سبتمبر 21, 2024
 مجزرة عائلة ابو هدروس
مشاركة
 مجزرة عائلة ابو هدروس

اسم معطي الافادة: طارق محمد أيوب محمد ابو هدروس، 48 عاماً، مدير بنك الإسكان – فرع خان يونس، سكان حي إسراء 2، غرب خان يونس

تاريخ المقابلة: 7/9/2024

أنا أسكن مع زوجتي أسماء احمد صلاح أبو هدروس، 42 عاما، وأبنائي خالد، ٢٢عاما، ومحمد، ١٥ عاما، وهلا، 18عاما وديما، 21عاما، في منزلنا في حي إسراء 2، على بعد حوالي 400 متر جنوب غرب مدينة حمد، ومنزلي مقام على مساحة 220 م2، مكون من طابقين (طابق أرضي واول، وبدروم)، والأرض مساحتها الكلية نصف دونم.

منذ بداية العدوان على قطاع غزة بتاريخ 7/10/20233، لم أنزح من منزلي إلا بتاريخ 4/3/2024 حيث توغلت الآليات العسكرية الإسرائيلية في مدينة حمد، واقتربت من منزلي وأصبح الوضع خطيرا جدا، ولم يبق أحد في المنطقة، فخرجت من الحاجز الذي أنشأه جنود الاحتلال الإسرائيلي عند شاليه سكاي لايت شرق منطقة اصداء ( ما يسمى الحلابات). بتاريخ 11/3/2024، عدت إلى منزلي بعد تراجع آليات الاحتلال الإسرائيلي إلى المناطق الشرقية.

بتاريخ 8/8/2024، ألقت قوات الاحتلال الإسرائيلي منشورات على مدينة حمد تبلغهم بإخلاء المدينة إلى المناطق الإنسانية غربا في مواصي خان يونس. وبتاريخ 16/8/2024، نشر المنسق الإسرائيلي على صفحته بأن بلوك 89 الذي من ضمنه منطقة اسراء 2 وهي المنطقة التي أسكن فيها، أصبحت منطقة قتال، وعلى سكانه الإخلاء والتوجه إلى المناطق الإنسانية في مواصي خان يونس. لم أستطع النزوح لأن الوضع كان صعبا، وبصفتي كنت مندوب لوكالة الغوث، وأقدم مساعدات للسكان والنازحين من خدمات المياه والانترنت، وعندي نساء وأطفال وكبار في السن لم أغادر. وفي لحظة بدأ السكان والنازحون بإخلاء المنطقة، البعض ترك خيامه والبعض أخذها، وأصبح الحدث سريعا جدا، والناس تهرب بسيارة او اي وسيلة مواصلات، والبعض لم يجد وسيلة مواصلات سوى اقدامه، ومنهم من أخذ حقائبه، وآخرون تركوا أغراضهم. ونحن داهمنا الوقت ولأننا مدنيون قررننا البقاء في المنزل، وقلنا إذا أصبح المكان خطرا نغادر. مكثت في المنزل خمسة أيام كنت أسمع خلالها صباحا ومساء أصوات قصف، ونسف في أبراج حمد وأصوات جرافات ودبابات وإطلاق نار من طائرات مسيرة كواد كابتر، ومروحية.

في حوالي الساعة 7:30 صباح الأربعاء 21/8/2024، كان الوضع هادئا، وحركة ناس ومواصلات، وشعرت بطمأنينة في المكان، فاتصلت على صديق لي كان نزح من مسكنه في منطقة إسراء 2، ليعود إلى منزله. وجاء جاري إياد عادل الاغا، 46 عاما، يتفقد بيته ويروي شجره المزروع، وكان من عادته أن يأتي ليجلس عندي 5 دقائق نشرب الشاي ثم يغادر. وأثناء وجوده عندي مر علينا شخصان سيرا على الاقدام لا أعرفهما، وابتعدوا عنا حوالي من خمسين إلى سبعين مترا جهة الشمال، في هذا اللحظات استهدفتهما طائرة مسيرة إسرائيلية، فاستشهد أحدهما  مباشرة والآخر أصيب، وصار يستنجد بنا قائلا الحقوني ساعدوني، لم نستطع التحرك خوفا من أن يتم قصفنا من طائرات الاستطلاع التي كانت تحلق في سماء المنطقة، فبدأ المصاب بالزحف نحونا واقترب منا ووصل بصعوبة عند باب منزلي، وكانت إصابته شبه بليغة، وبدا إنه سيغمى عليه. كنا داخل المنزل والدراجة النارية التابعة لجاري إياد على الباب من الخارج، فقمت بإحضار ماء وسقيناه، وصار يستعطفنا الحقوني خذوني إلى المستشفى، فلم نأخذه خوفا أن يتم قصفنا معه، وأبلغناه إنه الآن لن ينفع نقلك إلى المستشفى لأن وضع المنطقة خطير، وظل عندنا حوالي ساعة قمنا خلالها بالاتصال على الإسعافات لكنهم ردوا علينا بأن المكان خطر ولا نستطيع القدوم ولم يتجابوا معنا، واتصلنا على أقاربه إلا أن أحدا لم يأت لخطورة المنطقة. في النهاية خاف عليه جاري اياد من الموت لأن وضعه أصبح صعبا، فقام بوضعه خلفه على دراجته النارية لنقله إلى مستشفى مجمع ناصر الطبي، وسار به وما إن وصلا جامعة القدس المفتوحة التي تبعد عنا حوالي 150 مترا جنوبا، قصفتهم طائرة مسيرة إسرائيلية فدخلت إلى المنزل الطابق الأرضي، وصعدت إلى الشباك المطل نحوهم فشاهدت الاثنين ملقيان أرضا بلا حراك، والدراجة كذلك، فأدركت انهم استشهدا، اتصلت على الاسعافات ولكن دون جدوى لم يتجابوا معي. قلت لأسرتي سننزل إلى البدروم ( مساحة البدروم 4×14 متر)، لحماية انفسنا لأني شعرت بالخطورة، كان عددنا 16 فردا، موزعين في المنزل كالتالي، في البدروم كانت أختي تحرير، 44عاما، وابنتي ديما، 21عاما، وابنة أختي رشا، وهي رهف ماجد الدرهلي، 5 سنوات، وابنة اختي رولا، يافا خميس الصعيدي، 6 سنوات، وانا كنت في الطابق الأرضي أنا وبجواري زوجتي أسماء احمد صلاح أبو هدروس، 42 عاما، وأختي رشا، ٣٩ عاما، وابني خالد، ٢٢عاما، وابني محمد، ١٥ عاما، وابنتي هلا، 18عاما، وفي الطابق الأول أمي آمنة درويش محمد ابو هدروس، 76عاما، وأختي رلا محمد ايوب محمد الصعيدي (ابو هدروس) ٤٣ عاما، وأولادها الأربعة ولدين وبنتين، وهم: ياسمين خميس مسعد الصعيدي 16عاما، ومحمد 13 عاما، ووسيم ١١ عاما، سندس 5 سنوات. في تلك اللحظات لا أعرف ما الذي حدث، وجدت نفسي تحت الركام، وفقدت الرؤيا بسبب الغبار الذي انتشر في المنزل، وضياع نظارتي لأن عندي قصر نظر ولا أرى جيدا بدونها. وبعد حوالي 5 دقائق بدأ الغبار يتلاشى، فشاهدت نورا يأتي من جهة الحديقة، وسمعت صوت صراخ ابنتي هلا، وشاهدتها وهي تخرج رأسها من بين  الركام لتأخذ نفسا من الهواء، حينها بدأت أدرك أني ما زلت حيا، فمددت لها يدي وقمت بسحبها من تحت الحطام والركام الذي كان يغطي جسدها، ونظرت حولي فلم أجد للطابق الاول أثرا وكأنه تبخر، وتحول لفتات وقطع حجارة انهارت فوقنا، وأصبح مقبرة لأفراد عائلتي، ولا أعلم، هل لحسن أو سوء حظي أنا وابنتي هلا، عرّش علينا جزء من السقف وبقينا أحياء. وسمعت صوت صراخ ابنتي ديما في البدروم للحظات، ثم لم أعد أسمع أي صوت، بحثت عن زوجتي التي كانت قريبة مني وحفرت عن وجهها، وكانت قد فارقت الحياة ولم أستطع إخراجها لأن الركام كان فوقها بارتفاع حوالي متر. ناديت على من كان في المنزل، والبدروم فلم يرد عليّ أحد. في تلك الاثناء سمعت صوت جوالي يرن حددت مكانه، واستطعت إخراجه من بين الركام، والرد على الاتصال صديقي لي، فأبلغته بأن المنزل تم قصفه وأنا وابنتي هلا ما زلنا أحياء، ولا أعرف عن الآخرين شيئا، وقال لي إنه سوف يتصل على الدفاع المدني والصليب الأحمر، والإسعافات ليأتوا لانتشالنا، وأرسل لي رقم جوال الدفاع المدني للتواصل. واتصلت على أخي الدكتور نضال 55عاما فلم أحصله، فاتصلت على أختي الدكتورة ياسرة، 54 عاما، وأبلغتها ما حدث فبدأت بإرسال مناشدات، وبعدها بدأ الجميع يرسل مناشدات للدفاع المدني والصليب الأحمر. بعدها اتصل علي الدفاع المدني وابلغني أنهم بانتظار تنسيق الصليب الأحمر، لأنهم لا يستطيعون الوصول إلى المنطقة لخطورتها، واتصلت أنا بعد ذلك على إسعاف الهلال الأحمر الفلسطيني، فكان ردهم أن المنطقة خطيرة ولا يستطيعون الوصول إلى المنطقة، وأنهم بانتظار تنسيق الصليب الأحمر، وعلمت فيما بعد  أن الاحتلال الاسرائيلي كان يرفض التنسيق.  بعد حوالي ساعة تلقيت اتصالاً من أخي د. نضال وأبلغني بأن الأربعة الذين في البدروم استطاعوا الخروج بعد الضربة لأن حديد حماية شباك البدروم انخلعت من حسن حظهم، واستطاعوا وضع الفرشات فوق بعضها وتسلقوا وخرجوا من شباك البدروم على ارتفاع مترين ونصف، واستطاعوا الوصول إلى القدس المفتوحة التي تبعد عنا حوالي 150 مترا جنوبا، ومن هناك وجدوا شخصا نقلهم إلى أصداء التي تبعد عنا حوالي 600 متر غربا، ومن أصداء نقلهم زوج أختي ياسرة الدكتور معمر الفرا إلى منزله. كنت أنتظر احدا يأتي لإخراجنا من المكان ولكن المنطقة اشتد بها إطلاق النار من طائرات الكواد كابتر، وطائرات الاستطلاع انتشرت في سماء المنطقة، فقلت لابنتي هلا، تعال نختبئ في منزل جارنا حسن عبد العاطي، 60 عاما، الملاصق لمنزلنا من الجهة الشمالية الشرقية على بعد 5 أمتار وكان بيته أيضا مفرغ من الجدران من شدة قصف منزلنا. ذهبت إلى منزل جاري وكان الركام متناثر في كل مكان، واختبأنا في المنزل وبحثنا عن ماء فلم نجد ولا قطرة. وفي تلك اللحظات اتصل علي صديقي سيد عوض مصبح، وكانت الساعة 12:00 ظهرا، وقال لي إنه سوف يأتي لأخذي فاستحلفته بالله أن لا يأتي لأن طائرات الكواد كابتر، والاستطلاع تقوم بقصف كل متحرك في المنطقة، فقال لي هل تستطيع الخروج لأصداء وانا سآتي لأخذك. عندما اشتد إطلاق النار من الكوادر كابتر اختبأنا في الحمامات، وخلف الجدران المتبقية في منزل جارنا، وفي حوالي الساعة الخامسة مساء أي بعد حوالي 8 ساعات من قصف منزلنا، وعندما أدركت إن من في المنزل ماتوا، لأنني كنت انادي عليهم، وشعرت أن الظلام سيداهمنا، وفقدت الأمل بأن أحدا سيأتي لإنقاذنا، وخفت أن يأتي جنود الاحتلال ويقتلوننا، فقلت لابنتي هلا هيا نتحرك ننقصف نموت غير مهم، فالمكان صعب جدا، توجهنا إلى البدروم لعلنا نجد احدا فلم نجد، فأخذنا عدة حقائب من أغراضنا التي كانت في البدروم، وخرجنا من شباك البدروم من الجهة الجنوبية