لا وجود لمستقبل بوجود المستوطنين
تقرير ميداني: تقاسم الأدوار بين الاحتلال والمستوطنين لترسيخ الاستيطان في الخليل
تشكل مدينة الخليل نموذجًا صارخًا لجرائم الاستيطان الإسرائيلية القائمة على القهر والتمييز العنصري، حيث يفرض وجود المستوطنين، المدعومين بقوة الاحتلال، واقعًا من العنف المنهجي والهيمنة العسكرية على السكان الفلسطينيين وممتلكاتهم. فمنذ احتلالها الضفة الغربية عام 1967، تسعى إسرائيل، عبر سياسات تعاظمت خلال العامين الأخيرين، إلى توسيع المستوطنات، وإقامة البؤر الاستيطانية، والسيطرة على قلب المدينة التاريخي، بهدف تفريغ الخليل من سكانها الأصليين وفرض وقائع ديموغرافية جديدة.
لقد تحولت الخليل إلى مدينة مقسمة، يتقاسمها الاحتلال والمستوطنون بقوة السلاح والقمع، ما يجعل الحياة اليومية للفلسطينيين جحيمًا حقيقيًا. تقييد الحركة، والاعتداءات المتكررة، وإغلاق الأسواق، والاستيلاء على المنازل، كلها أدوات تُستخدم لخنق الحضور الفلسطيني. وسط هذه السياسات، يصبح الحديث عن حاضر ومستقبل آمن للفلسطينيين أمرًا بعيد المنال، في وجود واقع كولونيالي- استيطاني تمارس خلاله دولة الاحتلال والمستوطنون جرائم حرب وانتهاكات جسيمة للقانون الدولي لضمان السيطرة والهيمنة الكاملة على الأرض الفلسطينية.
يركز هذا التقرير على المنهجية المتبعة في ترسيخ المشروع الاستيطاني في الخليل، والتي تقوم على تقاسم منظم للأدوار بين أذرع الاحتلال المختلفة. تبدأ العملية بإقرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي سياسات وخطط تزعم أن الأراضي الفلسطينية المستهدفة هي “أراضي دولة”، تمهيدًا للاستيلاء عليها. تتولى قوات الاحتلال لاحقًا تنفيذ خطوات ميدانية، عبر قرارات المصادرة، وإغلاق المناطق، ومنع الفلسطينيين من الوصول إليها، وتوفير الحماية العسكرية للمستوطنين. وفي المرحلة الثالثة، يتدخل المستوطنون على الأرض، فينشئون بؤرًا استيطانية جديدة، ويشنّون اعتداءات متكررة على السكان وممتلكاتهم، مما يخلق واقعًا قسريًا يدفع نحو تهجير الفلسطينيين. وهكذا، تُنفّذ مخططات التوسع الاستيطاني تحت غطاء قانوني مزعوم، وإجراءات عسكرية محمية، وسلوك استيطاني عنيف، ما يجعل هذه الممارسات جزءًا من سياسة ممنهجة هدفها السيطرة الكاملة على الأرض وتفريغها من سكانها الأصليين.
على مدار السنوات الماضية، عملت سلطات الاحتلال بشكل ممنهج على التمدد والتوسع الاستيطاني في كل الضفة الغربية، وضمنها على وجه الخصوص الخليل. غير أنه منذ أكتوبر 2023 انكشف الستار عن الخطة الإسرائيلية للسيطرة على الأراضي الفلسطينية الواقعة في منطقة c، وإنشاء البور الاستيطانية الرعوية تحت مسمى “حماية أرض الدولة”، والأساس في ذلك هو تشكيل النواة لمهاجمة القرى والتجمعات الرعوية والزراعية الفلسطينية، لطرد سكانها من خلال العنف المركز، مما يمهد للسيطرة أيضاً على الأراضي الخاصة.
وتظهر المتابعة الميدانية لطاقم المركز أن التهديد والمضايقات والهجمات المسلحة، من مجموعات المستوطنين، على الرعاة الفلسطينيين كان لها الأثر الكبير. أصبح هذا مطمعا لأي مستوطن قد يقطن في بؤرة عشوائية ليستخدم نفوذه المحمي من قوات الاحتلال للسيطرة والنهب.
ولم تتوقف الإجراءات عند هذا الحد، فقد استخدمت قوات الاحتلال أوامر إخلاء الأراضي، تارة تحت ذريعة استخدامها لأغراض عسكرية، وتارة لإقامة منطقة عازلة لحدود جدار الضم، كل ذلك على حساب أملاك الفلسطينيين. كما أعلن الاحتلال عن المحميات الطبيعية وأوامر الاستملاك العسكرية وأضاف مشاريع طرق وغيرها من أجل إكمال الهيمنة وتفريغ منطقة (C) من سكانها الفلسطينيين تمهيدًا أو تكريسًا فعليا لخطة الضم التي يلوح بها قادة الاحتلال في الضفة الغربية.
لقد باتت البؤر الاستيطانية اليوم في رأس الطليعة التي تستولي على الأراضي الفلسطينية من خلال جملة سياسات وتقاسم أدوار بين الحكومة وجيش الاحتلال والمستوطنين، أبرزها: العنف- التخطيط- التمويل من الحكومة- والدعم من قطاع الجيش والإدارة المدنية والمجالس الإقليمية للمستوطنات، ولواء الاستيطان التابع للمنظمة الصهيونية العالمية – ووزارة الاستيطان والوزرات الأخرى. هذه الجهات كانت معنية منذ سنوات طويلة للسيطرة على الأراضي الفلسطينية. فكل مستوطن يقيم خيمة أو بركسًا، ويتواجد ويحضر مواشي، ويستغل أرضا يصبح مالكا على حساب الفلسطينيين بنظام الاستئجار الذي تمنحه له سلطات الاحتلال من خلال منظمات صهيونية.
أراضي الدولة والمشروع الاستيطاني:
وشهد العام الجاري (2025) إعلان سلطات الاحتلال عن 140 دونما كأراضي دولة معلنة في محافظة الخليل، وجرى تجريف جزء منها في مدينة حلحول، وسيطرة المستوطنين على جزء آخر في خربة أم الخير في مدينة يطا، جنوبي المحافظة، لمصلحة المستوطنين الرعاة، وفق متابعة طاقم المركز. وتأتي هذه الخطوة في إطار توسع الاحتلال في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بحجة أنها أراضي دولة، بموجب قرارات وتشريعات لشرعنة الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.
ويتضح من جولات أجراها طاقم المركز أن جل المناطق التي أقيمت عليها البؤر الاستيطانية كانت على أراضٍ أعلنتها سلطات الاحتلال “أراضي دولة”، وهي قريبة نوعا ما من المستوطنات، حيث يتواجد الدعم اللوجستي لهؤلاء المستوطنين بسرعة في حال تصدي الفلسطينيين لهم وسرعة وصول قوات جيش الاحتلال إلى المكان، ما يساعد بالدرجة الأولى على الاستيلاء على الأراضي الخاصة بعد منع الفلسطينيين من التواجد فيها.
وفق تقرير سابق، وثق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ارتفاع وتيرة اعتداءات المستوطنين، في إطار سياسة إسرائيلية ممنهجة تستهدف تفريغ المناطق الحيوية في الخليل من سكانها الفلسطينيين، ضمن سياق أوسع من التهجير القسري والتطهير العرقي، في مخالفة صارخة لأحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
“النتيجة واضحة أن القليل من المستوطنين القاطنين في هذه البؤر يستطيعون توفر الدعم من المستوطنين المسلحين وجيش الاحتلال وإقامة نقاط مراقبة عسكرية للجيش تحت بند (الحماية- والحراسة) على مسافات أبعد، لضمان تحقيق الهدف وهو السيطرة على أكبر كم من الأراضي. اما الجزء الخطير والذي شوهد مؤخرا قيام بؤر استيطانية على أراضي قريبة من منطقة قريبة جدا من جدار الضم، والتي قد تكون بداية لضم أجزاء من الأراضي بشكل بسيط جدا كونها ستصبح امتدادًا للأراضي خلف خط الهدنة.”
عماد هواش، الباحث الميداني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان
المعطيات التي أحصاها طاقم المركز، فقد أقام المستوطنون منذ عام 2023 حتى نهاية إبريل 2025 نحو 104 بؤر استيطانية في الضفة الغربية، منها 12 بؤرة بينها 3 في الخليل، أقيمت منذ بداية العام 2025، وتنوعت أشكالها وأهدافها، ولكنها في النهاية تتمحور حول أشخاص من فئة الشبان من المستوطنين، يحظون بدعم مالي وإداري رسمي من حكومة الاحتلال ووزراء فيها.
وشمل العام الحالي إقامة 3 بؤر في محافظة الخليل كانت النحو الآتي:
شواهد على التمدد الاستيطاني
تتعدد الشواهد في أحياء الخليل على تمدد المشروع الاستيطاني، عبر تكامل ثلاثي بين حكومة الاحتلال وجيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين.
على سبيل المثال، وفق مشاهدات باحث المركز، بدأت أعمال المستوطنين في منطقة خلة طه – أم حذوة- خلة الشيخ، جنوب غربي مدينة دوا، جنوب غربي محافظة الخليل، بشكل لا يتوقف من خلال بناء المساكن المتنقلة وفتح الطرق ومنع المواطنين الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم الخاصة. كما بدأ المستوطنون الرعاة بالتوجه إلى المنطقة الغربية الواقعة في منطقة (سي) وهي أراضي فلسطينية خاصة تفلح بالقمح والشعير من مالكيها، حيث تتوجد أغنام المستوطنين في تلك الأراضي وتقترب من المنطقة القريبة من جدار الضم الواقعة بين قريتي (سكة وبيت عوا) غربي مدينة دورا. ويحاول المستوطنون من خلال ذلك السيطرة بالكامل على المنطقة الواصلة إلى منطقة الجدار، بحيث يكون هناك تواصل جغرافي بين البؤر التي أقيمت والمنطقة الواصلة إلى جدار الضم.
في إفادته لطاقم المركز، يروي المزارع داوود حريبات من قرية سكَّة غرب دورا جانب من فصول الحكاية:1
“أمتلك مئات الدونمات من الأراضي الزراعية الممتدة غرب القرية، وصولًا إلى منطقة “الجدار”، بين قريتي بيت عوا وسكَّة. منذ قرابة عامين، نواجه اعتداءات متكررة من المستوطنين، الذين يدخلون إلى أراضينا المزروعة برفقة قطعانهم من الأغنام والماشية، ما أدى إلى تدمير واسع لمحاصيلنا الزراعية. في العام الماضي خسرنا آلاف الشواكل نتيجة هذه الاقتحامات، وها نحن في هذا العام نواجه الوضع ذاته، بل وأسوأ. كل محاولاتنا لردع المستوطنين باءت بالفشل. نتواصل بشكل مستمر مع الشرطة والجيش الإسرائيلي، ولكن لا يتم اتخاذ أي إجراء حقيقي لوقف هؤلاء الرعاة، بل على العكس، نحن – كفلسطينيين – نُجبر في كل مرة على مغادرة أراضينا، بينما يُترك المعتدون أحرارًا دون مساءلة. في كل مرة نتوجه فيها إلى الشرطة لتقديم شكوى، يُطلب منا إحضار أوراق الملكية، وهو ما نفعله باستمرار، وقد قدمنا عشرات الشكاوى على مدار العامين الماضيين، دون أي نتيجة تُذكر. الأمر تطور مؤخرًا، حيث اقترب المستوطنون، بحماية الجيش، من منطقة الجدار، وتم فعليًا عزل قريتنا عن قرية بيت عوا. نشعر أن المنطقة بأكملها باتت مهددة بالوقوع تحت سيطرة المستوطنين بالكامل. لم يتبقَّ لهم سوى نصب الأسلاك حول القرى لمحاصرتنا بشكل نهائي. آلاف الدونمات من الأراضي “غير المعلنة” رسميًا، والتي نزرعها ونفلحها سنويًا منذ أجيال، أصبحت اليوم فعليًا تحت سيطرة المستوطنين بالقوة.”
