أولى المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان – منذ نشأته في العام 1995، ولازال- اهتماماً خاصاً بجملة الحقوق المدنية والسياسية. وأبدى المركز حرصاً منذ البداية على تنمية هذه الحقوق بالوعي المجتمعي الفلسطيني والدفاع عنها بما أتيح له من فرص ممكنة. ولا يخفي المركز انحيازه التام وغير المحدود إلى الخيار الديمقراطي بما في ذلك تهيئة الأجواء لخلق مجتمع مدني سليم ونظام سياسي يرتكز إلى أسس الديمقراطية والتعددية واحترام معايير حقوق الإنسان.
ومن بين أهم الحقوق التي حرص المركز على تنميتها كان الحق في تكوين الجمعيات، لما له من انعكاس واضح لوجه المجتمع المراد تكوينه. ودأب لمركز منذ البداية على متابعة مدى تطبيق الحق في تكوين الجمعيات فكراً وعملاً، على كافة المستويات في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية. ولذا، قام المركز بتكوين ملف خاص يوثق الانتهاكات التي تعرض لها الحق في تكوين الجمعيات من قبل المؤسسة الرسمية وغيرها. وبهذا الصدد، أصدر المركز عشرات البيانات التي توثق تلك الانتهاكات وتطالب بوقفها. كما قام المركز في أكثر من مناسبة برفع دعاوى قضائية على السلطة الوطنية الفلسطينية لدى المحاكم الفلسطينية بشأن إغلاقها مؤسسات أهلية، أو المس بها على غير ذي وجه حق.
يأتي هذا التقرير في ظل تزايد الانتهاكات بحق الجمعيات في الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل لم يسبق له مثيل في ظل الإنقسام الفلسطيني الداخلي، ما بعد منتصف يونيو 2007 حتى الآن، بأيدي فلسطينية.[1] ويعتبر هذا التقرير هو الأول من نوعه الذي يصدره المركز حول الحق في تكوين الجمعيات. وينقسم التقرير إلى أربعة أجزاء بالإضافة الى المقدمة، يتناول الجزء الأول منه إلى الحق في تكوين الجمعيات وفقاً للمعايير الدولية ذات العلاقة. ويتطرق الجزء الثاني من التقرير إلى القوانين والتشريعات التي حكمت العمل الأهلي في فلسطين تاريخياً، والتشريعات المحلية التي تنظم عمل الجمعيات في ظل السلطة الوطنية. ويتناول الجزء الثالث من التقرير، انتهاكات الحق في تكوين الجمعيات في ظل السلطة الوطنية- محاولات الهيمنة والاحتواء، حيث يقسم هذا الجزء إلى ثلاثة مراحل أساسية، الأولى منها خلال الفترة بين عامي 1994 و2000، والثانية بين عامي 2000-2007، فيما يسلط الجزء الثالث من التقرير على مرحلة الإنقسام، والتي امتدت بين منتصف يونيو 2007- حتى نهاية أكتوبر 2009. وفي الجزء الرابع والأخير، يخلص التقرير إلى جملة من النتائج و التوصيات للحكومتين في غزة ورام الله.
إن حق تكوين الجمعيات والإنتماء إليها هو حق أساسي يتعين أن يكفله القانون ويتمتع به الأفراد من أجل تأسيس نظام حكم ديمقراطي. وهذا الحق يعني قدرة مجموعة من الأفراد على تكوين جمعيات بأشكالها المختلفة، والقدرة على الانضمام إليها، من أجل تحقيق وحماية مصالح عامة أو خاصة.
وقد أولت المواثيق الدولية لحقوق الإنسان اهتماماً كبيراً بالحق في تكوين الجمعيات والنقابات والاتحادات بصفته جزءاً أساسي من حقوق الإنسان. فقد نصت المادة (20) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[2] على:
1: لكل شخص الحق في حرية الإشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية.”
2: لا يجوز إرغام أحد على الانضمام إلي جمعية ما.
ومن بين ما تنص عليه المادة (23) من الإعلان نفسه أن :”… 4) لكل شخص حق إنشاء النقابات مع آخرين والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه.”
[1] يقتصر التقرير على الانتهاكات الفلسطينية بحق الجمعيات والمؤسسات الأهلية المحلية خلال فترة الانقسام، ولا يتطرق للانتهاكات التي تعرضت لها المؤسسات الدولية بأيدي فلسطينية خلال نفس الفترة.
[2] اعتمد وصدر من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 كانون أول/ ديسمبر 1948.