وسرنا إلى جامعة القدس المفتوحة، وعندما خرجت شاهدت الدمار حول محيط منزلنا على مسافة 100 متر، سرنا إلى جامعة القدس المفتوحة، ثم إلى اصداء كنا نسير ونرتاح وفي الطريق وضعنا حقائبنا عند ناس من آل ابو صفرة بالقرب من خزان المياه (الحاووز) الذي يبعد عنا إلى الجنوب الغربي حوالي 400 متر، ثم وصلنا أصداء ودخلنا بها وأخذنا شخص بتكتك ونحن خارجين من أصداء شاهدنا صديقي سيد عوض مصبح موجود الذي كان قد وصل إلى المكان ومعه سيارة، فلحق بنا وأخذنا إلى مستشفى مجمع ناصر الطبي، وفي قسم الاستقبال كان أخوتي الدكتور نضال، واخي مجيب الرحمن، 52 عاما، في المستشفى فقاموا بتصويرنا أشعة أنا وهلا ابنتي التي كانت مصابة برضوض في ظهرها، وخدوش في وجهها، وأنا بجروح في رأسي غرزوني3 غرز، وبعد ذلك أوصلنا صديقي مصبح إلى منزل زوج اختي الدكتور معمر الفرا بشارع النص بجوار عيادة الوكالة جنوبا.  في حوالي الساعة 7:00 صباح الخميس 22/8/2024، اتصلت على صديقي مصبح وطلبت منه إحضار الحقائب من عند ال ابو صفرة فقام بإحضارها، وعلى مدار يومي الخميس، والجمعة ونحن نرسل مناشدات ونتواصل مع الصليب لمحاولة عمل تنسيق لإخراج من تبقى في المنزل على أمل أن نجد احدا حيا، ولكن دون جدوى كان الصليب يقول لنا إن الجيش يوافق ثم يرفض. في حوالي الساعة 7:00 صباح السبت 24/8/2024، اتصل علي صديقي سيد عوض وابلغني أن الآليات العسكرية الإسرائيلية تراجعت إلى المناطق الشرقية وابتعدت عن المنطقة التي بها منزلي، فاتصلت على الدفاع المدني وأبلغته، فتردد الدفاع المدني فقلت لهم أنا متوجه إلى المكان وعندما وصلت إلى المكان وكان معي أخي د. نضال، وابنتي هلا، ووجدت صديقي مصبح أيضا قد حضر، وكانت هناك سيارات إسعاف تنتشل شهداء من المنطقة قتلوا من قوات الاحتلال متوغلة في المنطقة، واتصلت على الدفاع المدني وأبلغتهم إن الناس والاسعافات موجودة، وقبل قدوم الدفاع المدني انتشلنا أمي التي كانت في شارع قطر على بعد 25 مترا شرق المنزل، وقام اخي مجيب الرحمن الذي لحق بنا، وخمسة رجال يحفرون على جثة زوجتي وأخرجوها، وبدأت جرافة الدفاع المدني الذين كانوا ايضا قد جاءوا إلى المكان بالحفر ورفع انقاض المنزل، فانتشلوا  ابني محمد واختي رشا أشلاء، ورأس أختي رلا، ونقلناهم إلى مستشفى مجمع ناصر الطبي وقمنا بعمل إجراءات الدفن، وفي هذه الاثناء اتصلوا علي وابلغوني أنهم انتشلوا ابني خالد، وعثرنا على أشلاء ابنة أختي سندي في خيمة الجيران بعيدة عن المكان ٥٠ مترا عرفتها من ملابسها، وكذلك أشلاء اخوتها محمد وياسمين، واستمرت عملية الانتشال حتي المغرب. في اليوم التالي الأحد 25/8/2024، توجهنا والدفاع المدني على أمل العثور على باقي أشلاء أي من الشهداء فلم نعثر على شيء، وبهذا يكون إجمالي الشهداء عشرة شهداء، والناجون ستة أفراد من عائلتي هم: انا وابنتي هلا 18عاما، وديما ٢١ عاما، وتحرير 44عاما، وابنة اختي رشا، رهف ماجد الدرهلي 5 سنوات، وابنة اختي رلا يافا خميس الصعيدي 6سنوات.

والشهداء هم: آمنة درويش محمد أبو هدروس، وأسماء أحمد صلاح أبو هدروس، وخالد طارق محمد ايوب أبو هدروس، ومحمد طارق محمد ايوب أبو هدروس، وشا محمد أيوب محمد أبو هدروس، ورلا محمد ايوب محمد الصعيدي (هدروس)، وياسمين خميس مسعد الصعيدي، ومحمد خميس مسعد الصعيدي، ووسيم خميس مسعد الصعيدي، وسندس خميس مسعد الصعيدي.