أبريل 6, 2024
صدمات متوالية حتى فقدت زوجي
مشاركة
صدمات متوالية حتى فقدت زوجي

شيماء خالد العايدي، ٤١ عاما، متزوجة، وأم لثلاثة أبناء، منهم طفلان، مديرة مدرسة في الأونروا، سكان خانيونس.

كنت أسكن في منزل ملك في منطقة القرارة شمال غربي خانيونس، أنا وزوجي المحامي رامز أحمد العايدي، 51 عاما، وأبنائي: سما 18 عاما، صلاح 17 عاما، وأحمد 13 عاما. 

صباح 7 أكتوبر 2023، كنت متجهة لعملي في المدرسة في مخيم المغازي وسط قطاع غزة، كان حينها أغلب العاملين في المدرسة والطلاب متواجدين هناك، وبدأنا نسمع الانفجارات، ومع اشتداد الأحداث في القطاع كافة ذلك الصباح، لم أستطيع التحرك حتى أقوم بتأمين الطلاب وإخراجهم من المدرسة بسلام، وأغلقت المدرسة وتوجهت للبيت.

في اليوم الثاني للحرب، في تمام الساعة الثالثة فجراً، سمعنا صوت قصف شديد في منطقة القرارة. وبعد لحظات عرفت أن البيت المستهدف هو بيت عمي يونس أبو العمرين ونتيجة ذلك فقدنا زوجة عمي حياة، وابنة عمي آية، وابن عمي محمد وزوجته ابتهال وأولاده حياة، وحبيبة، ويونس، وأخت زوجة عمي (هويدا) التي كانت قد قدمت من مصر قبل الحرب بأيام لتعزيها بوفاة عمي. كانت هذه الصدمة الأولى التي تعرضت لها في الحرب. 

بعدها بقينا في البيت ننتظر انتهاء هذه الحرب، وكان حينها الوضع شبه مستقر في خانيونس وكان أهل الشمال ينزحون نحو الجنوب. 

في تاريخ 13/10/2023، استقبلت صديقتي وزوجها ووالدها ووالدتها الذين نزحوا من الشمال، وبقينا ماكثين في البيت حتى تاريخ 2/12/2023 عندما بدأت الأحزمة النارية في المنطقة والقنابل الضوئية واشتباكات شديدة وقصف من الزوارق الحربية، كانت ليلة صعبة جدا. وفي الصباح لليوم التالي بدأ الجيش الإسرائيلي بقصف أبراج حمد، التي تقع على بعد مئات الأمتار من بيتنا.

بعد اشتداد الوضع واقتراب الدبابات من المنطقة، قررنا النزوح من البيت، وحينها اتجهنا لبيت أخي أحمد الواقع في معسكر خانيونس و تحديدا في بلوك G حيث مكثنا هناك خمسة أيام. وفي اليوم الخامس تم قصف بيت مجاور لبيت أخي أحمد، وتعرض بيت أخي لأضرار كبيرة وسقط ركام البيت والأسبست علينا ونحن نيام، وأخرجني أخوتي أنا وأولادي من تحت الركام. بعدها خرجنا من البيت واتجهنا لبيت شقيق زوجي خالد، الواقع في الحي الألماني بالقرب من صناعة الوكالة، غرب خانيونس. مكثنا عندهم من 8/12/2023 حتي تاريخ 21/1/2024، عندما اشتدت الأحداث في المنطقة التي يسكن فيها وكانت الدبابات قد اقتربت جدا من المنطقة. لذلك قررنا نحن وسلفي النزوح لمدينة دير البلح، واتجهت لبيت أختي ساجدة وكان حينها الوضع نوعا ما مستقراً في المنطقة. مكثنا هناك تقريبا شهرين، وخلال تلك الفترة كنت قد فقدت الاتصال بأخي الصغير (أحمد، ٢٤ عاما) وبدأت بالبحث عنه ولم أجد أحد ليعطينا أي خبر عنه. وبعد بحث طويل عنه سمعنا الكثير من الأقاويل عنه، وبعد كل هذا سمعنا الخبر الصادم لنا بأنه قد استشهد في بيت أحد أصدقائه الذين بقوا في البيت وأخبرونا أنه استشهد في تاريخ 24/1/2024. وبهذا أكون قد تلقيت الصدمة الثانية منذ بداية العدوان على قطاع غزة.

بعد هذا كله بقيت في بيت أختي لغاية تاريخ 6/2/2023، عندما حدثت مشكلة في المنطقة مما اضطررنا للرجوع لبيتنا في منطقة القرارة أنا وأبنائي وأختي وزوجها وأولادها، وكان حينها الوضع أهدأ مما كانت عليه في منطقة القرارة، وكان زوجي وأخت زوجي وابنها وزوجته وأولاده. بقينا هناك والوضع مستقر حتى تاريخ 18/2/2024، تحديدًا في تمام الساعة السادسة مساء عندما قصف جيش الاحتلال بيت الجيران الملاصق لنا مما عرض بيتنا لضرر كبير وتعرضت أخت زوجي (نهلة) لجروح نتيجة القصف وتناثر الزجاج، لذلك قررت أخت زوجي ترك البيت هي وابنها والرجوع لبيتها. وبهذا بقيت أنا وزوجي وأبنائي وأختي وزوجها وأولادها في البيت، وبقينا ملتزمين البيت.  وبتاريخ 2/3/2023، في تمام الساعة التاسعة والنصف، بدأ الاحتلال بشن حزام ناري في المنطقة واشتد الوضع بشكل كبير لم نعهده من قبل. لذلك خرجنا مسرعين ومكثنا في بدروم البيت، وبقينا نسمع أصوات القصف والقذائف طوال الليل في كل مكان، وبكل لحظة نشعر أن الجيش يقترب بدباباته من المنطقة. بعد ساعات طويلة سمعنا صوت قصف شديد وركام وشظايا تتناثر في كل مكان، ولم نعرف من أين هذا القصف وفي أي مكان، وكانت حينها قنابل الإضاءة منتشرة بكل مكان وبشكل كبير. كان عددنا 17 شخصا في بدروم ضيق جدا، وبعد وقت سمعنا صوت الجرافة وهي تقوم بالتجريف في المنطقة ولم نستطيع الحركة أو الخروج من البدروم. كان جيش الااحتلال قد تمركز في المنطقة، لذلك التزمنا الصمت حتى لا يقوم الجيش بقصف البيت علينا. وكنا حينها نسمع صوت الجيش وهم يتحدثون في بيتنا، وكان الخوف يسيطر علينا أكثر وأكثر. وفي كل ليلة كان يقوم الجيش بالاستقرار في بيتنا بعد أن يقوم بتجريف المنطقة. بقينا على هذا الحال لسبعة أيام حتى قام جيش الاحتلال حينها بتجريف سور البيت والملحق الجانبي للبيت، وكسّروا السيارات الموجودة في البيت. كل هذا الوقت والدمار ونحن في البدروم الصغير لا نستطيع الحركة، ولا حتى الذهاب للحمام أو تحضير طعام وخصوصا أنه كان معنا الكثير من الأطفال. بعد اليوم السابع للحصار وبعد أن سمعنا أنه لا صوت للدبابات والقصف خرجنا مسرعين، قمنا بإحضار المعلبات وماء الشرب وغاز ووضعناها على الدرج المقابل للبدروم. وبقينا على هذا الحال لمدة أربعة أيام إضافية، وبعدها نفد الأكل من عندنا، مما اضطر زوجي للخروج لبيت الجيران وإحضار ما عندهم من طعام وشراب، ورجعنا مرة أخرى للبدروم، وبقينا على هذا الحال لمدة 14 يوما. 

في 15/3/2024 في الصباح لم نسمع أي صوت للدبابات أو القصف فقررنا الخروج من البدروم لنعرف الوضع. وحينها وجدنا أن المنطقة فارغة من الدبابات لذلك خرجنا مسرعين من البيت أنا وأولادي وأختي وزوجها وأولادها وبقي زوجي في البيت ولم يقبل الخروج معنا. وعندما خرجنا كانت صدمة كبيرة حيث وجدنا أنهم دمروا كل المنطقة، وكانت الجثث ملقاة على الأرض والوضع لا يمكن وصفه. خرجنا مسرعين نركض بشكل سريع جدا ونحن نحمل الأطفال والحقائب التي بها بعض أغراضنا. وعندما شاهدنا الناس ونحن نركض صرخوا علينا “ارجعوا ارجعوا، الدبابات في المنطقة.” لذلك اخترنا طريقاً آخر واتجهنا بها، وبقينا نركض ونحن ندوس على الجثث الملقاة على الأرض، حتى وجدنا تكتك قام بنقلنا لمدينة دير البلح. واتجهنا لبيت زوج أختي ولكنه بيت غير كامل البناء ولا ينفع المكوث فيه، لذلك بقينا ليلة واحدة فيه وفي اليوم الثاني خرجت أنا وأولادي واتجهنا لبيت أحد الاقارب حيث يمكث هناك أخوة زوجي.

وفي اليوم التالي لوصولنا أي في 17/3/2024 تلقينا اتصالا من أحد الجيران يخبرنا بأنه شاهد زوجي (رامز أحمد العايدي) قد استشهد. كانت صدمة كبيرة لنا وذهب سلفي وأولاد سلفي للتأكد من الخبر وبعد ساعتين عادوا مرة أخرى وهم يحملون جثمان زوجي، وبهذا أكون قد فقدت أخي وعمي وعائلته وزوجي في هذه الحرب الغاشمة على غزة.

مطلبي يتمثل بوقف هذه الحرب، حتى أعيش بسلام أنا وأولادي، بعد كل الفقد الذي تعرضت له، فقدت كل عائلتي وبيتي وكل ما لدي.