أسماء زياد عبد العزيز فياض، 37 عاما، أم لـ 5 أطفال، سكان خانيونس نازحة في دير البلح.
تاريخ الإفادة: 04/12/2024
على باب خيمتها تمكث وتحتضن صورا فوتوغرافية وتقبلها.. بكت كثيرا.. ترفع رأسها إلى السماء تتوسل الله أن يصبرها، ويبرد نار قلبها على ما أصابها. أسماء فياض فقدت أربعة من أطفالها جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي منزل خالها في دير البلح، الذي نزحت إليه ظناً أنه ضمن المنطقة الآمنة كما تدعي إسرائيل.
“أنا ممرضة في مستشفى ناصر، متزوجة من المواطن محمد سمير عيسى فياض، 36 عاما ويعمل محاميا، ولدي منه 5 أطفال وهم: دوجانة، 11 عاما، وجمانة 10 أعوام، وسمير 7 أعوام، وزياد 4 أعوام، وعيسى 14 شهرا. أقطن في القرارة بخان يونس، منزلي عبارة عن طابق واحد من الباطون ومساحته 180م2، أعيش فيه مع أسرتي.
في حوالي الساعة 6:30 صباح يوم السبت 07/10/2023، بينما كنت أعد الفطور لأطفالي قبل ذهابهم إلى المدرسة سمعنا صوت انفجارات متتالية لم نكن نعرف مصدرها في بداية الأمر، فطلبت من أطفالي عدم الذهاب إلى المدرسة، وسرعان من وصلت رسالة من المعلمات أن الدراسة معلقة.
بقينا جميعا بالمنزل، وأدركت أن الأمور ستزداد سوءا، وبالفعل بدأ القصف الإسرائيلي في مناطق متفرقة، وبعد عدة أيام من الحرب نزح العديد من سكان المنطقة، لكن رفضت أن أترك بيتي وبقيت داخله حتى تاريخ 02/12/2023، اليوم الذي أعلن فيه الاحتلال بدء هجوم بريّ في خانيونس، اشتد القصف في المنطقة التي أقطن بها، ونفذ الاحتلال أحزمة نارية (غارات مكثفة في منطقة محددة) في المنطقة. كانت ليلة مرعبة، وكنا نرى النيران تخرج من كل مكان. شعرت من شدة الخوف والبكاء الذي كان أطفالي عليه أنهم سيموتون، فقررت أن أترك البيت وأنزح إلى مدرسة مصطفى حافظ الواقعة بالقرب من مستشفى ناصر في مخيم خان يونس، حيث إن والدتي زينات محمد عبد فياض، 56 عاما نازحة هناك. المدرسة كانت مكتظة بالنازحين، والحياة صعبة بل مستحيلة، يجب أن نصطف طابورا على دورة المياه، فضلا عن معاناة شح المياه ومكوث أكثر من عائلة بالصف الواحد (الغرفة الصفية)، مع صعوبة الاستحمام داخل المدرسة. كل ذلك أدى إلى انتشار الفطريات في أجسادنا نتيجة قلة النظافة وحشرات الرأس (القمل) بين الأطفال نتيجة الاحتكاك والاقتراب من بعضهم البعض، وبدأ الاجتياح في خانيونس واشتد القصف والأحزمة النارية من الاحتلال في خانيونس.
في 09/12/2023، حضر زوجي إلى المدرسة، وكان نازحا في دير البلح، وطلب منا مغادرة المدرسة لأن الوضع صعب ويزداد سوءا، وآليات الاحتلال توغلت في عدة مناطق بخان يونس. بالفعل نزحنا إلى منزل خالي بشير محمد فياض، 57 عاما، الكائن في حي المشاعلة بدير البلح، ونظرا لضيق مساحة منزل خالي حيث لا يتجاوز100م2، قرروا عمل معرش ووضع الشوادر عليه لينام بداخله الرجال، وهم جدي وخالي وأبناء خالي وزوجي وأشقائي، مع العلم أنني الفتاه الوحيدة لأمي وبعدي أربعة من الذكور. وداخل البيت، النساء والأطفال، فكانت والدتي وابنتي البكر دوجانة تنامان في الصالون، وأنا وزوجة جدي وزوجة أخي وبنات خالي وأطفالي واطفالهم بالغرفة.
كنا نحاول أن نتأقلم رغم صعوبة الحياة؛ فالغاز انقطع واستبدلناه بالحطب للطهو وتسخين الماء للاستحمام، فضلا عن شح الماء، حيث مياه البلدية تأتي يوم واحد بالأسبوع ونظرا لكثرة الأشخاص تنفد المياه بسرعة، وشراء المياه الحلوة، وشح الكثير من السلع وفي حال توفرت تكون باهظة الثمن.
في حوالي الساعة 2:00 فجر 12/01/2024، بينما كنت أرضع طفلي الصغير عيسى شاهدت نارا تقترب من وجهي، وفجأة وجدت نفسي وفي حضني طفلي عيسى يصرخ خارج المنزل وزوجي يسألني أين الأولاد فأخبرته أنهم نيام بجانبي، وفي تلك الأثناء حضر أشقائي يسألون عن أمي، فأخبرتهم أنها تنام مع ابنتي دوجانة بالصالة.
حضرت سيارات الإسعاف والدفاع المدني، وتم نقل الجميع إلى مستشفى شهداء الأقصى، وتم نقلهم إلى مستشفى ناصر بخانيونس، وعلمت هناك أن أمي زينات محمد فياض، 56 عاما، وأطفالي: دوجانة وجمانة وسمير وزياد قد استشهدوا، بالإضافة إلى استشهاد سبعة آخرين من العائلة، وهم: خالي مالك المنزل الذي قصفته طائرات الاحتلال: بشير محمد فياض، 57 عاما، وأبناؤه: صلاح، 29 عاما، وليندا، 30 عاما، ومؤيد، 18 عاما، وزوجة جدي المواطنة فاطمة عبد القادر فياض، 54 عاما، وخالي مؤمن محمد فياض، 21 عاما، بالإضافة إلى استشهاد عدي حافظ فياض، 31 عاما، وهو من العائلة ويقطن بالمنزل المجاور.
بعد ذلك انتقلت أنا وزوجي ومكثنا بمستشفى ناصر مدة أسبوع، لكن الاحتلال مازال داخل خانيونس يدمر ويقصف ويعتقل الناس، فانتقلنا إلى رفح ومكثنا في خيمة في منطقة الطيارة بالحي السعودي، وبقيت حتى توغل الاحتلال الإسرائيلي رفح، فطلب مني زوجي أن اجهز نفسي لنعود إلى دير البلح بمنطقة المشاعلة، ونصب خيمة بالقرب من خيم أشقائي والأقارب بالمكان.”
في نهاية حديثها أخبرت الأم المكلومة باحثة المركز، وهي تبكي بحرقة أنها رغم تقلب الحال وصعوبة حياة الخيام خصوصا وسط هذا البرد القارص، إلا أنها لم تستوعب أنها فقدت أطفالها الأربعة الذين كانوا ملتصقين بها عندما قصفت قوات الاحتلال المنزل وقتلتهم وتركوها تعاني الفقد والألم، حتى والدتها التي كانت تعينها على قسوة الحياة تركتها هي الأخرى. في جانب من الخيمة تحتفظ أسماء بفرشات أطفالها وعليها الوسادات والأغطية الثقيلة، متمنية أن تستيقظ يوما وتجدهم نيام بجانبها.