يتزامن دخول العدوان العسكري الإسرائيلي يومه الـ 182 على التوالي، مع يوم الطفل الفلسطيني الذي يحل في 5 إبريل/نيسان كل عام، وسط واقع كارثي وانتهاكات جسيمة تمس الأطفال الفلسطينيين في قطاع غزة.
ويأتي هذا اليوم، الذي اعتمده الرئيس الراحل ياسر عرفات في التاريخ نفسه من العام 1995م خلال مؤتمر الطفل الفلسطيني الأول، وإعلان التزام السلطة الفلسطينية باتفاقية حقوق الطفل، في وقت تتعاظم فيه المآسي في قطاع غزة جراء جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والجريمة الأخطر الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال ومست البشر والحجر والشجر، وتحوّل فيها الأطفال الفلسطينيون إلى أهداف مستباحة من الاحتلال الإسرائيلي.
ويأتي هذا اليوم، في وقت يدفع فيه الأطفال الفلسطينيون في غزة فاتورة باهظة للعدوان الإسرائيلي على مرأى العالم بأسره الذي لا يزال عاجزًا على وقف هذه الإبادة التي راح ضحيتها نحو 5 % من السكان بين شهيد وجريح ومفقود، منهم الآلاف من الأطفال الذين يواجهون بأجسادهم الصغيرة الصواريخ، والقنابل، والقتل، والدمار، ويخرجون أشلاء من بين الركام، ومن ينجو منهم يفقد ذويه أو منزله أو مدرسته ويعيش كوابيس الرعب من القصف الذي لا يتوقف.
ولا يزال الاحتلال الاسرائيلي يرتكب انتهاكات جسيمة متعددة تجاه الأطفال، شملت القتل، والتشويه، والاعتقال والإخفاء القسري، وحرمانهم من حقهم في الحياة، والصحة، والتعليم من خلال تدمير المدارس والمستشفيات ومنع وصول المساعدات الإنسانية، وتعريضهم للاستهداف بشكل مباشر خلال العدوان الإسرائيلي المستمر بحق المدنيين والمدنيات في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويشكل الأطفال في قطاع غزة ما نسبته 47% من إجمالي السكان، وفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. ومن المتوقع أن يبلغ عدد الأطفال دون 18 سنة منتصف العام 2024 في دولة فلسطين 2,432,534 طفل؛ (بواقع 1,364,548 طفلاً في الضفة الغربية، و1,067,986 طفلاً في قطاع غزة)، في حين قدر عدد الاطفال دون سن 18 سنة في قطاع غزة بـ 544,776 طفلاً ذكراً، و523,210 طفلات إناث، منهم حوالي 15% دون سن الخامسة (341,790 طفلاً وطفلة)، وذلك وفق ما صرحت به د. علا عوض، رئيسة الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
ومنذ السابع من أكتوبر الماضي، يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي استهدافه المباشر للأطفال، حيث يمثل الأطفال نسبة هائلة من الضحايا المدنيين والمدنيات الذين استشهدوا خلال العدوان العسكري الإسرائيلي، فبحسب آخر تحديث للمكتب الإعلامي الحكومي، يوم الأربعاء، 3 ابريل/نيسان 2024، فإن هناك 39,975 فلسطينياً/ة بين شهيد ومفقود، من بينهم أكثر من 14,500 طفلاً، ويشكلون %44 في المائة من إجمالي عدد الشهداء في قطاع غزة، ومازال هناك 7000 في عداد المفقودين، 73% منهم من النساء والأطفال، إلى جانب مئات آخرين موجودين تحت الأنقاض منذ أسابيع وتتعذر فرص انتشالهم ونجاتهم.
أما الجرحى الأطفال من جراء الهجمات الإسرائيلية، فالمئات منهم حالتهم حرجة، حيث تعرض العشرات من الأطفال لعمليات بتر أطراف، والمئات لحروق شديدة في مختلف أنحاء أجسادهم، فيما تقطّعت أجزاء من أجساد آخرين إثر إصابتهم بالصواريخ الإسرائيلية وأصبحوا فاقدين لبعض أو جميع أطرافهم.
في حين من نجى منهم من القصف المستمر، فهم يعيشون في خيام مشردين بعيدين عن منازلهم فقدوا الأب، أو الأم، أو كلاهما معاً، بجانب الأشقاء، والبعض أصبح وحيداً بلا مأوى. تشير التقديرات إلى أن نحو 17 ألف طفل فلسطيني في غزة أصبحوا أيتاماً بعد أن فقدوا كلا الوالدين أو أحدهما، ولكل منهم قصصاً مروعة عن الخسارة والفقدان.
وإضافة إلى القتل، والإصابة، والنزوح، وفقدان الوالدين، يواجه أطفال غزة خطر الموت جوعاً وعطشاً، لا سيما في مناطق مدينة غزة وشمالها حيث تنعدم فرص الحصول على وجبة طعام واحدة يومياً، فوفق تحديث المكتب الإعلامي الحكومي هناك 30 طفلاً استشهدوا نتيجة المجاعة وسوء التغذية والجفاف. ووفقًا لفحوصات التغذية التي أجرتها يونيسف في شباط/فبراير هناك ارتفاع حاد في معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال في شمال غزة، حيث وصلت إلى %31 بين الأطفال دون سن الثانية. كما زاد معدل الهزال الشديد، الذي يعد أكثر أشكال سوء التغذية تهديداً للحياة ويستلزم التغذية العلاجية والعلاج الذي لا يتوفر في غزة، إلى %4.5 بين الأطفال في مراكز الإيواء والمراكز الصحية في شمال غزة، وسجل أربعة أضعاف ما كان عليه في رفح حيث ارتفع من %1 إلى %4، ووجد في خانيونس أن 28% من الأطفال دون سن الثانية يعانون من سوء التغذية الحاد، بمن فيهم 10% يعانون من الهزال الشديد.
ويواجه الأطفال أيضاً خطراً محدقاً من جراء تعرّضهم للأوبئة والأمراض السارية الناتجة عن عدم توفر مياه صالحة للشرب، حيث بات الحصول على كميات كافية من المياه النظيفة مسألة حياة أو موت والذي بدوره سيؤدي إلى وفاة المزيد من الأطفال بسبب الأمراض والأوبئة، عدا عن استخدام أساليب غير آمنة وغير صحية لإشعال النار بهدف الطهي، بالإضافة إلى انعدام النظافة الشخصية، والرعاية الصحية في مراكز الإيواء شديدة الاكتظاظ.
وعلى الصعيد النفسي، وفي حين يجد الأطفال أنفسهم ضحايا الهجمات التي يشنّها الاحتلال بلا هوادة، للشهر السادس على التوالي، والتعرض المباشر لمشاهد الموت والقتل وغيرها، فإنّهم يُجبرون على النزوح تحت القصف العنيف، الأمر الذي يزيد من وطأة الصدمات النفسية التي يتعرّضون لها مما سيترك آثاراً نفسية صعبة لتستمر معهم طوال حياتهم. ومن هؤلاء الأطفال الذين يشكلون نصف المجتمع من سكان القطاع، من يعاني أصلاً من أزمات صحية ونفسية خطيرة منذ سنوات طويلة مثقلة بالحروب والفقر والحصار المتواصل.
ومع انقطاع التعليم في المراحل الدراسية كافة، يواجه أطفال غزة مستقبلاً مجهولاً، حيث تحولت المدارس في مختلف أنحاء قطاع غزة إلى مراكز إيواء عدا عن تدميرها وتضررها، حيث استخدمت 133 مدرسة كمراكز إيواء، وتعرضت 111 مدرسة لأضرار بالغة، ودمرت أكثر من 40 مدرسة بشكل كامل وفقا لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وحُرم نتيجة لذلك 620 ألف طالب وطالبة في قطاع غزة من حقهم بالتعليم المدرسي، لتُضاف إلى الجرائم الإسرائيلية بحقهم في محاولة تدمير أجيال كاملة في قطاع غزة.
ولم يسلم الأطفال الخدج وحديثو الولادة في قطاع غزة من جرائم الاحتلال، حيث كانوا جزءاً في معركة البقاء على قيد الحياة، ووفق المعطيات الصادرة عن اليونيسف هناك نحو أكثر من 20 ألف طفل وُلدوا في ظل العدوان الإسرائيلي منذ اندلاعه على قطاع غزة، وحسب المكتب الإعلامي الحكومي هناك نحو 60 ألف امرأة حامل في قطاع غزة يعانون من سوء التغذية والجفاف، لذا فمن المحتمل أن كثيرا من أطفالهنّ ستتم ولادتهم ناقصي الوزن، إضافة إلى عدم تلقي الكثير منهم للتطعيمات الصحية بسبب عدم توفرها مما يعني ظهور أمراض بين الأطفال كالحصبة وشلل الأطفال وغيرها.
ويوفر القانون الدولي الإنساني حماية عامة للأطفال كونهم أشخاصاً غير مشاركين في الأعمال العدائية كما يوفر لهم حماية خاصة كونهم يقعون ضمن فئة الأشخاص الأكثر ضعفاً في الحروب والنزاعات المسلحة. وبما أن الأطفال يتمتعون بالحماية بموجب اتفاقية جنيف الرابعة فإنهم يستفيدون من جميع الأحكام الخاصة بمعاملة الأشخاص المحميين.
وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، والتي تعد ملزمة للدول التي اعترفت بها ومنها إسرائيل وبروتوكولها الاختياري بشأن إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة عام (2000)، على وجه التحديد، فعلى الدول حماية الأطفال من آثار النزاعات المسلحة، ونظرًا إلى مصادقة إسرائيل على الاتفاقية منذ عام 1991، فإنها ملزمة قانونيًا وأمام المجتمع الدولي بتنفيذ بنودها كافة، وعلى رأسها اتخاذ جميع التدابير الممكنة عمليًّا لكي تضمن حماية ورعاية الأطفال المتأثرين بالنزاعات المسلحة، والتي ينصّ عليها البند الرابع من المادة 38، كما وعليها عدم تعريض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وعدم حرمان أي طفل من حريته بصورة قانونية أو تعسّفية، وفقًا للبندين (أ) و(ب) من المادة 37
.
تجدد مؤسساتنا مطالبتها المجتمع الدولي بضرورة التحرك العاجل والفاعل لوقف الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الطفل الفلسطيني، واجبارها على احترام قواعد القانون الدولي الإنساني، لا سيما اتفاقية جنيف الرابعة، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، لا سيما اتفاقية حقوق الطفل. ونؤكد أن عجز المجتمع الدولي عن اتخاذ خطوات فاعلة لوقف الجرائم بحق الفلسطينيات والفلسطينيين قد شجع الاحتلال على مواصلة جرائمه بما فيها جريمة الإبادة الجماعية.
كما تطالب مؤسساتنا المجتمع الدولي بضرورة توفير الحماية لأطفال فلسطين والضغط على قوات الاحتلال الاسرائيلي للوقف الفوري لإطلاق النار ووقف جرائمها واعتداءاتها المتكررة بحق أطفال قطاع غزة.