أمل خميس مصلح اللوح، 31 عاما، متزوجة، وأم لخمسة أطفال، سكان دير البلح وسط قطاع غزة.
أنا متزوجة من أحمد ناصر مصلح اللوح منذ 13 سنة، ولدي 5 أبناء، منهم 3 إناث، وهم: باسل 14 سنة، مرح 12 سنة، نوال 10 سنوات، كريم 8 سنوات، وبراءة سنتان. أسكن في الطابق الثاني من عمارة مكونة من أربعة طوابق شرق المحطة في دير البلح.
منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، وتهديد الاحتلال سكان شمال قطاع غزة للإخلاء والتوجه جنوبا الى مناطق الوسطى ورفح وخانيونس، حيث أسكن وعائلتي في دير البلح والتي تصنف وحسب زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أنها منطقة آمنة. وبناء على ذلك بقيت أنا وعائلتي وعائلة زوجي في المنزل طوال فترة الحرب. وعلى الرغم من وجود عدة استهدافات لمنازل في جنوب القطاع، إلا أننا تمسكنا في مناطق سكننا، ولأنه لا يوجد فعليا مكان للتوجه إليه، فجميع مراكز الايواء مكتظة بالنازحين من شمال القطاع منذ بداية الحرب، فحتى الشوارع لم تخل من خيام النازحين من جميع المناطق.
كنت دائما أسمع أصوات القصف والدمار من حولي ولكني لم أترك منزلي. كنا نستيقظ على أصوات القصف وإطلاق الرصاص حول المنزل وطائرات الكواد كابتر تحيط المنزل وتحلق بكثافة حول المنطقة يوميا وخاصة في الساعة الثانية والنصف منتصف الليل وتطلق الرصاص، ومع ذلك لم نرغب بإخلاء منزلنا؛ لأننا مدنيون.
كنا نتواجد في المنزل، وعند اتصال أحد الأقارب للاطمئنان كنا نجيب أننا بخير، لكن في الواقع كان الأمر مخيفا جدا. كنا نسمع أصوات القصف العنيفة وأصوات الأحزمة النارية ودخول قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي لمناطق شرق دير البلح ولكن لم يقترب من منزلنا.
في الفترة الأخيرة وعلى مدار 3 أيام كانت طائرات الكواد كابتر الإسرائيلية تأتي الساعة الثانية والنصف منتصف الليل وتطلق الرصاص منذ يوم السبت تاريخ 1/6/2024. لم نكن نعرف للنوم مكان، ومن شدة الخوف نبقى مستيقظين منذ بداية غروب الشمس حتى حلول الصباح، كان الرعب يدب في قلوبنا ولم يكن الجنوب امنا على الاطلاق كما زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي وان منطقة دير البلح منطقة خطرة وليست منطقة امنة وتواجد دبابات جيش الاحتلال الإسرائيلي يقدر تقريبا بنحو كيلو متر ونصف بعيدا عنا.
كان أبنائي ينامون في جهة الصالة وقمت بنقلهم للنوم آخر فترة في ممر المنزل.
بتاريخ 4/6/2024 الموافق الثلاثاء، بعد أذان العشاء مباشرة كنت مع أسرتي نصلي وفجأة لم أعِ ما حصل كانت الأمور هادئة ولم يكن هناك أي إشارة أو إنذار لشيء أو مؤشر لحصول قصف، ولكن حصل قصف مباشر على منزلنا.
كنت أنا وأبنائي وزوجي ومعنا ابن شقيق زوجي في الطابق الثاني وابن شقيق زوجي يؤم بنا الصلاة. وفي الطابق الأرضي كان يتواجد والد ووالدة زوجي وابن شقيق زوجي الآخر. أما الطابقين الثالث والرابع التي تعلونا قام أشقاء زوجي بإخلائها كونها مرتفعة وخوفا من وصول القذائف المدفعية إليها. كان اطفالي ينامون في الجهة الغربية ولكني قمت بنقلهم للجهة الشرقية في الممر خوفا من حدوث قصف في الانحاء وذهبت لأداء صلاة العشاء. في ذات الوقت حدث الاستهداف الإسرائيلي المباشر للطابق المتواجدة فيه مع عائلتي وعائلة زوجي في الطابق الأرضي، أما الطوابق العلوية لم يحصل لها شيء، رغم أننا مدنيون، وتم استهداف منزلنا بسبب تواجدنا فيه. جاءتنا الضربة من الغرب حيث كنا نتواجد بالجزء الغربي من المنزل، كنت أجلس للتشهد في الصلاة وفي لحظة لم أشعر بشيء ووجدت نفسي أختنق وأصرخ بسم الله بسم الله شو بصير يا رب يطلع النفس وفجأة شعرت بان شيء نفضني للأعلى وخرج نفسي، ثم فجأة وقع شيء على رأسي وكتفي وشعرت به، ولكن لم أتألم، لم أشعر بالألم على الرغم من ان قدمي كانت محروقة والقدم الأخرى من جهة مشط القدم كانت مصابة إصابة بليغة وقدمي مفتوحة والدماء تملأ المكان، ولكني لم أشعر بشيء. فتحت عيناي على منظر أبيض بالكامل وصوت زوجي يقول أن ابنتي الصغيرة براءة البالغة من العمر سنتان تقريبا قد استشهدت. كان قد وقع عليها لوح الخزانة ودخل في مجرى نفسها الغبار والردم. كانت ملقاة على الأرض بلا نفس، وعندما قام زوجي بإجراء شفط لما كان يسد مجرى التنفس لديها والرمال التي علقت بحلقها، عندها قامت بالصراخ وعلمنا انها مازالت على قيد الحياة، ولكنها كانت مصابة بيدها وظهرها بشظايا وحرق بيدها. وابني كان أصيب بشظية في راسه فقمت بالوقوف من مكاني ولا أدري ما حصل وقعت فجأة ولا اعلم كيف تم نقلي للمستشفى. عند استيقاظي وجدت نفسي في مستشفى شهداء الأقصى أصرخ من الألم وبنطالي محروق وجسدي به حروق ورأسي منتفخ جدا وقدمي تنزف. كانت المستشفى مليئة بالمصابين والشهداء من حولي عدا عن الأشخاص الذين تم تشويههم من القصف ولديهم حروق متعددة وأشخاص تم لفهم بالسلفان في جانب من المستشفى. ولكني لم أكن أحتمل الألم وأعاني من هبوط حاد وأشعر بأن هناك كسرا في رقبتي وأكتافي. ومنذ انتقالي للمستشفى الساعة العاشرة مساء حتى الساعة الثانية فجرا وأنا ملقاة على الأرض أنتظر مساعدتي من الأطباء والنظر لحالتي من كثرة المصابين في المستشفى. تم لف المناطق المحروقة وتغريز جبيني المفتوح و وأخبروني بان علي مراجعة قسم العظام لقدمي، أخبرهم الاطباء وقت الإصابة بان يقوموا بتغريزي غرزة واحدة على أن أقوم بالغيار عليها يوما بعد يوم وضع غرزة وحيدة بقدمي لتمسك اللحم بالقدم فقط مع أنها بحاجة لتغريز كامل القدم وقالوا لي بان أقوم بوضع كمادات مياه باردة على رأسي المنتفخ بسبب تجمع الدماء وأن الانتفاخ سينزل على الوجه حتى يختفي. وتم إخراجي من المستشفى في نفس الليلة الساعة الثالثة فجرا. توجهت الى خيمة أحد اقاربنا بالقرب من مستشفى شهداء الاقصى إلى أن حل الصباح فتوجهت لمدرسة دير البلح الابتدائية أ+ب المشتركة حيث يتواجد أهلي في أحد الصفوف ووصلت الساعة الثامنة صباحا وفيما بعد علمت بأن والد ووالدة زوجي، ناصر مصلح محي الدين اللوح، 67عاما، ونوال خميس محمود اللوح والبالغة 67 عاما وابن شقيقه أحمد اشرف ناصر اللوح، 19عاما قد استشهدوا. وأصيب كذلك ابن شقيق زوجي والذي كان يؤم بنا محمود اشرف ناصر اللوح والبالغ 24 عاما، وابني باسل، 14 عاما، وزوجي ناصر اللوح قد أصيبوا بشظايا خفيفة وإصابات خفيفة. ابنتي الصغيرة براءة كانت تحمل مصاصة الحليب بيدها أثناء القصف، واخترقت الشظايا الرضعة الخاصة بالصغيرة.
قمت بمراجعة الطبيب الموجود في المدرسة ولكنه أخبرني بان علي مراجعة المستشفى لأن وضع قدمي خطير وخوفا من حصول التهاب في الجرح ويؤول بي لبتر القدم. قبل يومين قمت بالتغيير على الجرح ووجدوا بان هناك شريان مقطوع كان يخرج دماء فقاموا بقطعه وكنت اصرخ بشدة من الألم شعرت وكأن سكاكين تقطعني والآن أنا لا أشعر بأصابع قدمي، شلل تام في أصابع قدمي.
وتم إخباري بمراجعة المستشفى بعد أيام لإجراء تصوير آخر لقدمي فقمت بالتغيير عليها قبل يومين في المدرسة لدى الطبيب الموجود. أما اليوم فتوجهت للغيار فاخبروني بأني يجب ان أتوجه للمستشفى وان وضع قدمي سيء ولا يستطيعون التغيير لي عليهم وأن أتوجه للمستشفى للاعتناء بحالتي. جبيني كنت قد اصبت به أيضا وتم تغريزه ثمانية غرز وأخبرني الطبيب بأنني لا يجب أن أتعرق على الغرز وأحاول جاهدة أن لا أتعرق لكي لا يتأثر الجرح في جبيني ولكن في وجودي في صف غير مؤهل أبدا لحالة في مثل وضعي يصعب عليّ عمل كمادات المياه الباردة التي أوصى بها الأطباء للورم في رأسي فنزل الانتفاخ من راسي لعيناي واتعرق كثيرا. أما بالنسبة لقدمي لا يمكنني السيطرة على الألم الحاصل لي.
أنا لا أستطيع النوم، حاولت شرب دواء منوم لأستطيع النوم، لا أستطيع نسيان ما حصل معي. في وقت حدوث القصف كنت أقول: أنا أكيد مستشهدة وأكيد بيدفنوا فيّ، وأن الصراخ هاد الناس الذين قاموا بدفني يرحلون عن قبري.
الآن انا في المدرسة على أمل أن أكون في مكان آمن وزوجي يقول لي بأني عندما أتحسن وتنتهي الحرب سيقوم بنقلي لمكان المنزل حتى لو في خيمة لنبقى بالمكان، ولكني أرفض بشدة، لا أستطيع العودة للمكان الذي عانيت به، لا أشعر أنى قادرة على العودة للمنطقة مرة أخرى حتى لو انتهت الحرب.
أجلس بالمدرسة لدى أهلي ولا يوجد أي دخل مادي لمساعدتي. أحتاج لحفاضات لابنتي الصغيرة براءة البالغة سنتان تقريبا التي أصيبت بيدها أثناء القصف وذهبت لإدارة المكان لإعطائي الحفاضات ولكن في البداية رفضوا لعدم وجود اسم لي في المدرسة وان الحفاضات قد انتهت فأخبرتهم بحالتي ورحلت فقاموا بالمناداة على واعطائي الحفاضات.
لا أستطيع الوقوف على قدماي، متعبة جدا، أحاول تحمل الألم بالمسكنات والمضاد الحيوي لكن الألم لا يفارقني. ومنذ وقوع الحادث وانا اشعر باختناق وضيق في التنفس ورأسي فيه حروق واذني ويدي وقدمي فيهم تقرحات من الحرق، وأخبروني بانه يجب ان يتم الغيار عليهم كل يوم وان يتم قص اللحم الميت. معاناتي لا تنتهي، والآن الدماء المتجمدة نزلت على عيناي وعيناي متورمة، اكتافي وظهري وعنقي اعاني من الألم فيهم بشدة.
زوجي بعد 3 أيام تم اكتشاف وجود شظايا في رأسه وتمت إزالتها بعد 3 أيام من حدوث القصف.
تم دفن والد ووالدة زوجي وابن شقيقه في اليوم التالي ليكملوا أجزائهم المفتتة فوجدوا بعد نقل الجثث، يد تم قطعها وقدم مبتورة وقطة تأكل في مخ أحدهم، مناظر لا يمكن تحملها. مع أن القصف كان من الطابق العلوي إلا أنه كتبت لنا الحياة وكتبت لهم الشهادة.
حالتي صعبة جدا لا أعلم ما سيحصل لي في الأيام القادمة، أعاني من عدم مقدرتي على صعود الدرج والنزول عنه، أتألم بشدة لكن لا يوجد لي مكان آخر وأريد الذهاب للغيار على قدمي، لا أعلم كيف سأذهب للمستشفى وانا لا املك كرسيا متحركا وها هي حالتي ومعاناتي التي لا تنتهي.
نسخة تجريبية