في هذه السلسلة الجديدة من الإفادات الشخصية، يتقصى المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان نتائج الحرب الإسرائيلية التي استمرت لمدة 23 يوماً على قطاع غزة، واستمرار تأثير هذه الحرب على السكان المدنيين.
بقلم : ماليان
قضي الطفل محمود مطر عيد ميلاده الخامس عشر في شهر فبراير من هذا العام في وحدة العناية المركزة في مستشفي الشيخ زايد بمصر. محمود هو واحد من 1,606 من الأطفال الذين جرحوا خلال العدوان العسكري الإسرائيلي علي قطاع غزة بعض منهم يعاني من إعاقات مروعة وإصابات في الرأس والعمود الفقري وتشوهات في الوجه بالإضافة إلي حروق وبتر في بعض أعضاء الجسم.
في يوم الأربعاء 7 من يناير 2009، سقط صاروخ بجانب منزل الطفل محمود مطر البالغ من العمر 14 سنة في حي الشيخ رضوان في مدينة غزة فأفقده بصره للأبد بالإضافة إلي إصابات أخري متفرقة في شتي أنحاء جسده. حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحا، كان محمود داخل المنزل برفقة والدته وأخوته عندما أطلقت طائرة حربية إسرائيلية صاروخاً باتجاه مسجد التقوى والذي يبعد 150 متراً عن منزله.
جري محمود ليشاهد ماذا حدث وإذا بصاروخ ثانٍ يضرب المكان بعد فترة زمنية قصيرة وهو ما أسفر عن استشهاد طفلين يبلغان من العمر 15 عاماً، أحدهما يدعي عبد الله جودة أحد أصدقاء محمود في المدرسة. ذهب عم محمود، نهاد مطر، البالغ من العمر 43 سنة، ليبحث عن ابن أخيه وسط الجموع المحتشدة في ذلك المكان.
وفي لحظة وصول نهاد المكان لنقل محمود إلي مكان أخر، ضرب صاروخ ثالث المنطقة. يقول نهاد: “ذهبت كي أعثر علي محمود وأعيده إلي منزله. ولكنني رأيت الطفلين اللذين قتلا وتحول جسداهما إلي أشلاء. وكان الناس يحاولون إخلائهما من تلك المنطقة لأن الإسعافات لم تكن قادرة علي الوصول إلي تلك المنطقة أو المسجد المدمر الذي لم يتبق منه سوي المئذنة.”
وعندما وصل نهاد إلي يد محمود لينقذه، سقط صاروخ علي بعد متر ونصف من ابن أخيه. قال نهاد: “لقد أصبت في الرأس وسقط محمود أرضاً فاقداً وعيه حيث كان وجهه بحالة فظيعة – تحسن الآن فقط بعد أن أجريت له عدة عمليات – بالإضافة إلي عدة إصابات بشظايا في أنحاء متفرقة من جسده.
كان آخر شئ استطاع محمود تذكره في ذلك اليوم عندما كان عمه بجانبه، وقال: “لقد أخبرت عمي بأن هناك شيئاً ما سوف يضربنا. لم أتمكن من رؤية الصاروخ ولكنني شعرت بأن شيئاً ما سوف يحدث، لذا تلفظت بالشهادة وبعدها لم أتذكر أي شئ.”
أصيب محمود بحروق في العين وكسور في عظام الوجه، فقد كسر فكه السفلي كما فقد بعضا من أسنانه وتعرض لإصابات أخري بشظايا وحروق من الدرجة الثالثة في جميع أنحاء جسده.
تم تحويل محمود إلي مستشفي الشفاء حيث استدعت خطورة حالته أن يتم تحويله إلي مستشفي في مصر لتلقي العلاج اللازم. لكن في نفس اليوم 7 يناير 2009، تعرضت قافلة من الإسعافات التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني لإطلاق النار بينما كانت متجهة إلي جنوب القطاع، لذا كان علي محمود أن ينتظر حثي العاشر من يناير حتي يستطيع الخروج لتلقي العلاج. وفي مصر، خضع محمود لعدة عمليات مختلفة لتجميل الوجه وزراعة عظام. كما يعاني محمود من تلف في الرئتين بسبب استنشاق الدخان وهو يعاني الآن من صعوبة في التنفس.
قضي محمود ثلاثة أشهر وعشرة أيام في مستشفيات مصر، قضي شهراً منها في مستشفي الشيخ زايد وشهرين في مستشفي فلسطين بالقاهرة. وعاد إلي قطاع غزة في أواخر شهر أبريل 2009 ويحاول الآن أن يتأقلم مع الظروف المحيطة الجديدة. لا يعمل والد محمود ويعاني من مشاكل صحية. ومدارس المكفوفين عادة تقبل أطفالاً أصغر سناً من محمود، لذا تحاول عائلته الآن إيجاد إعفاء خاص ليتمكن من مواصلة تعليمه.
تقول والدة محمود، رنا مطر، البالغة من العمر 36 عاماً: “محمود ولدٌ نشيط جدا في مدرسته ويحب الرياضة بما فيها الجمباز وخاصة في البحر. إن ابني لم يتغير هو نفسه محمود الذي كان قبل العدوان علي غزة.”
ويضيف محمود وهو يلعب مع أخوته الأصغر منه قائلا: ” إن الشئ الوحيد المختلف معي الآن هو أن الحياة أصبحت عمياء. أسمع الأصوات الآن بشكل أعلي فإذا سارت نملة بجانبي فإنني أسمع دبيبها.”
إن إمكانية توفير الرعاية للأطفال الذين تعرضوا لجروح وإصابات بالغة ونجوا من العدوان الأخير هي فوق قدرة تحمل العائلات التي تعيش في غزة خاصة أنها تحت الحصار وإغلاق المعابر لأكثر من سنتين بالإضافة إلي 42 سنة من الاحتلال العسكري وارتفاع مستويات الفقر.
وبينما غطت وزارة الصحة الفلسطينية بعض تكاليف علاج محمود فانه يحتاج إلي متابعة ودعم والقدرة علي السفر مرة أخري لتلقي مزيد من العلاج.
وأوضح نهاد الذي مكث مع ابن أخيه طيلة فترة علاجه في مصر ما جعله يقوي صلته بمحمود قائلا: ” يحتاج محمود أيضاً إلى عمليات تجميل كي يضع نظارات لعينيه. لذا علينا إيجاد المال الكافي لدفع مايحتاجه بأنفسنا إلي حد ما.”