أبريل 17, 2025
تقرير ميداني: عنف تحت الحماية .. اعتداءات المستوطنين أداة لتهجير سكان الخليل
مشاركة
تقرير ميداني: عنف تحت الحماية .. اعتداءات المستوطنين أداة لتهجير سكان الخليل

تتصاعد وتيرة اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين في مدينة الخليل، جنوب الضفة الغربية، نتيجة سياسة الإفلات من العقاب، وتواطؤ قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي لا تكتفي بعدم التدخل لوقف هذه الاعتداءات، بل توفر الحماية للمستوطنين خلال تنفيذهم لهجماتهم المنظمة بحق المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم.

 وتُعد الخليل من أكثر المناطق تضررًا من الاستيطان الإسرائيلي، نظرًا لوجود عدد من البؤر الاستيطانية في قلب المدينة، خاصة في البلدة القديمة، حيث يعيش السكان الفلسطينيون في ظروف قسرية ومقيدة، تتسم بالتضييق الشديد على الحركة وفرض القيود العسكرية المستمرة.

ووثّق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان تصاعدًا ملحوظًا في حجم ونوعية الانتهاكات التي ينفذها المستوطنون، والتي شملت اعتداءات جسدية مباشرة، وتحطيم ممتلكات، واقتحامات للمنازل، وتهديدات متكررة تهدف إلى ترهيب السكان ودفعهم نحو التهجير القسري.

ووفق توثيق طواقم المركز، نفذ مستوطنون 46 اعتداءً على مدنيين ومنشآت فلسطينية في الخليل، خلال الربع الأول من عام 2025، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالأعوام السابقة، ما يبرهن على قوة الدعم المقدم للمستوطنين من حكومة الاحتلال الإسرائيلية الحالية سواء على الجانب القانوني والمالي.

وتشير هذه الاعتداءات إلى وجود سياسة إسرائيلية ممنهجة تستهدف تفريغ المناطق الحيوية في الخليل من سكانها الفلسطينيين، ضمن سياق أوسع من التهجير القسري والتطهير العرقي، في مخالفة صارخة لأحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

يأتي هذا التقرير لتسليط الضوء على هذه الانتهاكات وتوثيقها بالأدلة والشهادات، بهدف وضع المجتمع الدولي في صورة ما يجري من أعمال عنف وتطهير عرقي برعاية إسرائيلية رسمية، وحث الجهات الدولية المعنية على اتخاذ خطوات فاعلة لحماية السكان المدنيين الفلسطينيين، ووقف جرائم الاستيطان والتمييز العنصري التي تنتهجها سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

ورغم أنه لا يوجد عدد دقيق لعدد المستوطنين حاليا في الخليل، نتيجة الحركة الدائمة للمستوطنين حضورا ومغادرة، وكذلك إقامة عشرات البؤر الجديدة، إلا أن التقديرات حتى عام 2022 تشير إلى وجود نحو 23326 مستوطنًا،1 يقيمون في 21 مستوطنة و47 بؤرة استيطانية في المحافظة؛ تسببت بعزل آلاف الدونمات خلفها وفي محيطها، ومنعت التوسع الفلسطيني في البناء والزراعة في تلك الأراضي، في حين يقدر عدد سكان محافظة الخليل بنحو 842 ألف نسمة حتى 2024 وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.2

للاطلاع المزيد عن واقع الاستيطان في الخليل: تقرير ميداني حول تصاعد وتيرة الاستيطان في محافظة الخليل

ووفق متابعة ومراقبة باحث المركز الميداني في الخليل، تتسم اعتداءات المستوطنين بالتنوع والشمول، وهي تستهدف التجمعات السكنية الفلسطينية، وتنتقل من قرية إلى أخرى، ومن حي إلى تجمع آخر، وتبدأ باعتداءات على الأفراد والممتلكات، وصولا للاستيلاء على الأرض وإقامة البؤر الاستيطانية، تنطلق منها اعتداءات جديدة في عملية متوالية تتفشى بشكل خطير ومستمر، وتجري بحماية قوات الاحتلال واشتراكه وغض طرفه في أحسن الأحوال، ضمن سياق عام يدلل على سعي الاحتلال لتغيير الواقع الديمغرافي في العديد من أحياء الخليل لمصلحة المستوطنين.