الاستيطان الرعوي طريق التسلل إلى المنطقة 2B
عمل المستوطنون من خلال الاستيطان الرعوي على الوصول إلى المنطقة المصنفة “B” من أجل خلق نزاع مع الفلسطينيين في القرى والبلدات، حيث أصبح تواجد الفلسطينيين في المنطقة المذكورة مصدرًا للخطر، ومن يوجد هناك قد يواجه خطر الاعتقال أو الاحتجاز فالقوة القائمة بالاحتلال، هي من تعمل بأمر المستوطنين ومستعدة لتقديم الدعم اللوجستي والعسكري لحماية مليشيات المستوطنين والتدخل العسكري لأجل فرض أكبر قدر من الضغوطات على الفلسطينيين في المناطقة المحاذية لأراضي الدولة المعلنة ـأو الأراضي التي يوجد فيها المستوطنون في منطقة (C).
يروي المواطن عبد عيسى دعاجنة، واد الرخيم / يطا، لطاقم المركز، المعاناة نتيجة اعتداءات المستوطنين:3
“بينما كنت أرعى أغنامي في منطقة واد الرخيم، المصنفة ضمن المنطقة (B)، اقترب منا مستوطنان، أحدهما يُعرف باسم “شم دوف لوتسكي”، وهو يقيم في البؤر الاستيطانية المقامة في محيط قرية سوسيا المجاورة. كانا يرافقان قطيعًا من الأبقار والمواشي، وتوجها مباشرة نحونا. قام المستوطنان بمحاولة دمج قطعانهم بقطيع أغنامي، في محاولة واضحة للسيطرة عليه وربما سرقته. بدأت بالصراخ عليهما لمنعهما، وكان برفقتي نجلي، وتمكنا معًا من إبعاد قطعانهم. أرسل ابني نداء استغاثة عبر تطبيق واتساب إلى سكان المنطقة. وبعد نحو 20 دقيقة، بدأ عدد من المواطنين بالتجمع ورفعوا أصواتهم في وجه المستوطنين لمطالبتهم بالابتعاد. في تلك الأثناء، وصلت دورية لقوات الاحتلال وترجّل منها ثلاثة جنود مقنّعين، أحدهم نعرفه مسبقًا كمستوطن يُدعى “بتسائيل داليا”. بدأ الجنود بالصراخ علينا وهم يوجهون أسلحتهم نحونا من مسافة قريبة، وطلبوا مني ومن الموجودين الجلوس على الأرض. تعرضنا للإهانات اللفظية والشتائم من الجنود. حاولت التحدث معهم وشرحت أن الأرض التي كنا فيها ملكٌ لنا، وتقع ضمن منطقة مصنفة (B). إلا أن الجندي “داليا” صرخ قائلاً: “اخرس! هذه أرض إسرائيل، والجيش هو المسؤول هنا. يُمنع عليكم التواجد في هذه المنطقة. لا يُسمح لكم بمغادرة منازلكم.”
بؤرة استيطانية جديدة:
ووفق متابعات طاقم المركز ففي منتصف ابريل من العام 2025، شرع المستوطنون بأعمال حفريات وأحضروا كرفانين وخيمة كنواة لبؤرة استيطانية جديدة، على إحدى التلال في المنطقة الواقعة بين قرية البرج وبلدتي الرماضين والظاهرية. وقد أقيمت على أراضي الدولة المعلنة من سلطات الاحتلال، وهي الأراضي الفلسطينية التي جرى مصادرتها سابقا وهي متاخمة لأراضي المواطنين في المنطقة المصنفة (B). وتقدر مساحة الأراضي التي أعلن عنها سابقا “أراضي دولة” بنحو 7000 دونم، وهي منطقة واسعة جدا، وتحاصر بشكل منظم أراضي المواطنين الخاصة الواقعة قرب جدار الضم والتي تستخدم للزراعة. ومنذ إقامة البؤرة بدأت المضايقات من المستوطنين في محاولة ممنهجة لمنع الفلسطينيين من الوصول إلى اراضيهم المذكورة، وهي بذلك ستتيح امتداد للمستوطنين الرعاة حتى جدار الضم. ويكون ذلك خطوة تمهد لمصادرة الأراضي بحكم عدم قدرة مالكيها لزراعتها لسنوات واستغلال كل القوة العسكرية لفرض تلك الأراضي للتوسع الاستيطاني في البؤرة الجديدة والتي تمتد على بعد 2 كيلو متر، وصولاً لمستوطنة “اشكليوت” الواقعة إلى الشرق من البؤرة المذكورة.
في المنطقة الغربية والشمالية من البؤرة توجد المنطقة المصنفة (B)، حيث تشهد كما في باقي الضفة الغربية اعتداءات لقطعان الأغنام الخاصة بالمستوطنين، الذين أصبح تواجدهم في المناطقة القريبة من منازل الفلسطينيين فقط لأجل إثارة المشاكل وافتعالها من أجل وصول مستوطنين مسلحين كقوة ردع وحماية من قوات الاحتلال المتواجدة لحراسة تلك البؤر. ومن شأن ما يجري، أن يقلل في المستقبل من التوسع العمراني الفلسطينيين في تلك المناطق وعلى مساحات شاسعة بسبب التخوفات من الهجمات التي تشن من المستوطنين، وهي حالة من الفوضى والعنف يجري ترتبيه بشكل جيد بدعم من وزير المالية في حكومة الاحتلال بتسائيل موتريش، الذي وصف عام 2025 بأنه “عام السيادة على يهودا والسامرة” (المسمى الإسرائيلي للضفة الغربية).4
وأصبح النموذج المذكور هو سياسة فعلية لجميع البؤر المقامة في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ أكتوبر 2023، حيث تتخذ سياسة الاستيطان الرعوي، وهي الملاذ الوحيد للمستوطنين من أجل إشغال الفلسطينيين بتقديم الشكاوى وأخذ الوقت الكافي في إثبات الملكيات التي لا تعترف بها إسرائيل في دوائرها القضائية، في الوقت الذي يسابق به المستوطنون في البؤر لزيادة المباني وتوسعتها في خطة واضحة لفرضها كأمر واقع بعد مضي عدة سنوات على إقامتها، بحيث يبدو وكأن قوات الاحتلال لا تستطيع إجبار المستوطنين على الرحيل أو تفكيك تلك البؤر التي قد تتطور ضمن أي مرسوم حكومي لتصبح مستوطنة ثابتة، تسيطر على أكبر كم من الأراضي في مناطق (C) كما حصل مع 5 بؤر جرى شرعنتها في العام 2024، وفق متابعة طاقم المركز.
تجريف أراضي من المستوطنين جرى الاعلان عنها من سلطات الاحتلال أنها مصادرة ( منطقة خلة الشيخ)
جنوب الخليل- تصوير الباحث عماد ابو هواش
تمويل البؤر الاستيطانية:
لم يكن التمويل في بداية انتشار البؤر على مدار سنوات طويلة قيد النشر، حيث بقي طي الكتمان، حيث لا يوجد تعرفة في القانون الإسرائيلي حول ما يحدث من تقديم الدعم المالي لهذه البؤر؛ كي لا يتم تقديم إدانة لهذه الجهات الممولة. ويسهم التمويل في انتشار وتضخم البؤر ووجود قطعان كبيرة من المواشي والمركبات والمنشآت من مساكن متنقلة وبركسات ومعدات زراعية وشق الطرق وتعبيدها لمستوطنين صغار في السن. كل ذلك نتيجة وجود تمويل كبير جدا وأن هناك جهات إسرائيلية رسمية داعمة لهم، وتوفر الغطاء القانوني ايضاً.
ووفق متابعة أجراها باحث المركز لإنشاء البؤر في محافظة الخليل، فقد سعت سلطات الاحتلال إلى توفير كل الدعم من أجل استيلاء المستوطنين على أكبر كم من الأراضي. فخلال وقت قصير من وصول المستوطنين إلى أي قطعة أرض يجري السيطرة عليها وتتم عمليات الحفريات وإقامة الكرفانات وشق الطرق وتعبيدها وبناء البركسات لإحضار الأغنام. وخلال الحكومة الاسرائيلية الحالية لم يتوقف سموتريتش، عن دعم الاستيطان الرعوي والزراعي في الضفة الغربية. 5
يروي المواطن سالم هذالين ما حصل في أرضه في منطقة أم الخير جنوب محافظة الخليل وكيف جرى مصادرة الارض واستغلالها من المستوطنين: 6
“أسكن مع عائلتي المكوّنة من 13 فردًا، بينهم 3 نساء، و9 أطفال منهم 3 إناث دون سن 18 عامًا. كنت أعمل داخل الخط الأخضر في قطاع البناء قبل اندلاع الحرب على غزة، لكن توقفت عن العمل بسبب الأوضاع الحالية. منزلي مكوّن من جزئين، مبني من الطوب والصفيح؛ الجزء الأول مساحته 81 م²، والثاني بمساحة 60 م²، بالإضافة إلى حظيرة أغنام قريبة من المنزل، مبنية من الحجارة والأسلاك والشادر، وتقع خلف المنزل. أملك قطيعًا من الأغنام كان يتكوّن من 150 رأسًا، لكنني اضطررت لبيع 130 رأسًا منها بسبب قلة المراعي الطبيعية نتيجة سيطرة المستوطنين على المناطق المحيطة، ولم يتبقَ لدي سوى 20 رأسًا، وأملك قطعة أرض في أم الخير تبلغ مساحتها 6 دونمات، وقد بني منزلي على جزء منها. يوم الخميس الموافق 13/2/2025، وصلت إلى الأرض المتاخمة لمنزلي مجموعة من المستوطنين برفقة موظف من “الإدارة المدنية”، وادّعوا أن منزلي مقام على “أرض دولة”. بعد ذلك، وضع المستوطنون أسلاكا شائكة حول دونمين من الأرض المتاخمة للمنزل، وامتدت هذه الأسلاك إلى الجهة الجنوبية والشرقية من منزلي، حيث وضعوا أسلاك شائكة مزوّدة بشفرات. لاحقًا، زرع المستوطنون أشجار زيتون في الأرض، ونصبوا كاميرات مراقبة مثبتة على عمود حديدي وسط الأرض. كما جلبوا كرفانًا حديديًا ومقاعد خشبية ووضعوها في الموقع. لم يكتفِ المستوطنون بذلك، بل هدموا غرف تربية الدجاج في الأرض، وتخريب حظيرة أغنام كنت أستخدمها صيفًا لتربية الأغنام بسبب قلة المراعي، بعد أن سيطر المستوطنون الرعاة على المنطقة، ومنعونا من إخراج الأغنام في محيط القرية بذريعة أنها “أراضي دولة”. في المقابل، يجلب المستوطنون أغنامهم إلى محيط القرية، بل وإلى قرب منازلنا، بقيادة أحد المستوطنين المعروفين لدينا باسم “شمعون ” يقوم المستوطنون بمراقبة تحركاتنا في المنزل ومحيطه عبر الكاميرا المثبتة وسط الأرض، علمًا بأن الحمّام الذي نستخدمه كعائلة يقع خارج المنزل. اضطررت لإغلاق النوافذ المطلة على الأرض ووضع ستائر دائمة بسبب حركة المستوطنين المتواصلة حول المنزل في جميع الأوقات يحضر المستوطنون إلى الأرض بشكل يومي، وطوال فترة وجودهم أبقى في حالة خوف دائم على عائلتي خشية الاعتداء على المنزل. حتى في ساعات الليل، يأتون إلى الأرض ويشغّلون الموسيقى الصاخبة لساعات طويلة، ما يحرمنا من النوم والراحة. كل ما يفعله المستوطنون يهدف إلى إجبارنا على ترك منزلنا ليستولوا عليه.
هجمات الرعاة المستوطنين: طابع أمني وعسكري
منذ بدء العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023 وقبلها، لم يتوقف المستوطنون الرعاة عن تنفيذ الهجمات واقتحام أراضي المواطنين الفلسطينيين الخاصة في الضفة الغربية عموما، وعلى وجه الخصوص الخليل، وتكبيدهم خسائر اقتصادية فادحة، من أجل إجبارهم على الرحيل؛ بعد فقداهم المراعي الطبيعة والأراضي التي كانت تزرع سنويا من أجل توفير الطعام لمواشيهم وفقدان آبار المياه التي تشكل عصب الحياة والتي تقع ضمن تلك الأراضي التي يحاول المستوطنون بحماية قوات الاحتلال، خلق نزاع عليها مع السكان. ورصد المركز أكثر من 15 اعتداءً يوميا من المستوطنين على الأراضي في محافظة الخليل منذ بداية هذا عام 2025، وهو ارتفاع كبير ولافت في حجم الاعتداءات. وقد وثق طاقم المركز عشرات الافادات من المزارعين في محافظة الخليل عن المستوطنين الرعاة وهجماتهم على الأراضي.
يروي المواطن أنور عمرو كيف يسيطر المستوطنين على الأراضي في الخليل:7
“في يوم الثلاثاء الموافق 6/4/2025، حوالي الساعة 4:00 مساءً، كنت أرعى قطيع المواشي والأبقار، بينما كان نجلي ساهر عائدًا إلى المنزل عبر طريق ترابي يبعد نحو 200 متر عن المنزل. شاهدتُ 6 مستوطنين مقنّعين، يحملون الهراوات والأسلحة، ويستقلّون مركبة من نوع (تركترون)، وكانوا قادمين من البؤرة الاستيطانية المقامة على التلة المجاورة اعترض المستوطنون طريق نجلي، واعتلوا الجرار الزراعي الذي كان يقوده، وبدأوا بالصراخ عليه، محاولين سرقة مفتاح الجرار. استمر تواجد المستوطنين الذين واصلوا الصراخ على نجلي وهدّدوه بالاعتداء. لاحقًا، وصل عدد من سكان المنطقة إلى التلة القريبة من منزلي، وبدأوا بالصراخ على المستوطنين، ما دفعهم للمغادرة باتجاه الوادي بعد نحو نصف ساعة عاد نجلي إلى المنزل، فيما توجّه المستوطنون إلى قطعة أرض أملكها على التلة المقابلة لمنزلي، حيث شاهدتهم يقومون باقتلاع أشتال الزيتون التي زرعناها قبل عام واحد، بتبرع من وزارة الزراعة الفلسطينية، وعددها 30 شتلة بعد ذلك، توجّه المستوطنون إلى منطقة “شعب العمارة”، وهي الأرض التي أُقيمت عليها البؤرة الاستيطانية، وتبعد عن منزلي نحو 500 متر. ومنذ بداية هذا العام، يدخل المستوطنون بأغنامهم إلى محاصيل القمح والشعير التي نزرعها، ويرعونها دون إذن، وهي الأرض التي نعتمد عليها سنويًا لتوفير الأعلاف لمواشينا خلال فصل الشتاء. بسبب هذا التعدّي، سنضطر هذا العام إلى شراء الأعلاف على نفقتنا الخاصة حتى الأرض التي كنت أزرع فيها محصول الفول سنويًا، جرى إتلافها بواسطة أغنام المستوطنين. وأيّ شخص منّا يتواجد في المنطقة يتعرض للاعتراض من قبل المستوطنين، ويتم استدعاء الجيش ضده وفي اليوم نفسه، وصل أحد المستوطنين بأغنامه إلى منزل المواطن قدر عمرو، الذي يبعد عن منزلي قرابة 250 مترًا. بقي المستوطنون هناك لمدة خمس ساعات، برفقة دوريات من الجيش الإسرائيلي، التي لم تحرّك ساكنًا لردعهم أو إبعادهم عن منزل المواطن. حتى الشرطة الإسرائيلية، التي تم الاتصال بها عدّة مرات، لم تحضر إلى المكان في التلة التي أُقيمت فيها البؤرة الاستيطانية، يتواجد المستوطن المدعو “أور”، برفقة عدد آخر من المستوطنين، حيث أقاموا كرفانًا حديديًا ومنزلًا متنقلًا لهم هناك. كما يملكون قطيعًا من المواشي، يتم وضعه في إحدى المغر الكبيرة التي تعود ملكيتها لعائلة عمرو في القرية وقد سيطر المستوطنون أيضًا على عدّة آبار مياه تقع في الوادي، إضافة إلى بئر آخر يقع في أعلى التلة، تم إنشاؤه قبل عدّة سنوات بتمويل من مؤسسات نفّذت مشروع استصلاح زراعي في التلة نفسها، التي أُقيمت عليها البؤرة لاحقًا”
المستوطنون الرعاة وسط منازل المواطنين في تجمع أم الخير – تصوير الباحث عماد أبو هواش
الاستيلاء على الأراضي بقرار رسمي:
لا تتوقف سلطات الاحتلال عن الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية ضمن مخططات سواء كانت حكومية رسمية، أو من خلال سيطرة المستوطنين.
