غادة هاشم يوسف النزلي، 51 عامًا، سكان تل الهوا في مدينة غزة، محامية في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.
عقب اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، وتحديدًا في 13/10/2023، طلب جيش الاحتلال الإسرائيلي من سكان شمال قطاع غزة النزوح إلى جنوبها. وبتاريخ 15/10/2023، نزحت من منزلي في تل الهوا، إلى شقة إخوتي في المغراقة، جنوب مدينة غزة. وهناك شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي قصفاً عشوائياً عنيفاً في الأراضي المحيطة لهم، فارتعبت من المنطقة وعدت إلى منزلي.
بتاريخ 22/10/2023، أخبرنا جيراننا أنه سيتم قصف مربع منزلنا في دوار الـ 17 مع محيط مول كيرفور، فذهبت إلى المركز الثقافي الأرثوذكسي المجاور معتقدةً أنه لن يتعرض للقصف.
جلسنا هناك أسبوعاً ولم تقصف منطقتنا، ثم اتصل الجيش الإسرائيلي على إدارة المركز بوجوب الإخلاء لأنه سيتم قصف المركز، فعدنا إلى البيت. وبتاريخ29/10/2023 قصف المركز ليلاً.
بتاريخ 1/11/2023، شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي حزاماً نارياً شديداً في منطقتنا عند الساعة 8 مساءً حتى الساعة 10 مساءً. جلسنا خلاله على الدرج، لاعتقادنا أنه المكان الأكثر أماناً، تساقط الزجاج علينا ولم نتوقع أن يأتي علينا صباح من شدة القصف.
في اليوم التالي منذ ساعات الصباح الأولى، ذهبنا إلى مدرسة أنس بن مالك بجوار منطقة أنصار القريبة من منزلنا. وبعد يومين كان هناك اشتباكات عنيفة بجوار المدرسة، ومن شدة الرعب اضطررنا للذهاب إلى مكتب عمل أخي في منطقة الجوازات. ثم أخبرنا الجيران أن المكان خطر وقاموا بإدخالنا في عمارة سكنية في وسط شارع فرعي، وجلسنا هناك أسبوعا.
بتاريخ 10/11/2023، فجأة أصبحت الدبابات الإسرائيلية الساعة السابعة صباحاً أمام هذه العمارة. وعند الساعة العاشرة قررنا الدخول إلى منزل خلفي آخر وهو منزل د. مازن سكيك. وبعد ساعة، أبلغونا الناس أنهم يحملون الرايات البيضاء ويخرجون، فحملنا مثلهم وخرجنا، كنا حوالي 15 فرداً.
بدأت دبابتان من اتجاهين تطلقان الرصاص والقذائف علينا بصورة مهولة. وأنا أجري وأقطع الشارع رأيت سيارة بها امرأة حامل ومخها على وجهها وبجوارها زوجها وأولادها جميعهم شهداء، يبدو من كبر بطنها أنها كانت ذاهبة للولادة فقصفوا بقذيفة دبابة.
قررنا العودة إلى المنزل من شدة القصف، وأثناء عودتي شعرت أن ناراً قد دخلت عيني فسقطت على بعد حوالي 5م من الدبابة وظننت حينها أنني سأموت الآن. وللأسف الشديد لقد أصابت هذه القذيفة زوج أختي ناصر فايز الافرنجي، 64 عاما، بعد سقوطي مما أدى إلى استشهاده فوراً، ولم نستطع انتشال جثمانه من هول القصف.
أتت أختي تساعدني على النهوض، فجرينا ووصلنا البيت بأعجوبة. وهناك وجدت أختي (تهاني، 59 عاماً) مصابة بشظايا قذيفة في يدها وكذلك ابنتها (دلال ناصر الإفرنجي، 31 عاما) قد أصيبت بشظايا في رأسها ويدها.
دخلنا بدروم المنزل وأختي تنزف بينما تستفرغ ابنتها دماً. حاولنا مناشدة الصليب الأحمر لكن بلا جدوى، فالمنطقة خطرة جداً. بعد يوم أو يومين بدأ الدود يخرج من جرح أختي فأصابنا الذعر الشديد وشعرنا بقرب استشهادها. ثم تواصلنا مع أطباء في تركيا لإسعافها، والحمد لله كان في البيت معدات إسعافات أولية متقدمة إذ أنه منزل طبيب، والحمد لله بدأ الجرح يلتئم.
بقينا محاصرين 15 يوماً بلا أكل ولا مياه. كنا نشعر أن الجيش الإسرائيلي سيقتحم المنزل في أي لحظة. لقد عشنا أياماً من الرعب الشديد المصاحب للقصف الأشد لا يمكنني وصفها ولا نسيانها.
بتاريخ 24/11/2023، بدأت الهدنة، ولم نستطع تصديق أننا مازلنا أحياء. ذهبنا على الفور لمنطقة المشاهرة، ومكثنا هناك 20 يوما نعاني من عدم وجود غاز ولا مياه صالحة للشرب أو للاستخدام، لقد كنا نجلبها أحياناً بصعوبة بالغة.
وبتاريخ 19/12/2023، شن جيش الاحتلال الاسرائيلي حزاماً نارياً في محيطنا. ثم قصف منزل عماد مقبل الذي كنا نقيم فيه بصاروخين من طائرة مسيّرة، سقط على إثره سقف الغرفة على رؤوسنا وتطايرت الشظايا علينا. لقد كانت ليلة مرعبة بكل معنى الكلمة. وما إن حل الصباح حتى خرجنا من المنطقة، وتفرقت عائلتي. أما أنا فنزحت إلى بيت عمي في المغربي لمدة 9 أيام تقريباً.
انتقلنا بعدها إلى منزل صديق للعائلة في منطقة الرمال- الشؤون المدنية- غرب غزة، بحثاً عن الأمان. تفاجأنا بعد أيام، بتاريخ 2/1/2024، بدخول الدبابات إلى غرب غزة بعد المغرب بدون سابق إنذار وبشكل مباشر وسريع جداً وتمركزت أمام المنزل الذي نقيم فيه ومن بعدها بدأ القصف الشديد المتواصل.
جلسنا جميعاً في غرفة لم نتحرك منها لمدة 12 يوماً. وفي اليوم الثامن من حصارنا وبتاريخ 4/2/2024 جرفت الجرافات الاسرائيلية سور منزلنا والحاصل الذي في المقدمة فاشتد خوفنا بصورة رهيبة، وفي كل لحظة كنا نتوقع اقتحامهم المنزل وقتلنا مباشرة.
خلال تلك الأيام لم نستطع التحرك. كنا نشعر أنه كلما نتحرك يقصف المنزل، فتوقفنا عن التحرك تماماً. بقينا بلا أكل ولا مياه، لقد ساء وضع الجميع وأغمى على العديد منا، وقد أصابني دوخة وهبوط في الضغط. والحمد لله في اليوم 12 من الحصار انسحبت قوات الجيش. لقد شعرت أنهم لم يكونوا 12 يوماً بل 12 عاماً.
لقد أتى الجيران فوراً ليسعفونا، فقد شاهدوا المنزل يقصف أكثر من مرة والحمد لله لم يصب أحد منا.
أشعر حتى الآن أن قلبي سيتوقف عن النبض، ما عايشته لا أستطيع وصفه.