض لاستكمال علاجه، لا سيما أن العلاج الكيماوي عبارة عن بروتوكول علاجي، يؤخذ كل أسبوع بانتظام (3 أو 4 مرات شهرياً حسب حالة المريض)، وفي حالة الانقطاع عن العلاج، فإن ذلك يتسبب في مضاعفات خطيرة للمريض، ويؤدي إلى تدهور حالته الصحية، وأحياناً يفضي إلى الوفاة. كما يوجد الكثير من حالات مرضى السرطان ممكن اخضاعها للعلاج في غزة وهو ما يتم بالفعل، غير أن نفاذ الأدوية والمستهلكات الطبية وتعطل الأجهزة الطبية اللازمة لعلاجهم، يجبر الأطباء على تحويلهم للعلاج في الخارج، وهو ما ترفضه السلطات المحتلة بدعوى توفر العلاج في غزة.
أفاد الدكتور خميس قنيطة، اخصائي أمراض العظام في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، لباحث المركز أن الأطباء المعالجون واللجنة الطبية العليا هم فقط من يستطيعون تحديد المرضى الذين يتوفر إمكانية لعلاجهم في قطاع غزة، والمرضى الذين يحتاجون للعلاج في مستشفيات خارج القطاع. وأكد د. قنيطة أن المرضى الذين يحتاجون لتركيب المفاصل (مفصل الركبة أو مفصل الفخذ) هم أكثر فئات مرضى العظام الذين يحرمون من العلاج في الخارج بدعوى وجود علاج لهم في قطاع غزة. والحقيقة أنه بالفعل يمكن للأطباء إجراء مثل تلك العمليات في غزة، لكن ذلك يتطلب إمكانيات “أجهزة ومستلزمات وأدوية” غير متوفرة في كل الأوقات في قطاع غزة. وأشار د. قنيطة أن الأطباء يقومون في الوقت الحالي بتحويل عشرات المرضى لإجراء هذه العمليات في الخارج بسبب نفاذ عدة مقاسات من المفاصل، وكذلك نفاذ أنواع محددة منها، كالمفاصل ذات الذراع الطويلة، التي نفذت نهائياً من مستشفيات قطاع غزة. وقد أدى نفاذ تلك الاحتياجات إلى تحويل عشرات المرضى للعلاج خارج القطاع، بعد أن كان بالإمكان علاجهم داخل القطاع. كما أدى حدوث نقص في المستلزمات الطبية إلى اضطرار الأطباء لتحويل حالات مرضية أقل خطورة للعلاج في الخارج كنقص مسامير خاصة لمفصل الركبة والكتف المخلوع، وأجهزة التثبيت الخارجية للظهر، ولو توافرت مثل تلك المستلزمات لتمكن الأطباء من إجراء العمليات لهؤلاء المرضى في مستشفيات غزة.
أفاد الأستاذ وليد شقورة، مدير مستشفى سانت جون للعيون في قطاع غزة، لباحث المركز أن تحويل المرضى للعلاج في الخارج (مستشفى سانت جون للعيون في القدس المحتلة) لا يتم الا في حالة عدم وجود علاج لهم في المستشفى في غزة. وأكد أ. شقورة أن تطوير عمل المستشفى ساهم بتقليل التحويلات الطبية لخارج قطاع غزة سواءً إلى الداخل الفلسطيني أو إلى مستشفيات جمهورية مصر العربية، غير أنه ما زال هناك العديد من أمراض العيون لا يمكن علاجها في غزة، ومنها أورام العيون وحالات تجميل العيون، حيث لا يوجد اخصائيون لعلاج هذه الأمراض. كذلك يضطر الأطباء إلى تحويل المرضى بسبب نقص الأجهزة الطبية القادرة على تشخيص بعض أمراض العيون، ومنها حالات تصوير العصب البصري (GRGR). وأضاف أ. شقورة أن بعض الأمراض، ورغم قدرة المستشفى على علاجها يتم تحويلها للعلاج في الخارج، بسبب وجود عدد كبير جداً من المرضى على قائمة الانتظار، واحتياج المريض للعلاج بشكل عاجل، ومن الأمثلة على ذلك جراحة الشبكية وزراعة القرنيات المستعجلة، حيث بلغ عدد المرضى على قائمة انتظار العمليات في المستشفى أكثر من 400 حالة، وهو ما يضطر الأطباء إلى تحويل حالات زراعة القرنية المستعجلة للعلاج في الخارج، لا سيما أن انتظارهم لفترات طويلة يتسبب في تدهور أوضاعهم الصحية، وينطبق هذا الأمر أيضاً على جراحات عيون الأطفال، حيث يوجد أعداد كبيرة من المرضى على قوائم الانتظار.
أفاد الدكتور محمد زقوت، استشاري أمراض الباطنة في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، لباحث المركز أنه لا يمكن التنبؤ بالحالات المرضية التي يمكن معالجتها في مستشفيات غزة بشكل دائم، فالأوضاع الصحية في قطاع غزة غير مستقرة، وهذا ينعكس بشكل سلبي على إمدادات الدواء والأجهزة الطبية. وبالتالي، حينما تتوافر هذه الإمكانيات يمكن علاج العديد من الأمراض في مستشفيات غزة، وعند حدوث نقص في تلك الإمكانيات يضطر الأطباء لتحويل فئات جديدة من المرضى –كانت تعالج في غزة- للعلاج في الخارج. ومن الأمثلة على ذلك، بحسب الدكتور زقوت، الأمراض الروماتيزمية، حيث يتم تحويل عشرات المرضى ممن يعانون هذه الأمراض للعلاج في الخارج لعدم وجود أدوية لهم في قطاع غزة “عبارة عن حقن طبية متطورة”، ولو توافرت الأدوية اللازمة لهم في القطاع لأمكن علاجهم، ولما اضطر الأطباء لتحويلهم للعلاج في الخارج. كذلك يتم تحويل عشرات المرضى ممن يعانون أمراضاً في القلب للعلاج في الخارج لوجود نقص في الأجهزة الطبية والأدوية اللازمة لعلاجهم في مستشفيات غزة، ورغم أن جراحة القلب يمكن اجرائها في مستشفيات غزة، غير أن نفاذ صمامات القلب ودعامات القلب وأجهزة تنظيم ضربات القلب، والأجهزة اللازمة لعمل دراسات فسيولوجية للقلب في أوقات مختلفة، اضطر الأطباء لتحويل عدد كبير من هؤلاء المرضى للعلاج في الخارج. وينطبق ذلك على العديد من المرضى، كمرضى الغدد الصماء والدرقية والسكري، الذين يحتاجون لتشخيص أمراضهم صور اشعاعية “نووية” غير متوافرة في قطاع غزة، ومرضى الأمراض العصبية “الوهن العضلي” الذين يحتاجون لغسيل دم عن طريق جهاز طبي غير متوفر في القطاع.
أفاد الدكتور مروان أبو سعدة، رئيس قسم الجراحة والمناظير في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، لباحث المركز أن تحويل المرضى للعلاج في الخارج يتم بعد استنفاذ كافة وسائل العلاج في مستشفيات غزة، ويتم ذلك في حالة وجود خطر كبير على صحة المريض إن لم يستكمل العلاج خارج قطاع غزة. وأضاف د. أبو سعدة أن معظم مرضى القطاع ممن هم بحاجة لإجراء عمليات جراحة ومناظير يتم علاجهم في مستشفيات غزة، غير أن بعض الجراحات الكبرى والدقيقة لا يمكن اجراؤها في غزة نظراً لعدم توافر الإمكانيات البشرية والأجهزة الطبية، لذلك يتم تحويل هؤلاء للعلاج في الخارج بعد مصادقة اللجنة الطبية العليا في دائرة العلاج في الخارج. ويعتبر رفض السلطات المحتلة لعلاج هذه الفئة من المرضى في الخارج جائر ويعرضهم للخطر الشديد وربما يفضي لوفاتهم. وأشار د. أبو سعدة، إلى إمكانية علاج بعض الأمراض وإجراء بعض الجراحات في فترات معينة، ولا يمكن القيام بذلك في فترات أُخرى، وخاصة في أوقات الطوارئ، ولذلك أسباب عديدة منها نقص الأجهزة الطبية والأدوية والمستلزمات الطبية، وانشغال غرف العمليات وحجزها لفترات طويلة، حيث يتم جدولة العمل فيها لـ 6 شهور قادمة في بعض الأوقات، وفي هذه الحالة يقوم الأطباء بتحويل المرضى ممن هم بحاجة لجراحات مستعجلة ودقيقة للعلاج في الخارج. ولا يجوز لسلطات الاحتلال الإسرائيلي في هذه الحالة رفض طلبات هؤلاء المرضى للعلاج في الخارج، فالأطباء المعالجون هم فقط من يقدرون مدى خطورة حالة المريض ومدى احتياجه للعمليات الجراحية، ومدى قدرة المستشفيات في غزة على القيام بتلك العمليات الجراحية وتقديم العلاج للمرضى.
