1 أغسطس/آب 2024
تدين مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية بشدة استمرار قوات الاحتلال الإسرائيلي في استهداف الصحفيات والصحفيين وقتلهم المتعمد خلال حرب الإبادة الجماعية التي تنفذها بحق المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة منذ قرابة عشرة أشهر، وذلك استمرارا لمحاولاتها تغييب الحقيقة. آخر هذه الجرائم المتعمدة كان مقتل الصحفيين إسماعيل الغول، مراسل قناة الجزيرة في غزة، ومصور القناة، رامي الريفي، في غارة جوية مساء أمس الأربعاء، 31 يوليو/تموز 2024، عقب قيامهما بتغطية مباشرة مطولة من منزل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في مخيم الشاطئ، الذي اغتيل في العاصمة الإيرانية طهران فجر اليوم نفسه.
وتسعى إسرائيل عبر قتل الصحفيين/ات وتغييبهم إلى احتكار الرواية، حيث لا تريد أن يرى العالم الجرائم التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني، في وقت تمنع فيه الطواقم الصحفية الدولية من الوصول إلى غزة وتغطية حرب الإبادة، وكل ذلك في إطار عملية شاملة تمارس فيها الإبادة الجماعية ومجموعة جرائم دولية أخرى تحاول من خلالها ترسيخ نكبة ثانية ضد 2.3 مليون فلسطيني/ة في قطاع غزة منذ أكثر من 10 أشهر.
ووفق متابعة مؤسساتنا فقد أطلقت طائرة مسيّرة إسرائيلية في حوالي الساعة 5:00 بعد عصر اليوم الأربعاء الموافق 31 يوليو 2024، صاروخًا تجاه سيارة صحافة خاصة بقناة الجزيرة كانت تسير في شارع عايدية، غرب مدينة غزة، مما أدى إلى مقتل صحفيي الجزيرة الغول والريفي. كما قتل طفل خلال مروره على دراجة هوائية قرب المكان بالصدفة. ووفق ما ذكره مراسل الجزيرة، أنس الشريف، في مداخلة مع القناة، فإن زميليه قتلا في “ضربة مباشرة”، وهما في سيارة قناة الجزيرة المعروفة التي يتحركان بها طيلة الوقت، والتي يعتليها شعار “TV”، وكانا يرتديا السترة الخاصة بالصحافة.
وبمقتل صحفيًي الجزيرة يرتفع عدد الصحفيات والصحفيين الذين قتلوا على أيدي قوات الاحتلال منذ السابع من أكتوبر 2023، إلى (165) صحفياً، وفق المكتب الإعلامي الحكومي، وهو العدد الأعلى في العالم منذ بدء الإحصاء للقتلى الصحفيين في العام 1992. بين هؤلاء القتلى (13) صحفية. وقتلت الغالبية العظمى من الصحفيين (161) خلال غارات جوية، سواء من الطائرات الحربية، وطائرات الاستطلاع، أو طائرات “كواد كابتر”، بينما قتل (4) آخرون جراء إطلاق النار عليهم من قناصة. العدد الأكبر من الشهداء الصحافيين وعددهم (70) قتلوا هم وعائلاتهم خلال عمليات استهدفت منازلهم، فيما قتل (50) صحفياً خلال جرائم القصف العشوائي على امتداد حرب الإبادة المستمرة، وقتل (23) صحفياً خلال استهداف مباشر، بينهم الصحفيان الغول والريفي، و(22) صحفياً خلال قيامهم بمهام صحفية ولم يتم التأكد من قتلهم عن عمد. كما أصيب خلال العدوان (32) صحفياً آخرون في ظروف مختلفة. هذا عدا عن نشطاء التواصل الاجتماعي الذين استهدف الاحتلال عددا كبيًرا منهم ودأب على التحريض عليهم وتهديدهم بالقتل إذا لم يصمتوا.
يشار إلى أن هذه ليست المرة الاولى التي تستهدف فيها قوات الاحتلال طواقم الجزيرة في غزة، حيث سبق أن استهدفت مراسل قناة الجزيرة وائل الدحدوح، ومصورها سامر أبو دقة بتاريخ 16 ديسمبر 2023، أثناء تغطيتهما جرائم الاحتلال في مدينة خانيونس، وتعرضا للقصف المباشر من طائرات الاحتلال الإسرائيلي، مما أدى إلى استشهاد المصور الصحفي أبو دقة، وإصابة الدحدوح بعدة من الشظايا.
ترى مؤسساتنا أن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يمعن في اتباع سياسة ممنهجة للقضاء على الصحافة في قطاع غزة، من خلال الاستهداف المباشر وعدم إعطاء أي اعتبار للشارة الصحفية، علماً أن الصحفيين الغول والريفي هما من الصحفيين القلائل الذين بقوا في شمال غزة لتغطية ما يدور من جرائم إبادة جماعية بحق المدنيين. ومنذ بدء العملية العسكرية نزح غالبية الصحفيين من مدينة غزة إلى محافظات جنوب غزة، أو إلى خارج القطاع، خوفا على أرواحهم وعائلاتهم، وخاصة بعد تلقي بعضهم تهديدات مباشرة من أجهزة الأمن الإسرائيلية، وبفعل الضربات الجوية والاستهداف المباشر لهم ولمؤسساتهم التي تم تدمير غالبيتها.
تؤكد مؤسساتنا أن استهداف الصحفيين/ات جاء بهدف الاستفراد بالضحية وتغييب نقل وقائع الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال ضد المدنيات والمدنيين في قطاع غزة. ولذلك نطالب المجتمع الدولي بإدانة استهداف العاملين بالصحافة بشكل علني، والضغط على دولة الاحتلال لوقف استهدافهم بشكل فوري، والعمل دون تأخير على توفير حماية دولية للمدنيات والمدنيين بما فيهم للصحفيات والصحفيين في قطاع غزة.
تعيد مؤسساتنا -المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز الميزان، ومؤسسة الحق – التذكير بأن الصحفيين/ات يتمتعون بحماية خاصة بموجب القانون الدولي الإنساني شأنهم في ذلك شأن المدنيين/ات. فوفقًا للمادة 79 من البروتوكول الأول الملحق لاتفاقيات جنيف الأربع، والتي وصلت لمستوى القانون العرفي الدولي، “يعد الصحفيون الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق النزاعات المسلحة أشخاصاً مدنيين ضمن نطاق الفقرة الأولى من المادة 50”. كما يتمتع هؤلاء بحماية القانون الدولي لحقوق الإنسان، وخصوصًا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه دولة الاحتلال الإسرائيلي، وترفض الاعتراف بانطباقه على سكان الإقليم المحتل، تمامًا كما تنكر انطباق القانون الإنساني الدولي عليهم.
وتؤكد مؤسساتنا أن القتل العمد للصحفيين/ات، يعد جريمة حرب تقع ضمن اختصاص المحكمة الدولية، وفقًا للمادة 8 من نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة. كما يعد حرمانًا تعسفيًّا من الحياة وفقًا للمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويستوجب مساءلة مرتكبيه. كما ويعد استهداف الصحافة اعتداء على الحق في حرية الصحافة وحرية التعبير المكفولة وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وخصوصًا المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وإزاء ذلك، تطالب مؤسساتنا المجتمع الدولي بالضغط على دولة الاحتلال لوقف استهداف الصحفيين بشكل فوري، والعمل دون تأخير على توفير حماية دولية للمدنيين/ات بما فيهم للصحفيات والصحفيين في قطاع غزة، وتفعيل أدوات الضغط على سلطات الاحتلال بوقف جرائمها والامتثال لقواعد القانون الدولي، وحماية المدنيين. كما ونطالب أجسام الصحافة الدولية منها الاتحاد الدولي للصحفيين بالتحرك العاجل للضغط على الاحتلال محاسبته على قتل واستهداف الصحفيات والصحفيين في فلسطين وبالتحديد في قطاع غزة.
كما ندعو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية للتسريع باتخاذ إجراءات عملية لإنجاز التحقيق بالجرائم المرتكبة على إقليم دولة فلسطين، بما فيها جرائم قتل الصحفيين/ات، الذين يدفعون حياتهم ثمنًا لإظهار الحقيقية، والمضي بالخطوات اللاحقة، وخصوصًا، أن الضحايا في فلسطين طال انتظارهم للعدالة والانصاف. كما ندعو المقررة الخاصة المعنية بحرية الرأي والتعبير بالأمم المتحدة إلى تعزيز وتكثيف الجهود لحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، والتحقيق في جرائم الاحتلال المقترفة بحق الصحفيين ووسائل الاعلام في الأرض الفلسطينية المحتلة.
نسخة تجريبية