اعتداءات متكررة في قرية سوسيا

“كان هذا العام أليما على قرى مدينة يطا، وقرية سوسيا جنوبي المدينة التي لم تتوقف عنها الهجمات خلال شهر مارس/آذار، حيث شهد كل يوم من الشهر اعتداء سواء في ساعات الليل أو النهار، وأدت الهجمات إلى تكسير المركبات وإحراقها وإلحاق أضرار بالمساكن والاعتداء بالضرب والاعتقالات. كانت جل هذه الهجمات بقيادة أحد قادة المستوطنين الرعاة الذي يعرفه السكان باسم “شم توف لوتسكي.” 

كانت هذه شهادة الباحث الميداني في المركز عماد أبو هواش عن القرية وما تتعرض له من هجمات في وضح النهار وأمام قوات جيش الاحتلال.  ويضيف الباحث أبو هواش:

“كنت أصور الأضرار التي لحقت بمساكن المواطنين في قرية سوسيا، كان ذلك يوم الثلاثاء الموافق: 11/3/2025، كانت الساعة 4:00 مساءً، بدأت الأصوات ترتفع من الجهة الشرقية من القرية هرعت إلى المكان لمشاهدة ما يجري، ثلاثة مستوطنين مقنعين يحملون الهراوات، كانوا يصرخون ويلقون الحجارة تجاه منزل المواطن أحمد نواجعة. كان هناك صوت صراخ نساء ينبعث من المنزل، فيما أحد المستوطنين يطارد أغنام المواطن نواجعة. كان السكان خائفين ومرهقين، كانوا صائمين (شهر رمضان). غادر المستوطنون بعد اللحاق بهم من سكان القرية. لم يكن هذا الهجوم الأول على منزل نواجعة.”

المواطنة حليمة خليل أبو عيد، زوجة المواطن أحمد نواجعة من سكان قرية سوسيا، تدلي بإفادتها حول إحدى تلك الهجمات لباحث المركز:

“في حوالي الساعة 6:00 مساء يوم الأحد 3/2/2025، كنت أجلس في المنزل برفقة زوجي وأطفالي، بعد تناول طعام الإفطار (خلال شهر رمضان)، عرفنا من خلال مجموعات الواتساب أن هناك تحركات للمستوطنين في محيط القرية، وبدأت الكلاب تنبح في الخارج بصوت مرتفع، تخوفنا على أغنامنا في الحظيرة وخرجنا لتفقدها ومشاهدة ما يجري في المحيط، وما إن فتحنا باب المنزل حتى بدأت الحجارة تتساقط علينا كالمطر، كان هناك مستوطنون في محيط المنزل، كانوا يقذفون الحجارة بكثرة لدرجة أننا لم نقدر على تجاوز باب المنزل إلى الخارج. استمر إلقاء الحجارة نحو نصف ساعة، كان زوجي خلالها يتصل بالأهالي وبالشرطة الإسرائيلية من أجل أن تحضر إلى المنزل. بدأ الأهالي يصرخون في القرية، واستطاع الأولاد ان يخرجوا من المنزل ويتحركوا ركضا باتجاه الحقول إلى التلة المقابلة، حيث يوحد منزل عمتهم (ربيحة جبر النواجعة)، هناك كانوا خائفين من المستوطنين، واستطعنا الخروج من المنزل، وكان الأهالي في القرية يتجمهرون والجميع يصرخ على المستوطنين فيما كانت مركبة للنشطاء الأجانب في محيط القرية تحاول اللحاق بالمستوطنين لتصويرهم. شاهدت 7 مستوطنين كانوا يحملون الهراوات في محيط المنزل، هربوا تجاه البؤرة القريبة من مستوطنة سوسيا. أصبت بحجر في خدي الأيمن، واصيبت ربيحة بحجر في خاصرتها اليمنى، كان يوما مخيفا.”

وفي حادثة أخرى من الهجوم على القرية تروي المواطنة انشراح شريتح، تفاصيل ليلة من الخوف عاشتها برفقة أطفالها في قرية سوسيا:

“عند حوالي الساعة 7:00 مساء يوم الاثنين 3/2/2025، كنت في المنزل برفقة زوجي وأبنائي الأربعة، منهم طفلان، وكان الجو باردا جدا في تلك الليلة، سمعنا صوت صراخ في المنازل القريبة منا. خرج زوجي من المسكن ليشاهد ما يجري وعاد ليخبرني أن المستوطنين هاجموا مسكن المواطن ناصر نواجعة على مسافة 100 من منزلنا، وقال لي لا تخرجي من المسكن وأغلقي الباب جيدا وبقي في الخارج يراقب ما يحدث تخوفا من مهاجمة مسكن زوجته الثانية وأطفاله. بعد وقت قليل من ذلك بدأت أسمع صوت صراخ زوجي على المستوطنين. انتابني الخوف مما أسمع وأيقنت أن المستوطنين قد هاجموا منزل زوجة زوجي الثانية، وكنت قلقة عليهم وعلى زوجي الذي بقي في الخارج من أن يهاجمه المستوطنون. بعد 10 دقائق أو أكثير بقليل بدأت الحجارة تسقط على المسكن وعلى النوافذ وكانت كثيفة جدا، وبدأ أطفالي بالصراخ والبكاء وبعضهم كان يبكي بشكل هستيري ويرتجفون من الخوف، وكنت أسمع صوت تكسير زجاج مركبة زوجي التي يركنها بالقرب من المسكن، وبعد نحو 20 دقيقة من استمرار الهجوم علينا هدأ الصوت، وطرق زوجي باب المنزل وأبلغني أن المستوطنين قد غادروا.”

مركبة المواطن ناصر شريتح أحرقها مستوطنون  في قرية سوسيا

ولم يكن الوضع في قرية الطوبا الواقعة في المنطقة الشرقية من مدينة يطا أحسن حالاً، حيث تكررت اعتداءات المستوطنين، في وقت أعلنت سلطات الاحتلال أن القرية ضمن منطقة (918) والمصنفة على أنها مناطق تدريبات عسكرية.

في تلك القرية، تقطن عائلة عوض التي تتعرض لهجمات يومية وتواجد للمستوطنين الرعاة أمام منازلهم. يؤمن الأهالي أن هذه الاعتداءات والعنف المتزايد من المستوطنين بدون رادع، هدفه إجبارهم على ترك أراضيهم والرحيل من المكان.

تنطلق الكثير من الاعتداءات التي ينفذها المستوطنون من البؤرة التي يتزعمها أحد قادة المستوطنين “أسخار مان” -هو أحد المستوطنين الذين رفعت عنهم الإدارة الأميركية العقوبات بتاريخ 25/1/2025-، حيث يقيم المستوطن المذكور مزارع للأبقار والأغنام، واستولى على مئات الدونمات في منطقة العين البيضاء وأقام بها حقولاً من العنب على حساب الأراضي الفلسطينية التي جرى مصادرتها.

آليات تعمل في أراضي المواطنين لتوسيع مزارع العنب للمستوطن اسخار مان، في منطقة الجوايا – تصوير الباحث عماد أبو هولش. مارس 2025

يروي المواطن علي راشد عوض، من سكان قرية الطوبا، عما حدث في إحدى الهجمات على التجمع في 25/2/2025:

“كنت أجلس في سيارتي من نوع داشا داستر، أمام منزلي في قرية طوبا، وفجأة رأيت مجموعة من المستوطنين على بعد حوالي 200 متر إلى الجهة الغربية من القرية، قادمين  من جهة مستوطنة ماعون والبؤرة الاستيطانية خافات ماعون، كان المستوطنون ملثمون ويركضون باتجاه منازلنا، أيقنت سريعاً أنهم سوف يهاجمون المنازل في القرية، وينفذون اعتداءات كما يفعلون دائما، بدأت أصرخ على عائلتي، وكان عشرات الأطفال من أولاد أعمامي في المكان، نزلت من السيارة وحاولت إبعادهم وطلبت منهم الهروب بعيدا عن الممتلكات لكي لا يتم الاعتداء عليهم من المستوطنين، وفي حوالي دقيقة حاولت الرجوع إلى السيارة والهروب بها بعيدا ولكن قبل الدخول إلى السيارة رأيت المستوطنين يركضون على الطريق الوحيد والمخرج الذي يمكن العبور منه عبر منازل العائلة. أحد المستوطنين كان يحمل بندقية وآخر يحمل في يده قارورة زجاجية والبقية يحملون العصي وكانوا ملثمين ومعظمهم يرتدون ملابس باللون الأبيض والأسود، هربت بعيداً لكي أنقذ نفسي، وذهبت إلى الجهة المقابلة، كان هنالك جدي أبراهيم علي عوض، 83 عاماً، وجدتي زهور محمد عوض نحو، 78 عاماً، والأطفال والنساء، بعد أقل من دقيقة وعند الوصول إلى السيارة، بدأوا بتكسير الزجاج وسكب البنزين في داخل السيارة وأشعلوا النار في داخلها. بدأ يتصاعد الدخان وبينما أخرون دخلوا إلى داخل منزل عمي محمود أبراهيم عوض، والاعتداء على اثنين من أطفاله، جوري، 6 أعوام، أصيبت بحجر في الظهر، وجود، 9 أعوام ضربوه بعصى على كوعه الأيمن. دخل المستوطنون إلى خيمة نخزن فيها المونة، حيث تقوم جدتي بتصنيع لبن الرايب في هذه الخيمة، سكبي برميلي طحين، وبرميل سكر، وبرميل أرز وآخر للملح، وسكبوا بقية المؤن على أرضية الخيمة، وتوجه مستوطنون آخرون إلى خيمة أخرى يوجد بها أعلاف للحيوانات، وأشعلوا النيران في 10 طن من شوالات حبوب الشعير، وأتلف حوالي 3 طن من الشعير بسبب النيران، واستمر الاعتداء حوالي 6 دقائق. المستوطن الذي كان يحمل السلاح بقي بجانب السيارة إلى فترة حتى تأكد بأن النيران بدأت تلتهمها.”

وتروي المواطنة دلال عيسى عوض ليلة الهجوم عليهم من المستوطنين يوم 9/2/2025:

“كنت متواجدة في المنزل وكان هناك عدد من الأجانب متواجدين معنا بسبب الاعتداءات الأخيرة على قرية الطوبا، كان شقيقي عيسى، 16 عاماً، نائما بالقرب من الكهف الذي تتواجد فيه الأغنام قرب المنزل، في ذلك الوقت كنت قد اوشكت على النوم قبل أن أسمع صوت صراخ شقيقي عيسى، خرجت من المنزل وتوجهت ناحية الصوت وشاهدت مستوطنان يسحبان عيسى من فراشه، كان أحدهم يدعس عليه بحذائه، فيما الآخر يضربه بعصى كانت بيده، بدأت بالصراخ عليهم أن يتوقفوا وعلى المتضامنين الاجانب لكي يحضروا لإنقاذ شقيقي. ركض المستوطنان بسرعة من المكان ناحية الوادي مسافة بعيدة ووصلت إلى شقيقي وكانت الدماء تنزف من أنفه ورأسه، وكان هناك جرح في جبينه الأمامي، كان المستوطنون قد فروا من المكان وشاهدنا في مركبة رباعية الدفع من نوع ( تركترون) تقلهم باتجاه البؤرة “تسخار مان.”

اعتداءات في قرية بيرين وخلة الفرن

وشهدت قرية بيرين وخلة الفرن، شرق مدينة الخليل، اعتداءات متكررة من المستوطنين انطلاقًا من البؤر الاستيطانية محيط القرية.

يروي المواطن نور عزمي ادريس ما حصل من اعتداء للمستوطنين على منزله يوم 25/3/2025:
” عند حوالي الساعة 12:00 من منتصف الليل، وصل المستوطنون من البؤرة المقامة بالقرب من القرية، إلى منزلي وسرقوا ماكنة رش المبيدات وماكنة نفخ الإطارات، وغادروا المكان، وبعد نحو ساعة ونصف هاجمت مجموعة من المستوطنين المنزل وكانوا يستلقون مركبة توقفت على مسافة من المنزل، وتقدم ثلاثة منهم إلى المنزل وشرعوا بإلقاء الحجارة وبدأ الزجاج يتحطم ويتساقط على أطفالي النيام. توجهت إلى الغرف برفقة زوجتي وأيقظنا الاطفال لحمايتهم من الزجاج المتناثر كنا نصرخ على المستوطنون لكي يوقفوا الهجوم على المنزل، وكنت أتصل على الشرطة الإسرائيلية كي تحضر إلى المكان، بعد عدة دقائق توقف الهجوم وغادر المستوطنون المكان، توجهت إلى خارج المنزل لأشاهد ما جرى فوجدت مركبتي من نوع بيجو 205 قد سرقها المستوطنون، وكذلك مركبة من نوع ميتشوبيشي تندر كسر زجاجها، بقينا في تلك الليلة مستيقظين حيث كان أطفالي خائفين مما حصل. كذلك، منذ بدأ المستوطنون بعمليات الحفريات شرعوا بمضايقة السكان ومنعهم من حراثة الأرض ورعي مواشهم في المنطقة. يتجول المستوطنون في أكثر من 2000 دونم في المنطقة ويطاردون الرعاة ويضيقون الخناق علينا، حتى إنهم وصولوا إلى منزلي في 28/3/2025، وكانت الساعة 10:00 صباحاً، وقالوا لي عليك بالرحيل من هناك ممنوع عليك التواجد في هذه المنطقة.”

بؤرة استيطانية في المنطقة الجنوبية الشرقية من الخليل

وجه آخر، هو الأخطر لاعتداءات المستوطنين، يتمثل في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وإقامة البؤر الاستيطانية التي سرعان ما تنطلق منها الاعتداءات.

في منتصف شهر مارس الماضي، أقام مستوطنون بؤرة استيطانية في منطقة واد الأعور شرق جنوبي الخليل، بدأت بوضع كرفان حديدي، ومنه انطلقوا لتنفيذ هجمات على المواطنين القاطنين في المنطقة، وعلى المزارعين في أراضيهم الزراعية من أجل الضغط عليهم لتركها والاستلاء عليها.

يروي المواطن خزيمة غيث لباحث المركز تفاصيل أحد هذه الهجمات:

“نملك أرضًا موروثة عن والدي مساحتها 15 دونما في منطقة واد الأعور، وهي مزروعة بأشجار اللوزيات والزيتون وهي تقع في المنطقة المصنفة (سي)، أقام المستوطنون خلال شهر الأسابيع القليلة الماضية، بؤرة استيطانية، حيث وضعوا بركسا من الصفيح، يوم السبت 5/4/2025 توجهت إلى الأرض المذكورة برفقة شقيقيّ: لؤي 48 عاماً، وخلف 60 عاماً، ولدى وصولنا الساعة 10:30 صباحاً، شاهدنا المستوطنين يتجولون في المنطقة وكانوا يلقون الحجارة تجاه منزل جيراننا من عائلة أبو سنينة، كانوا 4 مستوطنين شبان، كان برفقتهم كلب. طلب شقيقي أن أبعد المركبة، وفي تلك اللحظات أصابت حجارة المستوطنين المركبة، ترجلت منها وبدأت أصرخ تجاه المستوطنين وكان أحدهم يمسك كلبا لونه أسود وبني كبير الحجم وأطلقه نحوي، فعضني  في يدي اليمنى، وكنت أصرخ وأحاول إبعاده عني، فعضني في ساقي اليسرى، وقد نزفت بين أنيابه. كما هاجمني المستوطنون الثلاثة وضربوني بأيديهم بعنف على رأسي وظهري، بعد عدة دقائق ذلك وصل عدد من المواطنين إلى المكان وكذلك لحق بي أشقائي على صوت صراخي، فاضطر المستوطنون إلى أخذ الكلب ومغادرة المكان، بعد نحو 15 دقيقة وصلت دورية لجيش الاحتلال إلى المكان، ووجه أحد الجنود سلاحه ووضعه في رأسي.”

كما تتكرر اعتداءات المستوطنين في قرية جنبا جنوب شرقي مدينة يطا، جنوب الخليل، التي تعتبر من ضمن المناطق التي تصنها سلطات الاحتلال أنها منطقة (918) (أي منطقة إطلاق نار)، وتسعى سلطات الاحتلال منذ سنوات لتهجر السكان منها، في وقت تسمح فيه للمستوطنين بالتواجد بقطعان أغناهم وتحمي اعتداءاتهم السكان.

وشهد يوم الثلاثاء، الموافق 27/3/2025، الهجوم الأعنف للمستوطنين على التجمع، حيث اقتحم المنطقة 15 مستوطنا ملثمين، وكانوا يحملون أسلحة وهراوات، وهاجموا السكان وأصابوا عددًا منهم بجروح بالغة، ودمروا محتويات المساكن التي يتكون نسبة كبيرة منها من الكهوف القديمة التي يسكنها المواطنين، بسبب سياسة الهدم التي تنتهجها سلطات الاحتلال منذ سنوات طويلة ضد السكان لإجبارهم على الرحيل.

يروي المواطن قصي العمور لباحث المركز، ما حصل معه ومع أفراد عائلته في يوم 27/3/2025:
“في حوالي الساعة 8:00 صباحاً، شاهدت مجموعة من المستوطنين يستقلون مركبتين رباعية الدفع، ومركبة أخرى من نوع تندر، كانت تقل نحو 15 مستوطنا، مقنعين ويحملون بأيديهم الهراوات والعصي الخشبية والحديدية. كان المشهد مخيفا جداً، هرع المستوطنين ركضاً تجاه الكهف الذي نسكنه على مسافة 30 م من مكان توقف المركبات، في تلك اللحظات كان والدي قد خرج من الكهف، فهاجمه ثلاثة مستوطنين، أحدهم يحمل عصا حديدية ضربوا والدي على رأسه، وشاهدت الدماء تنزف من راسه قبل أن يسقط على الأرض، كنت اصرخ عليهم فيما خرج شقيقي احمد 16 عاماً، فهاجمه اثنان منهم بالحجارة والعصي وسقط اراضا، قفزت مسرعا لأبعدهم عن والدي وشقيقي، فهاجمني 4 مستوطنين بالعصي، كنت أتلقى الضربات القوية بيدي عني حتى ضربني أحدهم حجرا في رأسي، فسقطت على الأرض وكنت غير قادر على الحركة. غادر المستوطنون، بعدها خرجت والدتي وشقيقتي الصغرى هندا، 12 عاماً، وكان الجميع يصرخ ويبكي. استعدت قواي وتوجهت لوالدي، شعرت أنه قد فارق الحياة، كانت الدماء تسيل من رأسه بغزارة، فيما كان شقيقي أحمد ينزف من أذنيه، وكان مادة صفراء تخرج من فمه. أدخلتهم بمساعدة والدتي إلى المغارة وأغلقنا الباب علينا كي لا يعود المستوطنون لمهاجمتنا مرة أخرى، وحاولنا وقف النزيف لوالدي، وكنا نتصل بمركبات الإسعاف، وكنت أخرج بين الحين والآخر لأطلب المساعدة إلا أن المستوطنين كانوا ما زالوا ينفذون الهجوم على المواطنين في القرية ويلقون عليهم الحجارة، كانت هناك دورية لجيش الاحتلال تتوقف على مسافة 200 م من القرية وكان الجنود يشاهدون ما يجري ويقومون بتصوير الحدث من هجوم المستوطنون علينا. لم يتوقف هجوم المستوطنين لمدة ساعة، كانت الكاميرا التي جرى تثبيتها على مدخل الكهف قد توقفت بعد تكسيرها من قبل المستوطنين وأصبحنا لا نرى ما يجري حولنا من اعتداء. لاحقا انتقلنا للعلاج في الخليل. وفي ساعات الليل داهمت قوات الاحتلال القرية، وهاجمت مساكن المواطنين، وداهمت الكهف الذي نسكنه وخربت مقتنياه. ما زلت أعاني من ألم في ذراعي حتى اللحظة.”

وشهدت منطقة أبو شبان شرقي مدينة يطا جنوبي الخليل، في فبراير الماضي، هجومين للمستوطنين القاطنين في البؤر الاستيطانية المقامة على أراضي المواطنين المصادرة.

يروي المواطن ماجد عبد الكريم دبابسة لباحث المركز كيف هاجم مستوطنون منزله في 21/2/2025:

“استيقظنا على النيران وهي تشتغل في مركبتي التي كانت متوقفة بجانب من المنزل. أثناء تفقدنا المكان وجدنا شعارات خطية باللغة العبرية على جدران الطابق الأول، فأيقنت أنهم مستوطنون، توجهنا إلى كاميرات المراقبة التي تغطي المكان وتبين لنا أن ثلاثة من المستوطنين المقنعين وصولوا سيرا على الأقدام إلى محيط المنزل وكانوا مقنعين، حيث بدأوا بالتحرك لوقت في المكان الذي وجدنا الشعارات العنصرية مكتوبة على  الجداران قبل أن يتحركوا إلى المركبة التي كانت متوقفة بجانب المنزل وأشعلوا النار فيها مستخدمين مادة سريعة الاشتعال حسبما تبين في تصوير الكاميرات، قبل أن ينسحب المستوطنون الثلاثة من الموقع باتجاه الطريق الرئيسية.”

صورة توضيحية لكيفية هجوم المستوطنين على منزل المواطن دبابسة في تجمع ابو شبان
باحث المركز عماد أبو هواش مع المواطنين اثناء هجوم المستوطنين على السكان في منطقة واد الجوايا شرق يطا

مطالبات

وإذ يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عنف المستوطنين فإنه يشير إلى أن غالبيته يجري بحماية من قوات الاحتلال التي تتدخل لتأمين المستوطنين خلال تنفيذ هجماتهم وانسحابهم لاحقًا، وتقمع الفلسطينيين الذين يحاولون حماية أنفسهم، وتتجنب غالبا فتح أي شكوى أو تحقيق جدي في أي اعتداء.

كما يدين سياسة الأمر الواقع التي يفرضها الاحتلال من خلال التوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي وهدم المنازل الفلسطينية، وتهجير السكان الفلسطينيين، وهو ما يشكل جريمة حرب وفق قواعد القانون الدولي.

ويذكر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن محكمة العدل الدولية أصدرت في يوليو 2024 قرارًا يؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، هو احتلال غير قانوني، ويُلزم إسرائيل بإنهاء وجودها غير القانوني بأسرع وقت ممكن، والوقف الفوري لهجماتها الاستيطانية، وإخلاء جميع المستوطنين من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وبناء عليه، يدعو المركز المجتمع الدولي والهيئات الأممية، إلى الالتزام بقرار المحكمة، وتحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية، والتدخل الفاعل لوقف جرائم قوات الاحتلال والمستوطنين ضد الفلسطينيين، والعمل على توفير الحماية لهم.

كما يدعو المركز المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية من أجل إصدار أوامر اعتقال جديدة لكل من هم ضالعون في جرائم الاستيطان من القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين.


  1. الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية: التقرير الإحصائي السنوي 2022، نوفمبر 2023. الرابط:
    https://www.pcbs.gov.ps/Downloads/book2683.pdf ↩︎
  2. الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، عدد السكان المقدر في منتصف العام لمحافظة الخليل حسب التجمع 2017-2026.
    https://www.pcbs.gov.ps/statisticsIndicatorsTables.aspx?lang=ar&table_id=705 ↩︎ ↩︎

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *