الطفل محمد إبراهيم “محمد عوض” قدورة، 15 عاما، كنت أقطن في جباليا شمال غزة.
أنا طالب في الصف التاسع بمدرسة شهداء جباليا، كنت أعيش مع والدي ووالدتي وشقيقي التوأم عوض في شقة سكنية ببناية مكون من أربع طبقات في جباليا، يقطن فيها 3 من أعمامي. في 07/10/2023، بينما كنت أرتدي ملابسي للذهاب للمدرسة، سمعنا صوت انفجارات متتالية، فحاول والدي معرفة ما يحدث لكن الأمور. كانت غامضة في بداية الأمر، وبعد ساعات علمنا بالأحداث، وقررنا النزول إلى الطابق الأول وهو الشقة التي يقطن بها عمي نضال، 45 عاما وعائلته وبقينا مدة يومين في بيت عمي. في اليوم الثاني، قصف الاحتلال المنزل المجاور لنا وهو لعائلة سعد وتطايرت علينا الحجارة والزجاج، فقرر والدي وأعمامي المتواجدين بالبناية وهم: عمي نضال، وعمي رائد، التوجه إلى بيت جدي البعيد مسافة كيلو متر، حيث يقطن عمي وسام وعائلته مع جدي وجدتي. وبينما نحن هناك حضر ليقطن معنا عماتي الأربعة بعوائلهن، وبقيت عمتي مرفت في بيتها وكل يوم تأتي لزيارتنا فكان بيتها قريب جدا منا، وكان عدد الماكثين في منزل جدي 65 شخصا، بينهم 15 امرأة و29 طفلا.
في 13/10/2023، طلب الاحتلال من سكان مدينة غزة والشمال التوجه إلى الجنوب لكن جدي وأبي وأعمامي فضلوا البقاء بالشمال، فعدد الموجودين في البيت كبير والأطفال كثر، ولا يوجد مكان في الجنوب لاستيعابنا. ومرت الأيام لكن القصف كان شديداً، والكثير من الجيران والمعارف توجهوا إلى الجنوب من شدة القصف والأحزمة النارية المتواصلة.
في صباح 17/11/2023، استيقظنا على صوت قصف شديد ومتواصل وكنا جميعا متواجدين في صالة البيت، الذي كان يهتز مع القصف، وصوت القذائف كان قريباً جداً منا. فقرر أبي أن نتوجه جميعا إلى الجنوب من شدة خوفه علينا. وبالفعل خرجنا جميعا، فلم يكن هناك سيارات لنقلنا، فصعد الكبار بالسن على عربة يقودها “حيوان”، ونحن سرنا على الأقدام، وكان جزء منا يحمل راياتٍ بيضاء من بينهم شقيقي عوض. وكنا نعلم أن الاحتلال الإسرائيلي توغل في أرجاء المدينة، سرنا مسافة طويلة جدا حتى وصلنا إلى دوار الكويت الواقع بشارع عشرة بمدينة غزة، حيث تتمركز آليات الاحتلال والجنود منتشرون في كل مكان. طلب منا الجنود المكوث على الأرض ورفع أيدينا إلى الأعلى، وبدأوا بإلقاء الحجارة علينا، فضلا عن الشتائم وتعفيرنا بالرمل بواسطة ركله بأقدامهم علينا. وفي حوالي الساعة 4:00 مساءً، أي بعد ساعة من وصولنا الحاجز، طلبوا منا العودة إلى الشمال، وأن نعود باكرا في اليوم التالي للنزوح إلى الجنوب، حيث أحضر والدي باص فولكس وأعادنا إلى الشمال وأخذ منا 1000 شيكل.
وفي 18/11/2023، كانت الأحزمة النارية شديدة جدا والقصف متواصل، ومن شدة الخوف بقينا جميعا بالصالون ملتصقين ببعض، وكان يوما وليلة صعبة جدا، حيث لم نستطع النوم. وفي تاريخ 19/11/2023، طلب والدي من الجميع أن يحضر أغراضه الضرورية للتوجه في اليوم التالي إلى الجنوب، حيث نسق مع حافلة تنقلنا للجنوب، وذهبت مع والدتي إلى البيت لجلب بعض الأغراض اللازمة، وبالفعل أحضرناها ووضعت كل ما تريده في حقيبتين للنزوح بهما للجنوب في اليوم التالي.
وفي حوالي الساعة 6:30 مساءً من يوم الأحد 19/11/2023، بينما كنا جميعا نقف لصلاة المغرب جماعة، كنا نصلي جميع الصلوات جماعة بالبيت، تفاجأت بنار في وجهي، وشعرت أنني أطير وبعد ذلك لم أر شيئاً. فتحت عينيي فوجدت حجارة ملقاة علي والمكان معتم جدا وثقل على وجهي وجسمي، فأادركت أن البيت قصف وأنني تحت الركام. بدأت أنادي لكن دون جدوى، بقيت 8 ساعات تحت الركام مروا ببطء، شعرت بالخوف والبرد، كنت أسمع صوت القصف. وبعد فترة سمعت صوت ناس وإسعافات فاجتهدت حتى أرفع صوتي وأنادي، وبعدها رأيت الضوء وأن الثقل الموجود على وجهي تم رفعه، حيث كان سقف المنزل علي، وقام رجال الإسعاف بسحبي من منطقة الإبط وإخراجي من تحت الركام، ونقلوني بالإسعاف إلى المستشفى الإندونيسي. ومن شدة اكتظاظ المصابين وضعوني على الأرض، وكان الألم بجميع أنحاء جسدي فأنا لا أستطيع السير على أقدامي وعيني اليسرى منتفخة ولا أرى بها، فضلا عن الحروق التي كانت بأجزاء متفرقة من جسدي، وسمعت الشخص الذي كان يساعد الطبيب في فحصي يقول: “هذا الطفل هو الناجي الوحيد من عائلته”.
كان الوضع صعبا وسيئا جدا بالمستشفى، تم محاصرتها من الاحتلال الاسرائيلي، وداهمها الجنود، وأحضروا باصين وتم نقل المصابين إلى مستشفى الأوروبي. فقدت الوعي في الباص ولم أستيقظ إلا وانا بالمستشفى الاوروبي، وحضر شخص وسألني عن اسمي فأخبرته فقال لي: إن زوجة عمك رائد في الغرفة المجاورة لغرفتي فسألته عن أهلي فأخبرني أنهم مصابون بالشمال، فأدركت أنه يخفي عني الحقيقة وأن أهلي استشهدوا، ولو أنهم أحياء لتم نقلهم إلى مشافي الجنوب لأن مستشفى الإندونيسي محاصر.
توجهت إلى الغرفة التي بها زوجة عمي رائد وهي المواطنة مريم عبد المنعم عبد ربه، 30 عاما، كان وضعها الصحي صعبا جدا وكانت محروقة، ولكن مجرد أن رأتني وسمعت صوتي صارت تبكي وتصرخ وتقول لي “ن عمك رائد، والاولاد احمد 10 اعوام، وهدى 8 أعوام، والتوأم سما ولما 20 يوما، استشهدوا وتركوها وحدها. وبعد ذلك تم تحويلها للعلاج بالخارج لخطورة حالتها.
ولاحقا، تأكدت من استشهاد جميع أفراد عائلتي ومن بينهم والدي إبراهيم “محمد عوض” قدورة، 48 عاما ووالدتي هنادي محمد يحيى سليمان، 47 عاما، وشقيقي التوأم والوحيد عوض، 15 عاما، حيث أنجبنا والدي بعد 10 أعوام من زواجهم عن طريق التلقيح الصناعي.
بقيت أتعالج بالمستشفى لأكثر من أسبوعين، وتفاجأت بعمتي مرفت قدورة، 50 عاما عندي بالمستشفى، حيث هي الوحيدة التي لم تكن معنا بالبيت أثناء القصف، وانتقلت معها إلى مكان النزوح المتواجدة به مع عائلتها وهو خيمة في نادي خدمات دير البلح. وبعد شهرين علمنا من خلال ابن عمتي المتواجد بألمانيا أن ابن عمي وسام على قيد الحياة وهو يمكث في مستشفى ناصر وهو الطفل محمد وسام محمد قدورة، 9 سنوات، حيث أحضرته عمتي وهي من تقوم برعايتنا.
كل يوم أتفقد جسدي وأتحسسه، فلا أصدق أني على قيد الحياة، رغم مرور عدة أشهر على إصابتي نتيجة قصف منزل جدي المواطن “محمد عوض” قدورة الذي كنا نحتمي فيه والمكون من طابقين، واستشهاد جميع أفراد أسرتي.
بقيت أنا، واستشهد الجميع، الأيام ثقيلة بدونهم: أبي، امي وأخي التوأم عوض.
نسخة تجريبية