رابعاً: موقف دائرة العلاج في الخارج من ادعاءات السلطات المحتلة بتوفر علاج المرضى المحولين للعلاج في الخارج في مستشفيات قطاع غزة
تعمل وزارة الصحة على تقديم الخدمات العلاجية لكافة المرضى في مستشفياتها، ولا ترغب في تحمل الأعباء المالية والتكلفة المرتفعة للعلاج في الخارج، لذلك فالوزارة لا تقبل تحويل أي مريض تتوافر إمكانيات علاجه في مستشفيات غزة. وتفرض الوزارة شروطاً مشددة على التحويلات للعلاج في الخارج، وتُخضع تقارير المرضى الصادرة عن الأطباء المعالجين للفحص الدقيق للتأكد من عدم امكانية علاجهم داخل مستشفيات قطاع غزة، قبل أن تصادق على تحويل المرضى للعلاج في الخارج.
وقد أفاد د. محمد روقة، مدير المتابعة في دائرة العلاج في الخارج، التابعة لوزارة الصحة الفلسطينية، لباحث المركز أن المعيار الأساسي في تحويل المرضى للعلاج قطاع غزة عدم توفر الخدمة العلاجية المطلوبة في المؤسسات الطبية التابعة لوزارة الصحة الفلسطينية، وذلك إما بسبب عدم توفر الخبرات الطبية القادرة على علاج المريض، أو نتيجة لعدم توفر المعدات والأجهزة الطبية اللازمة للعلاج. وأشار الدكتور روقة إلى مجموعة من الشروط التي يشترط توافرها في الحالات المرضية التي يتم تحويلها للعلاج في الخارج، وأهمها أن يحصل المريض على نموذج تحويل من الطبيب الأخصائي المعالج له، يؤكد ضرورة تحويله للعلاج في الخارج، لعدم وجود علاج لحالته المرضية في المراكز الطبية الحكومية، وأن يحصل المريض على موافقة رئيس القسم في المستشفى الذي يعالج فيها، وأن يخضع تقرير المريض الطبي للفحص ليحصل على موافقة اللجنة الطبية العليا للعلاج في الخارج. وأكد الدكتور روقة أن اللجنة الطبية في دائرة العلاج في الخارج لا يمكن أن تقبل تحويل أي مريض من قطاع غزة للعلاج في الخارج في حال توافرت الإمكانيات لعلاجه داخل مستشفيات قطاع غزة، وهو ما يفند الحجج التي تدعيها سلطات الاحتلال الإسرائيلية، وتقوم بموجبها برفض طلبات بعض المرضى المحولين للعلاج في الخارج.
خامساً: معاناة المرضى الممنوعين من العلاج بدعوى توفره في قطاع غزة أو بادعاء أن أمراضهم لا تشكل خطراً على الحياة
أدى حرمان سلطات الاحتلال الإسرائيلية القاضية لمرضى قطاع غزة من حقهم في العلاج في الخارج بدعوى أن علاجهم يتوفر في مستشفيات القطاع، أو بادعاء أن أمراضهم لا تشكل خطراً على الحياة، وأن علاجهم من تلك الأمراض يعتبر “جودة حياة” إلى تدهور صحة مئات المرضى. وقد عانى جراء تلك السياسة ليس فقط الحالات المرضية التي تعتبرها السلطات المحتلة بأنها “جودة حياة”، وإنما أيضاً الحالات التي تصنفها السلطات المحتلة بأنها “إنقاذ الحياة”، حيث طالت مرضى الأورام السرطانية ومرضى القلب والمرضى الذين يحتاجون لعمليات جراحية عاجلة ودقيقة في مراكز طبية متقدمة، كما طالت وبشكل أكبر مرضى العيون، ومرضى العظام. وفيما يلي عرضاً لبعض حالات المرضى المحرومين من العلاج في الخارج بدعوى أن علاجهم يتوفر في مستشفيات القطاع، أو بادعاء أن أمراضهم لا تشكل خطراً على الحياة.
التوصيات
إن قيام السلطات الاسرائيلية المحتلة على مدار سنوات الحصار المفروض على قطاع غزة بحرمان آلاف المرضى من السفر للعلاج بدعوى أن علاجهم يتوافر في مستشفيات القطاع، أو بادعاء أن أمراضهم لا تشكل خطراً على الحياة، وأن علاجهم من تلك الأمراض يعتبر “جودة حياة”، يتعارض مع مسؤوليات إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال تجاه السكان المدنيين في القطاع، ويفتقر إلى أي أساس قانوني، حيث يتعارض مع القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، اللذان يكفلان الحق في الحياة وسلامة البدن والكرامة الإنسانية.
وعليه، فإن المركز الفلسطيني لحقوق الانسان يطالب السلطات الإسرائيلية المحتلة بـ: