تدين مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية، بأشد العبارات تصعيد قوات الاحتلال الخطير هجومها العسكري على قطاع غزة، مستغلة توجه الاهتمام الدولي نحو عدوانها على لبنان، حيث كثفت هجماتها الحربية بعشرات الغارات على المنازل ومراكز الإيواء والتجمعات في جباليا وبيت لاهيا ومدينة غزة، بالتزامن مع بدء هجوم بري، كما وقصفت مسجداً ومدرسة تأويان نازحين وسط القطاع.
ويأتي هذا التصعيد مع إكمال الهجوم العسكري الإسرائيلي عامه الأول، إمعانًا في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين والفلسطينيات في قطاع غزة، والتي أدت إلى استشهاد وإصابة أكثر من 6% من السكان وتهدد إمكانية نجاة بقية سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.
ووفقاً لتوثيق باحثي المركز الفلسطيني ومؤسسة الحق ومركز الميزان، ففي حوالي الساعة 15:30 من يوم السبت الموافق 5 أكتوبر/تشرين أول، شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي وعلى مدار عدة ساعات هجوماً بعشرات الغارات العنيفة، بالتزامن مع قصف مدفعي وإطلاق قذائف دخانية وصوتية، على بلدتي جباليا وبيت لاهيا، شمال غزة. وتركز القصف على المناطق الغربية، منطقة التوام، والعطاطرة، والسلاطين، ودمّرت منازل مأهولة على رؤوس ساكنيها، وأخرى غير مأهولة في تلك المناطق، ما تسبب في استشهاد وإصابة عشرات السكان.
وفيما يلي مجموعة من أبرز الهجمات التي تمكنت طواقمنا من رصدها:
· هاجمت الطائرات الحربية الإسرائيلية عند الساعة 15:33، من يوم السبت، 5 أكتوبر/تشرين أول 2024، مجموعة من السكان في منطقة الفالوجا في مخيم جباليا شمال غزة، ما أدى إلى وقوع عدد من الإصابات. وبعد أقل من نصف ساعة، هاجمت الطائرات الحربية بعدة غارات عنيفة متزامنة مع قصف مدفعي على المناطق الغربية في التوام والعطاطرة والسلاطين وقصفت العديد من المنازل غير المأهولة في تلك المناطق. كما هاجمت منزلا لعائلة البنا في جباليا شمال غزة، ما أدى إلى إصابة 5 من السكان.
· هاجمت طائرة مسيرة إسرائيلية عند الساعة 16:15، تجمعًا للسكان عند دوار أبو شرخ شمال غزة، ما أدى إلى إصابة 9 منهم، نقلوا إلى المستشفى الإندونيسي.
· هاجم الطيران الحربي عند حوالي الساعة 15:55، منزلاً لعائلة عبد الله بالقرب من نادي خدمات جباليا شمال غزة، ما أدى إلى استشهاد 5 من سكانه بينهم نساء وأطفال، وإصابة 7 آخرين، كما هاجم الطيران الحربي الاسرائيلي منزلاً لعائلة محيسن قرب موقف جباليا وسط مدينة غزة.
· هاجمت الطائرات الحربية الإسرائيلية عند حوالي الساعة 21:30 من مساء السبت نفسه منزلاً لعائلة العرابيد في منطقة بئر النعجة الواقعة غرب مخيم جباليا شمالي القطاع، ما تسبب في استشهاد 11 من السكان على الأقل ممن عرف تواجدهم داخل المنزل من سكانه وأقاربهم، ويجري الحديث عن عدد أكبر من الشهداء تحت الأنقاض، حيث دمّر الهجوم المنزل المكون من ثلاثة طوابق تماماً. يشار إلى أن الهجوم على المنزل دمّر نظام الطاقة الشمسية الذي يشغل بئر مياه خاص في الحي، مما أجبر جميع سكان الحي على إخلائه.
· هاجم الطيران الحربي الإسرائيلي، في حوالي الساعة 21:15، شقة سكنية في عمارة خضورة خلف عيادة الوكالة بمخيم جباليا شمال غزة، ما أدى إلى استشهاد عدد من السكان وإصابة آخرين.
· وهاجم الطيران الحربي الإسرائيلي، في حوالي الساعة 22:10، منزلا لعائلة عفانة في منطقة بئر النعجة في شمال غزة، ما أدى استشهاد امرأة وفقدان آخرين تحت الأنقاض.
· نفذت قوات الاحتلال، في ساعات المساء، هجومًا بريًّا شرق مخيم جباليا وشمال غربي بيت لاهيا، شمال غزة، وسط قصف جوي على شكل أحزمة نارية وقصف مدفعي عنيف، وإطلاق نار من طائرات كواد كابتر إسرائيلية، ما اضطر مئات السكان إلى النزوح القسري.
· هاجم الطيران الحربي الإسرائيلي، في حوالي الساعة 23:10، شقة سكنية في جباليا البلد، ما أدى إلى إصابة عدد من سكانه، كما هاجم منزلا لعائلة المصري في بيت لاهيا، شمال غزة، ما أدى استشهاد 5 من سكانه، بينهم امرأتان وطفلتان، ومنزلا لعائلة الشرافي في منطقة الفالوجا ما أدى استشهاد اثنين من السكان، ومنزلا لعائلة شعبان، ما أدى إلى استشهاد 3 من سكانه وإصابة آخرين.
