مقتل صحفي برصاص قناص إسرائيلي في مخيم النصيرات، وسط قطاع غزة
قوات الاحتلال تواصل قتل الصحفيين بمعدل ثلاثة أسبوعياً
تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي قتل واستهداف الصحفيين والصحفيات خلال عدوانها العسكري الواسع والمستمر منذ أكثر من (خمسة عشر) شهراً، بهدف قتل الشهود على جرائم الإبادة الجماعية التي تقترف على مرأى العالم ومسمعه بحق الفلسطينيين في قطاع غزة. ومن الواضح أن هنالك قراراً بتصفية جميع الصحفيين والمراسلين الذين ينقلون وقائع تلك الجرائم بالصوت والصورة، وملاحقتهم أثناء عملهم الميداني أو حتى داخل منازلهم بين أهلهم وأحبتهم، في رسالة واضحة لإرهابهم وردعهم عن نقل الحقيقة للعالم. إن استمرار استهداف وقتل الصحفيين والارتفاع في اعداد القتلى الصحفيين يظهر بما لا يدع مجالاً للشك أن القتل عمدي ومقصود، وهو جزء لا يتجزأ من جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
واستمراراً لتلك الجرائم، قتلت قوات الاحتلال أمس مصوراً صحفياً أثناء تغطيته الأحداث في مخيم النصيرات، وسط القطاع. ووفقاً للمعطيات، ففي حوالي الساعة 5:00 مساء يوم أمس الجمعة الموافق 10 يناير 2025، أطلق قناص إسرائيلي كان يعتلي احدى البنايات السكنية بالمخيم الجديد بمخيم النصيرات بمحافظة الوسطى، عيارا ناريا تجاه الصحفي سائد صبري علي أبو نبهان، 26 عاماً، متزوج وله أطفال، وهو مصور صحفي لدي قناة الغد الفضائية، ووكالة الأناضول، مما أدى لاستشهاده على الفور بعد أن اخترق العيار الناري الظهر وخرج من الصدر، بينما كان برفقة الطواقم الطبية التي كانت تجلي عدداً من الإصابات من المخيم نفسه، وكان يحمل كاميرته.
وكانت الطواقم الطبية ومجموعة من الصحفيين قد توجهوا للمخيم الجديد، في الساعة 4:4 مساءَ، بناءً على مناشدة من مواطنين، أخبروهم بوجود إصابات بين الأنقاض، جراء قصف المدفعية الإسرائيلية للمنطقة، بعد توغلها من الصباح، وبعد انسحاب الآليات العسكرية، باشرت الطواقم الطبية عملية انتشال الجرحى، فيما كان الصحفيون يقومون بتصوير الأحداث. وفي تلك الأثناء، أطلقت المدفعية الإسرائيلية قدائفها على جموع المواطنين، بمن فيهم طواقم الإسعاف والصحفيين، فيما أطلق القناصة الين كانوا يعتلون الأبنية المرتفعة النار على المواطنين فأصابوا عددا منهم، بمن فيهم الصحفي نبهان.
وأظهر مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، لحظة إصابة الصحفي أبو نبهان، برصاصة في الظهر، بينما كان يحمل كاميرته، ويهرب مع مجموعة من الموطنين، بينهم شبان يحملون جثمان شهيد، وسط صوت إطلاق نار. وقد سقط أبو نبهان مغشياً عليه، بينما حاول أحد المواطنين حمله، ولم يقدر، وبقي في المكان ينزف حتى الموت.
وأفاد أحد المسعفين، من طاقم إسعاف الخدمة العامة المتواجدين في المكان لإجلاء الإصابات بين المواطنين في المخيم، أنه “تم إطلاق القذائف المدفعية من قبل الآليات ومحاصرة طواقم الإسعاف والصحفيين من قبل الطائرات المسيرة (الكواد كابتر) بالإضافة لأحد القناصة الذي كان يعتلي احدى البنايات العالية، ثم جاءت رصاصة من القناص أصابت الصحفي سائد أبو نبهان ما أدى لسقوطه على الأرض…”
وأكد الصحفي خميس سعيد خميس الريفي 23 عام، وهو يعمل صحفي حر لوكالة رويترز والجزيرة الإخبارية أن قناصاً إسرائيلياً كان يعتلي احدى البنايات العالية داخل المخيم أطلق النار تجاه الصحفي أبو نبهان، ما أدى لإصابته بعيار ناري اخترق ظهره وخرج من صدره، ما أدى لسقوطه على الأرض. “وبعد عدة محاولات لانتشاله تمكنا من سحبه ووضعه داخل سيارة الإسعاف والتوجه به لمستشفى العودة بنفس المخيم، وكان قد فارق الحياة، حيث إن العيار الناري أصاب قلبه.”
وبمقتل الصحفي أبو نبهان، ويرتفع عدد الصحفيين/ات الذين قتلوا/ن على أيدي قوات الاحتلال منذ السابع من أكتوبر 2023، إلى (204) صحفياً/ة، وفق المكتب الإعلامي الحكومي، وهو العدد الأعلى في العالم منذ بدء الإحصاء للقتلى الصحفيين/ات في العام 1992. بين هؤلاء القتلى (20) صحفية. وقتلت الغالبية العظمى من الصحفيين/ات (191) خلال غارات جوية، سواء من الطائرات الحربية، وطائرات الاستطلاع، بينما قتل (خمسة) آخرون جراء إطلاق النار عليهم من قناصة، كان آخرهم الصحفي أبو نبهان. العدد الأكبر من الشهداء الصحفيين/ات قتلوا/ن هم/ن وعائلاتهم/ن خلال عمليات استهدفت منازلهم/ن.
وتسعى إسرائيل عبر قتل الصحفيين/ات وتغييبهم إلى احتكار الرواية، حيث لا تريد أن يرى العالم الجرائم التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني، في وقت تمنع فيه الطواقم الصحفية الدولية من الوصول إلى غزة وتغطية حرب الإبادة، وكل ذلك في إطار عملية شاملة تمارس فيها الإبادة الجماعية ومجموعة جرائم دولية أخرى تحاول من خلالها ترسيخ نكبة ثانية ضد 2.3 مليون فلسطيني/ة في قطاع غزة منذ العام.
يرى المركز أن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يمعن في اتباع سياسة ممنهجة للقضاء على الصحافة في قطاع غزة، من خلال الاستهداف المباشر وعدم إعطاء أي اعتبار للشارة الصحفية، علماً أن هناك صحفيين قتلوا خلال ارتدائهم زي الصحافة المميز، ويباشرون أعمالهم، وفي مكان معروف لقوات الاحتلال.
يؤكد المركز أن استهداف الصحفيين/ات جاء بهدف الاستفراد بالضحية وتغييب نقل وقائع الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال ضد المدنيات والمدنيين في قطاع غزة. ولذلك يطالب المجتمع الدولي بإدانة استهداف العاملين بالصحافة بشكل علني، والضغط على دولة الاحتلال لوقف استهدافهم بشكل فوري، والعمل دون تأخير على توفير حماية دولية للمدنيات والمدنيين بما فيهم للصحفيات والصحفيين في قطاع غزة.
يعيد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان التذكير بأن الصحفيين/ات يتمتعون بحماية خاصة بموجب القانون الدولي الإنساني شأنهم في ذلك شأن المدنيين/ات. فوفقًا للمادة 79 من البروتوكول الأول الملحق لاتفاقيات جنيف الأربع، والتي وصلت لمستوى القانون العرفي الدولي، “يعد الصحفيون الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق النزاعات المسلحة أشخاصاً مدنيين ضمن نطاق الفقرة الأولى من المادة 50”. كما يتمتع هؤلاء بحماية القانون الدولي لحقوق الإنسان، وخصوصًا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه دولة الاحتلال الإسرائيلي، وترفض الاعتراف بانطباقه على سكان الإقليم المحتل، تمامًا كما تنكر انطباق القانون الإنساني الدولي عليهم.
ويؤكد المركز أن القتل العمد للصحفيين/ات يعد جريمة حرب تقع ضمن اختصاص محكمة الجنايات الدولية، وفقًا للمادة 8 من نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة. كما يعد حرمانًا تعسفيًّا من الحياة وفقًا للمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويستوجب مساءلة مرتكبيه. كما ويعد استهداف الصحافة اعتداء على الحق في حرية الصحافة وحرية التعبير المكفولة وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وخصوصًا المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وإزاء ذلك، يكرر المركز مطالبته المجتمع الدولي بالضغط على دولة الاحتلال لوقف حرب الإبادة ضد قطاع غزة، واستهداف الصحفيين بشكل فوري، والعمل دون تأخير على توفير حماية دولية للمدنيين/ات بما فيهم للصحفيات والصحفيين في قطاع غزة، وتفعيل أدوات الضغط على سلطات الاحتلال بوقف جرائمها والامتثال لقواعد القانون الدولي، وحماية المدنيين. كما ويطالب أجسام الصحافة الدولية منها الاتحاد الدولي للصحفيين بالتحرك العاجل للضغط على الاحتلال محاسبته على قتل واستهداف الصحفيات والصحفيين في فلسطين وبالتحديد في قطاع غزة.