تقرير ميداني | نكبة رفح المتجددة: مدينة بلا حياة تحت الاحتلال الإسرائيلي
مشاركة
تعاني مدينة رفح، الواقعة في جنوب قطاع غزة، من كارثة إنسانية متجددة، نتيجة الهجوم العسكري الإسرائيلي المستمر، الذي حوّل معظم أحيائها إلى أكوام من الركام، في مشهد يعكس حجم الدمار الهائل الذي لحق بالمدينة وسكانها خلال حرب الإبادة الجماعية التي تقترفها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة. وعلى الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير الماضي، ما تزال قوات الاحتلال تواصل هجماتها العسكرية، وتسيطر على ما يقارب 60% من مساحة المدينة، سواء بتمركز الآليات أو السيطرة النارية، وتستهدف المدنيين العزل بالقصف وإطلاق النار، مما يسفر يوميًّا عن وقوع المزيد من القتلى والجرحى.
الواقع اليوم في رفح يجعلها غير صالحة للحياة البشرية؛ فالبنية التحتية مدمرة بالكامل، والمرافق الأساسية منعدمة، وسط غياب شبه تام للخدمات الصحية والمساعدات الإنسانية الكافية. ويستهدف القصف وإطلاق النار الإسرائيلي العائدين لتفقد منازلهم، في حين يواجه الناجون من القصف والتشريد خطر الموت جوعًا أو مرضًا مع تشديد الحصار غير القانوني ووقف دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع منذ تاريخ 2 مارس الجاري.
يرصد هذا التقرير الواقع الإنساني الكارثي في رفح جراء الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها قوات الاحتلال في رفح، بعد أكثر من 10 أشهر على اجتياحها الشامل، وقرابة 17 شهرًا على بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة.
ويأتي هذا التقرير عن رفح، ضمن سلسلة تقارير يعدها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عن مدن ومخيمات فلسطينية في غزه والضفة الغربية تتعرض للإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتوسع الاستيطاني من قوات الاحتلال الإسرائيلي.
رفح .. المساحة والسكان:
تقع رفح على الحدود الفلسطينية المصرية أقصى جنوب قطاع غزة، وتبلغ مساحتها 63.1 كم2. وتقع ضمن حدود المحافظة 3 بلديات وهي بلدية مدينة رفح، وفيها مخيم رفح للاجئين بشطريه (الشابورة ويبنا)، و16 حيًّا آخر، وبلدية الشوكة شرقاً، وبلدية النصر شمالاً. ويقدر عدد سكانها حالياً بحوالي 290 ألف نسمة،1 وأجبروا جميعهم على النزوح القسري التدريجي منذ مايو 2024، مع بداية الهجوم العسكري البري لقوات الاحتلال الإسرائيلي، وبسبب التهديدات المتكررة بالإخلاء وبعد مرور 7 أشهر على حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة. كما نزح مع سكان محافظة رفح مئات الآلاف من سكان محافظات الشمال وغزة والوسطى وخان يونس الذين أجبرتهم قوات الاحتلال على النزوح قسرًا إلى رفح بوصفها منطقة آمنة منذ بداية حرب الإبادة الجماعية في أكتوبر 2023.2
جانب من الدمار الهائل في رفح
نيران الاحتلال تلاحق العائدين بعد وقف إطلاق النار:
وفي أعقاب نزوحهم، أقام معظم سكان رفح في مواصي رفح وخان يونس على مدار 8 أشهر. وفور الإعلان عن وقف إطلاق النار بين حكومة إسرائيل وحركة حماس في 19 يناير 2025، عاد الآلاف من سكان محافظة رفح إليها. ولكن قوات الاحتلال الإسرائيلي التي استمرت في التمركز على الشريط الحدودي مع مصر وخارجه بمسافات تقدر ما بين 400 إلى 1000 متر، منعتهم من الوصول إلى منازلهم وأطلقت تجاههم نيران أسلحتها الرشاشة وقذائفها ما أدى إلى مقتل 10 من السكان أحدهم طفل وإصابة آخرين بجراح متفاوتة، في اليوم الأول للعودة. وأعلن جهاز الدفاع المدني عن انتشال رفات 79 شهيداً من مختلف مناطق محافظة رفح في اليوم الأول فقط.