واستهدفت قوات الاحتلال عند الساعة 06:50 صباح الأحد، 6 أكتوبر/تشرين أول 2024، الصحفي حسن عبد الرحيم حمد، 19 عامًا، ويعمل مع شركة ميديا تاون، ومتعاون مع عدة مؤسسات إعلامية، ما أدى إلى استشهاده وتحوله إلى أشلاء، خلال عمله على تصوير وتغطية التوغل والقصف الإسرائيلي من منزله في مخيم جباليا شمال غزة. وعمل الصحفي طوال الليلة الماضية وحتى قبل نصف ساعة من استهدافه على نشر مقاطع فيديو وتسجيل مقاطع صوتية حول تطورات الأحداث في مخيم جباليا. وسبق أن تلقى الصحفي حمد، بتاريخ 13 مايو/أيار 2024، رسالة عبر رقمه على واتساب، من رقم هاتف إسرائيلي، تحمل تهديدا بقتله واستهداف عائلته إذا واصل النشر ضد إسرائيل.
هذا وتواصل قوات الاحتلال جريمة التهجير القسري لآلاف السكان تطال مناطق واسعة من محافظة شمال غزة، حيث أصدرت أوامر جديدة بالإخلاء عند الساعة 07:59، صباح اليوم الأحد، ونشرت عدة خرائط جديدة تشمل كل محافظتي غزة وشمال غزة، إحداها معنونة بمناطق إخلاء جديدة ومسارات إنسانية مخصصة لسكان شمال قطاع غزة، حيث تم تحديد شارعي صلاح الدين والرشيد كمسارين للتوجه نحو جنوب وادي غزة. وأعلن جيش الاحتلال في إحدى الخرائط بدء مرحلة جديدة من الحرب. وتضمنت خارطة أخرى تبين توسيع المنطقة الإنسانية في المواصي بإضافة بلوكات جديدة من أحياء القرارة والسطر الغربي ووسط خانيونس، التي وجه إليها السكان.
وتثير أوامر وخارطة الإخلاء الإسرائيلية الجديدة قلق المؤسسات الثلاث حول تصميم قوات الاحتلال على استكمال أمر الإخلاء غير المسبوق وغير القانوني الذي أصدره في 13 أكتوبر/تشرين 2023، والذي طالب فيه بانتقال سكان غزة وشمال غزة إلى جنوب وادي غزة، وفي حينه وعلى مدار أشهر اضطر مئات الآلاف للنزوح نحو الجنوب، فيما يواصل مئات الآلاف التواجد رافضين النزوح رغم القصف وأوامر التهجير المتكررة، لأنهم يشاهدون حال النازحين في الجنوب وتعرضهم للهجمات المتكررة التي تقتلهم وتدفنهم وخيامهم.
وحتى إعداد هذا البيان، تواصل قوات الاحتلال القصف الجوي والمدفعي بشكل متواصل ومكثف مركزة على جباليا ومخيمها وبيت لاهيا، والشمال الغربي لمدينة غزة، مع استمرار الهجوم البري في عدة محاور شرقي جباليا، وشمال غربي بيت لاهيا، وشمال غربي مدينة غزة.
وأفاد باحثونا أن هناك مئات السكان والنازحين محاصرين في المنازل، وأن حركة الناس في الشوارع محدودة، واضطر الآلاف للنزوح من المنطقة إلى مناطق أخرى.
قصف مراكز الإيواء وسط قطاع غزة
وإلى جانب التصعيد الخطير في حالات القصف والهجوم البري شمال وادي غزة، هاجم الطيران الحربي الإسرائيلي عند حوالي الساعة 2:00 من فجر اليوم الأحد، المبنى الجنوبي من مدرسة ابن رشد الأساسية المشتركة، في منطقة الزوايدة في المحافظة الوسطى، التي صنفت كمركز مساند لمستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح، وتستوعب حوالي 150 مريضا ومرافقيهم، ما أدى إلى استشهاد 4 من السكان، أحدهم طفل، وإصابة 10 آخرين بجروح.
وبعد نحو 20 دقيقة، هاجم الطيران الحربي الإسرائيلي، مسجد شهداء الأقصى، الذي يأوي نازحين، ويقع شمال مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح، ما أدى لاستشهاد 18 منهم، وإلحاق أضرار في 4 منازل مجاورة.
ومنذ 7 أكتوبر 2023، ارتفعت حصيلة الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، حتى صباح الأحد، إلى 41,870 شهيدا وشهيدة على الأقل، و97,166 إصابة، وفق وزارة الصحة، إلى جانب آلاف الجثامين التي لم تزل تحت الأنقاض أو في المناطق التي تشهد تمركزًا لقوات الاحتلال، مع استمرار نزوح نحو 1.9 من السكان، الذين يواجهون تحديات تمس حياتهم وسلامتهم.
وتؤكد المؤسسات الثلاث أن استمرار تزويد دولة الاحتلال بالسلاح لاستخدامه في قتل وسحق الفلسطينيين والفلسطينيات، وتدمير كل مقومات الحياة، واستمرار صمت المجتمع الدولي وتحلله من التزاماته، بل وشراكة بعضه وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، هو تواطؤ في الجرائم الخطيرة المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني. وبناءً عليه، تطالب المؤسسات الدول الأطراف الثالثة بالالتزام بمسؤوليتها القانونية، والتحرك الفوري لوقف جريمة الإبادة الجماعية، ووضع حد لحصانة دولة الاحتلال، ومحاسبة مسؤوليها عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية التي ينفذونها بحق سكان القطاع، وتهيب المؤسسات بالدول أن تسارع لاتخاذ قرارات فورية بوقف تزويد إسرائيل بالسلاح والذخيرة وفرض عقوبات سياسية واقتصادية صارمة على إسرائيل وقادتها.
وتدعو المؤسسات الثلاث المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل والفعال لفرض وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، وإلزام دولة الاحتلال بالامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية التي فرضت تدابير مؤقتة لمنع ووقف ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية. وتدعو المؤسسات الثلاث المحكمة الجنائية الدولية إلى الإسراع في تحقيقاتها وإصدار مذكرات اعتقال بحق الضالعين في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني.