فبراير 18, 2009
ما بعد العدوان (3) “أليس ما حل بنا حرام؟”
مشاركة
ما بعد العدوان (3) “أليس ما حل بنا حرام؟”

في هذه السلسلة الجديدة من الإفادات الشخصية، يتقصى المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان نتائج الحرب الإسرائيلية التي استمرت لمدة 22 يوماً على قطاع غزة، واستمرار تأثير هذه الحرب على السكان المدنيين.

بعد مرور ثلاثة أسابيع على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تجلس ميساء اللوح، 16 عاماً، بألم مكتوم، على كومة من الرمل تغطي نصف بيتها في مدينة بيت لاهيا. تحت الرمل، الذي قامت الجرافات الإسرائيلية بتكويمه خلال توغلاتها في هذه المنطقة في الرابع من يناير 2009، تستقر جميع شهاداتها المدرسية والجوائز التي حصلت عليها والتي كانت شاهداً على سجل مدرسي حافل بالتميز. 

 على مقربة، تحاول جدتها تسخين المياه على كومة من الرماد. رائحة جثث الدجاج المتحللة تطغى في المكان: لقد قامت الجرافات والدبابات الإسرائيلية بتدمير حظيرة الدجاج التي كانت تزود عائلة اللوح بالبيض، كما قامت بتدمير حديقة الخضار التي كانت للعائلة. 

كان خمس وثلاثون فرداً يعيشون في منزل عائلة اللوح المكون من ثلاثة طوابق. محتويات المنزل – ثلاجة، دفاتر، صور موضوعة في إطارات، وزهور بلاستيكية، كانت مبعثرة في المنطقة. كذلك ألحقت القذائف المدفعية أضراراً بمدرسة سخنين الابتدائية، التي تبدو بعض فصولها الدراسية الآن فوضى عارمة من جراء تكدس بقايا الكراسي المدمرة، القضبان الحديدة، الكتل الأسمنتية المتناثرة وحطام النوافذ. إن إسرائيل تدعي أن مسلحين كانوا يطلقون الصواريخ من ملاعب المدرسة.

والدة ميساء، نجاة، 32 عاماً، أخبرتنا: “كنا محاصرين في منزلنا لمدة يومين، بينما كان الجيش الإسرائيلي متمركزاً في المدرسة المجاورة ويقوم بعملياته في المنطقة. اضطررت لأن أسقي أولادي من مياه حوض الحمام كي يبقوا على قيد الحياة. ثم أمرونا بالرحيل عن منزلنا.”

 وأضافت نجاة: “بمجرد أن رحلنا عن المنزل، بدءوا بإطلاق النار على المنطقة، وقتل بعض جيراننا. أنا وزوجي ودَّع أحدنا الآخر عندما أتت الدبابات. كنا نظن أنها النهاية.”

نجاة اللوح، 32 عاماً، خارج ما تبقى من بيتها. ابنتها المريضة ذات العامين ترقد على الرمل خلفها. © كريستيان إيد/ سارة ماليان

نجاة حامل في شهرها الثالث بطفلها الثمان. سارة، أصغر أطفالها، التي كانت ترقد موهنة في مكان قريب، لم تكن على ما يرام لبضع أيام، حيث أنها كانت تعاني من التقيؤ والحرارة المرتفعة. لم يتمكنوا من أخذها للطبيب.

عندما عادت العائلة إلى منزلها بعد وقف إطلاق النار الإسرائيلي من جانب واحد، اكتشف أفراد العائلة أنه تم قصف منزلهم مرتين وأنه تم قتل جميع الحيوانات التي كانت في حظيرة المنزل.  على بعد 250 متراً من المنزل المدمر، ومن خلال فتحة في جانب المنزل، يمكننا رؤية مئذنة جامع المنطقة الآيلة للسقوط نتيجة لقصف مباشر كان قد استهدفها. كما تعرض جامع إبراهيم المقادمة في بيت لاهيا لقصف جوي في الثاني من يناير للعام 2009، مما أدى إلى مقتل 16 شخصاً وجرح العشرات.  لقد تم تدمير ما مجموعه 4200 منزلاً بشكل كلي بينما دمر ما يزيد عن 12000 منزل بشكل جزئي خلال العدوان الذي استمر لثلاثة أسابيع.

  لقد أقامت المنظمات الدولية عدداً من المخيمات التي نصبت فيها الخيام في مناطق مختلفة من قطاع غزة. ولكن بحثاً عن المأوى الملائم، توجهت بعض العائلات النازحة والتي بلا مأوى للانضمام لأفراد آخرين من عائلاتهم الممتدة في مناطق أخرى.  إن هذا الأمر ليشكل مزيداً من الضغط على المراكز الحضرية في غزة كما أنه يضع أعباءً إضافية على المناطق المكتظة بالسكان أصلاً. كذلك فإن هذا يعني أن ظاهر حجم مشكلة السكان النازحين داخلياً في غزة سيكون أقل بكثير مما هو عليه الحال فعلياً. 

على ما تبقى من الطابق الثاني، كانت فايزة التي تبلغ الرابعة والأربعين عاماً، وهي أخت زوج نجاة، تلملم ما تبقى من ملابس الأطفال.  “أحياناً أتمنى لو أننا متنا بدلاً من هذا…. لم يكن أي مسلح بالقرب من منزلنا. أليس ما حل بنا حرام؟ أليس تدمير المنازل وقصف الجوامع وقتل الأطفال بحرام؟”، كان هذا ما قالته فايزة.

منذ نهاية العدوان، تشعر ميساء بالكدر، وعدم الرغبة في الدراسة. أمها نجاة قالت: “لقد حصلت على 99% في مادة اللغة الإنجليزية، ولكن جميع شهاداتها المدرسية والجوائز التي حصلت عليها دفنت تحت ذلك التراب. ما الذي سيحل بمستقبلها؟”.  لقد أرتني حجرتها التي تغطيها الآن كومة من التراب، وكان طرف سريرها يبرز من التراب، وأخبرتني قائلة: “كنت قد ادخرت بعض المال تحت فراشي. من يدري لو أنني سأعثر عليه يوماً؟”.

القانون الدولي وتدمير الممتلكات المدنية

 لقد كان لعملية الرصاص المصبوب، العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي دام لاثنين وعشرين يوماً بين السابع والعشرين من العام 2008 والثامن عشر من يناير 2009، آثاراً مدمرة على البنية التحتية في غزة.

وتضم القائمة الأولية للأضرار التي تكبدها المدنيون ما يلي:

– 2400 منزل دمر بشكل كلي، بينما تم تدمير 12000 على أقل تقدير بشكل جزئي.

– 60 مركزاً للشرطة و 30 جامعاً تم تدميرها بشكل كلي.

– 21 منشأة خاصة، بما فيها المطاعم وصالات الأفراح والفنادق.

– 28 منشأة مدنية عامة، بما في ذلك مباني الوزارات، والبلديات وموانئ صيد الأسماك.

– 121 ورشة عمل صناعية/ تجارية تم تدميرها بشكل كلي، بينما لحقت أضرار بـ 200 ورشة عمل أخرى.

– خمسة مصانع أسمنت ومصنع عصير.

– خمسة مؤسسات إعلامية ومؤسستين صحيتين تم تدميرها.

– 29 مرفق تعليمي، بما في ذلك مدارس تم تدميرها بشكل كلي أو لحقت بها أضرار.

– آلاف الدونمات[1] من الأراضي الزراعية تم تسويتها بالأرض.

لقد كان تدمير إسرائيل للممتلكات والأراضي التابعة للفلسطينيين هو ما يميز قوتها المحتلة منذ العام 1967، وهو ما يشكل خرقاً واضحاَ للقانون الدولي. كما أسهمت هذه السياسة الإسرائيلية أيضا في تدهور الوضع الإنساني في الأراضي المحتلة بشكل مضطرد.

وعلى الرغم من سحب إسرائيل لقواتها ومستوطنيها من قطاع غزة في العام 2005، لا تزال إسرائيل تتحكم ببحر غزة، وحدودها مع العالم الخارجي، ومجالها الجوي. يعَّرف قطاع غزة على أنه أراض محتلة وفقاً للقانون الدولي. وبالتالي، تبقى إسرائيل، كونها القوة المحتلة، ملزمة بموجب القانون الإنساني الدولي. إن استهداف الممتلكات المدنية يعد خرقاً لأبسط مبادئ القانون الإنساني، وهو فعل محظور بشكل صريح بموجب القانون الإنساني الدولي العرفي واتفاقية جنيف الرابعة الموقعة في العام 1949.  

تحظر المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة استهداف وتدمير الممتلكات المدنية، “إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً هذا التدمير”. إن إسرائيل، كونها القوة المحتلة، تقع عليها التزامات قانونية محددة تجاه السكان المدنيين في قطاع غزة. وإذا وجد أن تدمير الممتلكات غير متناسب مع الميزة العسكرية المباشرة التي تم تحقيقها، فإن ذلك يشكل مخالفة جسيمة لاتفاقيات جنيف.

لقد نتج عن الطبيعة الممنهجة لعمليات التدمير التي تقوم بها إسرائيل ضد الممتلكات المدنية الفلسطينية واستخدامها للمدفعيات الثقيلة، والدبابات والطائرات الحربية المقاتلة ضد الأحياء السكنية المكتظة، نتج عنها أعداداً كبيرة غير متناسبة من حالات القتل والإصابة بين صفوف المدنيين، وكذلك تدميراً شاملاً للأعيان المدنية. وبالتالي، تعتبر الهجمات التي شنتها القوات الإسرائيلية غير قانونية، وتنتهك مبادئ التمييز والتناسب، وهي بالتالي تشكل مخالفات جسيمة لاتفاقيات جنيف.

إن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يدعو الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف إلى الوفاء بالتزاماتها بموجب المادة 1 من اتفاقية جنيف الرابعة والقاضية بمنع مثل هذه الجرائم، وكذلك الوفاء بالتزاماتها القانونية بموجب المادة 146 القاضية بتقديم الأشخاص المشتبه بارتكابهم مخالفات جسيمة لاتفاقيات جنيف للعدالة. 

مواضيع أخرى