أكد المركز الفلسطيني لحقوق الانسان في تقريره الذي أصدره اليوم الاحد، 30 يونيو2024، وحمل عنوان “الإبادة الثقافية”، أن التدمير المتعمد والممنهج للممتلكات الثقافية والتاريخية خلال العدوان الحربي الاسرائيلي على قطاع غزة يهدف إلى طمس الهوية والتراث التاريخي للشعب الفلسطيني بصفتهم السكان الأصليين لهذه الأرض. ودعا المركز محكمة العدل الدولية إلى إدراج انتهاكات دولة الاحتلال الإسرائيلي المتمثلة بالتدمير المتعمد للمنشآت التاريخية والأثرية ضمن نطاق متابعتها في القضية المطروحة حالياً، باعتبارها جرائم حرب تنتهك حقوق الانسان، وجريمة إبادة جماعية تهدف إلى قصد التدمير الكلي أو الجزئي للفلسطينيين من خلال طمس تراثهم التاريخي، وهو ما يجوز تصنيفه إبادةً ثقافيةً بحقهم.
وأشار التقرير إلى أن ما يحدث منذ السابع من أكتوبر٢٠٢٣ هو استكمال لما بدأته آلة الحرب الإسرائيلية في العام 1948م بكل قوتها لتدمير الحجر والبشر، حيث شطبت وقتها ما يزيد عن (600) مدينة وقرية فلسطينية، وأقامت عليها مستعمراتها بعد تطهيرٍ عرقي بحق قرابة المليون فلسطيني. وذكر التقرير أنا العدوان الحربي الحالي والذي يأتي بعد 75 عاماً على النكبة، يعيد ذات المشهد من جديد فالقوات المحتلة دفعت نحو 2 مليون فلسطيني للنزوح عن منازلهم التي تم تدميرها بشكل واسع النطاق. وأضاف التقرير أن القوات المحتلة لم تضيّع أي فرصة في تدمير الممتلكات الثقافية والمباني التاريخية الأثرية بقطاع غزة، على غرار ما قامت به سابقاً في مدن وقرى فلسطين التاريخية، وتقوم به حاليا في الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة، وهو ما يُعبر عن شبهة إبادة ثقافية تستهدف التخلص من الآثار المادية التي تربط السكان الأصليين (الفلسطينيين) بوطنهم، ومسح متعمد وممنهج لتاريخهم وتراثهم.
واستعرض التقرير أهم الانتهاكات والأعمال العدوانية الإسرائيلية التي استهدفت المباني التاريخية والممتلكات الثقافية خلال العدوان المستمر على القطاع، فقد تم تدمير نحو (206) معلم تاريخي وأثري بحسب الاحصائيات الرسمية، شملت مساجد تاريخية، كنائس أثرية قديمة، وأسواق وأحياء شعبية، يعود تاريخها إلى أكثر من ألف عام، إضافةً إلى تدمير جامعات ومكتبات ومتاحف ومسارح وجداريات وقلاع، ومخطوطات ومؤسسات ثقافية. وبحسب التقرير يشكل ذلك انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي وتخلٍ من دولة الاحتلال عن الواجبات والمسؤوليات التي تفرض عليها المحافظة على التراث الثقافي في المناطق المحتلة وحمايته وعدم المساس به.
وأفرد التقرير مساحةً لما تم توثيقه بعد انسحاب القوات المحتلة من عدة مناق في قطاع غزة، ونظراً لاستمرار العدوان وعدم التمكن من إجراء أي تقييم نهائي وشامل للأضرار التي أصابت المواقع الأثرية والثقافية، استعرض التقرير الانتهاكات في أبرز الأماكن الأثرية والثقافية المدمرة كــالمسجد العمري، وكنيسة بيرفيريوس، وميناء البلاخية، وقصر الباشا الأثري، وكنيسة جباليا البيزنطية ومركز رشاد الشوا كأحد أهم المعالم الثقافية في مدينة غزة.
واعتبر التقرير أن ما ترتكبه القوات الإسرائيلية المحتلة من استهداف للهوية الثقافية والتاريخية مرتبطاً بشكل وثيق مع جرائمها بحق المدنيين فهي تسلب أرواح الأبرياء العزّل بضربها المنازل فوق رؤوسهم من جانب، وتحاول تدمير تراثهم التاريخي وطمس ماضيهم من جانب آخر، وهو ما يعتبر انتهاكًا جسيماً للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الانسان، وخاصة الإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949، واتفاقية لاهاي لسنة 1954 الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاع المسلح، وبروتوكوليها الأول والثاني، بالإضافة إلى ذلك فإنه يمثل خرقاً جسيماً لميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، ويرقى إلى جريمة ضد الانسانية.
وأشار التقرير في عنوان منفصل إلى وجود شبهات حول قيام قوات الاحتلال الإسرائيلية بسرقة المقتنيات الأثرية المتواجدة في متحف قصر الباشا ومخزن غزة للآثار وعدة أماكن أثرية أخرى، ملقياً المسئولية على المجتمع الدولي والمنظمات الدولية وخاصة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو للقيام بواجباتهم والحفاظ على الممتلكات الثقافية الفلسطينية، وذلك ووفقًا لاتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالات الحرب، التي تعد إسرائيل من الدول الموقعة عليها، يُحظر نقل القطع الأثرية من الأراضي المحتلة، ويُعتبر نهبًا للممتلكات الثقافية ويشكل انتهاكًا لقوانين حقوق الإنسان الدولية، كما هو مفصل في اتفاقية الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.
وقدم التقرير مجموعة من التوصيات يطالب فيها المجتمع الدولي بالتحرك الجاد والفوري لوقف حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيلي ضد قطاع غزة، وإلزام إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال بالتوقف عن استهداف الممتلكات الثقافية. كما طالب محكمة العدل الدولية إلى إدراج انتهاكات دولة الاحتلال الإسرائيلي المتمثلة بالتدمير المتعمد للمنشآت التاريخية والأثرية ضمن نطاق متابعتها في القضية المطروحة حالياً، باعتبارها جرائم حرب تنتهك حقوق الانسان، وجريمة إبادة جماعية تهدف إلى قصد التدمير الكلي أو الجزئي للفلسطينيين من خلال طمس تراثهم التاريخي، وهو ما يجوز تصنيفه إبادةً ثقافيةً بحقهم. كذلك دعا التقرير منظمة اليونسكو، والمقررة الخاصة للحقوق الثقافية إلى توثيق وفضح الجرائم الإسرائيلية المرتكبة تجاه حقوق الشعب الفلسطيني الثقافية، والضغط على سلطات الاحتلال لوقف جرائمها بحق التراث الثقافي الفلسطيني، كونه مكون أساسي لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
نسخة تجريبية