وشهد بداية العام 2025 إصدار سلطات الاحتلال قرارات بإخلاء نحو 75 دونما مستصلحة ومزروعة بالأشجار في منطقة الجمجمة في مدينة حلحول وبلدة بيت أولا، و70 دونما في محيط خربة ام الخير في مدينة يطا في محافظة الخليل، والتي اعتبرتها سلطات الاحتلال أنها أراضي دولة معلنة منذ العام 1982. ووجهت سلطات الاحتلال عبر مفتش الادارة والتنظيم إخطار وجود إخلاء أراضي تحمل مدة 45 يوما من أجل تقديم الاعتراض عليها من الفلسطينيين المالكين الذي تكبدوا مئات آلاف الشواقل من أجل استصلاحها وزراعتها وحفر آبار المياه بداخلها. هذه الخطوة تجبر الفلسطينيين على الخضوع لقوانين الاحتلال من خلال البدء بإجراءات تثبيت الأراضي عبر إصدار أوراق ثبوتية من الجهات المختصة الإسرائيلية والتوجه للقضاء الإسرائيلي، حيث يتم في النهاية تجريف تلك الأراضي بدعوى الاعتداء عليها.
وتستند سلطات الاحتلال في إصدارها هكذا إخطارات إلى أوامر عسكرية أصدرتها في الأرض المحتلة، وإلى قوانين متوارثة، بموجبها تمت مصادرة مئات آلاف الدونمات من أراضي المزارعين؛ لاستخدامها كمخزون احتياطي استيطاني لخدمة مشروعها الاستيطاني في الضفة الغربية، حيث تقام عليها المستوطنات والبؤر الاستيطانية الرعوية والطرق الالتفافية، وتمرير مساحات منها للمزارعين المستوطنين الذين يقومون برعي مواشيهم فيها، أو عبر تأجيرها لهم لإقامة مزارع (أشجار مثمرة) وفي مناطق عديدة من الضفة الغربية.
خلاصة ومطالب:
تؤكد المعطيات والوقائع الميدانية الواردة في هذا التقرير أن سياسات الاستيطان في محافظة الخليل لا تُعد ممارسات عشوائية أو فردية، بل هي نتاج تنسيق منهجي ومتعمد بين أذرع الاحتلال المختلفة: الحكومة، والجيش، والمستوطنين. ويعكس تقاسم الأدوار، سياسة رسمية تهدف إلى ترسيخ السيطرة الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية، وتفريغ المناطق الفلسطينية، لا سيما الخليل، من سكانها الفلسطينيين عبر أدوات عنف منظّمة ومحمية قانونيًا وعسكريًا.
ويشكل هذا النهج خرقًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، خاصة اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر على قوة الاحتلال نقل سكانها المدنيين إلى الأراضي المحتلة، كما يشكل انتهاكًا جسيماً لحقوق الإنسان الأساسية للفلسطينيين، وعلى رأسها الحق في السكن، وحرية الحركة، والأمن الشخصي.
يذكر أن محكمة العدل الدولية أصدرت في يوليو 2024 قرارًا يؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، هو احتلال غير قانوني، ويُلزم إسرائيل بإنهاء وجودها غير القانوني بأسرع وقت ممكن، والوقف الفوري لهجماتها الاستيطانية، وإخلاء جميع المستوطنين من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وعليه، فإن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يدين بأشد العبارات هذا التواطؤ البنيوي في تعزيز المشروع الاستيطاني، ويطالب المجتمع الدولي، وعلى وجه الخصوص الأمم المتحدة والدول الأطراف في اتفاقيات جنيف، بتحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية، واتخاذ خطوات عاجلة وملموسة لوقف هذا المشروع الاستعماري، ومساءلة دولة الاحتلال عن انتهاكاتها المتواصلة، والعمل على توفير الحماية الدولية العاجلة للسكان المدنيين الفلسطينيين في محافظة الخليل وسائر أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة.