يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، بأشد العبارات، هجوم قوات الاحتلال الإسرائيلي الجديد على جنين، شمال الضفة الغربية، الذي بدأته أمس الثلاثاء، وما تخلله من جرائم قتل أسفرت حتى الآن عن مقتل 10 مواطنين، غالبيتهم من المدنيين، وإصابة عشرات آخرين بجروح إلى جانب التهجير القسري للمئات من سكان المخيم.
ويعبر المركز عن قلقه أن يكون هذا الهجوم الذي أطلقت عليه قوات الاحتلال اسم “السور الحديدي“1 بداية لتصعد كبير في الضفة الغربية بعد بدء وقف إطلاق النار قطاع غزة، ما ينذر بوقوع أعداد كبير من الضحايا والدمار وتكرار سيناريو الإبادة الجماعية الذي ارتكبته في القطاع.
ووفق المعلومات التي توفرت لباحثي المركز، ففي حوالي الساعة 12:15 من يوم الثلاثاء 21 يناير 2025، تسللت قوة خاصة إسرائيلية بزي عسكري كامل، مستخدمة مركبة مدنية كادي ومركبات أخرى إلى أطراف مخيم جنين، وتحديداً حي الهدف الواقع على الجهة الغربية للمخيم. ما إن وصلت تلك القوة، حتى بدأت بنشر قناصتها على البنايات العالية، بالتزامن مع إطلاق النار بشكل كثيف ومتتالٍ، وتحليق جوي كثيف للطيران الإسرائيلي. بعد حوالي 20 دقيقة، وصلت تعزيزات من قوات الاحتلال على شكل مركبات عسكرية وجرافات خرجت من حاجز الجلمة شمال مدينة جنين، وبدأت بإحكام حصار المكان بالكامل، وإطلاق النار على من يتحرك. كما دفعت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتعزيزات إضافية من حاجز سالم غرب المدينة، وأحكمت حصار مخيم جنين من جميع مداخله. كما تمركزت قوات الاحتلال أمام مشفى جنين الحكومي ومشفى الأمل. ونفذت طائرات الاحتلال المسيرة في بداية توغلها غارة استهدفت مركبة متوقفة، وشنت لاحقا عدة غارات داخل المخيم، إلى جانب إلقاء طائرات كواد كابتر قنابل تجاه تجمعات للمواطنين داخل المخيم. أسفرت الغارات وإطلاق النار من قوات الاحتلال عن مقتل 9 مواطنين، منهم 8 مدنيين أحدهم طفل، وإصابة أكثر من 40 آخرين بجروح. وتشير المعلومات الأولية التي جمعها باحث المركز، أن العديد من المواطنين قتلوا أو أصيبوا برصاص قوات الاحتلال أثناء محاولاتهم مع المئات من سكان المخيم الخروج منه في محاولة لتجنب تعرضهم للحصار والاعتداءات.2 ولا تزال طواقم المركز تتحقق من الظروف التفصيلية لمقتل كل منهم، في وقت تواصل قوات الاحتلال اقتحامها لمركز مدينة جنين ومخيمها، حيث وصلت إلى ساحة المخيم وشرعت في أعمال تجريف للشوارع وللبنية التحتية في داخله. بعد ساعات من توغلها، طلبت قوات الاحتلال من سكان المخيم الجديد إخلاء منازلهم، وطلبت منهم الاقتراب من مواقع تمركزها على شكل مجموعات كل مجموعة من 5 مواطنين، حيث أخضعتهم للفحص والتدقيق قبل أن تسمح لهم بالمرور، فيما اعتقلت عددا من المواطنين، وأجبرتهم على ارتداء الأفرهول الأبيض ونقلتهم لجهات مجهولة.
كما قتلت قوات الاحتلال مساء اليوم نفسه، المواطن محمود إبراهيم جرادات (29 عاما) وهو من أفراد الفصائل المسلحة، بإطلاق النار تجاهه في قرية تعنك غرب جنين، بعد حصارها منزلا تواجد فيه، وأصابته واعتقلته ولاحقا أبلغت بمقتله عبر الهيئة العامة للشؤون المدنية.
وأعلنت قوات الاحتلال أنها بدأت بمشاركة الجيش والشاباك وحرس الحدود حملة عسكرية في جنين3 وسط حالة من التحريض ومحاولة تكرار نموذج الإبادة الجماعية الذي نفذته في قطاع غزة، مع تعاظم السياسات الإسرائيلية الاستيطانية التوسعية الرامية لفرض أمر واقع جديد.
وادعى رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن العملية كانت “خطوة أخرى نحو تحقيق الهدف الذي حددناه، وهو تعزيز الأمن في يهودا والسامرة (المسمى الإسرائيلي للضفة الغربية)”.4
والاثنين الماضي، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، إن الجيش يستعد لـ”عمليات كبيرة” في الضفة الغربية، وسط وقف إطلاق النار في قطاع غزة،5 الذي بدأ الأحد الماضي، ما يدلل أن الاحتلال يستغل وقف النار في القطاع لتصعيد عدوانه في الضفة.
يحذر المركز من خطورة وتداعيات السياسة الإسرائيلية التصعيدية، بما فيها تصاعد سياسة القتل دون أي مبرر، والاستخدام المفرط للقوة التي تقترفها قوات الاحتلال في الأرض الفلسطينية المحتلة. ويكرر دعوته المجتمع الدولي للتحرك الفوري لوقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي ووقف ازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي، ويدعو على نحو خاص المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية للعمل جديًّا في الوضع الفلسطيني.
ويجدد المركز مطالبته للأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة الوفاء بالتزاماتها الواردة في المادة الأولى من الاتفاقية والتي تتعهد بموجبها بأن تحترم الاتفاقية وأن تكفل احترامها في جميع الأحوال، كذلك التزاماتها الواردة في المادة 146 من الاتفاقية بملاحقة المتهمين باقتراف مخالفات جسيمة.
______________________________________________________________________________________________________