سرين أشرف محمود ياسين (سعد)، 24 عامًا، أرملة وأم لـ 3 أطفال، سكان غزة، ونازحة حاليا في وسط القطاع.
تاريخ الإفادة : 26/11/2024
كنت أسكن في حي الزيتون وتحديدا في منطقة وادي العرايس، جنوب مدينة غزة، في بيت مكون من طابق واحد وقد قصفه الطيران الحربي الإسرائيلي ودمره بالكامل. لديّ 3 أطفال، وهم: يزن 15 عاما، وسيدرا 12 عاما، وزينة 5 أعوام. وكنت متزوجة من عطاالله صبحي سعدي ياسين، 35 عاماً، والذي استشهد خلال العدوان الإسرائيلي الحالي، وكان يعمل سابقا في مهنة البناء.
صباح يوم السبت في السابع من أكتوبر لعام 2023، كنت أجهز أولادي للذهاب الى المدرسة وما أن بدأ إطلاق الصواريخ من كل مكان واتجاه، منعتهم مباشرة من الخروج من البيت. مكثنا في بيتنا في لحظات من الصدمة والخوف والترقب لما قد يحدث، وخرج زوجي من البيت ليرى ما يحدث من تتابع الأحداث والأخبار حيث استهدفه الطيران الحربي الإسرائيلي واستشهد على الفور.
سرعان ما بدأ الجيش الإسرائيلي في شن الغارات والقصف في كل أنحاء القطاع. من اليوم الاول بدأ الاحتلال بإرسال بعض الرسائل عبر صفحات المنسق وغيره من الحسابات على السوشيال ميديا يطالبوننا بالخروج من بيوتنا عنوة والتوجه إلى بعض المناطق في غزة لإيهامنا بأنها مناطق آمنة وبعيدة عن القصف والدمار، وكأننا سنكون بمعزل عن صواريخهم التي تستهدف كل كبير وصغير. في وقت المغرب بدأت الاتصالات تنهال علينا وفي كل المنطقة من ضباط الجيش الإسرائيلي لتهديدنا بالخروج، فخرجنا من البيت وكنا جميعنا ما يقرب الـ 50 شخصا من عائلتي وعائلة زوجي فقررت الخروج مع عائلة زوجي الذي استشهد، وبقينا في الشارع نفترش الأرض ليلة كاملة وفي الصباح عدنا الى بيوتنا ومكثنا فيها فلا مكان ننزح اليه أو نذهب اليه أصلا. في منتصف ليل اليوم الثالث للحرب الإثنين 9/10/2023، قصفت طائرات الاحتلال المنطقة التي نسكن فيها بعدد من الصواريخ المكثفة (أحزمة نارية) التي طالت البيوت والطرقات وتم قصف بيتي وبيت عائلة زوجي ولكن قُصف بيتي بشكل مباشر حيث دُمر البيت فوق رؤوسنا. وتمكنت عائلة زوجي من إجلائي وأطفالي من تحت انقاض البيت، وبقي ابني يزن تحت الركام لثلاثة أيام كاملة. لم نستطع إخراجه إلا في اليوم الرابع، حيث تمكنت طواقم الإسعاف من إجلائه وبعدها تم تحويله الى المستشفى المعمداني وقد أصيب في قدمه بكسور وقد تم زراعة بلاتين داخلي في قدمه والذي هو أصلا كان يعاني من قبل الحرب من مرض هشاشة العظام، ورقد في العناية المركزة يومين بسبب كثرة الغبار ورماد الصواريخ التي كانت على صدره. وبعد خروجه توجهنا إلى منطقة الرمال ومكثنا في مركز النور المجاور لمستشفى أصدقاء المريض لمدة أسبوعين. وبدأ القصف يزداد شراسة وقوة في كل يوم يمر وبدأت معاناتنا تزداد والخطورة تزداد حيث لم يكن يسلم أحدا من القصف والقتل, وبعد أسبوعين تم قصف المركز المتواجدين فيه واستشهد أكثر من 50 شخصا أكثرهم من الأطفال والنساء الذين تناثرت أشلائهم ومئات الإصابات التي كانت ملقاة على الأرض. وبعد ما رأينا ذلك خرجنا مباشرة ونزحنا إلى مدرسة الفلاح الموجودة في حي الزيتون حيث مكثنا فيها لمدة أسبوع كامل، وتم قصفها أيضا في 3/11/2023 في مجزرة لم أر لها مثيلا في حياتي. فقد تم استهداف المدرسة بصاروخين من الطيران الحربي الإسرائيلي وكانت تعجُ بآلاف النازحين من كل مكان في غزة من الأطفال والنساء والكبار حيث استشهد أكثر من 100 شخص تقطعت أجسادهم وأُحرقت أمام أعيننا وتناثرت جثث الأطفال والنساء في ساحة المدرسة ومنهم من تطايرت جثثهم في كل مكان. لم أر في حياتي مثل هكذا مجزرة حيث كانوا يحملون المصابين على كارات وتكاتك لعدم قدرة سيارات الإسعاف على القدوم لانتشال الإصابات ولأن الجيش كان يقصف كل سيارة إسعاف تحاول الوصول الى المدرسة أو إسعاف المصابين. وبعدها خرجت مع أولادي من المدرسة وتوجهت الى منزل عائلة زوجي في حي الزيتون ومكثت فيه أيام معدودة حتى قررت النزوح الى جنوب قطاع غزة بعد أن خرجنا من الموت بأعجوبة في كل مكان كنا نذهب اليه.
وفي تاريخ 18/11/2023، في الساعة الـ 10 صباحا توجهت مع أولادي الثلاثة عبر حاجز نيتساريم وعبرته الى وسط القطاع. لم أكن أعلم أين أذهب ولا لمن ألجأ، فلم يكن معنا لا أموال ولا أغراض ولا أي شيء نحمله فقد خرجنا تاركين وراءنا كل شيء من ملابس وأغطية وفرشات تحت ركام منزلنا الذي تم تدميره بالكامل. خرجنا لننجو بحياتنا من القصف والقتل وتوجهت الى مخيم البريج وبدأت أبحث عن مدرسة أو مكان أمكث فيه حتى رآني رجل من المخيم فأجلسني وأولادي في حاصل تحت بيته وأحضر لي الطعام والشراب وبقيت ليومين متتالين. وعندما تم قصف بيت بالقرب من مكان تواجدي خرجت من المنطقة عبر شارع صلاح الدين ومشيت في الشارع مع أولادي بحثا عن مكان أو خيمة تأوينا حتى وصلنا إلى مفترق بني سهيلا مشيا على الأقدام لمدة يومين كاملين، وعندما يحل الليل ننام على رصيف الشارع نفترش الأرض حتى يأتي الصباح. وبقيت هكذا حتى اليوم الثالث ثم عدت مشيا الى مخيم المغازي ومكثت مع أولادي في مدرسة بنات المغازي الإعدادية أ، حيث مكثت فيها بوضع مأساوي فقد كانت مليئة بالنازحين وسط افتقارها لشتى الخدمات والمساعدات الإنسانية وبقيت فيها من تاريخ 21/11/2023 حتى تاريخ 30/12/2023. وفي ذلك اليوم بدأ الجيش الإسرائيلي بقصف المغازي واجتياحها بريا فكان القصف يطال كل البيوت والمساجد وتتساقط أعداد الشهداء بشكل كبيير. وبدأ السكان والنازحون يهربون من المخيم حيث وصلت الدبابات الى مفترق (صدقي) القريب جدا من المدرسة التي أقيم بها مع أطفالي وبدأوا بقصفنا في كل مكان، فهربت مباشرة مع أولادي من المخيم وتوجهت الى مدينة رفح. قطعت نصف المسافة مشيا على الأقدام من التاسعة صباحا حتى وصلت في الخامسة مساءً، حيث وصلنا منهكين مرهقين من شدة التعب أصابنا الجوع والعطش، ولم يكن معي مالا ولا طعاما ولا حتى ملابس أو أغطية حتى وصلت الى مسجد بدر القريب من دوار النجمة. مكثت في المسجد مع أولادي، وقام بعض النازحين في المسجد بعمل خيمة صغيرة لي وقاموا بمساعدتي ببعض الملابس والأغطية والفرشات، ولكني كنت أعاني من قلة الطعام وعدم توفير احتياجات أطفالي حيث كنت أعتاش على ما أحصل عليه من مساعدات من النازحين في المسجد. وبقيت على هذا الحال حتى تاريخ 3/3/2024 حيث جاءني اتصال من شخص يسالني عن مكان تواجدي ويقول لي إن أبناء إخوة زوجي ٥ اطفال وهم (رامي سعدي ياسين ١٥ عاما، محمد سعدي ياسين ١٣ عاما ، احمد سعدي ياسين ١٢ عاما ، محمد احمد ياسين ١٥ عاما ، معتز احمد ياسين ١١ عاما ) قد أفرج عنهم الاحتلال حيث كانوا معتقلين لدى الجيش الإسرائيلي. كانت أوضاعهم الصحية النفسية والجسدية صعبة للغاية حيث كانوا يعانون من رضوض وبعض الجروح ولا يوجد لهم أي معيل في الجنوب، حيث إن أسرهم بقيت في الشمال، فزادت علي المسئوليات بشكل كبير جدا فصرت أنا من يعولهم بجانب أطفالي.
بقينا في محافظة رفح حتى تهديد الجيش لرفح بدخولها بريا وقصفها، وبدأت الناس تخرج من المدينة بشكل لا يوصف هربا من القصف والقتل فتوجهت مع أولادي وابناء اخوة زوجي في تاريخ 5/5/2024 حيث قُصف المسجد بعد خروجنا بساعات . وتوجهت عائدة الى مخيم المغازي مرة أخرى وبدأت أبحث عن مكان يأويني حتى مكثت في مدرسة بنات المغازي الإعدادية ج حيث نتقاسم فصل دراسي مع ثلاثة عائلات وأعيش وضعا غاية في الصعوبة لأن لا معيل لي ولا مال أحصل عليه لأنفقه على أولادي من بعد استشهاد زوجي حيث نعتاش الى هذا اليوم على طعام (التكيات) الذي يأتينا من أهل الخير ويوما نأكل ويوما نبقى من دون طعام وأيضا لم أعد قادرة على تلبية احتياجات أطفالي وأطفال اخوة زوجي ولو بالحد الأدنى منها.