ليالي علي إسماعيل الشنباري، 20 عامًا، متزوجة، سكان بيت حانون شمال غزة.
أسكن في بيت حانون بمنطقة “بورة شراب”، وعندما اندلعت الحرب في 7 أكتوبر 2023، توجهت إلى منزل أهلي في شارع العجمي، الذي يبعد عني قليلاً. لم أتمكن من أخذ أي ملابس أو أوراق ثبوتية بسبب شدة القصف الذي كان حولي، مما جعلني أشعر بخوف شديد. عند وصولي إلى منزل أهلي، نفذت قوات الاحتلال حزامًا ناريًا على المنطقة، فانتقلنا إلى منطقة الشيخ زايد. أنا وأبناء إخوتي انتقلنا بسيارة، بينما سار باقي أفراد عائلتي على الأقدام حتى وصلنا إلى مدرسة الكويت. كانت المدارس مليئة بالنازحين ولم نجد مكانًا لنا، فقمنا بتركيب شادر لنحتمي به. بسبب السرعة التي هربنا بها، لم نتمكن من أخذ أي فراش أو غطاء، مما جعلني أنام على الأرض لمدة يومين، مما تسبب في ألم شديد في ظهري.
بعد يومين، انتقلت إلى حيث كان يقيم زوجي مع عائلته، فقد استأجروا حاصلاً (مخزنًا) في منطقة معسكر جباليا. الحاصل كان مكشوفاً، ولم يكن هناك فراش أو غطاء، فكنت أضطر للنوم على الأرض أيضًا. في ذلك الوقت، كنت حاملاً في الشهر الخامس، وأعاني من آلام في الظهر وأوجاع في جسدي، فوضعت حقيبتي كوسادة لأتمكن من النوم.
في حوالي الساعة 12:30 ظهر 10 أكتوبر 2023، تعرضت منطقة معسكر جباليا – تمراز لحزام ناري (غارات إسرائيلية عنيفة ومتتالية) كثيف من قوات الاحتلال. أسفر الهجوم عن استشهاد أربعة رجال، وملأ الدخان المكان، بينما تطايرت الشظايا في الأرجاء. شاهدت جثث الشهداء تتناثر في الهواء وأشلاءهم تنتشر تحت قدمي، مما تسبب لي في شعور عميق بالخوف. لم أستطع تحمل المشهد، وبدأت أشعر بألم شديد في بطني كأنه طلق، وكنت في حالة صدمة، لا أدري ماذا أفعل، وشعرت بنزول كمية كبيرة من الدم.
نزحنا في 11 أكتوبر 2023 من المكان الذي كنا فيه إلى مدارس أبو زيتون في معسكر جباليا برفقة أهل زوجي. استمر الألم في بطني وزاد شعوري بالمغص ونزول الدماء، مما جعلني أشعر بخطر على الجنين. كنت خائفة من حدوث شيء له، وكانت والدة زوجي تطمئنني، محاولةً تهدئتي قائلة إن الألم ناتج عن الخوف وأنه لن يحدث شيء.
تناولت حبوب “الديكسامول” لعدم توفر أي دواء آخر في ذلك الوقت وتكيفت مع الوضع، ومرت الأيام الى أن دخلت في الشهر السادس من الحمل. في 23/3/2024، استشهد والد زوجي محمد حسام محمود نصير أثناء محاولته تأمين الطحين في شارع دولة، مما سبب لي صدمة وألم شديد وشعوري مرة أخرى بآلام الطلق. نُقلت بالإسعاف إلى مستشفى العودة في شمال غزة الساعة 12 منتصف الليل، وأخبرني الطبيب بضرورة الراحة التامة وعدم حمل أي شيء ثقيل لحماية الجنين، نظراً لأنني كنت أقوم بحمل المياه من الطابق الأرضي “ساحة المدرسة” إلى الطابق الثالث في المدرسة حيث كنت أقيم مع عائلة زوجي، بالإضافة إلى غسيل ملابس عائلة زوجي المكونة من 16 شخصا. بعد مغادرتي المستشفى، توجهت إلى أهلي في مدرسة ذكور جباليا الابتدائية ج الأيوبية وبقيت نائمة على ظهري لا أتحرك، ولله الحمد تحسن وضعي.
عندما اقتربت نهاية الشهر الثامن من الحمل، وكنت على بعد 10 أيام من الشهر التاسع، توجهت إلى أهل زوجي في مدرسة ذكور جباليا الابتدائية ب-د، حيث طلبوا مني البقاء لديهم استعدادًا للولادة، كونه أول مولود للعائلة. بتاريخ 17/1/2024، شعرت بالطلق وتوجهت إلى مستشفى كمال عدوان. بسبب عدم توفر وسائل النقل، فقمت بالركوب على عربة يجرها حمار. ولادتي كانت صعبة جداً، قضيت 3 أيام في المستشفى حيث تلقيت حقنًا وتمارين لتسهيل الولادة. وضعت جنيني في 20/1/2024 الساعة الخامسة والنصف مساءً، وبقيت تحت الملاحظة في المستشفى بسبب ضعف دمي وخشية حدوث نزيف.
في اليوم التالي على ولادة مولودتي، أي بتاريخ 21/1/2024، لاحظت أن ابنتي كانت زرقاء اللون بسبب عدم شفط السوائل من جسدها بعد الولادة، وذلك بسبب عدم وجود أجهزة بسبب الحرب. قام الأطباء بإجراء تبخيرة للطفلة، وتمكنا من مغادرة المستشفى بتاريخ 22/1/2024.
توجهنا إلى المدرسة المتواجدة فيها عائلة زوجي ” مدرسة ذكور جباليا الابتدائية ب-د “، ولكن الصف كان ممتلئاً بثلاث عائلات، مما جعل الأمر يفتقر إلى الخصوصية. لم أتمكن من الحصول على راحة كافية، حتى أنني لم أستطع تمديد جسدي بشكل مريح. ولم يتوفر الطعام الكافي لاستعادة قوتي، ولم أتمكن من الحصول على الحلاوة التي كنت بحاجة إليها لإرضاع طفلتي وإدرار الحليب. كما لم يكن هناك خضروات أو فواكه، واضطررت لإرضاع ابنتي الحليب الصناعي لأن صدري لم ينزل منه حليب.
بعد مرور 28 يوماً على ولادة طفلتي، مرضت وبدأت تسعل وتخرج البلغم من أنفها، فتوجهت إلى عيادة المدرسة. حيث أخبروني أنها تعاني من بداية التهاب في الصدر، ولكن لم يكن هناك علاج متوفر والجو كان شديد البرودة. كنت أطلب من زوجي أن يغطينا عندما أغير لها ملابسها لتخفيف البرد. رغم ذلك، تدهورت حالة طفلتي يوماً بعد يوم، وصوت أنفاسها أصبح عالياً جداً. أخذناها إلى مستشفى كمال عدوان مشياً على الأقدام بسبب عدم توفر المواصلات، مما زاد من آلامي بسبب غرز الولادة التي لم تشف بعد. في المستشفى، نقلت طفلتي إلى الحضانة، حيث خضعت لتبخيرة، وحاول الأطباء أخذ عينة دم منها، ولكن لم تنزل قطرة واحدة. تم وضع الأكسجين لها وأبلغنا الطبيب بأنها تعاني من التهاب شديد في الرئتين. بقيت في الحضانة “العناية المركزة للأطفال حديثي الولادة”، وتم وضع لها وحدتي دم. كانت حالتها صعبة جداً، وكنت أزور المستشفى بانتظام للاطمئنان عليها.
بتاريخ 20/2/2024، ذهب عمي إلى المستشفى صباحاً ليطمئن على الطفلة في الحضانة، فأخبروه أنها توفيت بسبب الالتهابات الشديدة في الصدر والرئتين، وتم تكفينها. جاء ابن شقيق زوجي ليخبرني بالخبر، ثم جاء زوجي وأخذني لتوديعها. عندما رأيتها، فقدت الوعي وحاولوا إيقاظي لتوديعها. بقيت نفسيتي متعبة للغاية، وصدري بقي يؤلمني لفترة طويلة. شعرت بفقدان الأمل بالحياة وتمنيت الموت، ودعوت الله أن يأخذني إلى الجنة لأكون مع ابنتي وأرضعها هناك، وكان ذلك أصعب شعور مررت به.
وسط تلك الظروف الصعبة، كنا نعتمد على الشعير والطعام الذي توفره التكيات، مثل الخبيزة، لأنه في ذلك الوقت أي خلال شهر فبراير 2024 لم يكن الطعام أو الطحين متوفراً. بقيت مع أهل زوجي حتى قبل حلول رمضان، حيث قرر أهلي النزوح إلى الجنوب وانتقلت إلى مكانهم في المدرسة “مدرسة ذكور جباليا الابتدائية ج الأيوبية” برفقة زوجي فقط. بعد اجتياح قوات الاحتلال معسكر جباليا بتاريخ 12/5/2024 انتقلت أنا وعائلة زوجي إلى مدرسة دار الأرقم في منطقة الكرامة، حيث ذهبنا مشياً على الأقدام بسبب انعدام المواصلات.
بتاريخ 22/5/2024، أجريت اختبار حمل وكان إيجابياً. بقيت في المدرسة مع عائلة زوجي حتى انتهى اجتياح معسكر جباليا، ثم عدت إلى المدرسة التي كنت فيها مع زوجي. بسبب نقص الطعام، اعتمدت على المعلبات لعدم توفر الخضروات أو الفواكه أو اللحوم، مما جعلني أشعر بالخوف من فقدان جنيني للمرة الثانية، وخصوصاً من احتمالية الولادة وسط المجاعة وعدم توفر حليب للطفل الذي سيولد. تناولت الفيتامينات لمحاولة الحفاظ على جنيني في ظل سوء التغذية، حيث كان الطعام المتوفر يقتصر على المعلبات والطحين فقط.
بعد مرور شهرين من الحمل الثاني، شعرت بمغص شديد ونزلة معوية حادة نتيجة سوء التغذية، وكنت أعاني من استفراغ شديد وألم في العظام. توجهت إلى مستشفى كمال عدوان، حيث أخبروني أن الجنين قد توفي بسبب سوء التغذية، وتم تحديد موعد لإجراء عملية إجهاض الجنين الهالك في رحمي بتاريخ 28/6/2024. وقد أخبرني الطبيب بأن الجنين كان سيكتمل لو توفرت التغذية الجيدة.
نسخة تجريبية