داليا سعيد بدر، 32 عامًا، متزوجة وأم لستة أطفال، سكان مشروع بيت لاهيا، شمال غزة
بدأت معاناتي بتاريخ 9/10/2023 الساعة الواحدة فجرا، حين قصفت قوات الاحتلال بناية مجاورة لمنزلنا مما اضطرنا للخروج إلى منزل أحد أقاربنا الذي يبعد عن مكان القصف. مكثنا في المنزل الذي لجأنا إليه يوم واحد فقط كون الاحتلال اتصل بأصحاب المنزل بضرورة إخلاء المتواجدين فيه فورا. وبعد ذلك، توجهنا إلى مدرسة الجديدة بمدينة الشيخ زايد بالقرب من المستشفى الإندونيسي ومكثنا بها حتى تاريخ 9/11/2023. أنا كنت حاملا بالشهر السابع في تلك الفترة، وكان هناك قصف مستمر في المنطقة، وتم تدمير كل المباني المجاورة للمدرسة، وأصبحت جثامين الشهداء تطير في الجو وتصل إلينا.
عانينا خلال وجودنا في المدرسة من عدم توفير الأكل الصحي ولا المياه النظيفة، ولم تكن لدينا أغطية ولم توجد شابيك تمنع البرد نتيجة قصف كل المباني المجاورة للمدرسة. وكنت أطهو الطعام على الحطب وأقوم بتسخين المياه أيضا وهذا كله أثر على التنفس عندي.
عانيت من عدم قدرتي على متابعة الحمل نتيجة الحرب ولم أكن قادرة على اخذ دواء الدوالي الخاص بي لأن العلاج لم يكن متوفرا. وعانيت من مشكلة الحمامات فكنت أضطر أن أذهب إلى حمامات المستشفى الإندونيسي لتوفر المياه فيه والنظافة نوعا ما.
بتاريخ 1/11/2023، قصف الاحتلال بوابة المدرسة التي كنت متواجدة فيها، ومن كثرة الإصابات والشهداء والدخان لم أكن أعرف أين بناتي. في تلك اللحظة عجزت عن التفكير وبقيت ساعة وأنا على أعصابي لا أعلم هل هم أموات أم أحياء. وبعد أن اطمأننت عليهم أنهم بخير، قررت النزوح مباشرة إلى الجنوب. وكنت أتساءل أثناء خروجي من المدرسة من أين سأتدبر المال كي أستطيع الوصول إلى الجنوب، كونى خرجت من منزلي ولم أكن امتلك أي مبالغ مالية. قمت بالاستدانة من أحد الأقارب مبلغاً من المال. وبتاريخ 9/11/2023، وبعد أسبوع من مغادرتي للمدرسة، حاصرها الاحتلال وكان بها زوجي ووالده ووالدته لم ينزحا (والده ووالدته) بسبت الوضع الصحي لهما وعدم مقدرتهما على المشي لمسافات طويلة كون الممر الآمن الذى لم يكن آمنا كانت الناس تمشى فيه حوالى 12 كم، وقرر زوجي البقاء مع والديه وتوجهت إلى الجنوب وأنا لا أقوى على الحركة نتيجة حملي وخطورته.
غادرت المدرسة الساعة 9 صباحا وركبت عربة كارو أنا وبناتي وتوجهنا إلى دوار الكويتي، وهى كانت آخر نقطة لنا للنزول وبعد ذلك مشينا على أقدامنا ما يقارب 12 كيلو. وهنا كانت مأساة حقيقية، فأنا أعاني من الدوالي وحامل بالسابع.. رأيت الشهداء على الطريق وشاهدت جثثا متحللة، وشاهدت دماء كثيرة وأنا عاجزة عن أمسك واحدة من بناتي من خوفي أن يقوم الاحتلال بإطلاق النار صوبي. وأثناء عبوري طلب الجيش مني أن أقوم برفع الشال عن أكتافي في منطقة البطن، وحتى يتأكدوا أنني حامل، ثم تركونا نكمل طريقنا. وبعد وصولي للنصيرات، أتى أخي وخالي لأخذنا من هناك، ومكثت ساعة وأن أهدئ بناتي اللواتي كن يبكين نتيجة الخوف الذي شاهدونه لدرجة أن بنتي جنى، 11 عاما، قالت لي: “أنا ما بدى أموت هلقيت، أنا لسه صغيرة وما عشت حياتي ولا شفت إشي بدنيتي.” وابنتي جمانة، 12، قالت لي: “من منا سوف تستشهد وتروح عند خالي؟” كلامها فتح عليّ مواجع كثيرة وأنا كنت محتاجة في هذه اللحظة دعم معنوي ونفسى خصوصا أن زوجي لم ينزح معنا. وبصعوبة وجدت مكاناً انزح إليه وأتيت إلى مدرسة شهداء دير البلح، واضطر أبي وأخي للنوم في ممرات المدرسة جنب الخيمة حتى يوفروا مكاناً لي ولبناتي للنوم في الإيواء، وبعد شهر تم تسجيلي نازحة في المدرسة. وكان هنالك صعوبة في الاتصال مع زوجي، ما يقارب الشهر وأنا لا أعلم عنه شيئا.
بتاريخ 9/1/2024، بدأ المخاض لديّ الساعة الثالثة فجرا. اتصلنا بالإسعاف وكان صعباً أن نتواصل معه بسبب قطع شبكة الاتصالات. بقيت أتحمل الوجع للساعة 8 صباحا وأنا أدعو ربنا ينظر لي وكنت أقرأ قرآناً، وعاد الإرسال الساعة 9 صباحا، واتصلنا بالإسعاف. وبعد حوالي ربع ساعة، جاء الإسعاف ومن حسن حظي أنه كان بالمنطقة. وكان في سيارة الإسعاف 2 من النساء ذاهبات للولادة، وصادف مرورنا من أمام بناية مقصوفة وكان هنالك شهداء كثر، ومصابين وحاولوا أن يوقفوا سيارة الإسعاف كي ينقلوا الشهداء والمصابين، وقد رأينا الشهداء أشلاء والمصابين مما زاد الخوف لدى والتوتر من رؤية المنظر. اتصل سائق الإسعاف بزملائه لإحضار إسعافات، وواصلنا باتجاه المستشفى. وبمجرد دخولي للمستشفى، تم وضعي في غرفة الولادة وكان هنالك حالات ولادة كثيرة، وكان دمي 8 بعد الفحص، وقال لي الطبيب: يجب أن تبقي في المستشفى. كانت كل أربع نساء في غرفة بدون فواصل، وكانت الشبابيك من النوع الشفاف وكل شيء ظاهر. وكنت أعاني عند ذهابي للمستشفى من عدم توفير الصابون ولا يوجد مخدات أو حرامات ولم يقوموا بالاهتمام بي. وبقيت من الظهر للساعة 6 أنتظر رحمة رب العالمين وأعطتني الممرضة فقط ربع حبة تحت اللسان للطلق الصناعي، وتركت في المستشفى وقالت لي الممرضة إذا لم تلدي الساعة 8 سيتم توليدي قيصري لخطورة الوضع. لم يمر ربع ساعة، أتاني طلق الولادة ولم يكن بالغرفة سوى نساء حوامل، وبدأت بالصراخ ولم يأت أحد من الممرضات أو الطبيبات. وقد اشتد الوجع كثيرا ومن كثر الدفع قمت بالولادة بدون مساعدة الأطباء بتاريخ 10/1/2024 وربنا رزقني ببنت أسميتها مسك الختام.
عندما حضرت الممرضة أخذت ووضعت طفلتي الصغيرة بجواري وبقيت ربع ساعة بدون ملابس لدرجة أن لونها تغير للون الأزرق. بعدها أخذوا الطفلة للحضانة، وبعد 45 دقيقة جاءت الممرضة وأخرجت الخلاصة، وتم إخراجي من المستشفى مباشرة نظرا لخطورة الوضع في تلك المنطقة. بعد خروجي من المستشفى عرفت أن صاحب الإسعاف الذي أوصلني استشهد هو وثلاثة زملاء معه.
كما بدأت معاناة أخرى بعد الولادة والخروج من المستشفى متعلقة بمعاناة النزوح وقلة الإمكانات وعدم توفر أغذية صحية لأم مرضعة، والقصف المستمر مع استمرار الحرب.
نسخة تجريبية