وخلال الأيام التالية، استمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي في التمركز على الشريط الحدودي مع مصر وخارجه، وأطلقت نيران أسلحتها الرشاشة وقذائفها، والصواريخ من الطائرات المسيرة تجاه السكان الذين عادوا إلى منازلهم واستقروا فيها ضمن الأحياء التي تبعد في بعض الحالات أكثر من 1000 متر عن الشريط الحدودي مع مصر، وأدى ذلك إلى مقتل 45 مواطنًا فلسطينيًّا، بينهم 7 أطفال وامرأة. بين القتلى 11 مواطنًا استهدفوا من طائرات مسيّرة، منهم 3 من أفراد الشرطة وحماية شاحنات المساعدات. كما أصيب حوالي 150 آخرون بجراح متفاوتة، حتى إعداد هذا التقرير. كما انتشلت طواقم الإسعاف والدفاع المدني رفات حوالي 200 قتيلاً، ولا يزال الحديث يدور عن مئات آخرين تحت أنقاض المباني المدمرة أو في الأحياء التي تتمركز فيها قوات الاحتلال التي واصلت هدم المنازل في المناطق التي تتمركز فيها أو تتوغل إليها.
كما أودى انفجار 3 أجسام غير متفجرة من مخلفات حرب الإبادة بحياة 4 من السكان، بينهم طفلان في محافظة رفح.
خرائط الانسحاب من رفح تظهر تمركز قوات الاحتلال لمسافات تتراوح بين 400-1100 متر وعلى أرض الواقع تزيد عن ذلك
هناء .. قتلت داخل مطبخ منزلها
المواطنة هناء توفيق سليمان حسنين (الغوطي)، 47 عاماً، وتعمل معلمة في مدرسة للأونروا، قتلت داخل منزلها في الحي الإداري، على بعد حوالي 800 متر من الشريط الحدودي مع مصر جنوب مدينة رفح، في 21 فبراير 2025.
وأفاد زوجها رأفت أحمد سعود الغوطي، 49 عاماً، ويعمل حكيماً في مستشفى غزة الأوروبي في مدينة خان يونس لباحث المركز بما يلي:
“عدت إلى منزلي مع زوجتي وأبنائي الأربعة بعد مرور أسبوعين من توقيع وقف إطلاق النار، وكنت نازحاً عند أقارب زوجتي في مخيم البريج وسط قطاع غزة طوال الهجوم البري في رفح. بعد عودتنا قمنا بتنظيف المنزل وأجرينا فيه تصليحات بسيطة وسريعة جراء تعرضه للحرق والتدمير الجزئي. وخلال تواجدنا كنا نسمع صوت إطلاق النار من دبابات الاحتلال على مدار ساعات النهار والليل. وفي حوالي الساعة 10:00 صباح يوم الجمعة 21/2/2025، شاهدت زوجتي تسقط على الأرض أثناء تواجدها في المطبخ في الطابق الأول داخل منزلنا. توجهت مسرعاً نحوها ولاحظت أنها فاقدة وعيها ولا تظهر عليها أي علامات حيوية، فبدأت بعمل تنفس صناعي لها ولكنها لم تستجب. حملتها ونزلت بها إلى الشارع ووضعتها في سيارة جاري وتوجهنا إلى مستشفى غزة الأوروبي في مدينة خان يونس. ومن خلال فحوصات الأطباء وصور الأشعة، تبين إصابتها بعيار ناري دخل في الصدر واستقر في القلب وهو ما تسبب في نزيف داخلي واستشهادها.”
محمد طفل .. قتل خلال صيانة خزان المياه
قتل الطفل محمود مدحت أحمد أبو حرب، 17 عاماً، فوق سطح منزل عائلته بجوار صالة السلام، جنوب الحي الإداري في مدينة رفح، على بعد حوالي 700 متر من الشريط الحدودي مع مصر جنوب مدينة رفح، في 2/3/2025.
وأفاد عمه ممدوح أحمد علي أبو حرب، 47 عاماً، لباحث المركز بما يلي:
“عدت مع الشباب من أفراد العائلة إلى منزلنا يوم 19/1/2025، بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. وعندما وصلنا شاهدنا المنزل لا يزال قائماً، ولكنه تعرض للقصف بالقذائف والحرق وتصنف الأضرار فيه بأنها أضرار جزئية. وقمت مع الشباب من أفراد العائلة على مدار10 أيام بتنظيف الشقق واختيار الغرف غير المتضررة من القصف والحرق للإقامة فيها، وبعد الانتهاء من ذلك عاد جميع أفراد العائلة. وخلال تواجدنا في المنزل كنا نسمع أصوات تحرك آليات الاحتلال بالقرب من منزلنا الذي يبعد حوالي 700 متر عن الحدود المصرية الفلسطينية، جنوب مدينة رفح. كما كنا نسمع صوت إطلاق نار متقطع من قوات الاحتلال. وفي حوالي الساعة 10:30 صباح الأحد 2/3/2025، كان كل من ابن أخي محمود مدحت أحمد أبو حرب، 17عاماً، وابن عمي عمار محمد علي أبو حرب، 42 عاماً، وسباك من عائلة السدودي يعملون على صيانة خزانات المياه فوق سطح المنزل. أثناء ذلك، تعرضوا لإطلاق النار من طائرة مسيرة “كواد كابتر” للاحتلال كانت تحلق فوق الملعب البلدي القريب، ما أدى إلى إصابة ابن أخي محمود بعيار ناري في بطنه، واستشهد فور نقله إلى المستشفى الميداني الإماراتي في الملعب البلدي القريب من منزلنا. كما أصيب ابن عمي عمار، والسباك من عائلة السدودي، بأعيرة نارية في أيديهما. وفي نفس التوقيت كنا نسمع أصوات إطلاق نار قريبة من منزلنا مصدرها دبابات قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تتمركز خارج الشريط الحدودي مع مصر جنوب مدينة رفح.“
تالا .. إصابة من كواد كابتر تصيبها بالشلل
وجراء استهداف من طائرة “كواد كابتر” للاحتلال، أصيبت الطفلة تالا حمادة عبد الفتاح أبو شاويش، 13 عاماً، بجراح خطيرة، وشلل في الجانب الأيسر من جسدها، وذلك أمام منزلها في مخيم رفح (الشابورة) الواقع على بعد حوالي 1500 متر من الشريط الحدودي مع مصر جنوب مدينة رفح في 26/2/2025.
وأفاد والدها حمادة عبد الفتاح عبد الرحمن أبو شاويش، 41 عاماً، لباحث المركز بما يلي:
“بعد إعلان وقف إطلاق النار في غزة، توجهت إلى بيتي في مخيم الشابورة في رفح، ويقع على بعد حوالي 1500 متر عن الشريط الحدودي مع مصر جنوب رفح، وبذلك يعد في المناطق الآمنة وفق الخرائط التوضيحية لاتفاق وقف إطلاق النار. عندما وصلت إلى البيت وجدته متضررا بشكل كبير، فقمت بتجهيزه بقدر المستطاع. وفي حوالي الساعة 11:00 صباح الأربعاء 26/2/2025، كانت ابنتي تالا، 13 عاماً، تلعب مع الأطفال على باب المنزل، وأنا كنت فوق سطح المنزل لتعبئة المياه في الخزانات. وفجأةً وبدون سابق إنذار، سمعت صوت انفجار كبير، وسمعت صوت صراخ الأطفال، ثم توالت أصوات عدة انفجارات أخرى، ولكنها أقل قوة. وتبين لاحقاً بأن مصدرها هو طائرات كواد كابتر الإسرائيلية التي ألقت عدة قنابل على مناطق متفرقة في مخيم الشابورة، فنزلت مسرعاً إلى الشارع المقابل لمنزلي وشاهدت ابنتي تالا ملقاة على الأرض ووجهها ورأسها مغطى بالدماء. ورأيت شظايا متناثرة في المكان بشكل كبير، وأحد جيراني قدماه تنزف دماً. احتضنت ابنتي تالا بسرعة وركضت بها إلى شارع السكة على بعد 600 متر من منزلي، حيث كانت مركبة إسعاف تسير ونقلت ابنتي فيها إلى مستشفى غزة الأوروبي في مدينة خانيونس. وبعد فحصها من قبل الأطباء تبين أنها أصيبت بعدة شظايا في الرأس والقدم سببت لها نزيف حاد في الدماغ وشلل في الجانب الأيسر من جسمها وحالتها خطيرة جداً، وأدخلت إلى قسم العناية المركزة.“
التدمير والتخريب وغياب الخدمات الأساسية
كشف وقف إطلاق النار والانسحاب الجزئي لقوات الاحتلال الإسرائيلي عن حجم الدمار الهائل والصادم الذي لحق بمحافظة رفح حيث لم يتمكن السكان من التعرف على أماكن منازلهم أو الوصول إليها أو معرفة الشوارع والمرافق العامة. فقد تبين أن قوات الاحتلال ومن خلال التدمير والتخريب طوال 8 أشهر من اجتياحها للمحافظة، كانت تهدف إلى جعل رفح مدينة غير قابلة للحياة، حيث طال التدمير وفق التقديرات الأولية لبلدية رفح 52 ألف وحدة سكنية بين تدمير كلي وجزئي.3 علمًا أنه لا يزال من المتعذر حصر الأضرار بشكل نهائي ودقيق، لأن قوات الاحتلال لا تزال تتمركز في مساحات واسعة من رفح، إضافة لاستمرار عمليات التدمير والقصف.
وواصلت قوات الاحتلال عمليات التدمير بالرغم من وقف إطلاق النار، حيث دمرت 5 منازل ومبنى مديرية التنمية الاجتماعية في حي تل السلطان، وفي الحي السعودي غرب مدينة رفح، بعد 4 أيام من وقف إطلاق النار.
وأفاد المواطن أسامة أحمد إبراهيم قشطة، 56 عاماً، لباحث المركز بما يلي:
“دمرت قوات الاحتلال منذ 19/2/2025، وعلى مدار 3 أيام متتالية ما يقرب من 20 منزلاً في حارة قشطة في الحي الإداري، جنوب مدينة رفح، من بينها منزلي ومنازل أشقائي وعدد من أقاربي. حاولت ترميم منزلي والسكن فيه مع عائلتي المكونة من 12 فرداً، ولكن وقوعه ضمن المناطق التي تتوغل فيها آليات الاحتلال الإسرائيلي منعني من الاستمرار في ذلك بالرغم من اتفاق وقف إطلاق النار.“
ورغم الدمار الهائل الذي حل بالمحافظة، إلاّ أن نحو 35 % من السكان عادوا إليها بعد وقف إطلاق النار ومكثوا في الأحياء المختلفة رغم عدم توفر سبل ومتطلبات الحياة أو الخدمات الأساسية خاصة مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي والكهرباء
آلاف المواطنين عادوا إلى رفح بعد وقف إطلاق النار
واضطرت العديد من العائلات إلى السكن في منازلها المحترقة أو المدمرة بشكل جزئي والمصنفة بأنها غير صالحة للسكن. ومع ذلك، ذكرت بعض العائلات أن العيش فيها أفضل من معاناة الإقامة في الخيام.
الشاب خالد خليل فرج عرادة، 41 عاماً، من سكان شارع عائد البشيتي في الحي الإداري في مدينة رفح، أفاد لباحث المركز، بأنه فضل السكن مع عائلته ووالده ووالدته وإخوانه الخمسة وعائلاتهم وعددهم 29 فرداً، بينهم 14 طفلاً، و8 نساء في منزلهم المحترق والمدمر جزئياً، على الإقامة في الخيام خلال النزوح في مواصي خان يونس، حيث كانت تجربة قاسية ومريرة تمثلت في غياب الخصوصية والازدحام الشديد، وانتشار الأمراض المعدية. كما أن الخيام لا تقي ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، أو انخفاضها في فصل الشتاء.
دمار شامل في البنى التحتية والخطورة تعيق عمل المؤسسات:
ومع خطورة الأوضاع في رفح، مع استمرار إطلاق النار والغارات من قوات الاحتلال، أحجمت غالبية المؤسسات الدولية والإغاثية عن العمل فيها. ويؤكد د. أحمد الصوفي، رئيس بلدية رفح، في إفادة لباحث المركز، أن المؤسسات الدولية والإغاثية لم تعد للعمل وتقديم خدماتها للسكان في محافظة رفح؛ بسبب خطورة الوضع الأمني وعدم توفر الحماية لموظفيها، حيث لا تزال قوات الاحتلال الإسرائيلي تسيطر على حوالي 60% من مساحة محافظة رفح سواء بالتمركز خارج الحدود الفاصلة بين قطاع غزة ومصر أو بالسيطرة النارية. وأضاف أن حجم الدمار والخراب في المحافظة يزيد عن 60% في المنازل والمؤسسات والبنى التحتية والمرافق العامة والمساجد والشوارع، حيث دمرت 5 أحياء والمخيم تدميراً كلياً، وفي الأحياء الأخرى يتراوح التدمير ما بين 40% إلى 80%.
مواطنون يتفقدون الدمار الذي حل بمنازلهم في رفح
وتحاول البلديات الثلاث ومصلحة مياه بلديات الساحل، تقديم الخدمات الأساسية للسكان، ولكنها تواجه صعوبات بالغة في ذلك، حيث طال التدمير والتخريب والقصف البنية التحتية بالكامل من شبكات ومرافق المياه والصرف الصحي، والكهرباء، والانترنت. فشبكات الكهرباء مدمرة بالكامل وكذلك شبكات الهاتف الأرضي والانترنت، و70% من شبكات المياه و3 من الخزانات الرئيسية و17 بئراً للمياه مدمرة كلياً.4 ويحصل السكان على المياه بصعوبة بالغة وبمشقة في النقل للمنازل بواسطة الدلاء أو الجالونات عن طريق المركبات المحملة بخزانات المياه، فضلاً عن ارتفاع سعر كوب المياه إلى حوالي 80 شيكلا (الدولار 3.64 شيكل) وهي أسعار فوق طاقة السكان. كما أن شبكات ومضخات الصرف الصحي مدمرة بنسبة 70% ولا تستطيع الطواقم الفنية الوصول إليها من أجل إصلاحها، وبركة تجميع مياه الأمطار في حي الجنينة ممتلئة ويمكن أن تغرق المنازل حولها بمياه الصرف الصحي بسبب عدم تشغيل المضخة فيها.
مواطن وطفلين يبحثان بين أنقاض منزلهم عمّا يمكن الاستفادة منه
وفي أعقاب تدمير قوات الاحتلال السوق المركزي، جهزت بلدية رفح مكانًا بديلاً لإقامة بسطات للخضار والفواكه والمواد التموينية شمال مخيم رفح (الشابورة). كما أقام عدد من الباعة بسطات في معظم الشوارع الرئيسية والفرعية من أجل البيع والتسوق.
ودمّر الاحتلال 15 مخبزًا رئيسيًّا كانت تعمل قبل النزوح القسري من رفح في مايو 2024، في حين أعيد افتتاح 3 مخابز فرعية بعد وقف إطلاق النار، وبدأت تعمل بطاقة محدودة، وأغلق اثنان منها قبل أيام قليلة مع نفاد الوقود، إثر قرار منع إدخال الوقود والمساعدات مطلع شهر مارس الجاري، والثالث مرشح للإغلاق أيضًا. وفي الفترة الماضية كان الأهالي يضطرون للاصطفاف في طوابير طويلة للحصول على الخبز، أو الخبز على الأفران التقليدية المنزلية التي تعمل على الحطب.
وأفاد أحمد المعشر مالك مخبز المعشر لباحث المركز، أن قوات الاحتلال دمرت مخبزه الواقع في حي الجنينة في مدينة رفح خلال التوغل البري، وبعد وقف إطلاق النار في يناير 2025، عاد إلى مدينة رفح وأعاد تشغيل مخبز بلدي بديلا لمخبزه المدمر في حي خربة العدس في شهر فبرابر الماضي واستمر تشغيله 22 يوما فقط ثم توقف يوم الخميس 8 مارس الجاري بسبب نفاذ غاز الطهي بعد إغلاق قوات الاحتلال معبر كرم أبو سالم ومنع إخال الوقود وغاز الطهي.
كما أن توقف إمدادات الوقود والغاز، مع نفاد المخزّن تقريبًا، ترك تداعيات كارثية إضافية على مجمل مرافق الحياة الصعبة أساسًا، مثل الحصول على المياه، وفتح الشوارع، وحركة التنقل، ونقاط شحن الكهرباء.
مخيمات الإيواء المؤقتة:
وفيما يخص إيواء السكان الذين دمرت منازلهم أو الذين لا يستطيعون الوصول إليها، خصصت بلدية رفح حوالي 600 دونماً غالبيتها من الأراضي الحكومية، شمال مدينة رفح، من أجل إقامة 47 مخيماً من الجمعيات الخيرية والمتبرعين لإيواء السكان، من المقرر أن تأوي 5940 عائلة، وتم تجهيز 15 مخيماً منها فقط تأوي حالياً 720 عائلة فقط، في حين
يقدر عدد السكان الذين دمرت منازلهم بحوالي 180 ألفاً، أي ما يقرب من حوالي 36 ألف عائلة، ولا يزالون يقيمون في مواصي رفح وخان يونس.
ومن بين مخيمات الإيواء الجديدة التي أقيمت مخيم العودة في حي خربة العدس في مدينة رفح. وأفاد سهيل عبد الرحمن حسن الكردي، 53 عاماً، مسؤول مخيم العودة لباحث المركز أنه قام بمساعدة من الهلال الأحمر الفلسطيني بإقامة مخيم العودة في حي خربة العدس في مدينة رفح. وتم تجهيز 35 خيمة لسكان من حي الجنينة بعد قيام قوات الاحتلال بتدمير منازلهم. وتقيم حالياً في المخيم 15 عائلة، ويواجه النازحون مشكلة عدم توصيل المياه أو توفر شبكة صرف صحي. وأضاف سهيل الكردي أنه بادر بفكرة إنشاء المخيم بعد عودته إلى منزله في حي التنور في مدينة رفح بعد وقف إطلاق النار يوم 19 يناير 2025، ووجده ركاماً، ومدمراً بالكامل.
كما أقامت جمعية الخدمة العامة في حي البرازيل (نادي الجماعي) مخيماً لسكان الحي بعد الحصول على قطعة أرض من قبل بلدية رفح شمال المدينة. وأفاد أشرف سعيد أحمد قشطة، 46 عاماً، وهو أحد القائمين على المخيم بأن إنشاءه جاء بعد الإعلان عن الهدنة في قطاع غزة يوم 19/1/2025، وعدم تمكن أهالي رفح من العودة إلى منازلهم بسبب الدمار الكبير الذي حل بالمدينة وبسبب اعتبار معظم أحيائها مناطق حمراء أو خطيرة، وتقع تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي. وتقيم في المخيم حالياً 170 أسرة، بينهم 172 طفلاً، و50 من المسنين الذين يحتاجون لرعاية خاصة. وساهمت منظمات دولية في توفير الخيام وتقديم خدمات أخرى، ويتوقع أن يصل عدد الأسر في المخيم إلى حوالي 270 أسرة. ويواجه النازحون في المخيم تحديات وصعوبات كبيرة أهمها مشكلة عدم توفر مياه الاستخدام المنزلي والمياه الصالحة للشرب (المفلترة) ونقل النفايات.
الواقع الصحي:
يوصف الواقع الصحي في رفح بأنه كارثي للغاية بسبب عدم توفر أي خدمات صحية تقريباً الآن بعد عودة حوالي 100 ألفاً من أصل 290 ألفاً من السكان الذين نزحوا عنها قسراً قبل 8 أشهر، وفق تقديرات من الجهات المحلية والإغاثية. وقد أعيد تشغيل 4 مراكز صحية صغيرة فقط وهي مركز النصر الصحي في بلدة النصر شمال رفح التابع للأونروا، ومركز صحي الشابورة شمال مخيم رفح (الشابورة) التابع لوزارة الصحة الفلسطينية، ومركزان صحيان يعملان في حي خربة العدس، أحدهما تابع لجمعية اتحاد الكنائس، والآخر تابع لأطباء العالم/فرنسا، وجميعها تقدم خدمات صحية بسيطة تتمثل في صرف الأدوية، خاصة أدوية الأمراض المزمنة، وبكميات محدودة. واستمر مستشفى الهلال الإماراتي الميداني بالعمل بشكل جزئي، ولكن لا يمكن الوصول إليه حالياً بسبب وقوعه في مناطق تقدم قوات الاحتلال الإسرائيلي، جنوب الحي الإداري. ويعمل أيضاً مستشفى اللجنة الدولية للصليب الأحمر في حي المواصي غرب مدينة رفح. ولكن غالباً يتم نقل جميع المرضى من داخل رفح أو المصابون من جراء عمليات القصف التي تنفذها قوات الاحتلال في محافظة رفح إلى مستشفيي ناصر وغزة الأوروبي في مدينة خان بونس.
وأفاد د. مروان الهمص مدير المستشفيات الميدانية في وزارة الصحة الفلسطينية، ومدير مستشفى أبو يوسف النجار الحكومي في مدينة رفح لباحث المركز، أن مدينة رفح منكوبة في جميع المجالات، وخاصة المجال الصحي، جراء قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بحرق وتدمير كلي أو جزئي لجميع المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية، والتابعة للأونروا، والأهلية، بما فيها الميدانية، خلال العملية البرية الطويلة في محافظة رفح. وهذه المستشفيات والمراكز هي: 3 مستشفيات، منها اثنان حكوميان وهما مستشفى أبو يوسف النجار الرئيسي حيث دمرته بشكل شبه كامل، ومستشفى الهلال الإماراتي/تل السلطان للولادة والحضانة، والذي أحرقت غرف العمليات فيه ومعظم مرافقه، وتم تدمير مستشفى الكويت التخصصي بالكامل، وتدمير 4 مراكز صحية تابعة للأونروا، و3 مراكز صحية تابعة للرعاية الأولية في وزارة الصحة الفلسطينية، ومركز صحي العودة، ومستشفيان ميدانيان وهما المستشفى الإندونيسي والمستشفى المرواني، واضطرت الهيئة الطبية الدولية غزة /المستشفى الأمريكي على نقل مستشفاها الميداني من مواصي رفح إلى مدينة دير البلح خلال العملية البرية.
الدمار الذي حل بمستشفى أبو يوسف النجار في رفح
وأضاف د. مروان الهمص أن المنظومة الصحية انهارت بشكل كامل في محافظة رفح وأن وزارة الصحة الفلسطينية والمؤسسات الأخرى التي تقدم خدمات صحية لسكان رفح عاجزة حالياً عن تقديم خدماتها بسبب خطورة الوضع الأمني وعدم القدرة على الوصول إلى المستشفيات والمراكز الصحية من أجل إعادة تأهيلها وترميمها أو تشغيلها بسبب وقوعها في مناطق تجتاحها قوات الاحتلال الإسرائيلي وتتمركز حولها حتى الآن.5
خلاصة ومطالبات:
ما تتعرض له مدينة رفح من دمار شامل، وتهجير قسري، واستهداف ممنهج للمدنيين، رغم الإعلان عن وقف إطلاق النار، يشكّل دليلًا إضافيًا على أن ما يجري في قطاع غزة هو جريمة إبادة جماعية متكاملة الأركان.
وفي هذا الإطار يقول راجي الصوراني مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان: إن الإبادة الجماعية ليست مجرد ضربة واحدة تُنفذ في لحظة، بل هي عملية مركبة تتكون من سلسلة من الجرائم. هذه هي طبيعة وجوهر جريمة الإبادة الجماعية.
ويضيف أن استمرار الحالة المأساوية – من قتل وتدمير وتهجير وتجويع – في ظل الظروف الراهنة، يجعل المدن والأحياء الفلسطينية غير صالحة للحياة، وهو ما يحقق أهداف جريمة الإبادة الجماعية. وبالتالي، فإن وقف إطلاق النار لا يعني انتهاء خطر هذه الجريمة أو توقف الجرائم المصاحبة لها.
ويفرض هذا الواقع الكارثي على المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، والدول الأطراف في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، التحرك العاجل لإنهاء هذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها. كما أن استمرار الصمت الدولي والتقاعس عن اتخاذ إجراءات حاسمة يجعلان الدول الفاعلة شريكة في هذه الانتهاكات الجسيمة، سواء من خلال الدعم المباشر للاحتلال أو من خلال غض الطرف عن الجرائم المستمرة بحق الشعب الفلسطيني.
بناءً على ما سبق، يطالب المركز المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية، والضغط الفوري لوقف جميع الهجمات العسكرية في رفح وجميع أنحاء قطاع غزة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية العاجلة، وتوفير الحماية للمدنيين، وتأمين مخيمات إيواء مؤقتة ولائقة لحين إعادة الإعمار.
ويؤكد المركز مجددًا ضرورة العمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، باعتباره الجذر الأساسي للنكبات المتكررة التي يعيشها الفلسطينيون.
للمزيد من التفاصيل، انظر بيان المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، أوامر تهجير تطال شرق رفح وقصف مكثف لأحياء مختلفة منها؛ مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية تطالب بتحرك عاجل لوقف المذبحة المتوقعة، 7 مايو 2024. الرابط: https://pchrgaza.org/ar/?p=22403↩︎