حسن محمد حسن ابو ريدة، 36 عامًا، وأب لـ 3 أطفال، سكان خزاعة شرق خانيونس.
بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023 واندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ولأننا نسكن في منطقة حدودية، قررنا النزوح مباشرة والانتقال إلى البلد في خانيونس، حيث توجهت في البداية للنزوح إلى ديوان عائلة شبير في خانيونس، وفي اليوم التالي انتقلت إلى مدرسة الحوراني ” أ ” بالقرب من مفترق الظهرة.
استمر نزوحنا في المدرسة وسط ظروف صعبة، خاصة بعدما توغلت قوات الاحتلال غرب مخيم خانيونس في 22/1/2024، وكنا نعاني من قلة المواد الغذائية وتكرار القصف.
في 25/1/2024، قصفت طائرات الاحتلال منطقة الظهرة ما أدى إلى 4 شهداء والعديد من المصابين حيث شاركت في نقل المصابين إلى مستشفى ناصر في خانيونس، وكانت عملية نقل الاصابات من خلال عربات الكارو والتوكتوك.
في 28/1/2024، طلبت طائرات الكواد كابتر المرسلة من الاحتلال عبر مكبرات الصوت، بإخلاء النازحين من المدرسة والمنطقة والتوجه عبر شارع البحر باتجاه جامعة الأقصى، حيث كانت تقيم قوات الاحتلال حاجزًا وحلابات بها منظومة فحص إلكتروني للتعرف على الأشخاص خلال مرورهم.
توجهنا بشكل جماعي من تلك الطرق المحددة، كنتُ أسير وحدي دون زوجتي السيدة أسرار محمود موسى شاهين، 28 عامًا، وطفلاتي: ميرا 6 سنوات ونصف، وسوار 5 سنوات ونصف، وناسة عامان ونصف، الذين كنت أرسلتهم مسبقًا إلى محافظة رفح مع أهل زوجتي.
عندما وصلت الحاجز المنصوب، كان معي أغراضي الشخصية من فراش وغطاء وأشيائي الشخصية، وكنت أرفع هويتي الشخصية بيدي، ونادى عليّ أحد الجنود من خلال الميكروفون، فتوجهت ناحية الجنود وتركت أغراضي أرضًا، وكان هناك أحد ضباط المخابرات الاسرائيلية أمامه لاب توب، كان يجلس خلف المركبة العسكرية من نوع جيب وسألني عن بياناتي الشخصية وبعدها طلب مني الجلوس مع مجموعة معتقلين آخرين.
بعد نصف ساعة، طلب مني ضابط آخر خلع ملابسي بالكامل ولم يتبق إلا اللباس الداخلي السفلي، وأعطوني لباس رقيق أبيض، وأجبروني على الجلوس على ركبتي بين مجموعة من المعتقلين وأنا معصوب العينين ومكبل اليدين والرجلين، وكنت أسمع خلال هذه الفترة أصوات تعذيب وضرب المعتقلين الآخرين.
كنتُ في حالة ذهول وخوف وصدمة من الصوت المجاور لي، حيث كان المعتقل المجاور لي يضرب بالمواسير وأسمع صراخه بشكل مرعب ما آثار خوفي من تعرضي لضرب مماثل، وأنا في حالة صحية حرجة بسبب إصابتي بحادث سير قديمة، ما زلت أعاني جراءها من إصابة خطيرة بالغة في الجمجمة. بعد عدة ساعات سحبني جندي وقطع بي عدة أمتار وهو يهددني ويدعي أنني من قوات النخبة، ووصلنا إلى مبنى مجاور للمحكمة الشرعية غرب خانيونس الذي حولته قوات الاحتلال إلى موقع عسكري لهم.
جلست مدة أنا ومعتقلين آخرين، كان الجنود يستهزئون بنا ويضحكون ومع ضربهم للمعتقلين الآخرين..
ليلًا لا أعلم الوقت بالتحديد تم نقلنا من المبنى عبر شاحنة مخصصة وخلفنا عدة جنود يحملون أسلحة قناصة ومناظير ليلية، وأثناء ذلك كان ينزل علينا المطر والجو شدة البرودة ونحن نعاني من هذا البرد.
وعند وصولنا إلى منطقة الحدود في الأراضي المحتلة تم إنزالنا في منطقة طينية من خلال إلقائنا ودفعنا في بركة مياه طينية ونحن نرتجف من شدة البرد وقسوة المعاملة والخوف من قتلنا.
بعد نصف ساعة من إلقائنا على الأرض تم نقلنا إلى مكان آخر جاف، وبعد ساعة من ذلك جاء باص وتم نقلنا إلى الداخل وتم إعطاؤنا بطانية ألقوها على ظهورنا وتم تشغيل تدفئة في الباص. بعد ذلك وصلنا إلى أول مكان للاعتقال وكان عبارة عن بركس كبير. أنزلونا من الباص وبدلنا ملابسنا حيث خلعنا الافرهول الأبيض الخفيف، واعطونا ملابس داخلية وبلوزة نص كم وجاكيت وترنق كامل وشبشب، وطلبوا منًا النوم وكل هذه الإجراءات ومعي مجموعة معتقلين تقدر بـ 85 معتقلا.
وطلبوا منا النوم وكان ذلك على فرشة رفيعة جدًا وبعد الاستيقاظ تم صعودنا في باص لمدة دقيقة ثم أنزلونا ونحن معصوبي الأعين ومكبلين في مكان آخر مجاور لمكان المبيت وتم معاملتنا أثناء ذلك بشكل عنيف. تم إدخالي إلى ضابط المخابرات وصورني وطلب مني البيانات الشخصية وعرضني على جهاز بصمة العينين ومن ثم أعادني للجلوس بشكل قاسي ومؤلم على ركبتي ومن ثم عرضت على طبيب سألني إن كنت أعاني من أمراض مزمنة أو أتناول أي علاج، أجبته أنني أتناول دواء الأعصاب بسبب إصابتي بحادث سير. ثم قاموا بكتابة على ظهري وتم اقتيادي إلى حجز آخر، وأثناء ذلك قال لي أحد الجنود “انت حيوان” وذلك عدة مرات فأجبته لا مش حيوان، مما جعله يسحبني مع جندي آخر من بين المعتقلين الآخرين وهددني وضربني بيديه ورجليه على أنحاء متفرقة من جسمي، من أجل أن أجيب بأني حيوان، فأجبته بذلك تجنبًا للضرب والاعتداء علي، وتم نقلنا إلى مكان الحجز السابق.
قضيت ثمانية أيام في ذلك المكان، كانت أصعب ثمانية أيام، كنا طول اليوم نجلس على ركبنا طول اليوم، كانت لحظات صعبة للغاية ويسمح لنا بالنوم فقط من الساعة 12:00 منتصف الليل حتى الساعة 4:30 فجرًا فقط أي ساعات محدودة، والباقي جلوس على الركبة أو جولات تحقيق قاسية.
كانت طول الفترة صعبة علينا للغاية بسبب شدة التعذيب وقلة النوم، مما أثرٍ علينا وعلى حالتنا الصحية وتسبب لنا حالة نفسية صعبة مما نتج عنه التفكير في الانتحار بسبب التعذيب المتمثل في الضرب والشبح وغيره من قلة النوم، الأسلوب الممنهج المتبع معنا.
في اليوم الثامن قمنا بحملة إضراب عن الطعام بسبب التعذيب والظروف القاسية التي نتعرض لها، قام الضباط بتهديدنا في حالة استمرار في الإضراب، سوف يزيد عليكم التعذيب والحبس الانفرادي، في حالة عدم قطع إضرابكم.
أدخل علينا الجنود كلاباً مدربة هاجمتنا مع ضرب الجنود لنا على رؤوسنا بالأسلحة وكذلك لكمات على جوانبنا وأطرافنا، وقامت الكلاب بالتبول علينا مع ضرب الجنود لنا. وبعد ذلك في منتصف الليل نقلونا إلى عدة أماكن أخرى، في مكان أوسع يتواجد فيه حاولي 120 معتقلا، كان منهم 85 مصابين إصابات صعبة بلاتين وحالات أخرى نفسية وعصبية وعقلية، حيث كانوا يتحدثون طوال الليل مع أنفسهم وبالإضافة إلى أصحاب أمراض مزمنة وأمراض فشل كلوي مما جعلني أدرك أنني ضمن المجموعة المعتقلين الذين يعانون من ظروف صحية صعبة.
مع ذلك كانوا يتعاملون مع المرضى بشكل قاس ويرفضون إعطاءهم العلاج اللازم، أحدهم كان بجواري مريض كلى وتعرض إلى الضرب أثناء نقله للغسيل في الإسعاف لكليته ومع ذلك يتم ضربه والاعتداء عليه في سيارة الإسعاف.
العديد من المرضى لا يتم إعطاؤهم العلاج اللازم وكذلك أصحاب الأمراض المزمنة لا يتم معالجتها ويتم إلقاؤهم عند الحمامات وحين يطلبون العلاج يرد عليهم الضابط والجنود لا يهمني حالتكم الصحية موتوا، كل ذلك وسط شتائم وعبارات تعنيف وكانوا يقولون لنا: كلابنا أهم منكم.
كان بجواري معتقل يتجاوز السبعين عامًا من العمر، كان يعاني من أمراض مزمنة منها البروستات وكان يفقد السيطرة على قدرته على التبول فيتبول على نفسه بسبب التعذيب وضربه بشكل وحشي، وكان السجانون يرفضون الاهتمام بحالته الصحية أو التعامل مع طلبه بالذهاب للحمام. وقد أبلغني أثناء تواجده معي أنه تعرض للتعذيب بما في ذلك الضرب على البروستاتا مما أفقده السيطرة على قدرته على التبول وتسبب له حالة تسمم في وظائف جسمه، وكان يغمى عليه أحيانا ولا يقدمون له أي علاج فعلي، وقد توفي في صباح يوم 15/2/2024، وبعدها تم نقله إلى خارج السجن ولا نعرف إلى أين أو إجراءات دفنه.
تعرضت للتحقيق أثناء احتجازي وسؤالي عن تواجدي يوم 7 أكتوبر، وخلال ذلك كنت أتعرض للشبح والتعذيب النفسي من خلال التهديد باستهداف عائلتي وتدمير غزة وشتم بألفاظ نابية ومهينة.
من أصعب الأوقات واللحظات في فترة الاعتقال كان يتم سحب الغطاء منا الساعة الرابعة فجرًا في فترة الأربعينية في جو شديد البرودة ومن ثم إعادتها الساعة 12 منتصف الليل.
قبل خمسة عشر يومًا تقريبًا من الإفراج عني، نقلوني مع معتقلين آخرين بالباص إلى مكان اعتقال آخر. حين وصولي بعد دقائق ألقوني على الأرض وجعلوا الكلاب تتبول علينا وكذلك قام أحد الجنود بضربي بماسورة حديدية على رجلي اليمين في منطقة الركبة وما زلت أعاني من هذا الإصابة، وأواجه صعوبة في المشي، وكذلك عانيت من الألم في الظهر بسبب التعذيب وطريقة الاحتجاز الصعبة.
الحمامات التي كنا نقضي فيها حاجتنا عبارة عن صناديق بلاستيكية.
والطعام الذي كان يقدم لنا قليلا وغير كاف.
قبل الإفراج عني بـ 5 أيام، تعرضت لأزمة صحية صعبة مما نتج عنها ارتفاع في درجات الحرارة والألم في الحنجرة والأذن، على إثرها نقلوني إلى طبيب السجن، الذي رفض علاجي، وكانوا يستهزئون من صيامنا ويقولون عنا مجانين.
كنت أعاني من الهبوط وتعرضت لحالات إغماء عدة مراتٍ وأقوم عدة مراتٍ بجهد ذاتي دون أي علاج بالاستحمام لإنزال حرارتي وكنت أعاني من حالة صحية صعبة.
لا زلت أعاني من عدم القدرة على النوم بسبب التعذيب والحالة الصحية والضغط النفسي الذي تعرضت له.
وبسؤال المعتقل إن كان جرى عرضه على أي محكمة أو قاض نفى ذلك كذلك لم تزره خلال مدة احتجازه أي جهة
أفرج عني في 18/3/204، حيث تم نقلني مع معتقلين آخرين بالباص إلى معبر كرم أبو سالم. وحين وصلنا لمنطقة المعبر القريب من معبر وجدنا الصليب والوكالة في انتظارنا ونقلونا في باصات إلى رفح، ومن هناك توجهت إلى منطقة نزوح عائلتي وأقمت معهم في خيمة من البلاستيك.
نسخة تجريبية